أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الحزب الشيوعي السوداني - سكرتير الحزب الشيوعي السوداني: الخطاب الديني يمثل غطاءً لفساد النظام والهوس الديني أخطر منه















المزيد.....


سكرتير الحزب الشيوعي السوداني: الخطاب الديني يمثل غطاءً لفساد النظام والهوس الديني أخطر منه


الحزب الشيوعي السوداني
(Sudanese Communist Party)


الحوار المتمدن-العدد: 1190 - 2005 / 5 / 7 - 11:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


سكرتير الحزب الشيوعي السوداني في حوار شامل مع «البيان» (2 ـ 2):
الخطاب الديني يمثل غطاءً لفساد النظام والهوس الديني أخطر منه

البيان 5 مايو 2005

هذه الحلقة وهي الثانية والأخيرة من الحوار مع سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد إبراهيم نقد، استهدفت التوغل في الجانب الإنساني لسياسي محترف عاش نصف سني عمره في العمل السرّي هرباً من القمع، وألقى الرجل السبعيني في الحوار معه إضاءات على مشاهد من حياته الخاصة إبان فترة الاختباء ضمّنها مشاهد يشوبها الحزن والغضب والعجز.
وطرح نقد قراءة نقدية للتغييرات التي طرأت على المجتمع السوداني عامة والخرطوم خاصة، من كوة الاختباء فانتقد بشدة مظاهر تزييف المدينة والتغيير الديموغرافي الذي «جرح وجه العاصمة بكتلة بشرية مرهقة متربة متحركة دون دافع وعلى غير هدى وبلا هدف»، حسب تعبيره، كما انتقد الرغبة الجامحة في الاستحواذ على السيولة والثراء غير المشروع بحيث أصبح اختلاس المال العام بنداً ثابتاً في موازنة الدولة الرسمية، وعرض نماذج من فنون «الاستهبال» المُمارس لتحقيق تلك الرغبة.
كما انتقد تغييب الثوب السوداني التقليدي للمرأة والاستعاضة عنه ببرقع وافد لا يلائم البيئة السودانية، وليس أكثر حشمة من ثوبها. وسخر من إطلاق أسماء مستجلبة على أحياء سكنية وشوارع ومشاريع. وقال إن الحياة المسائية في الخرطوم فقدت حيويتها وغاب البديل عن التلفزيون أمام العائلات للترويح والتثقيف.
ووصف المجتمع بأنه في حالة انتظار، ولكنه «الانتظار المتبلّد»، إذ يخلو من القلق المصاحب للانتظار عادة كما يغلب عليه الاكتئاب الصارم، حسب وصفه. وأكد سكرتير الحزب الشيوعي أن كل القوى السياسية في السودان عانت من قهر الشمولية، ودخلت مرحلة من الكمون أورثها التخلّف.
وراهن على نقلة نوعية داخل حزبه بموجب مؤتمره المرتقب، لكنه راهن أكثر على أن تتحوّل الديمقراطية المنتظرة إلى تجربة دائمة. وأكد ثقته في قدرة النقابات على استعادة حريتها وفاعليتها، ونفى اللامبالاة عن المجتمع السوداني، وعزا ركونه إلى السلبية تجاه أحداث ساخنة، إلى سعة طاقته على التخزين وامتصاص الأزمات بعدما أرهقته الأنظمة الشمولية بالصدمات والجوع. وشدد على أن الخطاب الديني قصد نشر مظلة لغطاء فساد النظام وأصحاب المصالح. وقال إن الأخطر من الخطاب الديني هو الهوس الديني الذي أفضى إلى مصرع مصلين داخل مسجد.
* يبدو ثمة مشابهة بين من يعيش تجربة الاختباء ويقع في الأسر، هل راودك إحساس من هذا المنوال؟
ـ بل سقطت أسيراً للحزن الفادح والعجز عندما توفيت شقيقتي وهي عزيزة عليّ بداء السرطان. بلغني الخبر بعد ساعة على وفاتها، وبالطبع أعلم عنوان سكنها وأدرك مدى حزن الأهل ولم أستطع المشاركة.
