ريام عبد الستار المفرجي
الحوار المتمدن-العدد: 4165 - 2013 / 7 / 26 - 18:21
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
ان المتتبع لتاريخ العراق الحديث ، سيلاحظ ان المستعمر لم يبدل وجهه القبيح في اللعب على وتر الطائفية لتطبيق قاعدة " فرق تسد " .
عاشت بغداد قبل ما يقارب القرن و تحديداً في 21 / آذار 1917 ، على سماع أخبار تقدم الجيوش البريطانية نحو أبوابها الجنوبية . و مع بداية دخول قوات الإحتلال البريطاني وكأي إحتلال مر بتاريخ العراق ، فان عمليات التخريب و النهب و السلب طالت العديد من الأسواق و المؤسسات في ولاية العراق التابعة للإمبراطورية العثمانية الإسلامية آنذاك ، ولم يختلف الحال عن وعود الغزاة الذين يدخلون البلاد محملين بالأمنيات و الوعود بالإعمار ، الإزدهار و رفع الظلم . و مع بداية دخول الإحتلال البريطاني ركز الخطاب الإستعماري على " الإختلاف البارز بين الشيعة و السنة "
لتكون البداية لتمهيد تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات ( دولة شيعية ، و دولة سنية ، و دولة كردية ) ، لكن هذا الحلم تعثر أمام ثورة العشرين و هي أول ثورة شعبية عراقية ساعدت في قلب العديد من الموازين في ولاية العراق الضعيفة نتيجة إحتلال الأمبراطورية العثمانية و من بعدها الإحتلال البريطاني ، فكانت هي بداية تشكل الهوية الوطنية العراقية حيث تعززت روابط المجتمع العراقي بين أبناء القبائل ورجال الدين .
و ساعدت على إحباط المخطط البريطاني في تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات و بذلك فان جذور التقسيم كانت مخططاً بريطانيا و من ثم إسرائيلياً قبل ان يكون أمريكيا . ففي عام 1957 نشر صحفي هندي يدعى " كرانجيا " كتابا أثار ضجة عالمية و عربية في ذلك الوقت تحت عنوان " خنجر إسرائيل " تضمن وثيقة سرية إسرائيلية عن خطة عسكرية تهدف الى تحقيق حلمها بإقامة " الدولة الإسرائيلية الكبرى " من النيل حتى الفرات .......... تقضي الخطة بتفتيت كل من العراق ، سوريا ، لبنان و هذا ما بدء تطبيقه فعلا بإحتلال العراق عام 2003 و كل التطورات الأخيرة التي شهدها وطننا العربي بما عرف " بالربيع العربي " .
ليكون دخول القوات الأمريكية و إحتلال العراق عام 2003 فصل جديد في قصة الاطماع المستمرة في ارض العراق، ليتم إعادة نفس السيناريو للإحتلال البريطاني و أيضا فكرة تقسيم العراق على أساس طائفي والذي هو هدف أساسي للوبي الصهيوني المتنفذ في صناعة القرار الأمريكي للحرب على العراق .
و هنا التقت المصالح الأمريكية مع الحلم اليهودي الصهيوني بتفتيت العراق كلا حسب مصالحه ، و لكن على ما يبدو ان الحلم ( الصهيوني ، البريطاني ، الأمريكي ) قابل للفشل رغم كل الجحافل العسكرية التي قطعت المسافات البعيدة لأرض العراق و لم يستفيدوا من دروس الماضي او يقرأ تاريخ العراق النضالي ضد الإستعمار .
فعلى الرغم من تميز العراق بالتعددية القومية و القبلية و الدينية و المذهبية فان هنالك سمات مشتركة تجمع أبناء الشعب العراقي بوطنهم ، و لا يتناقض ذلك مع إنتمائاتهم الفرعية المختلفة ، فالجميع يشعر بإحترام كل هذه الإنتماءات بعيدا عن أية ردود فعل او إساءات بين فئات المجتمع العراق بكل طوائفه و قومياته .
فضلاً عن ذلك فإن العراقيين يفخرون بالتنوع ألإثني و المذهبي و ما يتحكم في هذا التنوع و التعدد من التعايش و التوافق في القيم و الأعراف و التقاليد الوطنية الراسخة في ضمير كل فرد عراقي ، فلم يحدث أن أختلف المسلمون في ما بينهم أو بينهم و بين الأديان و القوميات الأخرى على مسائل ذات أساس ديني مثل أصول الدين و الإعتقاد ، فالمسلمون بطائفتيه الشيعية و السنية يعبدون إلها واحداً و يعتقدون بنبي واحد ، و قرآن واحد ، و لا يختلفون إلا في أمور فقهية مثلما تختلف المذاهب السنية و الشيعية في ما بينها .
و الأهم من كل هذا فان النسيج العراقي نسيج صعب التفكيك لكون المجتمع العراقي رغم التعدد ألإثني و الطائفي و العرقي ، و لكنه مجتمعا متماسكاً مبني بروابط إجتماعية قوية من خلال توطيد صلات الرحم و الترابط القبلي و العشائري فنجد بالعشيرة الواحدة فيها السنة والشيعة التي تنتمي لنفس العشيرة و كذلك التزاوج بين أبناء العراق بين المذهبين السني و الشيعي و العربي و الكردي و المحبة و المواطنة الصالحة بين جميع القوميات و المذاهب .
