أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - ( حدث هذا قبل نصف قرن ( 2 ــ 4















المزيد.....

( حدث هذا قبل نصف قرن ( 2 ــ 4


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 1192 - 2005 / 5 / 9 - 11:45
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


حدث هذا قبل نصف قرن - القسم الاول
أصعب عام في العهد الملكي المباد ( 2- 4 )
في أول مواجهة لي في السجن اخبرت رسولاً من المنظمة ، بانني أريد أن اضرب عن الطعام إحتجاجاً على وجودي في السجن الأنفرادي . أجابني الرسول بانه يحمل اليّ توصية بان أتجنب الأصطدام بمدير السجن عبد الجبار أيوب ... وإن محكوميتي قصيرة و يجب أن أقضيها بسلام. لم يتركني مدير السجن بسلام، فقد وضع معي رجل غير سليم عقلياً أسمه شيخ عمران. كان قصير القامة وعيناه شهلاوتان وواسعتان. نظراته توحي، من النظرة الأولى اليها، بأن الرجل غير سليم عقليا. لم يكن عدوانيا ، كل أزعاجه هو إنه يشتم أحيانا، وبدون مبررأو سابق إنذار، ماركس، إنجلس، لينين، ستالين. فهد. وفي كل مرة يقوم بذلك، تتولد لديً رغبة بان أصفعه على فمه فاتذكر توصية الحزب... فأكظم غيظي. في أحد الأيام هددته بانني ساحبسه بالغرفة إذا ماكرر شتائمه وكنت جادا في تهديدي ، فكفَ عن ذلك .

كنت قد إستأنفت الحكم لدى محكمة إستئناف الحلة، فاستدعتني المحكمة مرتين، وفي المرتين لم يُحضروا كاظم (شريكي في القضية) .ولأن التأجيلين لم يكونا بسببي؛ فكان ليّ الحق أن اطلب إطلاق سراحي بكفالة. وفعلاً قدمت الطلب ووافقت المحكمة على إطلاق سراحي يكفالة 100 دينار. عند وصولي الى كربلاء، مع الشرطي الذي كان يحرسني ، صادفت أحد جيراننا في الطريق، فرافقنا وتكفلني . كان الوقت قريب المغرب ولم يكن في مركز الشرطة سوى المفوض الخفر. وهذا يعني بان جهازالأمن لايعرف قضية اطلا ق سراحي بكفالة، إنهم يعرفون بأنني سجين. فاردت أن ألعب عليهم، في حالة ظنهم بأني هارب من السجن. فذهبت بسرعة الى البيت لأخبرهم بإطلاق سراحي؛ ومن ثم ذهبت مسرعاً الى مكان تواجد رجالات الأمن، أمام باب صحن الحسين بإتجاه شارع علي الأكبر. مشيت أمامهم ... لقد فوجئوا ولكن لم يعترضوا سبيلي، خلافاً لرغبتي، فقد كنت اريد ان أخيب أملهم واضحك على عقولهم!!

بعد إسبوعين إمتثلنا، أنا وكاظم، أمام محكمة الأستئناف فأكدت حكم محكمة الجزاء فعدت الى السجن الأنفرادي بجانب "المعتوه"شيخ عمران. عندما بلغت بتأريخ التخلية(موعد خروجي من السجن) لم تحسب إدارة السجن، سهواً، الأيام ال 13 التى كنت فيها مطلق السراح بكفالة من قبل محكمة الأستئناف. ولأن شيخ عمران كان يعرف التاريخ الصحيح للتخلية ، فقد هددني بإخبار الدائرة ! خيّرته بين أمرين، أما أن يسكت وسأعطيه كلما سيتبقى عندي من سكر وشاي ومعلبات، أو ان يخبر الأدارة وعند ذاك سأخنقه ؟! ففضًل الخيار الأول! طبعا لم أكن جدياً قي تهديدي ، ولكن تجربة معايشتي لعناصر متنوعة من الموقوفين العاديين، خلال فترات توقيفي الكثيرة، علمتني،الى حدما، إختيار الأسلوب ألمناسب للتعامل مع كل صنف منهم على حدة، حفاظا على كرامتي ودفاعا عن نفسي.

