أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الغرباوي - هنا القاهرة














المزيد.....

هنا القاهرة


محمد الغرباوي

الحوار المتمدن-العدد: 4166 - 2013 / 7 / 27 - 10:18
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


هنا القاهرة
لا أستطيع أن أصف مشاعر الناس في ميدان التحرير ليلة أمس فلقد كانت مشاعر مختلطة فياضة تعجز أيادي الفكر أن تمسك منها خيطا أو قبسا. وأنا أقدر ذلك وأعتذر لنفسي عن نفسي، فأنا لا أستطيع قياس نبض عواطفي المتسارع، ولا أقوى على تشخيص حالة شعوري المفعم بالدهش والاستغراب والإعجاب اللانهائي. إنني كمن يكاد يلمس جوهرة نفيسة ويحتويها بيده ولكنها تحتوي لبه وعقله وتقبض على مقاود شعوره فهو عاجز عن الانفلات من قبضة الفناء في فيضها الأثيري الذي يحلق به إلى ملكوت مثالي وكون خيالي.
على كل حال أستطيع أن أقول لك:
إذا كنت في وطن يصوم فيه المسيحيون، فيقومون للسحور، ويخشعون في السحر إلى الفجر، ويميلون على القرآن العظيم يذوبون في وحيه، ثم يمضون يوما طويلا يصافحون لفح الحر، ويجابهون قيظ الشمس، ثم يزجون النهار إلى الليل أو يزجيهم النهار إلى الليل، فيفطرون كما يفطر المسلمون؛ تأكيدا على متانة الرابطة بينهم وبين نظائرهم من المسلمين وتوثيقا لعرى اللحمة الوطنية بين الفئتين .... فأنت في مصر.
إذا كنت في تجمع خرجت فيها جموع هادرة منذ أن تنفس الصبح فجرا، واستيقظ ظهرا، ومال عصرا، ثم تناوم ليلا، ثم تبين لك أن الفئة العمرية التي كافحت هذا الكفاح المرير ليست الشباب فقط...
بل منها الصبي الذي يطويه المهد وتظلله أعراش الطفولة الخضراء، ولا يكاد منطقه يبين إلا رغيا أو تقليدا أو دغدغة للكلام.
ومنها الشابة التي شقت رداء الطفولة مستشرفة سلم الشبيبة، حاملة بين عينيها حلما ولد لتوه ويحاول أن يقفز إلى مدارج الحقيقة ليصبح واقعا ماثلا.
ومنها الرجل الأربعيني والخمسيني الكادح الذي ظل يقنع بفتات العيش ولا يريد للستر بديلا، ولكن نداء الوطن كان قويا بحيث يشرنق فكره ويسيطر على ملكاته فإذا هو يسعى إلى ميدان الحرية على قدميه، أو على تروسكله القديم الذي يقتات من دفعه على الطريق، أو على عربته الكارو أو عربته الميكروباظ أو حتى عربته الفيات، تلك التي دفع دم قلبه للحصول عليه حتى يضع قدما واحدة على طريق الغنى.
ومنها تلك المرأة المقعدة التي تكرر منظرها كثيرا بين أحضان ميدان التحرير، كي تدلل بشدة على أن شلل الأعضاء ليس إلغاء لمصير الإنسان، وإنما الشلل الحقيقي هو ذلك الشلل الذي يتسلطن على عقل الإنسان أو على مشاعره، فإذا هو عبد غيره ومطية تفكير قائده أو معجبه.
ومنها ذلك الشيخ الفاني: تعمم أو تفندم أو تبغدد، كل هؤلاء يجمعهم حب الوطن وتراب وحدته ووحدة ترابه.
ومنها ذلك الشاب الذي تمسك بتلابيب الرجولة وقرر أن يكافح من أجل نفسه، ومن أجل أن يعيش ومن أجل أن يكون، فلما دعاه النداء اكتشف أن كفاحه الأول كان مقدمة وتدريبا على الكفاح من أجل الوطن، فنفض يديه من عمله وهرول مسرعا إلى عرين أمه الوطن وخشع بين يديها يسألها أن تستخدمه وأن تأمره فيأتمر بأمرها ولا يأتمر بها.
إذا كنت في تجمع ينسج هؤلاء في قماشة واحدة فأنت في مصر.
إذا كنت في بلد خرج كله شيوخه شبابه رجاله نساؤه أطفاله صبيانه صحيحه مريضه، ليقرر رفضه للخوف وتحديه للإرهاب وبسطه للعفو وحبه للمصالحة وتأكيده على الأخوة فأنت لا شك في مصر.
إذا كنت في بلد تجد الناس فيه ساعة الواجب يقفون جنبا إلى جنب كأنما يقفون في الصلاة، لا يأنف غني من فقير ولا يحقد فقير على غني، لا يمتعض الأبيض من مس الأسود ولا يعرف الأسود للأبيض ترفعا وعنجهية، تلتحم الزغاريد فيه بالغناء الشعبي الذي يوجه تحياته للغناء الأرستقراطي، وتلي فيه الكارو الهامر الفارهة ولا تستنكف فيه المرسيدس من اللادا والنصر، فأنت في مصر.
فإذا تيقنت من أنك في مصر فسلم على أهلها.
واعلم أن الله صائنها وصائنك، وحافظها وحافظك، ومؤمنها ومؤمنك، وموحد بين شعبها وموحدك في شعبها.
فسلم على أهلها.



#محمد_الغرباوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عاشق بريء
- ذاكرة الجدار
- دورة الشاعر: أحمد العناني، شاعر التلاميذ الشعراء المبدعين:
- عاصفة، شعر: محمد العرباوي
- هواجس، شعر، بقلم : محمد العرباوي
- حلم يعبر الصمت، شعر
- فنانون كشفوا القناع:
- امرأة تراهن في الحب -شعر-
- تمَزٌق -شعر-
- خطوة إلى المجهول -شعر-
- يوم بلا طعم -شعر-
- وتمضي الأيام -شعر-
- هكذا عرفتها -خاطرة-
- الصداقة في نظر أرسطو -فلسفة-
- هل يتوقف مصير الشخص على اختياره الحر؟
- رفيق العمر : قصة
- لمن أكتب؟
- إليك أبوح -شعر-
- تائه: -قصة قصيرة-
- غباء: -شعر-


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد الغرباوي - هنا القاهرة