أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جبران الشداني - خواطر في الطابو الفلسطيني















المزيد.....

خواطر في الطابو الفلسطيني


جبران الشداني

الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 03:19
المحور: القضية الفلسطينية
    


ثمة طابوهات تحكم فكر المواطن العربي، قد تكون أكبر من الجنس و الدين و السياسة...
فلسطين هي الطابو الأكبر، و عند حواجزها يتوقف العقل العربي عن التفكير.
لم تعد فلسطين، قضية تحرك المتعاطفين، و تشحذ الهمم، لبناء الأوطان، و ترسيخ الاستقلال عن التحالفات الصهيونية و الأمبريالية، بل صارت عقبة في وجه الإنسان العربي، و مصدرا لتخلفه و انكفائه للخلف.
لكن المشكلة، ليست القضية الفلسطينية في حد ذاتها، بل في القداسة التي يخلعها عليها البعض، و التي صارت تجارة مربحة، لعدد من الفلسطينين. و مبرر وجود القاعدة و الجماعات التكفيرية و الأنظمة المستبدة في كل مكان.
أرى أحذية القراء تنهال علي من كل اتجاه، و أسمع بعضهم يستنكر تجريم الضحية و تبرئة الجلاد.
لكن تمهلوا من فضلكم، فأنا لست بصدد محاكمة الفاعلين التاريخيين، الذين ساهموا في صنع مأساة الفلسطيين، و هم غرب و شرق، و عرب و عجم. و لكني فحسب، أنبه للدور الرجعي و التخريبي، الذي صارت تلعبه الاستثمارات الحجاجية و السياسية لهذه القضية.
المواطن السياسي العربي، لا يزن خياراته الايديولوجية ، و آرائه السياسية ، من حيث نجاعتها البراغماتية، و مدى منفعتها لوطنه و عشيرته و مستقبله، بل فقط ، من حيث مكانها الافتراضي، في حرب سرمديةة، تجري منذ قرون، بين الصليبيين و اليهود من جهة،و المسلمين من جهة أخرى، و هي حرب تشهد لحظاتها النهائية ، في الصراع الدائر بين فلسطين و اسرائيل.
الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، حسب هذا المنطق، هو الصراع الوحيد الحقيقي، و ما عداه ، تشويشات على القضية الأم، و خربشات يمكن أن توصم بالقطرية، إن لم ُتخون، و ُتتهم بالعمالة للصهيونية.
منذ ولدنا، و نحن ندفع ثمن هذا التفكير الأعرج، الذي يجعلنا في الصف الفلسطيني بالضرورة، و يدخلنا حروبا تبعد عنا بآلاف الكلمترات، حتى أن المظاهرات الأكبر في بلدنا، تقوم نصرة للقدس، و لا تقوم نصرة لمدننا المحتلة.
إنهم يطلبون منا مناصرة القضية الفلسطينية باعتبارها قضية عادلة، لكنهم في نفس الوقت، لا يمنحونك فرصة للاختيار، أو حتى للتفكير، أنت خائن إن فكرت، و إن لم تفكر فعليك أن تكون حيثما أرادوا، دون اعتراض و دون تساؤلات.
نحن مع الجيش الحر ضد النظام السوري، لأن النظام لم يطلق رصاصة واحدة طيلة وجوده في اتجاه اسرائيل..
و هم مع النظام السوري، لأنه نظام ممانعة.
نحن مع ثورة 30 يونيو، لأن مرسي كان أفضل حاكم تحلم به تل أبيب، و هم مع الإخوان، لأن الانقلاب جاء برعاية أمريكية اسرائيلية.
اليوم قرأت في جريدة القدس، مقالا يشن هجوما عنيفا على النظام المصري الحالي، و لم أدرك سبب لهجته العدوانية، حتى وجدت في آخر فقراته جملة اتهامات للإعلام المصري، بشن حملة مسعورة للتشويه بحركة حماس، كان هذه الاتهامات، قد تكررت مرارا على لسان عبد الباري عطوان، الذي خانته نظرته الموضوعية ، و لم يقدم، حسب علمي، نقدا واحدا صريحا، لتدخل الحركة في الشأن المصري بشكل عسكري، و هو تدخل عليه شواهد لا يستطيع عاقل إنكارها.
بجرة قلم، انقلبت جريدة القدس العربي على الإعلام المصري، لأنه وجه أصبع النقد للطابوه الأكبر: فلسطين، و من يكون هذا الإعلامي أو ذاك حتى ينتقد فلسطين؟ و هل يسمح لأي سياسي أو مثقف عربي بانتقاد فلسطين حتى و لو كانت الملشيات الفلسطينية ضالعة في الجريمة داخل بلده؟
إننا بلا أدنى شك، نتعاطف مع معاناة اللاجئين، و الواقعين تحت الاحتلال، و لا يمكننا من منطلقاتنا الإنسانية ، إلا إدانة الاحتلال الاسرائيلي، لكن هذا لن يمنعنا في نفس الوقت، من ملاحظة وجود مكونات حزبية، فلسطينية و عربية، و إسلامية. تملك مصلحة خاصة في استمرار الاحتلال الاسرائيلي، إن حماس رغم تاريخ كفاحها الكبير، لا تستطيع الصمود داخل نظام دولة طبيعية مستقرة منفتحة على الخارج، لأن تكوينها الداخلي و الايديولوجي، قائم على عقيدة عسكرية و دينية،و لا يمكنها أن تتنفس و تنمو إلا في حالات الصراع و الحرب و التوتر المستمر، و هي مثل إيران تحتاج دائما لعدو خارجي، يبرر رفضها للدمقراطية، و ضيق صدرها في تحمل لعبة الاختلاف السياسي.

