أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - لكيلا يدمِّر الحكم الجديد مستقبل مصر















المزيد.....

لكيلا يدمِّر الحكم الجديد مستقبل مصر


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 09:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



1: أعتقد أن محتوى أو هدف قيام الجيش بتولية الحكم الجديد كان يتألف من شقيْن: أولا، التخلص من الحكم الإخوانى السلفى، ثانيا، انتقال التصفية التدريجية للثورة المصرية إلى مرحلة جديدة من مراحلها: مرحلة احتواء قيادات قوى الثورة الشعبية.
2: وكان الشق الأول قد صار ضرورة ملحَّة فى نظر الجيش. والجيش هو الممثل السياسى والعسكرى للطبقة الرأسمالية التابعة. وكان استمرار الأخونة يقود فى اتجاه فى غاية الخطورة على الطبقة الرأسمالية ومؤسساتها الإدارية والقضائية والأمنية والعسكرية والإعلامية. ذلك أن الإخوان كانوا سيحلُّون من خلال الأخونة السريعة محلّ القطاعات الحاسمة للرأسمالية بأفرادها ومجموعاتها ومؤسسات دولتها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية فيسحقونها جميعا تحت أقدامهم الثقيلة.
3: وكان الجيش قد دخل فى تحالف اضطرارى مع الإخوان وملحقاتهم السلفية فور نجاح الثورة فى إسقاط حكم مبارك بعد أن استدعاهم هذا الأخير إلى النزول والتفاوض معه (من خلال عمر سليمان) وصارت النتائج التى توصل إليها عمر سليمان معهم الأسس السياسية لتحالف الجيش معهم. وكان الجيش على صواب من وجهة نظر الطبقة الرأسمالية التابعة فى الأمريْن الأساسييْن الذين بدأ بهما حكمه العسكرى المباشر: أ: الانقلاب على مبارك وتنحيته لتفادى استمرار الحرب الأهلية التى كان قد بدأها مبارك ضد الثورة، و ب: التحالف الاضطرارى مع الإخوان المسلمين لتفادى انضمامهم إلى قوى الثورة فى حرب أهلية محتملة ضد الحكم العسكرى المعادى للثورة.
4: وكان الانقلاب على مبارك بهدف وقف وتفادِى استمرار الحرب الأهلية التى بدأها مبارك ضد الشعب والتى انكسرت فيها وزارة الداخلية. فقد أدركت قيادة الجيش أن الحرب الأهلية ستؤدى حتما، كما فى كل مكان آخر فى العالم، إلى هزيمة الجيش وتمزيقه وتدمير الطبقة الرأسمالية التابعة الحاكمة. وكان من الطبيعى أن يتناقض منطق مبارك مع منطق الجيش. فالحاكم هو الشخص رقم واحد فى نظام "حكم الشخص" الذى كان قائما فى مصر، مثل أماكن أخرى فى العالم الثالث. ومن المنطقى فى هذه الحالة أن يحارب الطاغية وظهره إلى الحائط متوهما قدرته على سحق الثورة. ذلك أنه لا مهرب أمامه سوى منطق الجنون، إنْ جاز القول، فالعدو من أمامه والعالم الذى سيطارده ويلاحقه من ورائه. وليس هذا حال الجيش الذى يتدخل هنا لإنقاذ النظام. وكأثر جانبى، وليس كهدف مقصود، ينقذ البلاد من ويلات حرب أهلية مدمرة.
5: وهنا تبرز إستراتيچية إنقاذ الطبقة ودولتها من الثورة فى صورة التصفية التدريجية للثورة بكل مقتضيات هذه التصفية ومنها إستراتيچية كبرى تتألف من عمليات متكررة من الانتخابات الپرلمانية والرئاسية والاستفتاءات والدساتير بهدف جذب قوى الثورة بعيدا عن الفعل الثورى الإضرابى الذى كان من المفترض أن يركِّز على تحقيق الأهداف المباشرة للثورة الشعبية فلا يقتصر على إسقاط حاكم بعد حاكم؛ دون أن يحقق شيئا باقيا للشعب، فى مجال مستويات المعيشة والحريات والحقوق التى تتشكل منها معا الديمقراطية الشعبية من أسفل.