و كان إحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية 2003 ، و إنهيار الدولة العراقية ، حيث صعدت الهويات الفرعية ، و سعت النخب السياسية المبنية على أسس طائفية بعيدة عن مشروع وطني واضح يخدم مصلحة العراق و أبنائه تسبب بأبعاد نفسية على المجتمع العراقي عقب العدوان على العراق .
حيث تم إبطال العقد الإجتماعي الذي تشكلت عليه الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي و أختزال مسار الهوية الوطنية العراقية بإنتماءات و ولاءات فرعية ، تكرس لعوامل التقسيم و الصراع الطائفي مما تسبب الى أضطرر المواطن العراقي ألجوء الى المكونات الطائفية أو العشائرية لتوفير الأمان له و حمايته بعد تراجع دور الدولة بتوفير الأمن و النظام للمواطن .
و نتج عنها أثار جسيمة على المجتمع العراقي يمكن ان نختزلها بما يلي :
1. فتح ابواب العراق واسعة أمام التدخلات الإقليمية .
2. القبول بالمشاركة في العملية السياسية تقوم على محاصصة مزدوجة طائفية و قومية في أن واحد .
3. العمل بنظام الديمقراطية التوافقية ، لكنها في واقع الحال خلقت صراع بين كل الأطراف السياسية العاملة في العملية السياسية ، و أصبحت غايتها هو العمل على إفشال الطرف والأخر حتى بما هو به مصلحة للشعب العراقي ، مما تسبب في النتيجة تراجع أحوال البلد للوراء .
4. وضع دستور يحتوي بين مواده و فصوله قنابل موقوتة تساعد في تأجيج الفتنة الطائفية و سمعنا عن تعديلات أكثر مما سمعنا عن نتائج إيجابية تخدم مصالح المواطن و تلبي طموحاته .
5. القيام بعمليات منظمة ، واسعة شملت كل أنحاء العراق للقتل و التهجير القصري على الهوية الطائفية ، و لا يعرف من ورائها ، و لكن الأكيد لم تكن حربا طائفية مجتمعية أبداً .
إن النتائج السابقة تزامنت مع أرتفاع نبرة الخطاب السياسي الذي عمق من أزمة الهوية العراقية ، فسمعنا من البعض يروج للهوية الإسلامية ( كان هذا الخطاب من الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية و السنية ) ، و هنالك من تمسك بالهوية العربية ( و هذا حال أغلب التيارات القومية ) ، و أخرون يتمسكون بالمطالبة بالحقوق الكردية و المطالبة بتوفير حقوق و ضمانات أكبر للأكراد ( الأحزاب الكردية ) التي وصل بها الحال للتهديد با الإنفصال و تحديد المصير للضغط على الحكومة المركزية في بغداد مستغلة حالة الضعف التي تعاني منها .
وان هذا الإرتباك للنخب السياسية جعلت المواطن العراقي لا يشعر بهويته الوطنية الحقيقية فاضطر للجوء الى مكوناته الفرعية ( الأسرة ، القبيلة ) ، وتسبب ذلك إلى تغيب الروح الوطنية الحقيقية وساعد ذلك على إنعاش و تنامي الجوء الى الإنتماءات الطائفية و العرقية و القومية .
و مما سبق يمكن ان نخلص إلى أن المواطن العراقي يمر اليوم بمرحلة أزمة البحث عن الهوية الوطنية حيث تجعل العراقيون يتاسائلون أين الوطن الذي ننتمي له ودافعنا عنه ؟ ، و ما هي شروط المواطنة الحقيقية التي توصلنا لبر الأمان ؟ .
و للإجابة عن هذه التساؤلات فهي ليست بالعملية الشاقة خصوصا إن الطائفية التي يعاني منها العراق هي " طائفية السياسة " و ليس "طائفية مجتمعية " و بغض النظر عن كل المشكلات التي يعاني منها العراق بسبب كل الظروف و المسببات التي تكلمنا عنها بهذه ألمقالة فان العراق بحاجة الى إعادة ترتيب مكونات الهوية الوطنية من جديد ، و لا يمكن الوصول لذلك الى عبر ما يلي :
1. قيام نظام سياسي يؤمن بالتعددية و التنوع الذي يتمتع به العراق و يحفظ حقوق و حريات كل افراد الشعب العراقي بغض النظر عن عرقة او دينه أو طائفته أو قوميته .
2. اقرار الهوية الوطنية العراقية الأم و التمسك بها و الإعتزاز بها لكي يشعر المواطن بالإستقرار و آمان نسبي ، و هذا ما يحتاجه المواطن لكي يبني وطنه و يدافع عنه .
3. محاربة كل أشكال العنصرية و التعصب الديني من خلال القضاء على كل التنظيمات و الأحزاب المتطرفة .
4. إقرار كل الهويات الفرعية للعراق و دمجهم مع باقي المجتمع العراقي لكي تعود الثقة بين كل أطياف النسيج العراقي و الشعور بالإنتماء الوطني الحقيقي للبلد .
5. إعادة النظر بالدستور العراقي الحالي و تعديل فقراته و بنوده بما يعزز من مفاهيم و مبادئ الوحدة الوطنية التي تلبي مطامح الشعب العراقي كافة .
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