أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جون ميرشايمر. - إدوارد هاليت كار في مواجهة المثالية : وتحتدم المعركة .















المزيد.....



إدوارد هاليت كار في مواجهة المثالية : وتحتدم المعركة .


جون ميرشايمر.

الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


إدوارد هاليت كار في مواجهة المثالية : وتحتدم المعركة .
البروفيسور جون ميرشايمر*
ترجمة :
أ. جلال خشيب**

ملخص :
هذا المقال هو نسخة حرفية تقريبا لمحاضرة تبقى في الذاكرة لإدوارد هاليت كار سُلّمت لجامعة إبريستويث في 14 أوكتوبر 2004 . حاججتُ فيها بأنّ إدّعاءات كار المركزية في كتابه "أزمة العشرين سنة" تبقى سارية المفعول إلى اليوم . لقد أكّد في عمله الواقعي هذا أنّ الدول هي الفواعل الأساسية في السياسة العالمية و أنّها تبقى ملتزمة بشكل عميق بمواصلة –سياسة- تحصيل القوة على حساب بعضها البعض . لقد حاجج أيضا بأنّ الحياة الفكرية البريطانية في أيامه كانت مهيمن عليها من قِبل المثاليين الذّين تجاهلوا سياسة القوة بشكل واسع . وبالرغم من التحوّلات الكبرى التّى أخذت مكانها في العالم منذ سنة 1939 ، في الوقت الذي نُشر فيه كتاب "أزمة العشرين سنة" ، فقد ظلت الدول مهيمنة على النظام الدولي وأنّها لا تزال تولي اهتماما حذرا بميزان القوى . علاوة على ذلك فإنّ المثالية تهيمن اليوم على مدارس العلاقات الدولية في بريطانيا ، أكثر ممّا كانت عليه في أواخر ثلاثينيات القرن المنصرم . حقيقة فإنّه من الصعب العثور على منظّر واقعي في الأكاديمية البريطانية المعاصرة ، هذه الحالة كانت ستمثّل على الأرجح صدمة مؤكدة لإدوارد كار لو كان اليوم على قيد الحياة ، لقد حاججتُ بأنّ هذا التحيّز القوي ضد الواقعية لهو تهور وحماقة و أنّه لا يسيء إلى الطلاّب وحسب ولكن إلى الباحثين المثاليين أيضا المبغضون للواقعية إلى حدّ كبير .
الكلمات المفتاحية للبحث : اللجنة البريطانية لنظرية العلاقات الدولية ، إدوارد هاليت كار ، الهيمنة ، الخطاب ، المثالية ، الواقعية .