أنت هنا في حالة تنازع تود المشاركة والمقاسمة والعزاء ولو لخمس دقائق لكنك لا تستطيع ذلك.
شعب أرهقته الأنظمة الشمولية
* هل يمكن أن يتحوّل هذا الإحساس إلى غضب؟
ـ بل انتابني شعور بالحزن الغاضب، عندما وصلني نبأ وفاة عضو الحزب عبدالمنعم رحمة تحت التعذيب المُمارس من قبل أجهزة الأمن في مدني. لا أنسى أنني ظللت طوال ذلك اليوم في حالة من الغضب والصمت.
الذي لم يكسره سوى بيانات الاحتجاج التي أصدرناها. كانت بالفعل صدمة أخرى مماثلة انتابتني عندما اتصل أحد أعضاء الحزب من الطلاب طالباً مقابلتي على عجل على غير المألوف، فخرجت سائراً مسافة ربع الساعة حيث المكان المحدد للقاء، فوجدت صوته مختنقاً بالعبرات.
وذلك أن طالباً جامعياً اسمه محمد عبدالسلام مات تحت التعذيب دون جريرة، فقد كان أحد مجموعة من الطلاب الذين دفعوا رسوماً مقابل الحصول على «مراتب» للنوم عليها. ولمّا لم يتم الوفاء مقابل الرسوم قصدوا مستودعاً وأخذوا ما يستحقون، فتم اعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت.
هذا مشهد يوضح إلى أي مدى أصبح الإنسان رخيصاً.
* عندما لقي طالب جامعي مصرعه برصاص العسكر أشعل ثورة. كان ذلك الطالب يدعى أحمد القرشي وكانت تلك ثورة أكتوبر 1964، ثمة عدد من الطلاب الجامعيين لقوا مصرعهم، فيما بعد، برصاص العسكر أو بأيديهم ولكن لم يشعلوا شرارة ثورة. لم ذلك؟
ـ بالفعل حدثت تصفية جسدية وراء تصفية جسدية.
واغتيال بعد اغتيال، وموت وراء موت وسط الطلاب دون رد فعل مماثل لما حدث في أكتوبر. الشعب لم يصب باللامبالاة غير أن المجتمع أصبح قادراً على امتصاص الأزمات. طاقة التخزين لدى الشعب للصدمات أصبحت أوسع وأعمق، فقد أرهقته الأنظمة الشمولية بمسلسل من الصدمات المتنوّعة والمتعدّدة.
التغيير الديموغرافي في الخرطوم
* كنت قد ناديتُ في حوار لي معك سبق تفاقم أزمة دارفور ومع بدء مفاوضات مشاكوس بالإعداد لـ «مشاكوس» خاصة بمعالجة أزمة دارفور، هذا التنبيه المبكر ولّد لديّ إحساسا بأنك تتأمل في عزلتك الوضع السوداني من الخارج بذهنية صافية. إذا صح هذا الانطباع فما هي التضاريس المستجدة التي طرأت على المجتمع السوداني كما بدا لك المشهد من كوة الاختباء؟
ـ أولاً من الواضح التغيير الديموغرافي الذي طرأ على العاصمة بالإضافة إلى تزييف المدينة. عندما تكون في مشوار في أي من الشوارع يكون المشهد مألوفاً لديك بسكان الطريق ومنعرجاته ومعالمه الرئيسية، غير أن ذلك الشارع لم يعد ذلك المكان الذي عرفته وألفته، فالأهم من الأبواب والنوافذ البشر الذين كنت قد ألفتهم ولم تجدهم. بدلاً عن أولئك تصادفك كتلة بشرية متربة مرهقة لفتحها الشمس وهي كتلة متحركة دون دافع وبلا هدف كأنما من لا مكان إلى لا مكان.
* ما هي المفارقات الجارحة التي طرأت على المشهد الاجتماعي في الخرطوم؟
ـ كان من المألوف خروج سكان العاصمة في الصباح من منازلهم إلى أماكن العمل ثم العودة عند الظهيرة لتناول وجبة الغداء ـ جماعة داخل الأسرة ـ وعقب القيلولة يخرجون لممارسة ضروب من النشاط الاجتماعي كالمزاورة والترويح الثقافي والسياسي. هذا النمط الحياتي لم يعد موجوداً. العربة أصبحت سيدة الشارع وليس الإنسان. العربة بكل أنواعها وأشكالها بدءاً من «الكارو» وانتهاء بالمرسيدس.
