أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس جنداري - الكتابة الشمولية و تقديس الدكتاتورية العسكرية















المزيد.....

الكتابة الشمولية و تقديس الدكتاتورية العسكرية


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 00:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ا
الكثير من المثقفين الانتهازيين، من دعاة الليبرالية و اليسار و القومية، عاشوا، لعقود، يستثمرون في ريع الدكتاتورية العسكرية، و هم غير مستعدين، بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، أن يضحوا بالامتيازات التي كرسوها، مع مرور الزمن، كحقوق واجبة. لذلك، نجدهم يكتبون خارج المنطق، و لا يشعرون بأي تناقض و هم ينظرون للفكر الديمقراطي الحديث، و في نفس الوقت يدعمون الانقلابات العسكرية.
يمكن أن نتفهم موقف هؤلاء، لكن يجب عليهم أن يتحلوا بالشجاعة الأدبية، و يعلنوا صراحة أنهم يدافعون عن مصالحهم الفئوية الضيقة، التي تهددها الثورات الديمقراطية، لكن من خوارم المروءة أن يدعوا أنهم حماة الديمقراطية ضد التهديد الإسلامي المحافظ، بينما يدافعون، عمليا، عن أبشع أنواع الدكتاتوريات، في لباسها العسكري، على امتداد التاريخ البشري.
إن عودة خاطفة إلى مرحلة الانقلابات العسكرية، في العالم العربي، لتؤكد على أن الكثير من ذوي الأقلام المأجورة، قد لعبوا أدوارا خبيثة في شرعنة الانقلابات العسكرية، و تحويلها، بجرة قلم، إلى ثورات، كما قدموا أنفسهم كمنظرين أفذاذ للأنظمة الشمولية، هذه الأنظمة التي تحولت،على أيديهم، إلى أنظمة اشتراكية و قومية و ليبرالية ... و هلم تزويرا ! بينما حقيقة أمرها، أنها دكتاتوريات عسكرية يقودها ضباط و جنرالات.
ينطلق المثقف الانتهازي، عادة، من قناعة واضحة، هي التي توجه تفكيره و ممارسته العملية، و هي أن الأنظمة الشمولية ثابتة و مستمرة، و لا تخضع للتداول الانتخابي على السلطة. بينما الأنظمة الديمقراطية متحولة و متغيرة، و تخضع السلطة فيها للتداول بين أطراف متعددة و مختلفة. لهذا، يقوده ذكاؤه الطبيعي، بشكل مباشر، إلى الكفر بالمنهجية الديمقراطية، التي تهدد مصالحه، و في المقابل يؤمن، بشكل راسخ، بالأنظمة الشمولية، التي تحمي مصالحه و تديمها، و يدافع عنها باعتبارها أصلح ما ترتضيه هذه الأمة ! لأنها تحافظ على الاستقرار و الثبات و تساهم في استتباب الأمن، طبعا أمنه الشخصي و استقرار و ثبات مصالحه الفئوية الضيقة.
هكذا، يقع المثقف الانتهازي في التناقض دون أن يدري، فهو يدبج الخطب العصماء، و يؤلف الكتب مدافعا عن الحداثة و قانون التقدم، باعتبارها قيما كونية لا غنى عنها، لكنه يناقض نفسه، بشكل صارخ، حينما يجسد قيم الحداثة و التقدم هاته في شكل أنظمة شمولية يقودها العسكر، رغم أنه يعلم أن هذا النوع من الأنظمة السياسية هو الذي خرب أوربا عن آخرها، و رمى بدول أمريكا اللاتينية في أتون التخلف، ليكون الخلاص، أخيرا، في الانتقال إلى الحكم المدني، و تكبيل جنرالات العسكر في ثكناتهم.
إذن، ماذا نقدس من غير صناديق الاقتراع ؟ أليست هي بداية الخلاص من الأنظمة الشمولية ؟
نعم، لقد قادت صناديق الاقتراع إلى الحكم في ألمانيا، مثلا، أكبر دكتاتور عرفه التاريخ البشري، لكن ألم تقد نفس هذه الصناديق كبار المصلحين السياسيين و الاقتصاديين، الذين صنعوا المجد الجرماني في أوربا و في العالم ؟ فعلى الرغم من سوءات ديمقراطية الصناديق، فإنها، على الأقل، لا تمنح حكما مطلقا لأي شخص أو تيار سياسي، لأن الدورات الانتخابية المحددة زمنيا، و كذلك الترشح محدد الدورات، كلها آليات تمنع أي زعيم سياسي من احتكار السلطة، لوقت أطول، و تفتح، بذلك، باب التداول السلمي على السلطة. كما أن ديمقراطية الصناديق هاته تفتح الباب للتنافس بين التيارات السياسية المتعددة و المختلفة، و هي بقدر ما تتوج أغلبية و تمنحها مقاليد الحكم، فهي كذلك تتوج أقلية تمنحها حق الرقابة و صياغة المشروع البديل، الذي يمكن أن يحولها، خلال الدورات اللاحقة، إلى أغلبية حاكمة.
