د اثير حداد
الحوار المتمدن-العدد: 4164 - 2013 / 7 / 25 - 11:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدولــة الدينية , طائفية بالمحصله و مستبده واقعيا .
د. اثــــــــــــــــــــــير حـــــداد
# سابني تصوراتي لما يحدث في العراق على تاريخ الدول الغربيه حين انتقلت الى دولة الحداثه . وساستخدم تعبير الحداثه بدلا من العلمانيه, وبنفس المعنى , نتيجة للاتباس الحاصل عندنا في فهم العلمانيه على انها كفر والحاد وهي لا علاقة لها بذلك, وعليه ومن اجل ان تقرا وتفهم دون احكام مسبقه فضلت استخدام دولة الحداثه, وانا لا ارى اي لبس في ذلك فالحداثه تعني من الناحية اللغويه تحديث الشيئ, واذا اخذناه بمعناه السياسي فانه يعني دولة حديثه وليس اعادة انتاج الماضي . كما ان جل اهتمامي سينصب على العراق لحد يومنا الحالي . ولا استطيع ان استبعد التاثيرات التي جلبتها " ثورات الربيع " العربي , وعلى الاقل قبل الحراك الشعب ضدالرئيس مرسي. فابرز ما اذهلني واصابني بالصدمه الى حد الهلوسه ان الجماهير تخرج لاسقاط دكتاتور ثم تنتخب نظاما اكثر دكتاتورية من الاول .الا ان الاخير ذو جلابيه قصيره ودمغه على الجباه ويحمل سبحه وقد اطال لحيته ويمتلك صوتا مرتفعا وهو ينفث الكره ومعادات الاخر في كل مكان ويقدم الفتاوي المجانيه لعصر العبيد للنساء ولا يفتي بمحاربة الفساد والجهل والامراض وسوء الخلق .
قبل اكثر من 600 سنه كانت الدول في اوربا دولا دينيه, بمعنى تحالف مصيري بين الدين ممثلا برجل الدين والسلطه السياسيه. وكانت الكنيسة تتدخل في شئون الناس وحياتهم اليوميه والانكى من ذلك هو انها مشرعن لكل ممارسات السلطة التعسفيه. وكانت الحلقه العليا من السلطه مكونة من النبلاء وملاكي الاراضي يسيطرون على الجيش والامن والاقتصاد, اما المجال العام اي الجماهير فقد كانت الكنيسة هي المسيطرة عليه بالكامل عبر محورين : التدخل وفرض الراي على التعليم والمقررات الدراسيه وعبر سيطرتها على الاخرة. بمعني منحها لنفسها الحق في تحديد من يدخل الجنه ومن لا يدخلها . تلك الدولة الدينيه تشضت الى دول الطوائف واما استقلت طائفه في دوله او بقي الصراع بين الطوائف كما في فرنسا ولمده خمس سنوات متتاليه . هذا يعني ان الدولة الدينيه بطبيعتها ومن داخلها ستكون دوله طائفيه وهي مستبده . فمهمة الاجهزة الامنيه فيها هي وفقط : المحافظه على الحلقة الاولى من السلطه . وليس الحفاظ على الامن وتطبيق القانون ومنع الجريمه . وخلال الـ 400-500 سنه الماضيه حدثت تحولات هائلة في اوربا بالاساس في مفهوم الدوله نفسها . الا ان جوهرها بقي كما هو وهو الحداثه. فقد سقطت الدولة القوميه بعد الحرب العالميه الثانيه واعيد بناء دولة المواطنه بدلا عنها , الا ان الدين بقي مبعدا عن السياسه. وفي اوربا وتحديدا الغربيه منها تبنى ديموقراطياتها, اليبرالية, على ثلاث اركان هي التبادل السلمي للسلطه عبر الانتخابات الحره . ثانيا الحريه الفرديه وحريه الراي والتعبير والمعتقد و ثالثا : استقلال السلطات الثلاث عن بعضها البعض.