إننا ننتقد غالبا تبعية الدول الغربية لاسرائيل، و لنا الحق في كثير من هذا النقد، و لا شك أن الطابو الإسرائيلي حاضر في التفكير الغربي، لدرجة يصعب معها التعامل بمنهج موضوعي مع الحقائق التاريخية و السياسية المرتبطة بهذه الدولة، لقد ألقي روجيه غارودي في السجن، لأنه شكك في أرقام الهولوكوست، و هذا مصير ينتظر كل من يفكر بالسير على دربه، و أنا لا أحب الدخول في نقاش حول واقعية المحرقة أو أسطوريتها، لكني أحب أن أقول أنها و إن اختلفنا، تبقى حدثا تاريخيا، و لأنها كذلك، فهي موضوع لمناهج علم التاريخ، غير أن هذا غير متاح فعليا في الجامعات الغربية. و هذه مفارقة فظيعة. لا نستطيع تفسيرها إلا بكون حادث المحرقة خصوصا، و دولة اسرائيل عموما، تشكل طابوهات معرفية في هذا الفكر العتيد.
هي مثال للعوائق الابستمولوجية التي تحدث عنها باشلار، تلك الحواجز النفسية، و الداخلية التي تعيق تطور المعرفة العلمية، و التي لا مناص من اجراء قطائع نهائية معها لتحرير الفكر من عقاله.
يحتاج الفكر الغربي، تحرير عقله من الطابو الإسرائيلي، هذا أمر لا نختلف عليه.. لكن ألا يحتاج العقل العربي بدوره إجراء قطيعة جذرية مع الطابو الفلسطيني؟
إننا عاجزون عن وضع قضايانا الوطنية و التحررية في إطارها الصحيح، لأننا نرهنها دائما بمشكل فلسطيني سياسي، يتجذر في الأسطورة و التاريخ معا.
فمأساة فلسطين، المرتبطة بقيام اسرائيل و تهجير الملايين من سكانها، ذات وجه واقعي لا يمكن نكرانه، فالطائرات الحقيرة التي تسكب النابالم الحارق فوق رؤوس الأطفال و المدنيين، لا تخرج من كتب الحكايات، و لكن ، هل هذا كل شيء؟
إنها مأساة حقيقية ، و لكنها أسطورية أيضا، الأسطورة تتحدث عن عوالم خيالية تخترق قواعد المنطق و الطبيعة، و مخيالنا عن القضية الفلسطينية لا يخرج عن ذلك في جزء كبير منه، بل إنه يتضمن تناقضات و مفارقات قد لا تستقيم حتى في خيال طفل صغير.
إننا نعتبر قضيتنا عادلة و إنسانية، و لكننا في نفس الوقت، لا نزال نومن بأنه صراع لا ينتهي إلا بإلقاء اليهود في البحر، و كلنا.. سمعنا مرارا أنه صراع وجود لا حدود. كيف تلقي في البحر دولة تنام على اطنان من الصواريخ النووية و البيولوجية؟
سؤال لا يجد الفكر الأسطوري جوابا له إلا بالعودة ..لحكاية اليهودي الذي يتخفى خلف حجر أو شجرة، فيصرخ الحجر أو الشجر: يا مسلم ، هذا يهودي خلفي، فتعال اقتله.

