شفان ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 16:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من نافل القول أن جميع الأقليات متفقة على طريقة واحدة في حل مشاكلها, أو ترغب بنفس الطريقة أو آلية الاعتراف بها, والتعامل معها, أو معالجة مظلوميتها التاريخية, بل أنها تختلف من بلد إلى أخر, وحتى ضمن البلد الواحد بين الأقليات المختلفة, إضافة إلى تقديمها نظرة شاملة عن الأشكال, والآليات, والطرائق المختلفة التي يمكن أن تتخذها التعددية الثقافية, والتاريخ حافل بمجموعات قومية متجزرة في أرض ودول شتى, وجدت نفسها أمة مجزأة تتحرك خلف الأحزاب السياسية القومية كي تنال الاعتراف بكيانها الخاص سواء في شكل حكم ذاتي, أو فدرالية, أو مواطنة, أو أدارة ذاتية داخل الدولة؛ كي تشعر بوجودها, وكيانها, وحقوقها, وتحافظ على سلامة الدولة من أي تجزئة أو انفصال, وتسعى نحو الاعتراف بهويتها القومية كي تستريح من عناء التفكير بنفسها, ومظلوميتها, وتتفرغ للعمل لمصلحة البلاد. لكن هذه الهوية القومية ستستمر في المعاناة في المستقبل المنظور طالما بقيت مهمشة ومغيبة ومكبوتة, لذا لابد من احتواء أحاسيسهم بقوميتهم وتطلعاتهم القومية بطريقة أو أخرى, علماً أن هذا الاحتواء قد يتخذ أشكالا عدة منها الحكم الذاتي, ومنها الفدرالية المتعددة القوميات واللغات..., أي أن تشكل مجموعة الأقلية, أغلبية محلية, ويمكن بذلك ممارسة أشكال مؤثرة من الحكم الذاتي وتكون لغة الجماعة معترفة بها على أنها لغة رسمية للدولة, أو على أقل تقدير داخل وحدتهم الاتحادية الثانوية, وستكون من بين اللغات المعترفة بها في البلد بأسره. لقد حاولت العديد من الدول كبت ومنع قوميات الجماعات الثانوية التعبير عن نفسها, وأي جماعة كانت تنظر إلى نفسها على أنها ذو خصوصية قومية متجزرة ومختلفة وتسعى جاهدة نحو الاعتراف بها, كان يعرف بأنه تهديداً على أمن الدولة ووحدة الدولة, بل أن الأنظمة الاستبدادية تنظر إلى حقوق الأقليات على أنها تشكيك في الحق المشروع للدولة في إدارة وحكم جميع أراضيها وجميع سكانها, فبُذلت جهود متعددة ومختلفة لتقويض أي أحساس بقومية متميزة, ومنها تضييق حقوق لغة الأقليات, إلغاء أي شكل من أشكال التراث, والثقافة, والقومية الخاصة بجماعة ما, تشجيع الجماعة المسيطرة على الاستيطان في الأرض الأم لجماعة الأقليات حتى يتفوق عدداً عليهم ولو على حساب أرضهم التاريخية والتقليدية, علماً أن هذه الحالة التنوعية في اللغات والقوميات لم تكن حكراً على البلاد العربية وحدها, لكن الأنظمة العربية وحدها كانت المصرة على الاستمرار في القمع والتنكيل, والتهميش, والتعريب, ففي بداية القرن العشرين بدأت سويسرا وكندا في تطبيق حالة التعددية السياسية والمزيج من حكم ذاتي إقليمي, وحالة لغة رسمية للجماعات والقوميات الثانوية, بل أن معظم الأنظمة الديمقراطية الغربية التي تشمل بلدانها حركات قومية للجماعات الثانوية أخذت تنمو في هذا الاتجاه والمنحى, وهنا تكون النقطة الجوهرية باتجاه حياة سياسية وثقافية آمنة ومتطورة تقوم على التحول من كبت