فنون الاستهبال من أجل المال
* هل صاحب ذلك تحول في سلوك البشر؟
ـ من الملاحظ الرغبة الجامحة في الاستحواذ على السيولة يتجلى هذا في مستويات متعددة على نطاق المجتمع.
على المستوى العام أصبح اختلاس المال ظاهرة لم تعد تثير الانتباه أو المشاعر، وأصبح بنداً ثابتاً في ميزانية الدولة السنوية. فمع تقديم كل موازنة يعلن وزير المالية عن مبلغ محترم مختلس، وتأكيد استعادة ذلك المال المختلس أو إعلان استرداد جانب منه.
غير أن العالمين ببواطن الأمور يقولون إنك تستطيع اختلاس 50 مليون دينار مثلاً، وتعقد بها صفقات رابحة ومن فائض أرباح المبلغ المختلس يمكنك أن تعيد للدولة مالها. أي ان المال العام يدور في المسافة الزمنية التي تحدد دورات عدة، ويحقق أرباحاً من باطنها يسدد المختلس ما حصل عليه دون وجه حق، الاسترداد لا يشمل بالطبع خسارة إضافية تتمثل في الفرق الناتج عن قيمة العملة بين وقت سرقتها وموعد إعادتها.
وتشكل الجباية الحد الأدنى لظاهرة الاختلاس، إذ أصبح من الممكن أن يستوقفك أي شخص، وربما أشخاص عدة تحت أي مظلة على أي طريق بري بذريعة جمع رسوم ولا يتردد أي منهم في تزويدك بإيصال استلام وأنت لست على يقين ما إذا هو مفوض بالفعل من جهة رسمية للقيام بهذه الجباية، أم انه «مستهبل»، إذا كان ذلك الرجل محقاً، فهناك آخرون ليس معهم وجه حق في ممارسة ضرب آخر من «الاستهبال»، لنفترض انك رجل أعمال مقيم في الخرطوم.
واتفقت مع شركة في الخارج على صفقة وطلبت منها أو رغبت هي في إيفاد مندوب لاستكمال الصفقة. إذا علمت جهة رسمية بهذا الأمر ولها مصلحة في الصفقة، فستعمل بما لديها من نفوذ في السفارات السودانية وإدارات الجوازات والمطار لمعرفة وصول الوفد إلى الخرطوم.
وتلتقطه وتذهب به إلى مكان مريح وتقنعه بأنها أفضل من الزبون المعني، وتستخدم في ذلك أدوات الدولة وسطوتها. هذه ليست قصة من نسيج الخيال وإنما تجربة واقعية حدثت مع عدد من رجال الأعمال الذين تدخل عدد من شاغلي المواقع المتنفذة على صفقاتهم وتركوهم مكشوفين في العراء.
الثوب أكثر حشمة من البرقع
* هل هناك ملمح يتعلق بالمرأة خاصة؟
ـ نعم، الأثر السلبي الذي تركه ما أطلق عليه «النظام العام» في الشارع، كانت المرأة السودانية محتشمة في ثوبها السوداني التقليدي، وهو أكثر حشمة من البرقع الإيراني أو السعودي. كما ان اللون الأسود الذي يميز البرقعين الدخيلين لا يناسب البيئة السودانية، في حين ان اللون الأبيض الذي يغلب على الثوب السوداني بل هو طابع المرأة العاملة يمتص الحرارة.
في سياق هذا الاستجلاب والاستلاب تجد تبديل أسماء الأماكن السكنية منها والحضرية والريفية من أسماء تاريخية سودانية صرفة إلى أسماء من الخارج كأنما وضع البعض خريطة الجزيرة العربية وأخذوا منها أسماء لأحياء وشوارع سودانية.