6: هذا عن الأمر الأول أىْ انقلاب الجيش على مبارك. ومن وجهة نظر مصالح الطبقة الرأسمالية التى يمثلها الجيش، فإنه كان مصيبا أيضا فى الأمر الثانى وهو التحالف مع الإخوان المسلمين وحلفائهم. فذلك التحالف هو الذى كان يضمن للجيش تفادى حرب أهلية يتحالف فيها الإخوان اضطراريا أيضا مع قوى الثورة للانقضاض على سلطة الدولة. وكان هذا تاكتيكا بالغ الذكاء من جانب الجيش: سياسة فرِّقْ تَسُدْ. وكان ذلك التحالف الاضطرارى مع الإخوان محاولة كبرى لاحتواء الإخوان والسلفيِّين. ولم يكن هناك ما يمنع، لو لم يخرج الإخوان عن الخط، أن يتحول ذلك التحالف الاضطرارى المؤقت إلى تحالف إستراتيچى بين "الدولة" والإخوان، من خلال عملية دمج طويلة الأجل بين الأيديولوچيتيْن القومية الپراجماتية والإسلامية الإخوانية. غير أن ما حدث هو أن الإخوان خرجوا على أسس وخطوط وتفاهمات التحالف من خلال أخونة سريعة متسارعة أفزعت الطبقة والجيش من ناحية، وقوى الثورة الشعبية من ناحية أخرى.
7: وبالتحالف مع الإخوان والسلفيِّين، لم يكن الحكم حكما عسكريا مباشرا خالصا. بل كان الدور الإخوانى السلفى، كغطاء سياسى لذلك الحكم، كبيرا حيث استأثر بالمجال الذى لا تملك فيه الطبقة الحاكمة ولا الجيش بالتالى شيئا بعد حلّ الحزب الوطنى، وهو مجال المؤسسات "المنتخبة" للدولة. ومع أن الدور الفعلى للإخوان فى إدارة الدولة فى تلك المرحلة لم يكن فعالا تقريبا فإن سيطرتهم على السلطة التشريعية بمجلسيْها كانت، رغم الإبطال القضائى لقانون انتخابهما وحلّ مجلس الشعب وهو أهم المجلسيْن دستوريا، موطأ قدم فى منتهى الأهمية لتطوير الهجوم الإخوانى فى مجال الإعداد للدستور وفى مجال السيطرة على رئاسة الجمهورية. وبدأ التنافس واحتدم الصراع بين الحليفيْن، قبل وبعد تنصيب محمد مرسى رئيسا للجمهورية.
8: وبعد فتح الباب واسعا أمام السيطرة الپرلمانية للإخوان، بما ترتَّبَ عليها من تأثير سياسى وأيديولوچى متنامٍ فى الدولة والمجتمع، رغم حلّ مجلس الشعب، وتعثُّر تشكيل تأسيسية الدستور، نجحت قوى الثورة نجاحا مؤسفا حقا فى فرض انتخابات رئاسية "مبكرة" على المجلس العسكرى وإسقاط حكمه لحساب سيطرة مكتب الإرشاد على رئاسة الجمهورية وبهذا اكتملت للإخوان كل الحلقات المترابطة لسلطة الدولة. غير أن "الخرق اتسع على الراقع". ذلك أن الحكم الإخوانى بحكم صراعه الأصلى مع قوى الثورة التى "عصرت الليمون"، وبحكم صراعه الأصلى مع الجيش، وبحكم الأخونة الحثيثة التى وسعت نطاق الصراع الإخوانى مع الدولة والمجتمع، اصطدم مع الجميع واصطدم معه الجميع. وكان إسقاط الحكم العسكرى المباشر لصالح الحكم الإخوانى تطورا سلبيا لأن قوى الثورة هى التى أحدثته. فإسقاط حكم العسكر هو الموقف الثورى السليم ولكنْ ليس عند إحلال الحكم الإخوانى محله.
9: وكما ارتبط انقلاب الجيش على حكم مبارك بمليونيات الجماهير الشعبية المطالبة برحيله، ارتبط تدخل الجيش من جديد ضد حكم مرسى والإخوان المسلمين بمليونيات جديدة للجماهير الشعبية. ونتحدث عن التدخل ضد حكم مبارك باعتباره انقلابا لأنه كان ضد الرئيس "الشرعى المنتخب" دون صراع أصلى كبير سابق بينه وبين الجيش، فيما نتحدث عن التدخل ضد مرسى الرئيس "الشرعى المنتخب"، بدوره، بوصفه انتصارا للقطاع القومى من الطبقة الرأسمالية التابعة على القطاع الإسلاموى منها، وليس انقلابا عسكريا.
