عواد أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 03:03
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقول ماركس في مؤلفه الثامن عشر من برومير لويس بونابرت ((اما انا فاني كنت اثبت على النقيض كيف ان الصراع الطبقي في فرنسا قد اوجد الظروف والعلاقات التي مكنت شخصا سخيفا وعديم المواهب من ان يؤدي دور بطل ....)) ويقول في مكان اخر من نفس الكتاب (( يقول هيغل في مكان ما ان جميع الاحداث والشخصيات العظيمة في تاريخ العالم تظهر اذا جاز القول مرتين وقد نسي ان يضيف في المرة الاولى كماساة والمرة الثانية كمسخرة ....))
البعض من الاصدقاء والرفاق المحسوبين على اليسار والشيوعية وبمناسبة 14 تموز يصطفون اليوم في جبهة شعبية موحدة لتمجيد الزعيم عبد الكريم قاسم الذي قاد الانقلاب في تموز 1958 ضد النظام الملكي باعتباره ( زعيم وطني ) وليس ذلك فحسب بل لتمجيد الارهاب والاعدامات التي مارسها نظامه ضد خصومه السياسيين والتي كانت مفتتحا لعهد مديد من ارهاب الدولة والاعدامات التي غدت تقليدا سياسيا مارسته الحكومات المتعاقبة في العراق حتى هذه اللحظة ..
اقول لكل من يمجد الزعيم عبد الكريم قاسم اليوم . خاصة ممن يحسبون على خانة اليسار والشيوعية .. اذا كنتم ماركسيين حقا فيجب ان تقييم اي تجربة سياسية في اطار الظروف التاريخية والموضوعية التي حدثت فيها ومن منظور الصراع الطبقي والنظر في منجزات التجربة وافاقها من وجهة نظر الصراع الطبقي ايضا .وضمن هذه الرؤية نرى ان عبد الكريم قاسم لم يكن سوى بونابرت صغير ..ظهر في سياق حقبة تاريخية مكنته الظروف والعلاقات المحلية والدولية من ان يصبح بطلا في انظارالاقسام الدنيا الاقل وعيا من البرجوازية الصغيرة والشرائح الاجتماعية المحرومة والكادحة . اما من يريد ان يقيم التجرية بطريقة اخرى فله الحق في ذلك لكنه لن يصل الى اي نتيجة منطقية ..واما من يجد بان ماحدث في 14 تموز ثورته وله باع طويل فيها وهو لم يلعب سوى دور العجلة الخامسة في عربة النظام وهو يقدم اليوم الذرائع والاوهام لجماهيره ويقلب الحقائق التاريخية ويوفر والحجج للرجعية وقوى الاسلام السياسي عندما يقولون ان الشيوعيين حكموا وفشلوا والقوميين والبعثيين حكموا وفشلوا دعونا نحكم دعونا نجرب نحن ايضا . وهذه ليست الا مهزلة وسخرية تاريخية اخرى يمارسها الساسة البرجوازيين من مختلف الاتجاهات للتعمية وغسل العقول التي لا ترى من الظواهر السياسية الاجتماعية غير قشرتها الخارجية وجانبها السطحي .
لقد كان نظام عبد الكريم قاسم نظاما ديكتاتوريا فرديا مارس تاليه زعامة قاسم وتقديس شخصيته وحاول قاسم ان يحلق خارج اطار الصراع الطبقي المحتدم في العراق ويظهر نفسه انه (ابن الشعب البار) (والزعيم الامين والاوحد ) لكنه في النهاية لعب دوره في خدمة البرجوازية بوعي منه او بغير وعي ولم يستطع خلال فترة حكمه القصيرة 1958 -1963 ان يبني دولة حديثة في العراق وذات ركائز قوية بل انة صنع نظاما مهلهلا واستعدى كثير من القوى السياسية عليه خاصة قوى التيار القومي العروبي بما فيها البعث ومهد الطريق للانقلاب عليه من قبل القوى الفاشية القومية في 8 شباط 1963 التي مارست بعد استلامها الحكم اعدام الاف الشيوعيين وزجهم في السجون دون محاكمات . لم يكن نظام قاسم له اي ربط بالشيوعية لا من قريب ولا من بعيد وكان التاثبر الاجتماعي للحزب الشيوعي العراقي مرتبطا بقوة الحزب في المجتمع وااتساع قواعده ونفوذه ، وطبيعة المرحلة التاريخية التي كانت تشهد تقدم الشيوعية في كل العالم وعندما حاول الشيوعيون الانقلاب على عبد الكريم قاسم والاستيلاء على السلطة بطلب من الجماهير المليونية المحتشدة في 1 ايار 1959 كما صرح بذلك بهاء الدين نوري وهو سكرتير سابق للحزب الشيوعي في لقاء على قناة البغدادية منعهم (الرفاق) السوفييت وقالوا لهم ان عبد الكريم قاسم زعيم وطني ، وكانت نصيحة السوفييت تخضع للعبة التوازن الدولي ومناطق النفوذ والخوف من ردة فعل اميركا والدول الغربية .
لقد قام عبد الكريم قاسم ببعض الاصلاحات التقدمية ذات الطابع البرجوازي مثل قانون الاصلاح الزراعي وقوانين الاحوال الشخصية وقانون رقم 80 الخاص بالنفط والذي بقي حبرا على ورق .
عندما نحلل طبيعة نظام عبد الكريم قاسم من وجهة نظر طبقية وماركسية لا نقصد بذلك تزكية لاي طرف من الاطراف السياسية المتصارعة في العراق انذاك . وليعرف كل الذين يطبلون لنظام قاسم من المحسوبين على اليسار ان قاسم لم يكن اشتراكيا ولم يخطو ادنى خطوة في طريق الاشتراكية بل كان حاكما فرديا يبحث عن الامجاد الشخصية والزعامة لقد كان نموذجا للبرجوازي الصغير المتذبذب فقد انعكس وضعة الاجتماعي على الكثير من تطرفاته المتهورة .
واخيرا فان هذه العجالة لا تكفي لتناول كافة تفاصيل طبيعة المرحلة التاريخية التي حكم فيها قاسم والتي تحتاج الى دراسة وبحث اوسع .
14 تموز 2013
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