بعد سقوط الدولة الاولى في العراق , وظهور الدولة القوميه التي كانت تسعى الى بناء الدوله على شعارات فارغه جوفاء لا تقدم للتنميه البشريه شيئا , اوصلت الوطن عبر حروب عبثيه الى دولة محطمة مهشمة معزولة عن العالم متخلفة , ولا يعرف مواطنيها عن العالم سوى انهم اعداء لهم , بلد يخاف فيه ابناءه من التفكير لكي لا يحاسبهم رجل الامن . وسعي الدكتاتور نحو تمحور مفهوم الوطن الواسع به وبه فقط عبر الة الاعلام الرهيبه والتعليم وجهاز امني ضخم ومرعب ترتعد لاسمه الفرائص. وعند هذا غاب عن المواطن اي مفهوم واضح عن الوطن وتاريخه سوى ترديد عبارات جوفاء لا تمت للحاظر باية صله وهي "نحن اول حظاره في العالم ". ولم تكن هناك تنظيمات تحتضن الجماهير غير حزب مهلهل وتنظيمات هائله امنيه تحيط المواطن من كل جانب حتى في اختيار زوجته . الا ان المركز الديني بقي هو المستقطب للمجال العام اي الجماهير . ومع التسعينيات من القرن الماضي بداءت الجوامع والحسينيات تستقطب بتزايد اعداد غفيره من الناس مؤمنين ظاهريا الا انهم كانو يبحثون عن اجابات عن مستقبله اي دنياهم وهو بعد لا يتمتع به الدين . وهنا توسعت هيمنه رجل الدين على المجال العام . واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار بعدا اخر موجود عند الشيعه وهو التقليد فان كل فرد مرتبط برجل دين يقرر له ما يفعل وما لا يفعل .
وفي منتصف التسعينيات ايضا من القرن الماضي اطلق "القائد الضروره" حملته الايمانيه , في محاولة منه لرمي عباءتة على المجال العام الذي بدا يبتعد عنه داخلا عباءة رجل الدين , وهنا وحسب تصوري تبدا في العراق اولى اشارات السير نحو الدولة الدينيه التي انطلقت بقوه بعد ذلك بعد 2003,مع فتوه رجل الدين السيستاني الذي اصر على اجراء التصويت على الدستور والانتخابات في وقت محدد لم ياخذ راي احد فيه واصر عليه ثم انطلق "البيت الشيعي " وليعقبه " هيئه علماء السنه " كتنظيمات دينيه سياسيه تسعى لتكون في قمة السلطه . في تحالفات سياسيه ولكن لا يجمعها جامع مع الطرف الاخر سوى القرائين, استنادا لمقولة الامام علي حمال اوجه, دون تفاسيره .
ان الهروب الى الدين لحل مشكلات الدنيا لهو دليل صارخ على فقر مجتمعاتنا السياسي والفكري, وهنا وفي هذا المجال يقع اللوم على القوى الحداثويه بجميع تشكيلاتها ان كانت ليبراليه ام يساريه ام قوميه كرديه ايضا .
بعد 2003 واجهت المفكر الجاد قضيه مهمه وهي : ان المجتمع متشضي الى ابعد الحدود , ولم تكن الدوله قادرة على احتضان مواطنيها ولا كان بمقدور القوى السياسيه غير الدينيه والدينيه ايضا احتضان مواطنيها او مريديها . فكانت الطائفيه هي القادره, عبر رجل الدين, على احتضان ابناء الطائفه نفسها وقيادتهم عبر اثارة المشاعر الطائفيه ورعاية مبالغ بها للشعائر الدينيه رغم ان تلك الشعائر ابتعدت كثيرا عن ما تدعي انها تحيّه من اهداف ثوره الامام الحسين .
وهنا ظهرت امامنا مجتمعات منغلقه على ذاتها تحكمها في تداخلات غريبه معقده رجل الدين العشيره المصلحه البراغماتيه الفساد المالي والاخلاقي والفقر والاميه . وهنا ظهر لنا او تجلى لنا شيئ جديد وهو ليس فقط خروج الطائفه عن شرطها الديني, بل انها تمددت لتشمل نمط وشكل الحياة ايضا . فتعمق تشضي المجتمع الى كانتونات طائفيه لا تقبل الاخر ولا تريد التعايش معه اطلاقا, وهنا بدات مؤامره الذات على الذات العراقيه بتحطيم نفسها . فالتعايش في اي وطن مثل جهاز المناعه لدى الانسان, ان تعطل تقوم الخلايا بقتل نفسها و قتل غيرها من الخلايا .