10: وقام الجيش بقيادة السيسى بتولية الحكم الجديد. فبعد نجاح لا شك فيه لتحالف الجيش مع الإخوان وحلفائهم فى مرحلة أولى من محاولة احتواء أو تحييد الإسلام السياسى بهدف التصفية التدريجية لقوى الثورة، وبعد الفشل بحكم السلوك السياسى اللاحق للإخوان، المتمثل فى الأخونة الحثيثة، فى تحويل التحالف الاضطرارى إلى تحالف إستراتيچى من خلال الاحتواء والدمج بين قطاعىْ الرأسمالية، صار الباب مفتوحا على مصراعيه أمام انتقال التصفية التدريجية للثورة المصرية إلى مرحلة جديدة من مراحلها: مرحلة احتواء قيادات قوى الثورة الشعبية.
11: ومن المنطقى بطبيعة الحال أن تتمثل الأداة الفعالة لكل تصفية تدريجية لثورة تريد تفادى حرب أهلية فى عمليات متنوعة معقدة منها احتواء قُوًى، وتحييد قُوًى، وشق صفوف قوى الثورة أو تحالفاتها الطارئة، والاستئناس والترويض، إلى جانب مستويات من القمع قد تصل، كما شهدنا، إلى الاعتقال والتعذيب والقتل وحتى المذابح. والمقصود بها جميعا وبغيرها من وسائل هو احتواء الثورة من خلال احتواء قواها الحية.
12: ويأتى الحكم الجديد فى سياق نزوع الطبقة الحاكمة إلى حكم يختلف عن حكم الشخص فى عهد مبارك، والحكم العسكرى المباشر فى "عهد" طنطاوى، والحكم الدينى الذى بدأ فى عهد مرسى. فالمطلوب حكم ليبرالى عالم-ثالثى، يقوم على تعددية ثقافية وسياسية وحزبية وفكرية ضمن حدود بعينها. ولا سبيل إلى تحقيق مثل هذا النزوع إلا باحتواء قٌوًى وقيادات ليبرالية وقومية ويسارية وثورية. ومن الجلى أن هذا الاتجاه يفرض نفسه كعنصر له وزنه من عناصر الحكم الجديد الذى يتشكل الآن، وإنْ بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسى على رأس قيادة الجيش.
13: ولم يكن من الممكن أن تكون الإطاحة بحكم الإخوان بدون رد فعل قوىّ من جانبهم. وبالفعل، كان رد الفعل بالغ العنف وواسع النطاق، بل كان وما يزال بداية حرب أهلية جرى الإعداد لها منذ وقت طويل فى سيناء وكل مناطق مصر، إدراكا من الإخوان بأن الصدام مع الثورة الشعبية من ناحية، ومع الجيش من ناحية أخرى، قد لا يمكن تفاديه. والحقيقة أن ما يورط الإخوان فى مواجهة جماهيرية ومسلحة واسعة النطاق هو نفس ما ورطهم فى الأخونة البالغة السرعة التى لم تكن وبالا على الدولة والمجتمع فقط بل كانت وبالا عليهم قبل الجميع فكانوا هم وحكمهم من ضحاياها.
14: ويمكن القول إن الأخونة السريعة هى التى حفرت قبر حكم الإخوان وقبر "المشروع الإسلامى" فى آنٍ معا. فلماذا يلجأ الإخوان إلى مثل هذه الأخونة السريعة الخطرة عليهم قبل الجميع؟ والحقيقة أن الإخوان، بعد أكثر من ثمانين سنة من الصراع على السلطة والفشل والسجون والمعتقلات والمواجهات الكبيرة والمحن الكبيرة، ظلوا فى حالة قصوى من الجوع للسلطة والاقتصاد، ثم وصلوا إليهما دون اطمئنان كافٍ لاستقرار حكمهم بحكم طريقة وصولهم إليها: عن طريق خيانة حاميهم المتمثل فى الجيش. وعندما سنحت فرصة القفز على السلطة والسيطرة على الإدارة والاقتصاد وعلى كل شيء فى البلاد، بفضل تحالف الجيش معهم ثم نتيجة صراعهم معه ومع الجميع، اندفع الإخوان فى طريق السيطرة بسرعة خاطفة على كل شيء.