كيف تكون قضية إنسانية إن كانت تقوم على إلقاء شعب في البحر؟ و قتل الناس لمجرد كونهم يهودا؟و كيف يتعين علينا التعاطف مع جماعات كفاحية تأسست على هذه العقيدة؟
هل نحن في صف الأخيار حقا؟ و هل خيار القضاء المبرم على اليهود أكثر إنسانية من مشروع اسرائيل الكبرى و أحلام المتصهينين؟
لا يسعنا، أن نرهن تاريخنا و فكرنا أكثر، لمعادلات تتغذى من أحقاد لا يمكن أن تجد لها حلا في التاريخ، إن جوهر القضية الفلسطينية، كما يقدمها الفكر الأسطوري، هو الحرب حتى يوم القيامة، فهل يسعنا تحمل هذا العبء ، حتى اليوم الأخير؟
للأسف، لا نجد صحوة يسارية أو إسلامية أو وطنية عبرت الجسد العربي، إلا و كانت متشربة بالتفاصيل الأسطورية لهذا الصراع حتى الثمالة، و بينما كان القادة و السياسيون و الفقهاء الدجالون يعدون الناس بتحرير القدس، فإنهم في الواقع تسببوا في ضياعها.
هكذا كان الخطأ التاريخي في رفض قرار التقسيم لسنة 1947 ، و بعده ضياع الضفة و الجولان و غزة ، و لأن عجلة التاريخ تسير دائما باتجاه معاكس لتنبؤات الأسطورة، لا يسع رجال الخرافة إلا الهروب نحو أساطير أكبر ، إذ ربما سيحررون القدس، حين يستثب الأمر لخلافة راشدة في باقي أقطار الأمة. خلافة بدأ فجرها بانتخاب رئيس عبيط في مصري، تصلي خلفه الملائكة و الأنبياء.
للأسف أيضا، لم تنتج محاولات التسوية ، سوى فكر مهزوم و فاشل، عمق من تمسك المواطن العربي بأهداب هذا البديل الأسطوري. و الحقيقة ، أن القضية الفلسطينية، التي أنتجت كل هذه الأحزاب الظلامية، و كل هذا الإرهاب الفكري، لا يمكن أن تجد حلا تاريخيا، دون تمييز واضح بين أبعادها السياسية و الإنسانية ، و امتدادتها الخرافية، التي أرهقت عقل الشعوب.



#جبران_الشداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلكم دانيال... يا مغاربة
- لطيفة أحرار و تقنية الكشف الجميل


المزيد.....




- بعد مظاهرات.. كلية مرموقة في دبلن توافق على سحب استثماراتها ...
- تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة وأفراد عائلات الرهائن في غزة
- مقتل رقيب في الجيش الإسرائيلي بقصف نفذه -حزب الله- على الشما ...
- دراسة تكشف مدى سميّة السجائر الإلكترونية المنكهة
- خبير عسكري يكشف ميزات دبابة ?-90? المحدثة
- -الاستحقاق المنتظر-.. معمر داغستاني يمنح لقب بطل روسيا بعد ا ...
- روسيا.. فعالية -وشاح النصر الأزرق- الوطنية في مطار شيريميتيف ...
- اكتشاف سبب التبخر السريع للماء على كوكب الزهرة
- جنود روسيا يحققون مزيدا من النجاح في إفريقيا
- الأمور ستزداد سوءًا بالنسبة لأوكرانيا


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - جبران الشداني - خواطر في الطابو الفلسطيني