هل سمعت بمشروع زراعي اسمه سندس. هذا المشروع أعلن عنه في بداية التسعينات في منطقة جبل أولياء شرقي شارع الخرطوم ـ ربك وجمعت أمواله من المغتربين، وتم الاتفاق مع شركات صينية لجلب معدات حفر القنوات وتمهيد الأرض ولم يقم المشروع، وظل اسمه بينما توجد أصلاً قرى لها أسماء. فمن فرض الاسم سندس؟ هل هي مسألة مزاج؟ لو نقلنا اسم «الربع الخالي» مثلاً إلى منطقة في السودان، فهل يزيدنا ذلك إسلاماً؟
ـ هذا الهوس الديني في التشكيلات هو الذي فرض تغيير أسماء الأحياء والشوارع أو استجلابها كأنما لم يعرف السودان الإسلام قبل الإنقاذ.
الاكتئاب الصارم
* أود التركيز على الإنسان أكثر من المكان في استكشاف التحولات.
ـ وأنت تتأمل تلك الكتل البشرية الساهمة تحس قدراً من الاكتئاب الصارم، إذا جاز هذا التعبير وإذا جاز وصف إنسان به.
الاكتئاب الصارم سمة عامة تقرؤها في وجوه الجميع.
كما انك تكتشف ان جميع السودانيين في حالة انتظار. فهناك من ينتظر وسيلة مواصلات أو من ينتظر شخصاً لاستكمال مهمة أو إنجاز معاملة رسمية، وهناك من ينتظر استصدار شهادة سواء كانت شهادة دراسية أو إخلاء طرف من الخدمة الإلزامية وهناك من ينتظر إبرام صفقة، وهناك من ينتظر تأشيرة لمغادرة الوطن، رغم ذلك فإن المجتمع يخلو من ذلك القلق الذي يصاحب الانتظار عادة، فالحاضر هنا هو الانتظار المتبلد.

وبلفت النظر كذلك ان الحياة المسائية في الخرطوم فقدت حيويتها. وحياة العاصمة المسائية لم تكن ماجنة دائماً كانت في غاية الانضباط ومنتهى التحضر ولكن العائلات لم تعد قادرة على الخروج لتروح عن نفسها، فهي لا تجد أماكن مناسبة بأسعار مناسبة، وعليها أن تدفع كلفة باهظة مقابل المواصلات ورسوم الدخول والخدمات، لذلك أمسى التلفزيون هو البرنامج اليومي والسعداء هم الذين يملكون أطباقاً لاقطة تتيح لهم التنقل بين المحطات ولكن الوسط العام يواجه تلفزيون السودان بكل ما فيه من رتابة.
* ألم تكن هناك مفارقة سعيدة إبان الاختباء؟
ـ بلى فقد دأب عدد من أبناء الدفعة الذين تلاقوا في مدرسة حنتوب الثانوية على تنظيم لقاءات شهرية في منزل أحدهم في احدى ضواحي الخرطوم، وحدث أن دعوني وستكتشف بعد طول الغياب ما كنتم عليه وأنتم في سن تتراوح بين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة، وأصبحتم على عتبة السبعينات، ماذا فعل بك الزمن؟
أنت تكتشف ذلك في الآخرين، حيث باتت الاخاديد وسرح الصلع واحدودب الظهر وكثرت الشكوى من أمراض كالضغط والسكري وتنصلت الأسنان.
كان تواجدنا معاً فرصة لإحياء ذكريات الشباب وليس الشباب نفسه، فكان واحداً من أسعد أيامي بالفعل إبان الاختباء فهو يوم جميل بشكل مطلق.
الوالدة تحملت كثيراً كثيراً
* بعد قضاء نحو 36 سنة في العمل السري على ثلاث مراحل، ألم يترك ذلك انعكاساً على المحيط العائلي يفرض عليك احساساً خاصاً تجاهه؟
ـ الوالدة عانت كثيراً كثيراً بسببي من وراء الملاحقة والتشريد والاعتقال والسجن والاختفاء. هي حالياً طريحة السرير، وقد لطف بها الله وحباها بنات يبادلنها وفاء بوفاء. كنت دائماً أدخل عليها فأجدها في حالة حركة. حالياً أمست في حالة سكوت تغيب عن الذاكرة أحياناً.
هذه الصورة في حد ذاتها ومنفصلة عن كل الصور الأخرى فيها من العزاء الكثير، إذ إنني أستطيع أن أكون إلى جانبها في هذه المرحلة من حياتها.