15: ومع أن عمليات مماثلة للأخونة تتمّ على يد كل جماعة أيديولوچية تصعد إلى السلطة (العسكرة على أيدى الضباط الأحرار، البلشڤ-;-ة على أيدى البلاشڤ-;-ة، التشييع على أيدى الجمهورية الإسلامية فى إيران، إضفاء الطابع الفاشى فى ألمانيا وفى بلدان عديدة، إلخ.) إلا أن الأخونة كانت فاشلة، لأنها لم تحدث بالاستناد إلى منجزات مثل الإطاحة بالنظام الملكى فى مصر والشاهنشاهى فى إيران، ولأنها تحققت على أيدى جماعة تفتقر إلى خبرة الإدارة والسياسة وإلى تنظيم أو إعادة تنظيم دولة، فكان إحلالها الإخوانى محكوما بالفشل. وكانت سرعة الأخونة من عوامل فشل الحكم الإخوانى لأنها هددت وبسرعة بالغة مصالح الطبقة الحاكمة ومؤسساتها ومصالح الطبقات الشعبية بطريقة تفتقر إلى أدنى إدراك لحقائق الوضع على الأرض فأفزعت الجميع. أما السرعة فكانت لتوطيد الحكم الإخوانى بأقصى سرعة قبل الصدام الذى كان قد صار أكثر من محتمل بل أكثر من مرجَّح.
16: ومثل هذا السلوك السياسى يغذِّيه منطق جنونى. فبدلا من "السياسة" مع مختلف القوى الطبقية والسياسية ومؤسسات الدولة كان الصراع القائم والصدام المرجَّح قد صارا يدفعان الإخوان ليس إلى التصحيح بل إلى الاندفاع أكثر فى نفس الاتجاه الخطر. وتأكد لديهم إحساس قوىّ بالتهديد من شأنه أن يوقظ عقدة الاضطهاد بحكم المظلومية التاريخية لديهم، وبالمنبوذية التى تمنع الناس من قبولهم بحيث يهربون إلى الأمام. وهنا يكونون تماما مثل مبارك و القذافى و بشار، مصابين بأقصى الجنون، وبالإحساس بأن العدو الكافر أمامهم وبأن ظهرهم إلى الحائط. ولهذا صار أمامهم طريق وحيد بلا بديل: الإعداد لحرب أهلية وخوضها عند الضرورة؛ أىْ عندما لا ينجح التهديد فى ردع الجيش، كما فعل مع طنطاوى، وعندما لا ينجح التضليل مع الشعب، كما فعل أيام "عصر الليمون".
17: ورغم أن موقف كلٍّ من الشعب والجيش كان حاسما فى مجرى موجة 30 يونيو الثورية، وتمثل فى الإطاحة بحكم المرشد، ورغم تورُّط الإخوان فى الشروع فى بدايات حربهم الأهلية كأداة وحيدة للعودة إلى الحكم وضمان الوجود السياسى والأيديولوچى والاقتصادى فى المستقبل، وتورطهم بالتالى فى أعمال حربية سقط فيها المئات من "الجانبيْن" الإسلامى و"الكافر"، ورغم "التفويض" بناءً على طلب المفوَّض، ورغم قرارات فض اعتصامىْ رابعة العدوية ونهضة مصر، ورغم التمسك العلنى من الطرفيْن بمواقف متشددة، ورغم الحرب الإعلامية المسعورة من الجانبيْن، تدور لقاءات ومحادثات ووساطات ومفاوضات، مع مصريِّين وعرب وأجانب وبالأخص غربيِّين، موضوعها وقف الحرب الأهلية الدائرة بالجماعات الإرهابية فى سيناء، وبالاعتصامات والمسيرات المسلحة فى العاصمة والمحافظات، وبالهجمات المسلحة على الأقباط، لقاء مقابل كبير.
18: وتكثر شائعات وربما تسريبات لا حصر لها عن تراجُعٍ عن كل شيء تقريبا من جانب الحكم الجديد بالقيادة غير الرسمية للفريق أول السيسى أمام الإخوان مقابل وقف الحرب الأهلية. ويشيع بين الناس خوف مبرَّر من أن يتراجع الجيش بعد أن طلب من الشعب النزول والتفويض لمواجهة إرهاب الإخوان المسلمين وحلفائهم، كما تراجع طنطاوى عند إنجاح مرسى فى الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة أمام التهديد الإخوانى بما يعنى الحرب الأهلية أيضا.