و في المقابل، دعنا نطل على البديل السياسي، الذي يقدمه المثقف الانتهازي كمقابل لديمقراطية الصناديق. هذا البديل، يطلق عليه بعضهم الديمقراطية الاجتماعية، و من غرائبها أنها تمنع التداول الانتخابي على السلطة، و تحافظ على حكم الزعيم الأوحد و الحزب الوحيد. و هذا ما يحقق غاية الحلف الشمولي، حيث يجنبه حتمية تسليم السلطة للطرف المنافس، الذي يمكنه أن يتوج انتخابيا كأغلبية حاكمة.
في التجارب السياسية الشمولية، في العالم العربي، لعب للمثقف الانتهازي دورا خطيرا في تكريس الأنظمة الدكتاتورية، من خلال استناده إلى الفكر الحديث لتوفير الشرعية الرمزية لجنرالات العسكر، الذين يتحولون، بقدرة قادر، إلى قادة ثوريين و حاملين لمشاريع سياسية قومية و اشتراكية... تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية و صيانة استقلالية القرار الوطني ضد القوى الامبريالية !
لكن، حقيقة الأمر تؤكد أن هؤلاء الجنرالات، هم أولا و أخيرا، مغتصبي سلطة، لا يملكون أية شرعية شعبية تبرر قيادتهم للدولة و تمثيلهم للشعب، ما عدا احتكارهم لجميع وسائل العنف المادي و الرمزي، كما تؤكد أن جوقة المثقفين الانتهازيين لا يملكون من روح الثقافة و الفكر سوى أبجديات ميكيافلية رخيصة، مشبعة بروح الفكر السلطاني، يسعون من خلالها إلى الاستظلال بظل الدكتاتوريات العسكرية، التي توفر لهم الغطاء المادي لنشر خربشاتهم الإيديولوجية بين الجمهور.
و لعل ما يحسد عليه المثقف الانتهازي، هو انسجام موقفه و ثباته، في مواجهة أي انبثاق للإرادة الشعبية ! فقد حافظ على موقفه الداعم للدكتاتورية العسكرية البعثوية في سوريا، و جند كل تجهيزاته الإيديولوجية لمساندة عصابة آل الأسد في ذبح و تشريد الشعب السوري، و هو الآن يخرج من جحره الإيديولوجي ليوجه طلقاته النارية في اتجاه الإرادة الشعبية الحرة، داعما في نفس الآن العصابة العسكرية، التي حولت ميادين مصر الشامخة إلى ساحات حرب حقيقية يدفع فيها المواطنون الأحرار أرواحهم من أجل الانفلات من قبضة الدكتاتورية العسكرية.
نجد المثقف الانتهازي، دائما، يبرر موقفه الشمولي، بحماية الديمقراطية من خطر الأسلمة، التي تتخذ صناديق الاقتراع وسيلة للسيطرة على الشعب و الدولة. لكن، ما موقف المثقف الانتهازي مما يجري في لبنان من أسلمة للدولة و المجتمع تحت تهديد السلاح الإيراني ؟ يجيب المثقف الانتهازي، بأن المسألة هنا مغايرة، لأن حزب الله يمثل محور الممانعة، و هو يمثل خيارا استراتيجيا؛ بعيد المدى، ضد المشروع الأمريكي-الإسرائيلي. لكن ايسكت، بالتمام، عن دكتاتورية ولاية الفقيه، التي تمثل أخطر تهديد لقيم الفكر السياسي الحديث. و في جميع الحالات، فإن المثقف الانتهازي لا يهتم بكل هذه النظريات، التي يعتبرها غارقة في اليوطوبيا، إن ما يهمه، أكثر، هو من يدفع أكثر. و ما دام المحور البعثوي-الشيعي يدفع بسخاء، فإن التناقض يجب أن يتحول، قسرا، إلى انسجام، أما الجمهور المتلقي لهذا الخطاب المتهافت، فهو آخر من يفكر فيه المثقف الانتهازي، إن الرسالة موجهة لأصحاب نعمته، بالدرجة الأولى، و الباقي كله تفاهات لا تسمن و لا تغني من جوع !
إن هذا التناقض المريع؛ يحول الموقف الفكري الرصين إلى موقف إيديولوجي هش لا يقدر على مواجهة آليات التفكيك، التي تميط اللثام عن الطابع الانتهازي لداعمي الدكتاتوريات العسكرية. و ذلك، لأن الموقف السياسي، الذي يعبرون عنه، غير مبني على أسس منهجية واضحة و قادرة على إقناع المتلقي الناقد، الشيء الذي يفضح خلطتهم السحرية أمام الرأي العام، الذي يتقبلهم كجنود في كتيبة وظيفتهم رسم الخرائط أمام الدبابات و أحذية الضباط، أما الموقف الفكري فهو آخر ما يمكن استشفافه من هذا النوع من الكتابة الشمولية.