في يوم إطلاق سراحي جُلبت الى المدير فقال لي"اترك الشيوعية فذلك أفضل لك، وإلا فإن مصيرك الحتمي هو العودة الى هنا ، وعند ذاك سأجبرك على تنظيف المراحيض" [1] قلت له: "انا أنهيت محكوميتي و سراحي مطلق اليوم ، وليس محكوم عليّ وعائد الى السجن".

خرجت من السجن فرحاً وكلي أمل بلقاء حميمي مع الأهل والأصدقاء.عند وصولي للبيت. لم الاحظ في الوجوه ما توقعته بل بالعكس، فالوجوه كانت واجمة، عرفت بأن والدي مات، في اليوم السابق لأطلاق سراحي ؟!. وهو لم يبلغ الخمسين عاما. وقد توفت والدتي قبله بستة أشهر بسرطان الرحم. لقد طلب مستشفى الراهبات مبلغا من المال لإجراء عملية إستئصال الرحم، ولكن العائلة لم تتمكن من تدبيرذلك المبلغ، وبالتالي توفت والدتي عن عمرتجاوز الأربعين بقليل، مخلفة وراءها سبعة اولاد وبنتان الأولى أكبر مني والثانية تسلسلها السابع. وحصل موقف لن انساه خلا ل وفاة والدتي. وهو إني لم اكن ابكي وهي على فراش الموت لكي لا تنهار معنويات اخوتي، فقد كنت الأخ الأكبر، فقد كانوا ينظرون في عيوني خائفين وحائرين وكنت اتحاشى نظراتهم وأكبت حزني. وعندما وصل أخي مجيد ــ إثر البرقية التي ارسلناها له الى الديوانية، حيث كان يؤدي خدمة العلم ــ وشاهد حالة أمي، فأنفجر بالبكاء، فإنفجرنا جميعاً بالبكاء والنحيب.

لم أتذكر بأني بكيت ونحبت بهذه الحرقة والإنفلات لاحقاً، في حياتي، سوى مرتين: الأولى عندما خرجت من العراق بجواز سفر مزّور الى الكويت في كانون الأول1979 . وعند توديع الذين رافقوني، وهم عائدون الى الوطن ثانية، على الحدود العراقية ــ الكويتية لم اتمكن من السيطرة على نفسي، فأخذت ابكي وانحب، والآخرون يواسونني،وأنا جالس على الأرض. كان من بين الحضور عدنان ديبس وخضيرعباس السماوي. حيث كنت لا أأمل ان ارى العراق ثانية. والمرة الثانية قبل سنتين، عشية الحرب على العراق، وانا إفكر بمدى التدمير والضيم الذى لحق وسيلحق بهذا الشعب والوطن المغلوب على أمره؛ وإذا بي أشاهد وجه إمراة عراقية، تلبس الملابس التقليدية (العباءة والشيلة)، على شاشة التلفاز، يعبرعن كل هذا القهر والضيم الذي لحق وسيلحق بالعراق؛ فإنفجرت... فهل إني أبالغ إذ أقول باني تحولت، بفضل علاقتي بالحزب الشيوعى العراقي، الى إنسان يعشق وطنه؟؟.

