عصام الخفاجي
الحوار المتمدن-العدد: 4169 - 2013 / 7 / 30 - 12:32
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تقول المصادر العسكرية أن 29 مليون مصري نزلوا إلى الشوارع اليوم (26 تموز/ يولية) تأييدا لدعوة الفريق السيسي الشعب إلى تفويضه لمكافحة الإرهاب. والشعب والإرهاب، كما نعلم مفردتان هلاميتان ندر أن قال حاكم أنه لايستمد سلطته من الأولى، وكثر من استخدموا الثانية لتخويف العالم وشعوبهم من مغبة الثورة عليهم بوصفهم المتصدّين للإرهاب. أيا يكن عدد من شاركوا في مليونية التفويض أو انتفاضة 30 حزيران/ يونية، فقد أجمع المراقبون على أنهم يمثلون أغلبية معارضة للحكم الإخواني.
أسقط المصريون محمد مرسي عبر صناديق اقتراع أقيمت في الغالبية الساحقة من ميادين القاهرة والإسكندرية وباقي مدن مصر. نزل حشد تفاوت تقدير عدده بين 22 مليونا و33 مليونا مطالبا بإقصاء الرئيس. رقم يتجاوز بكثير عدد من لعبوا دورا مماثلا في إسقاط نظام مبارك وعدّه العالم والمصريون، استفتاءا شعبيا أجمع على إزالته. وهو يمثل نسبة ضخمة من عدد السكان في سن التصويت البالغ 53 مليونا. وإن صحّ الرقم المعطى للمشاركين في حدث اليوم، فهذا يعني أن نصف المصريين ممن تتجاوز أعمارهم اربعة عشر سنة نزلوا إلى الشوارع (من هنا فالرقم لابد أن يكون شديد البعد عن واقع الحال، وإن كان لايوهن الحديث عن أغلبية مؤيدة للفريق).
سقط مرسي عبر عملية ديمقراطية لأن الإنتفاضة ضد حكمه استجمعت زخمها بعد أن رفض إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. إذن ليس ثمة خرق لقواعد اللعبة إذ نزل الناس إلى الشوارع مطالبين الرئيس بالتنحي حتى لو فاز في صناديق الإقتراع. في عام 1968، دعا شارل ديغول، المنتخب ديمقراطيا، إلى استفتاء شعبي يقرر بقاءه في الحكم إثر أحداث 1968 الطلابية، وتنحى عن الرئاسة بعد عجزه عن الحصول على النسبة المطلوبة.
كانت سنة واحدة فقط من حكم مرسي نذيرا بأن مصر ليست سائرة في طريق تحول ديمقراطي لأسباب سبقني كثيرون إلى تقديمها. ولكن، هل أعيدت مصر إلى هذا الطريق بعد الثلاثين من حزيران؟
أنعشت ثورة 25 يناير أملا بإمكانية تحول مصر إلى الديمقراطية. أقول "إمكانية" لاحتمية، لا لأكرر فكرة عدم مساواة الديمقراطية بصناديق الإقتراع فقط، بل لأن الثورة على الدكتاتورية لاتقود إلى إرساء نظام ديمقراطي بالضرورة. والمثال الصارخ في دلالته هنا هو الثورة الشعبية الإيرانية ضد دكتاتورية الشاه ومآلها. جذر تلك الإمكانية، في رأيي، هو أن الشعب الذي احتضن المؤسسة العسكرية لأنها تعاملت بمهنية ولم تلعب دور أداة للنظام السياسي، مرجّحة بالتالي كفة الثوار، ظل في الآن ذاته متشكّكا ومشكّكا بنوايا قادة الحركة العسكريين الإنتقاليين حتى بعد أن أكدوا مرارا أنهم غير عازمين على التمسك بالحكم ولا طامحين إلى إدامة الوضع الإنتقالي. ومن يدري؟ فلعل هذا التشكّك والضغط هو الذي قضى على أحلام بعض القادة بالتنصل عن وعودهم.
زال التشكك بعد أن جاء رئيس مدني إلى السلطة، علّق نياشينا وأوسمة على صدور جنرالاته وأحالهم على التقاعد. كانت المساهمة الكثيفة في عمليات الإنتخاب البرلمانية والرئاسية واضحة الدلالة على أن الناس لم تعد تحتمل قيام زمرة أو جماعة بفرض نفسها حاكمة. لكن الناخبين، سواء كانوا نافرين من مجئ الإخوان المسلمين إلى الحكم، أو آملين في عودة الحياة إلى مسار بعيد عن الهياج، أو راغبين في تسليم الحكم إلى من خبروا العمل في أجهزة الدولة، صوتوا بكثافة للفريق المتقاعد أحمد شفيق، وبفارق ضئيل جاء حمدين صبّاحي حامل مشعل مبادئ حكم عبد الناصر العسكري. ولو جمعنا عدد من صوتوا لهذين المرشّحين لفاقوا بكثير عدد من صوّتوا لمرسي.
وطوال العام المنصرم، كانت أصوات، خافتة في البدء، تتعالى متمنية عودة العسكر إلى الحكم ولو موقتا بتناسب طردي مع تعمق المشاكل المعيشية وتخبط السلطة الإخوانية وتزايد الإضطرابات الإجتماعية. وإذ عاد العسكريون اليوم إلى السلطة وسط ترحاب هائل، استبق الفريق السيسي احتمالات الإعتراض بأن عيّن رئيسا مدنيا وأعلن خارطة طريق جديدة يُفترض أن تعيد إطلاق العملية السياسية التي تعيد تسليم البلاد إلى سلطة مدنية منتخبة.