*ما هي التغييرات التي لامستها داخل المحيط العائلي وأنت عائد إليه هذه المرة عمّا كانت عليه في المرتين السابقتين؟
ـ عندما بدأت مؤخراً فض الحقائب والصناديق من محتوياتها التي تركتها يوم اختبائي في 18 فبراير 1994 أصابني فيض من الحنين (نوستاليجا) وأنا أراجع مذكرات العمل اليومي ومشاريع المقالات والدراسات التي كنت قد بدأتها.
هناك فارق، فعندما خرجت من الاختباء الذي صاحب عهد عبود من 58 إلى 1964 كنت أواجه أزمة سكن. إذ كان عليّ البحث عن مكان للإقامة، وقد تنقلت من صديق إلى آخر. كذلك كان الحال عندما خرجت من الاختباء في فترة نظام نميري من 1971 إلى 1985، هذه المرة وجدت العائلة قد شيّدت منزلاً وتجمعت فيه وحفظت أمتعتي وأغراضي ومكاناً لي.
الأحزاب في منطقة رمادية
* ننتقل الآن من العائلة إلى الحزب، فهل المؤتمر الذي تعدون إليه هو الخامس أم أنه الأول من حيث طريقة الإعداد إليه والقضايا التي تناولها؟
ـ أياً كانت القرارات التي سينتهي إليها المؤتمر، فهو الخامس من حيث الترتيب الزمني. نحن لسنا بصدد تأسيس حزب جديد، وإنما نعتزم تجديد حزبنا بمعنى تطوير برنامجه ونظامه الداخلي وتطوير حياته الداخلية وتطوير خطابه السياسي حتى يواكب المتغيرات المحلية والعالمية ويتأثر بها ويؤثر فيها.
هذه العملية لا تنتهي بانفضاض المؤتمر وإنما يضع المؤتمر قرارات ويحدد مهام من شأنها أن ترقى بمستوى أداء الحزب وتعالج السلبيات.
* ما هي أبرز تلك السلبيات؟
ـ السلبيات نوعان، أولاً الحياة السرية بطبيعتها سلبية وقد عاش الحزب نحو 36 سنة في العمل السري مما فرض عليه الكمون والموقف الدفاعي.
* معظم الأحزاب ـ إن لم يكن جميعها ـ دفعت ضريبة عالية بفعل الأنظمة الشمولية في السودان؟
ـ كلنا أمل أن تستقر ديمقراطية مستدامة في السودان كيلا تعود الحركة السياسية إلى المربع الأول. صحيح أن المسألة ليست وقفاً على حزبنا، بل أصبحت كل القوى السياسية تعاني من قهر الشمولية الذي صادر نشاط الأحزاب ولاحق القيادات. كل الحركة السودانية السياسية عانت ودخلت حقبة من الكمون مما أورثها التخلف والرهان على استدامة الديمقراطية المقبلة.
* يتحدثون حالياً عن هامش ديمقراطي؟
ـ هناك نوع من الانفراج السياسي الناجم عن خلل في موازين القوى المنهكة ولكن لا يوجد استقرار ديمقراطي تحت قوانين الطوارئ. الأحزاب تتحرك حالياً في منطقة رمادية ولن تكون هناك ديمقراطية ما لم يسترد الناس حقوقهم. حقوقهم في التنظيم والتعبير وبما في ذلك حقوقهم في العمل ذلك بالنسبة لمن تم تشريدهم.
* ما هي ملامح التغييرات المحتملة في مؤتمر حزبكم؟
ـ ستتم إجازة الدستور وطرح برنامج التطوير لمواكبة المتغيرات التي يشهدها العالم، مثل المتغيرات في بنية النظام الرأسمالي العالمي سواء في البلدان الرأسمالية المتقدمة أو انعكاساته على دول العالم الثالث بالإضافة إلى أثر الثروة العلمية الاجتماعي ومصير التجارب الاشتراكية في الصين وفيتنام وكوبا وتوجه الحركة المعادية للامبريالية فهي حركة أصبح لها وجود ونشاط وتتسع صفوفها وهي حركة عمالية تكتشف أراضي جديدة وشعارات حديثة.