19: وليس من المستبعد أن يكون هذا الصبر بلا حدود من جانب الجيش لأهداف متنوعة: إظهار مدى الصبر أمام العالم قبل الإقدام على أىّ إجراء عسكرى، الخضوع لضغوط خارجية لتفادى عقوبات ليست خارج الأچندة، التردُّد أمام تداعيات سفك الدماء واللجوء بالتالى إلى أسلوب الحصار الطويل إلى أن ينفض الاعتصامان بحكم "عوامل التعرية" البشرية أو إلى أن تقلّ أعداد المعتصمين بحيث تكون المواجهة أسهل وأقل دموية.
20: وأشير هنا بإيجاز شديد إلى أنه لا مبرِّر للمبالغة المفرطة فى تقدير السيطرة الأمريكية على المواقف النهائية للقوى السياسية المحلية، وكأنها سيطرة أوامرية مطلقة. ومهما كانت أدوات السياسة الأمريكية وأوراقها فى الضغط الفعال على مصر فإننا لسنا إزاء تحكُّم بخيوط الماريونيت على القوى المحلية. ولو كانت الولايات المتحدة تسيطر على الجيش المصرى، بحكم المساعدات والعلاقات العسكرية المهمة معه، وترغب فى بقاء الحكم الإخوانى السلفى لكان تدخُّل الجيش غير وارد أصلا. وإذا كانت أمريكا تعمل على الحصول من حكم الإخوان المسلمين على ما كانت تعجز عن الحصول عليه من حكم مبارك لصالح إسرائيل فى سيناء بالذات، فإن هذا لا يعنى تفضيلا شاملا من جانبها لحكم الإسلاميِّين فى مصر. والحقيقة أن تصورات حماية إسرائيل من حماس مضحكة، كما أن تفسير نظرية الفوضى الخلاقة بأنها تعنى فى مصر رغبة أمريكا فى أن يعمها الفوضى والتفكك وعدم الاستقرار لصالح إسرائيل يرتبط بقراءة متسرعة أو بتصورات صبيانية عن هذه النظرية وتطبيقاتها المحتملة.
21: ويبقى، كما يخشى كثيرون، أن تُوَرِّط مقتضيات التظاهر المنافق بالديمقراطية والخوف من الغضب الخارجى والعقوبات الغربية الحكم الجديد فى تراجعٍ عن كلِّ أو بعضِ بنود خارطة الطريق المطروحة. وبالطبع فإن هذا التطور بالغ الخطورة وبالتالى بعيد الاحتمال إلا إذا أصيب الحكم الجديد بقيادة السيسى بجنون حقيقى. فالتراجع تماما مثل، بل أكثر من، عدم التراجع سيؤدى لا محالة إلى فترة عصيبة من المواجهات المسلحة والأعمال الإرهابية الانتقامية الواسعة النطاق من جانب الإخوان المسلمين وحلفائهم قبل توطيد الاستبداد الإرهابى الإخوانى وبداية عهد أسود من الحكم الدينى. وحسب حجم التراجع عن بنود خارطة الطريق سيكون الطابع التدريجى أو الفورى لعودة الحكم الإخوانى السلفى. ومع الأخونة الجديدة الأكثر سرعة، بعيدا عن كل درس مستفاد، ستفقد القطاعات الحاسمة غير الإسلاموية من الطبقة الحاكمة ومؤسساتها ومنها الجيش كل سلطة وكل اقتصاد، ويعيش الشعب تحت الإرهاب العارى الشرس للحكم الدينى المتعطش للانتقام.
22: وبالطبع فإن قوى الثورة لن تقف مكتوفة الأيدى. فسوف يتسع نطاق الاحتجاجات والمليونيات ضد عودة محتملة تدريجية أو فورية للإخوان، وبالطبع فإن رد فعل الإخوان لن يكون معتدلا وبالأخص بعد هذه التجربة المريرة وهذا درب آخر من دروب الحرب الأهلية التى لن تجد بحال من الأحوال مَنْ يفكر فى تفاديها لصالح تصفية تدريجية جديدة للثورة الشعبية. ذلك أن هذه الإستراتيچية لن تكون قابلة للتكرار إلا فى حالة قدرة الحكم الجديد بقيادة السيسى على التخلص من حكم الإخوان وحلفائهم وعزل قياداتهم سياسيا وحلّ جماعاتهم وحركاتهم وأحزابهم ليبدأ الحكم الجديد مشروعَ انتقال تصفيته التدريجية للثورة المصرية إلى مرحلة الاحتواء المعادى للثورة لقيادات قوى الثورة الشعبية، وهو مشروعٌ بدأ بالفعل منذ موجة 30 يونيو الثورية.