ولكن، من قال أن غالبية المصريين ستؤيد عودة المدنيين إلى السلطة هذه المرة؟ أو لنعد صياغة السؤال المقلق: من قال بأنهم يريدون حكما يقيّد المؤسسة العسكرية ويخضعها للسلطة التنفيذية، وهو ما يشكل ركنا أساسا من أركان الديمقراطية؟
على عكس 25 يناير، لم تكتف جمهرة الثائرين بالترحيب بتدخّل الجيش لصالح الأغلبية. إنها تصفق لإجراءات يسهل أن تصبح مقدّمة للتسلط على قوى غير الإخوان متى شاء العسكر ذلك. فليس من العسير ملاحظة الروح الإنتقامية التي يُجابه بها الإخوان بما يمكن أن يحيلهم من جديد إلى شهداء وأبطال في أعين جمهرتهم وجمهرة مضافة باحثة عن الأبطال. وليس من العسير كذلك ملاحظة أن قادة الجيش مستفيدون من المرارة التي يشعر بها الثوار تجاه الأخوان لكي يدوسوا على القانون وسط ترحيب الأخيرين. وبحدود اطلاعي، لم تحتج أي قوة مدنية فاعلة على اعتقال الرئيس المخلوع من دون توجيه تهم إليه إلا بعد قرابة شهر من جانب سلطة كان أحد مبررات خلعها له استهانته بالقضاء.
لاتتكرر الأحداث التاريخية. لكن ثمة أوجه شبه غير قليلة بين ما يحدث في مصر اليوم وبين ما حدث فيها عام 1954، اي فيما سُمي "أزمة مارس" وكان في حقيقته انقلابا. مرسي ليس محمد نجيب قطعا. فالأخير أزيح ووضع قيد الإقامة الإجبارية لأنه دعا، بعد عامين من الثورة، إلى عودة الجيش إلى ثكناته وإعادة الحياة البرلمانية. لم يتمسك الرجل بالسلطة ولا هو جيّش ميليشيات أو حرّض على تظاهرات تدعمه كما فعل مرسي. كان الضباط الذين عزلوه هم المتمسّكين بها. ومع هذا فقد مرّ الحدث من دون أن يثير هياجا شعبيا مؤيدا أو معارضا، حتى عام 1956 حين تحول ناصر إلى ما يشبه الإله بعد تأميمه لقناة السويس ومجابهته للعدوان الثلاثي. نسيت الجمهرة عند ذاك محمد نجيب، وربما نسيت أن ثمة رجلا يحمل ذلك الإسم.
كأن مايقوم به السيسي اليوم معادل، في أعين غالبية المصريين، لما قام به ناصر عام 1956. بعد 1956، حصل الأخير، هو الآخر، على تفويض جماهيري مكّنه من شرعنة نظام الحزب الواحد وتشريع دستور مبني على أن من يعادي النظام خارج على الصف الوطني. أستخدم تعبير "الصف الوطني" لأن أقل من أربع وعشرين ساعة تفصلنا عن الأنذار الموجّه للإخوان بالعودة إلى ذلك الصف.
وماذا لو لم يعودوا؟ هذا سيناريو أول، وهو سيناريو لا تنبؤ: سيعلن الفريق أن الوحدة الوطنية لازالت معرّضة للخطر، وإن الإرهاب يتربّص بمصر، وعليه فلابد من تمديد الفترة الإنتقالية حتى تتم المصالحة. ولو بقي النشاط المسلّح المعادي للدولة في سيناء على ما هو عليه الأن، فإن تفويض الفريق لن يبقى عند مستواه الحالي فقط، بل أن خصومه سيزدادون عزلة وسيشعر أنصارهم بالذعر إذ يتعرضون للإتهام بوقوفهم إلى جانب عدو خارجي.
وماذا لو عادوا إلى ذلك الصف؟ هنا سيناريو ثان: سيُتوج الفريق بطلا قوميا، لن يحصل على تفويض شعبي بدعمه في مواجهة الإرهاب فقط، بل في إشرافه على صياغة دستور "يضمن وحدة الصف الوطني". يدرك الفريق، وقد برهن على دهاء سياسي فائق، أن زمن الحزب الواحد قد ولّى، وإن زمن تزييف الإنتخابات على طريقة مبارك لحقه. لكن ضربات أركعت الإخوان ومزّقتهم إلى فرق يكيل أحدها التهم للأخر بالتسبب في الكارثة ستحيلهم إلى قوة غير فاعلة في الحياة السياسية، وعليه فلا ضير من إجراء انتخابات نزيهة في ظل تعددية حزبية تضمن فوزا ساحقا لقوى مدنية تليها دعوة لانتخابات رئاسية.
لا أدري إن كان ما يلي يستدعي إطلاق تسمية سيناريو ثالث عليه، لإنه سيكون مكمّلا لما سبقه: يتخلّى الفريق عن مهماته العسكرية ويعلن ترشيح نفسه للإنتخابات الرئاسية؛ أو أن تنزل الجماهير إلى الشوارع مطالبة بأن يتولّى الفريق منصب الرئاسة.
إن صحّ ماسبق، فسيرضخ الرئيس إلى "إرادة الشعب"، لكنه سيشترط أن يكون النظام رئاسيا يمنحه الحق بحل البرلمان ولا يمنح البرلمان حق عزله.
من حق القارئ التعامل مع ما سبق كنصٍّ من نصوص الخيال العلمي.
#عصام_الخفاجي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