العراق مدخل وليس نهاية
* ألا تشهد المنطقة العربية ما يستوجب الدراسة؟
ـ خذ عندك حرب العراق، فهي مدخل لتغييرات وليست نهاية أو هدفاً في حد ذاتها. وهناك الاستراتيجية العسكرية التي تدخل السودان ضمن القرن الافريقي وتلحق منطقة القرن باستراتيجية ممتدة إلى أواسط آسيا.
* هل تعتقد أن في وسع مؤتمر واحد بحث كل هذه المتغيرات وبلورة مهام وأفكار بشأنها؟
ـ في تصوّري أن المؤتمر سيكسر حاجزاً طال أمده، وهذا أمر في غاية الأهمية وكلنا سنتجه حتماً إلى عقد مؤتمرات خارج الشكل التقليدي لإشراك كادر الحزب في بحث هذه المتغيرات بما في ذلك عقد مؤتمرات تداولية بغية توحيد الحزب ومواقفه تجاه تلك القضايا أو على الأقل تبني مواقف سليمة.
* على الصعيد المحلي، ما هي القضايا التي تتصدر الأجندة؟
ـ بين كل حين وآخر لا تملك إلا أن تسحب حبات المسبحة متسائلاً عمّا إذا كان الجنوب سينفصل أم هناك وحدة وطنية، وتتلمس حسب الحاسة السياسية مؤشرات ذلك الحدث المهم. هناك العديد من مثل هذا النوع يشغل كل السودانيين، بل ربما شعوب المنطقة.
أضف إلى ذلك قضية الإصلاحات والتطوير للمظاهر الشائهة والمشوهة في ميادين الاقتصاد والتعليم وتخطيط المدن والتعامل مع عائدات النفط والقضايا المصاحبة والناجمة عن الأشكال الجديدة للدولة السودانية في ضوء تطبيق اتفاقات نيفاشا.
* لم يعد الحزب يتمتع بذلك الكادر الوافر المتفرغ الزاهد من جيل: كامل محجوب وعبدالحليم عمر، كما ان ظروف الحياة تعقد إيجاد مثل ذلك الكادر، فما العمل؟
ـ نحن ندرك هذا التحدي الكبير وندرك كمّ الهموم، لكننا نحاول التغلب على مثل تلك المصاعب وقد ابتكرنا في هذا الصدد «التفرغ المؤقت» خاصة بين الشباب بحيث يتفرغ شاب سنة لإنجاز مهمة محددة في غضون السنة نفسها نوفر له فيها راتباً مناسباً ربما كان يحلم به ذلك الجيل القديم.
* هل أثبتت هذه التجربة جدواها؟
ـ تفرغ بالفعل في الفترة الأخيرة عدد كبير من الشباب وهناك عدد تطوّع وقدم جميعهم تجارب جميلة. نحن نحاول الاستفادة من قدرات الشباب في مناطق محددة، قفد نطلب من شاب جنوبي مثلاً تجميع أعضاء الحزب الذين عزلتهم الحرب أو استمالة أعضاء جدد. على فكرة قد يستغرق خريج الجامعة سنة أو أكثر انتظاراً لفرصة عمل.
النقابات لم تندثر
* هل يملك الحزب القدرة المالية لإعادة إصدار صحيفته وماذا هو فاعل في غياب وسيلته الإعلامية؟
ـ نحن نستعين بما يتاح لنا من الصحف حتى نستطيع إصدار صحيفتنا.
* اكتسب الحزب تعاطف قاعدة عريضة من الجماهير ليس اقتناعاً بعقيدته السياسية وإنما إعجاباً بطروحات قياداته والتأثر بها، كيف تستعيدون تلك العلاقة الحميمة مع الجماهير؟
ـ بدأنا نفكر في تنظيم المهرجانات السياسية، حالياً مطلوب منك الحصول على تصريح من السلطات ولا تستبعد أن تطالبك ـ إذا وافقت ـ بتنظيم تلك المهرجانات نهاراً، لن ترفض، من المهم مخاطبة الجماهير بصورة مباشرة، ونحن نلحظ المتغيرات في هذا المجال حيث لم تعد الندوات مجرد مناسبة يخطب القادة ثم يذهبون وإنما يواجهون سيلاً من الأسئلة والاستفسارات تشتمل على قدر من التحدي.