23: والحقيقة أن الثورة الشعبية لا تستطيع أن تضمن تفادى الحرب الأهلية، وتفادى الحكم الدينى، والنضال فى سياق غير حربى فى سبيل تحقيق الأهداف المباشرة للثورة، إذا وقفت موقف المتفرج إزاء تطورات خطيرة محتملة فى غرف مغلقة. وعلى قوى الثورة الشعبية الآن أن تنزل، دون دعوة من أحد، إلا قيادات الثورة، ليس لمواجهة مسلحة شعبية مع الاعتصامات الإرهابية الإخوانية السلفية، فى سياق ما يسميه بعضهم بالحل الشعبى بدلا من الحل الأمنى على يد الجيش والشرطة، فهذا مرفوض تماما، لأنه يعنى الحرب الأهلية المرغوبة وليس المفروضة، بل لإجبار الجيش والشرطة على القيام بواجبهما الطبيعى فى سرعة القضاء على البؤر الإرهابية المسلحة. ومهما كان الهدف الحقيقى من وراء هذا التهادن الطويل مع اعتصامىْ رابعة العدوية ونهضة مصر، ومهما كانت أسبابه غير المعلنة، ومهما كانت ترتيبات أو صفقات أو تسويات أو "تسويفات" الغُرَف المغلقة، فإن استمرار الوضع الحالى طويلا سيؤدى لا محالة إلى نفس النتائج الكارثية من درب مختلف يصبّ فى النهاية فى طريق حرب أهلية لا تُبقى ولا تذر، ولا يكسبها فى الحقيقة أحد.
7 أغسطس 2013



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة تائهة وثوار تائهون!
- ثيوقراطية أم إستراتوقراطية أم ديمقراطية أم بزرميطية؟
- الهوية/ الهويات وكتابة التاريخ
- أسطورة الدستور أولا
- الصحف الپاريسية
- مصير الثورة يرتبط بمسارها الفعلى
- لا شيء على الإطلاق
- عرض موجز لكتاب: النظام القديم والثورة الفرنسية
- حديث عن الأوضاع قبل إسقاط مرسى
- ما بعد مرسى بين إسقاط الحكم الإخوانى السلفى وإسقاط النظام
- لا تتركوا الميادين!
- الجريمة النظرية ضد تقسيم البشر إلى فئتيْن
- خطاب مرسى إعلان للحرب الأهلية
- الشارع (1) قصة: روبرت فالزر
- أسطورة الأمن القومى المصرى
- حديث مع الأستاذة راندا إسماعيل عن ترجماتى
- عصبىّ قصة: روبرت فالزر
- سادة وعمال قصة: روبرت فالزر
- هكذا! ظَبَطْتُك قصة: روبرت فالزر
- البنطلونات قصة: روبرت فالزر


المزيد.....




- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...
- الجيش الأمريكي يعلن تدمير سفينة مسيرة وطائرة دون طيار للحوثي ...
- السعودية.. فتاة تدعي تعرضها للتهديد والضرب من شقيقها والأمن ...
- التضخم في تركيا: -نحن عالقون بين سداد بطاقة الائتمان والاستد ...
- -السلام بين غزة وإسرائيل لن يتحقق إلا بتقديم مصلحة الشعوب عل ...
- البرتغاليون يحتفلون بالذكرى الـ50 لثورة القرنفل
- بالفيديو.. مروحية إسرائيلية تزيل حطام صاروخ إيراني في النقب ...
- هل توجه رئيس المخابرات المصرية إلى إسرائيل؟
- تقرير يكشف عن إجراء أنقذ مصر من أزمة كبرى
- إسبانيا.. ضبط أكبر شحنة مخدرات منذ 2015 قادمة من المغرب (فيد ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - لكيلا يدمِّر الحكم الجديد مستقبل مصر