اما الحلقه السياسيه العليا في العراق فهي طائفيه بامتياز ان صلت مفتوحه الذراعين ام ضامتهم , رغم انها بعية كل البعد عن الاهداف الاساسيه التي نشاءت الطائفه عليها . فلم يتبقى من ثورة الامام سوى لعن معويه ويزيد لاهداف سياسيه. دون الخوض في شكل دولة بني اميه , بل الاكتفاء بان الامام جاء ليطالب بحقه في السلطه . اما في المجال العام اي الجماهير فهي تلطم على رجل توفي قبل حوالي 1400 سنه وتطالب الاولياء والصالحين لتحسين امور الدنيا دون ان تعي ان من يظلمها حاليا هو ابن طائفتها نفسه ويقف الى جانبها ويتسابق معها في اللطم والبكاء . وهنا نجد ان الفضاء العام اي الجماهير لا تقع تحت تاثير او سيطرت السلطة السياسيه بل تحت سيطرة رجل الدين, وهذا تجلى واضحا عندما دعى السيستاني بفتوة الى المشاركه في الاستفتاء على الدستور وعلى الفتوة لانتخاب قائمة معينه كانت مشاركة الناخبين تصل الى 70% من القوى المؤهلة للانتخاب, واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان السنه قاطعوا تلك الانتخابات نستطيع ان نستنتج ان الغالبيه العظمى من الشيعه ساهمت بالانتخابات استنادا الى دعوه دينيه-طائفيه بامتياز. وتعود انتخابات المجالس او الحكومات المحليه لتؤكد نفس الظاهره, الا وهي خضوع الجماهير لسطوة رجل الدين بارادته , فعندما لم تفتي المرجعيه باي شي بقي الرجل العادي حائرا ماذا يفعل , فلم يكن وعيه ناضجا لان يقرر هو وبنفسه من ينتخب فكانت نسبه المشاركه 40% فقط. وانا بتصوري ان انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات لا تعود الى وعي ورفض الجماهير للسياسات الطائفيه بل لان الجماهير لم تمتلك وعيا بسيادة مصائرها
اما الحلقه العليا من السلطة في العراق فان مجال سطوتها ضيق . لهذا تعتمد على الجيش والامن ومجموعه من ابناء الطائفه نفسها وما يجمعهم هو الولاء والولاء فقط, وهذا ايضا يفسر ان ضمن تلك الحلقه العليا ضباط كبار يشملهم قانون الاجتثاث الا ان رئيس الوزراء لا ينفذه بحقهم لانهم مخلصين له ومن طائفته . وتحاول السلطة بين الحين والاخر زياده رصيدها او "سمعتها" عبر وسيلتين
1- استقدام الماضي باستمرار واستقدام ذكريات تاريخيه ولكن يجب ان تكون ذات مدلول سلطوي , فهي لا تستخدم التنميه البشريه لكسب الجماهير عبر تقديم الخدمات لهم . فهي تقول ان الامام جاء الى كربلاء من اجل السلطة التي سلبها منه الامويون . وتخفي ان السبب الجوهري هو الغنى الفاحش للاموين على حساب جماهير فقيره مدقعه وعلى حساب مقاتلين في صدر الاسلام .
2- تقديم رشوه لكسب فئات معينه . ولما كان العراق دولة ريعيه, اي دوله تعتاش على السوق العالميه في تصدير النفط وان السلطه السياسيه هي المالك الفعلي والمسيطر على تصدير النفط وقبض عائداته اي دولة "تنابله", كل هذا سهل على السلطة شرعنه الفساد المالي والاداري والمحسوبيه وتقديم رشاوي من غير حساب لهذا ام ذلك من شيخ عشيره ام رجل ذات نفوذ او سمعه .
ومن الامور التي تبدو غريبه ان السلطه في العراق لا تبدي اي اهتمام لابناء طائفتها . لان جل اهتمامها منصب على السلطة نفسها وابتعدت بفراسخ عن ما كانت تنادي به من حقوق الطائفه قبل الصعود للسلطه . الا انها حالما شعرت بخطر يهدد سلطتها وليس الطائفه فانها تستقدم وتهيج كل المشاعر الطائفيه والتضامن الطائفي , وهنا تعيد انتاج نفس النموذج السابق القومي في الحكم , وهو نفسه ايضا في جميع الدول العربيه, الا وهو السلطة ,
والسلطة الدينيه-الطائفيه بالضروره تمارس استبداها على مخالفيها بالراي ولا تتحرج من استخدام اقسى انواع العسف ضد معارضيها حتى ان كانو من ابناء طائفتها لان الجماهير ليست مركز اهتمامها بل السلطة . الا ان السلطة تحتاج الى الجماهير من اجل الاتخابات لتصوت لها , لكن الجماهير بعيده عن سطوة السلطة السياسيه لانها مسلمة امورها لرجل الدين . هنا نجد ان السلطة الدينية-الطائفيه تستخدم ودون حياء خطاب طائفي تستخدم فيه ما يتفق مع وعي الجماهير تلك وتتغزل برجال الدين المسيطرين على وعي الجماهير , فتستخدم خطابا متخلفا , طائفيا بتصورات اسطوريه لا تقبل التوثيق .
#د_اثير_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