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الحاجة إلى تحالف مدني لمواجهة الانقلابات العسكرية
- بين المثقف الانقلابي و المثقف الملتزم
- انقلاب مصر.. هل هي عودة التحالف العسكرتاري–العلمانوي ؟
- تزفتان تودروف و فضيلة النقد الذاتي .. قراءة في كتاب - الأدب ...
- بين الأمازيغية الوطنية و الإيديولوجية العرقية
- في تأصيل مفهوم العلمانية .. قراءة مقارنة في التجربتين النهضو ...
- في نقد التصور القومي/العرقي لمفهوم العلمانية
- التقاعد المعرفي.. أو حينما تشمخ فارغات السنابل
- مثقفو التزييف.. من صناعة الفكر إلى ترويج الوهم الإيديولوجي
- بين الفن و الدين .. قراءة في موقف الحركات الإسلامية
- ظاهرة مثقفي العلاقات العامة
- اللوبي الفرانكفوني في المغرب و العمى الاستراتيجي - قراءة في ...
- من الثورة إلى تغيير الثقافة السياسية
- الحكومة الملتحية و العلوم الإنسان-فوبيا
- المغرب يعود إلى حضنه العربي .. عودة الوعي
- جدلية النضال الثوري و النضال الديمقراطي .. من ثقافة الهدم إل ...
- جدلية الفعل الحزبي و النضال الديمقراطي في المغرب
- حزب الاستقلال.. حينما تنتصر الشرعية الديمقراطية
- مخاضات حزب الاستقلال .. بين الشرعية التاريخية و الشرعية الدي ...
- بين - روح التاريخ- و -الحشود- .. في نقد النسق الرجعي


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس جنداري - الكتابة الشمولية و تقديس الدكتاتورية العسكرية