في ربيع 1955 وصل الى كربلاء مدير شرطة جديد إسمه جواد أحمد. كان، كما اشيع في حينه، يعرف نوري السعيد شخصياً، وقد وعده بتصفية الشيوعية في كربلاء. وفعلا تمكن من استحصال (البراءة) من الشيوعيين المكشوفين الذين كانوا متواجدين آنذاك في المدينة. وقد إستدعاني المدير الجديد وهددني وأمر بإعتقالي. وفي اليوم التالي جاء عمي حسن الحلوائي لزيارة مدير الشرطة ليتوسط من اجل إطلاق سراحي . كان عمي من برجوازية المدينة ولديه علاقات جيدة مع المسؤولين والموظفين الكبار فيها. وكثيرا ما كان يدعوهم الى بيته ليشربوا الخمرويأكلوا ما لذ وطاب. . لم أعرف ما دار بين عمي ومدير الشرطة. الذي حصل، إن عمي جاء فاغرا فاه طالباً مني، بحسم، أن اعطي (براءة) وساخرج حالا، وإلا فإنه سوف لن يشاهد وجهي مرة أخرى. فرفضت طلبه. وفعلاً لم يرَ وجهي إلا بعد ثورة 14 تموز .كان محبطاً جدا؛ ولم يعش طويلاًً ومات بمرض تشمع الكبد. أطلق مدير الشرطة سراحي مانحاً إياي مهلة بضعة أيام لمراجعة نفسي، وإلآ سيعرف كبف ينتزع (البراءة) مني؟!

بعد بضعة أيام إستدعاني مدير الشرطة مجدداًً . وعند وصولي الى باب مكتبه وجدت كل شخصيات الحزب الوطني الديمقرطي في كربلاء ينتظرون هناك. عندما دخلنا عليه ألقى علينا محاضرة ضد الشيوعية وأنصار السلام. طالباً منّا الأخلاص للوطن والحكومة التي تسهر على مصلحتنا!! وإن دليل ذلك الأخلاص هو إعطاء (البراءة). بعد ذلك طلب منًا أن نقف في جهة واحدة من مكتبه. ومن ثم أمر الذين يريدون أن يعطوا ( البراءة) بأن يتحولوا الى الجهة المقابلة، وأمرني ب "لطف" أن أبقى في مكاني، محاولاً الإيحاء للآخرين بأن موقفي مزّيف. تحول الجميع الى الجهة الأخرى. وقد أسمعني الذين كانو يقفون بالقرب مني همساً ما يعني اكتشفناك؟! (ها يابَ).

عندما وجد مديرالشرطة بان حيلته لم تنطل عليّ ولم تؤثر سلباً على معنوياتي. أخرجوا الجميع من المكتب ليقفوا في الباب متفرحين. طلب منًي أن اشتم لينين، فرفضت. طلب مني ان أفتح يدي لكي يضربني بعصاه، فرفضت. فغضب بشدًة، فاخذ يضربني بشكل عشوائي متجنباً رأسي . وكنت اتحرك في الغرفة كنوع من الدفاع عن النفس. ولم أعبرعن توجعي (لم أقل آخ) . طلب منًي أن أشتم السيد الحسين ... أن أشتم يزيد بن معاوية ، فرفضت؛ فصاح بصوت عالٍ أنظروا... انظروا ،إنه يشتم الحسين ولكن لايشتم لينبن؟! (شوفو...شوفو سّب الحسين او ماسّب لينين). فقلت بصوت عالٍ بحيث يسمعني الذين يقفون بالباب "انا لاأشتم احداً بالقسر حتى لو كان ذلك يزيداً." فجنً جنونه، فأخذ يضربني بشدة أكبر. وقد كان المدير ضخم الجثة، فتعب وأخذ يلهث وينضح عرقا. وعندما جاءت احدى ضرباته بالحائط إنكسرت عصاه. فكف ًعن الضرب، طالباً إخراجي لأنه لايريد أن يرى وجهي؟!

بعد حوالي إسبوعين قدمت مذكرة جديدة للقاضي طالبا، اما تقديمي للمحاكمة، واما إطلاق سراحي بكفالة؛ وإلا فسأضرب عن الطعام حتى تحقيق احد المطلبين. اطلق سراحي بكفالة في اليوم التالي لتقديم الطلب.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ حكمت عليه محكمة الثورة، بعد ثورة 14 تموز بالأعدام. ونفذ الحكم فيه.



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث هذا قبل نصف قرن 1ـ 4
- وقفة تأمل
- ملاحظات حول مقال الأستاذ حامد الحمداني - مسيرة نضالية شاقة.. ...
- هل فازت أم خسرت قائمة -اتحاد الشعب- ؟


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم الحلوائي - ( حدث هذا قبل نصف قرن ( 2 ــ 4