* فقد الحزب النقابات التي كانت تشكل أذرعته في العمل الجماهيري والسياسي؟
ـ النقابات لم تندثر رغم أن النظام لم يكتف بإصدار القوانين التي عرقلت النقابات كما فعل عبود ونميري وإنما زاد الإنقاذ عليهما تشريد النقابيين وأعاد بناء تنظيمات نقابية جديدة وفرض عليها قيادات إن لم تكن من أعضاء الجبهة الإسلامية فهي إما من الموالين لها أو انها لا لون لها ولا طعم.
من المؤكد أن تدرك معنى فصل أربعة آلاف من عمال السكة الحديد وإغلاق مصانع الغزل والنسيج والذي ظل منها بات يعمل بطريقة متدنية وتوقفت صناعة الزيوت. كانت هذه هي عماد الصناعات التي نشأت في ستينات القرن الماضي وتلامس الصناعة الحديثة وكان قوام العاملين فيها من الشباب الذين جاءوا من مختلف أنحاء السودان.
* رغم ذلك فلم تتعطل حركة الصناعة في السودان تماماً؟
ـ المصانع التي تعمل حالياً محدودة مثل صناعة الاسمنت في ربك وعطبرة ومصانع السكر في حلفا الجديدة والجنيد وغرب سنار.
كنانة مثل الكيان الأجنبي في المجتمع السوداني وصناعات خفيفة لا تتعدى الحلويات والمياه الغازية والصابون، لكن السوق مفتوحة لكل من يريد الاستيراد.
* أنت تتحدث رغم ذلك عن عدم اندثار النقابات؟
ـ هذا التوجه المستهدف أدى إلى إضعاف حركة الطبقة العاملة لكنه لم ينجح في القضاء عليها أو إزالتها من الوجود.
النقابات القائمة بشكلها الحالي بدأت تمارس حقها في الاجتماع والإضراب وبالتالي فهذا جرس إعلان يعلن فشل سياسة الإنقاذ لمحو الحركة النقابية السودانية، والمسألة أصبحت رهينة بعنصر الوقت من أجل استعادة النقابات فاعليتها الكاملة، أكاد أجزم أن نقابات المهنيين والمعلمين ستقوم بالدور الريادي في هذا السياق ثم تلحق بها نقابات الموظفين والعمال.
المعركة شاقة وطويلة لكنها ليست مستحيلة وهذه سياسة معلنة من قبل حزبنا وليست خفية فالنقابات ستستعيد حرياتها وما حدث في الجامعات ليس استثناء، فقد نجح الطلاب في استعادتهم منظماتهم في الجامعات الواحدة تلو الأخرى. هذه طبيعة المجتمع السوداني بكل ما فيه من حيوية، هو حالياً فقط مجتمع معاق فهذا بلد يعيش الجوع.
الهوس الديني
* أنت تتحدث في ظل نظام ينشر الهوس الديني حتى تحول إلى ما يشبه الواعظ الديني يحث الناس على الزهد في الدنيا من أجل الآخرة؟
ـ هذا صحيح لكن انظر إلى الشرق فهو لا يطالب بحجز مساحة في الجنة دائماً يطرح مطالب دنيوية تتمثل في حقه في السلطة والثروة والتنمية رغم كل الوعظ الديني.
الشرق منطقة موبوءة بالجوع والسل وقضايا مزمنة تعرض إسماعيل الأزهري في سبيلها إلى السجن.
الشرق يطالب بحقه في قسمة الذهب وحقه في عائدات الميناء وسكانه مسلمون يؤدون الصلاة والعمرة والحج لمن استطاع.
* إذن ماذا تقرأ في الخطاب الديني وأبعاده؟
ـ الخطاب الديني مفرغ من حمولة الصدق فهو غطاء لفساد النظام وأصحاب المصالح، كيف يمكن قبول اختلاس من ديوان الزكاة تحت نظام يبشر بالخطاب الديني وينشره.
ومع ذلك فإن الأخطر من الخطاب الديني هو الهوس الديني ذلك الذي أدى إلى مصرع مصلين داخل مسجد في الجرافة.