القوميات الثانوية إلى احتوائها من خلال أنماط من الحكم تتيح لهم ممارسة طقوسهم, وعاداتهم, وخصوصياتهم, وحقوقهم اللغوية الرسمية, وهذا يتطلب دفاع تلك الأقليات عن حقوقهم القومية, والتحرك على أساس المطالبة بما يضمن حقوقهم ويصون لغتهم. ولا يمكننا إغفال أن أي نمطية من الحكم, أو أي نوع من الإدارة التي تطلبها الأقليات ومن وجهة نظر ليبرالية ديمقراطية, ستكون مقبولة شريطة وجود ما يدعمها دعماً أصيلاً وتسانده مساندة قوية ومنها دعوة الأحزاب السياسية والسياسيين التي تعمل في هذا الاتجاه, لان المشكلة والمعضلة التي تقع فيها الأقليات القومية هي أنها لا تدخل العالم بوعي قومي كامل التشكل, فالممثلون السياسيون يسعون إلى إقناع فئة أو عدد معين من أعضائها ليرضخوا لسير تحرك الأحزاب السياسية وتبعية الأقليات ك( شعب) لهم بحجة السعي لنيل أهداف قومية, لكن دون تجهيز هذا الشعب وتأهيله للمطالبة والعمل في هذا الاتجاه, والتاريخ يشهد محاولات عدة من هذا النوع من الدعاوي والأهداف قد باءت بالفشل بسبب تقصير القوى السياسية في تأهيل شعوبها لمثل هكذا نوع من أنظمة الحكم, ومن أمثلة التجارب الفاشلة يمكن لنا أن نورد تجربة الفريزيين كشعوب جرمانية تقطن في الجزر الهولندية وبعض الأجزاء الشمالية من ألمانيا ويتحدثون لغة وثيقة الصلة باللغة الانكليزية, قد باءت جميع محاولات أحزابهم السياسية بالفشل, ولم ينجحوا في أقناع شعوبهم علماً أنهم يعيشون على أرضهم التاريخية, وربما كان للأقليات القومية الحق في المطالبة بحكم ذاتي أو فدرالية, لكن من المؤكد أنه ليس من الواجب فعل ذلك في منأى عن البقية الباقية من الشعوب المتشاركة لهم في العيش المشترك, فما يحدد مطالب الأقلية القومية بحكم ذاتي أو فدرالية, هي رغبات أغلبية أعضائها كما تتم صياغتها والتعبير عنها, ويمكن أن نطلق على هذا الوضع أسم التحول نحو منظور التعددية الثقافية للجماعات القومية الثانوية, مع العلم أن هذه الجماعات تفضل دوماً المطالبة في لغة قومية, تقرير المصير, فدرالية, مشاركة في السلطة, لكن لا يجوز أبدا العمل بعيداً عن باقي القوى وشركاء الوطن, ولا بد من التواصل الدائم معهم كي يتم الاتفاق على صيغة نهائية يمكن للجميع العيش بسلام دائم, ومن بين ابرز ما يمكن أن يزرع الطمأنينة في قلوب الأقليات أو التي يمكن أن تشكل ركيزة آمان للأقليات وفق منظور التعددية القومية والثقافية للجماعات القومية الثانوية:
1-إدارة المناطق الخاصة بهم ضمن دولة اتحادية وعدم الانسلاخ عن الوطن
2-مكانة اللغة الخاصة بتلك الأقليات
3-ضمان التمثيل في الحكومة المركزية والحاكم الدستورية
4-تمويل جميع وسائل التعليم من مدارس ووسائل أعلام والمعتمدة على لغة الأقلية
5-أحقية أبناء المناطق الخاصة بالأقليات المشاركة في الهيئات الدولية تحت غطاء العام للدولة, وغيرها
ومن خلال هذه الأمور وغيرها يبرز وبوضوح تام التوجه الواضح نحو احترام فعلي وحقيقي للأقليات لكن مع تنوعات مهمة في عمقه ومداه
تمت الاستعانة بكتاب ويلي كيميليكيا....
#شفان_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