* أتعتقد أن هناك فرصة لاحتواء مثل هذا الهوس؟
ـ أعرف أن العمل الصبور المثابر يؤتي ثماره دائماً.
* هناك قلق من حدوث انفلات أمني داخل الخرطوم مع التوغل في المرحلة الانتقالية؟
ـ ما هو مصدر القلق؟
* تدفق أعداد من المحاربين من الحركة لديهم تقاليد وثارات أو قل هم اعتادوا على نمط حياة لا توفرها الخرطوم ولا تملك الداخلية القوة القادرة على ضبط النظام؟
ـ هناك اتفاق يحكم وجود القوات وهي قوات منظمة قادرة على الانضباط كما أن قرنق رجل سياسي حصيف وشخصية منضبطة.
* قال المهدي وأكدت أنت لقاء بينكما إبان الاختباء ماذا بحثتما فيه؟
ـ كان المهدي يركز على تأكيد عقد المؤتمر الجامع حتى إذا رفضت الحكومة فعلى القوى السياسية عقده داخل السودان أو خارجه.
من جانبنا كان همنا كيف تضع القوى السياسية ذات القواعد برنامج عمل قابلاً للتنفيذ تجاوزاً للتعامل بردود الأفعال كما دأبت الحركة السياسية ونحن لا نزال نتمسك بهذه الرؤية، ففي اقتراحاتنا المقدمة للتجمع وضعنا اقتراحاً ببرنامج عمل للسنوات الانتقالية الست، أصر من جانبي على تفادي المقدمات والديباجة والرغبات الذاتية والتركيز على مهام محددة لكل حزب وللأحزاب مجتمعة.
حوار: عمر العمر



#الحزب_الشيوعي_السوداني (هاشتاغ)       Sudanese_Communist_Party#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سكرتير الحزب الشيوعي السوداني محمد ابراهيم نقد في حوار شامل ...
- في ذكري أول مايو يا عمال السودان و قواه الديمقراطية اتحدوا
- حركة الضغط المطلبية واجب العمال الاول
- بيان من الحزب الشيوعي السوداني حول اعتقال الزميل محمد إبراهي ...
- في سبيل حركة جماهيرية فاعلة
- جريدة الميدان تحتفل بعيد ميلادها الخمسين
- قومية الحل أو الطوفان
- دارفور: امتداد للأزمة العامة.. وليست مجرد صراع قبلي
- نيفاشا.....أمل... أم خيبة أمل؟!
- كلمة جريدة الميدان (العدد 1993) 27 مايو 2004
- المؤتمر القومي الجامع هو مفتاح الحل لمأساة دار فور
- أول مايو، عيد العمال
- يا جماهير دار فور..اتحدوا
- في الدولة الإرهابية
- دولة الإرهاب، والهوس الديني
- نضال الحركة الجماهيرية:
- سفر الخروج ولوثة العداء للحزب الشيوعي
- لا لميزانية الجوع والإذلال وإفقار الجماهير
- رأي الحزب الشيوعي السوداني في الإتفاق الإطاري بين الحكومة وا ...
- لا... لزيادة أسعار السكر والبترول


المزيد.....




- فيديو مخيف يظهر لحظة هبوب إعصار مدمر في الصين.. شاهد ما حدث ...
- السيسي يلوم المصريين: بتدخلوا أولادكم آداب وتجارة وحقوق طب ه ...
- ألمانيا تواجه موجة من تهديدات التجسس من روسيا والصين
- أكسيوس: لأول مرة منذ بدء الحرب.. إسرائيل منفتحة على مناقشة - ...
- عباس: واشنطن هي الوحيدة القادرة على إيقاف اجتياح رفح
- نائبة مصرية تتهم شركة ألبان عالمية بازدواجية المعايير
- -سرايا القدس- تعرض تجهيزها الصواريخ وقصف مستوطنات غلاف غزة ( ...
- القوات الأمريكية تلقي مساعدات منتهية الصلاحية للفلسطينيين في ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- وسائل إعلام تشيد بقدرات القوات الروسية ووتيرة تطورها


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - الحزب الشيوعي السوداني - سكرتير الحزب الشيوعي السوداني: الخطاب الديني يمثل غطاءً لفساد النظام والهوس الديني أخطر منه