إنّه لمن دواعي الغبطة والسرور أن أُستضاف في إبريستويث لأُلقي محاضرة إدوارد كار التاريخية . في الحقيقة إنّه لشرفٌ خاص بالنسبة لي ، حمل بطاقة واقعي ، لنعبّر بإجلال ونُقدم شيئا عن واحد من أكثر المفكرين الواقعيين أهمية على الإطلاق . كما أنّه شيء خاص جدّا أن نكون قادرين على فعل شيء ما في معهد له تاريخ ثري في إنتاج باحثي ومنظرّي العلاقات الدولية .
لقد مرّ حتّى الآن 68 سنة من ذلك اليوم -14 أكتوبر 1936- الذّي قدّم فيه كار محاضرته الافتتاحية في إبريستويث ، حينما تقلّد منصب وودرو ويلسون للسياسة الدولية هناك . لقد كان ذلك قبل ثلاث سنوات من نشر كتابه "أزمة العشرين سنة" ، أثره الواقعي الكلاسيكي ، كما كان ذلك أيضا قبل ثلاث سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية .
لقد تحوّل العالم بعدها كثيرا منذ ذلك الحين ، وأجدني مسرورا لأقول أنّ أغلب هذه التحوّلات كانت إلى الأحسن . ومع ذلك ، فإنّ الحجج الأساسية الواردة في "أزمة العشرين سنة" لا تزال إلى اليوم سارية المفعول بنفس الطريقة التّي كانت عليها في عقد الثلاثينيات الأسود . لقد وضع نقطتين أساسيتين في هذا الكتاب الرائد –الذي يفتح آفاقا- . أولاهما ، أنّه حاجج بأنّ الدول ، الفواعل الأساسية في السياسة الدولية ، تهتم بشكل عظيم ، لا على وجه الحصر ، بمسألة القوة . بالطبع هذه الرؤية ، هي ما جعلت كار منظّرا واقعيا . ثانيا ، لقد حافظ كار على القول بأنّ الأكاديمية البريطانية وكذا نخبة المفكرين كانوا مثاليين أهملوا –واستخفوا- بالدور الذّي تلعبه القوة لحظة التفكير في السياسة الدولية .
مع ذلك سوف أحاجج انطلاقا من روح كار ومزاجه العقلي ، رغم وجود –تأثيرات أخرى- كالعولمة والقاعدة ، أنّ الدول تبقى مع ذلك هي الفواعل الأساسية على المسرح الدولي ، ومن المرجح أن تبقى كذلك في المستقبل الذي نستشرفه . كما تبقى هذه الدول أيضا مستمرة في إيلاء أعظم الاهتمام بخصوص توازن القوى ، وهذا القلق والاهتمام سيحدّد كثيرا ما الذي ستقوم به –في سلوكاتها- . باختصار ، تبقى سياسة القوة حيّة تُرزق ، وصالحة في هذا العالم الذي يُحيط بنا .
الأكثر من ذلك ، سوف أحاجج أنّ المثالية مترسخة اليوم بشكل ثابت حازم بين باحثي العلاقات الدولية البريطانيين أكثر ممّا كانت عليه سابقا في السنوات الأخيرة لثلاثينيات القرن المنصرم . أظّن أنّ كار كان سيكون مرعوبا بالغياب شبه الكلّي للواقعيين وبالهيمنة شبه المطلقة للمثاليين في الأكاديمية البريطانية المعاصرة . في الحقيقة إنّه لمن الصعب أن نتصوّر اليوم استقدام وتوظيف أي جامعة بريطانية لباحث شاب يصوغ حججا كتلك التّي نجدها في كتاب "أزمة العشرين سنة" . المفارقة الكبرى أنّ هذا الكتاب لم يفقد شيئا من بريقه وشهرته الفكرية عبر الزمان ، بل ظلّ مقروءا بشكل واسع ومثيرا للجدل بين الطلبة والأساتذة في إيبريستويث وغيرها من الجامعات البريطانية . إذا كان الأمر كذلك فلما لا يوجد إذن ورثة لكار داخل الحياة الأكاديمية البريطانية ؟ إنّ هذا شبيه إلى حدّ ما بمواصلة الناس قراءة ومناقشة –أفكار- آدام سميث وألفرد مارشال في الوقت الذّي يرفض فيه العالم اقتصاد الحرية "دعه يعمل ، أتركه يمّر" . أخيرا سوف أحاجج أنّه ليس من الحكمة ، لأسباب فكرية ، أن يكون لدينا مثاليين وحسب يقومون بتدريس السياسة الدولية . حتّى بالنسبة للمثاليين أنفسهم بغّض النظر عن طلبتهم ، سيتمكنون حتما من الاستفادة من وجود منظّرين واقعيين بينهم كزملاء .
أشرع انطلاقا من الوصف الأوّل لحجج كار الأساسية في كتابه "أزمة العشرين سنة" . سأركّز على إيضاح أنّ كار يُعّد منظّرا واقعيا ، ثمّ توسِعة أفكاره بخصوص العلاقة بين القوة والأخلاق . ثمّ سأصف بعدها فكر المثاليين فيما بعد الحرب الباردة والذّي يُهيمن الآن على الجامعات البريطانية ، لافتا الانتباه إلى كيف يتشابه ويختلف عن مثاليي ما بين الحربين العالميتين الذين كتب عنهم كار . أخيرا ، سأقيّم وأحدّد مجهودات مثاليي ما بعد الحرب الباردة في سحق الواقعية عبر احتكار الخطاب المتعلق بالسياسة الدولية ، وسأشرح لما يُعّد ذلك في نظري مسلكا مُضلّلا .

واقعية كار :
حينما شرع كار في كتابة مُؤلّفِه "أزمة العشرين سنة" في جويلية 1938 ، لم يكن هدفه حينها أن يُوّضح ويُفصّل النظرية الواقعية ، ولكن أن ينتقد بدلا من ذلك "الأكاديمية" البريطانية والمفكرين البريطانيين بسبب تجاهلهم الواسع لدور القوة في السياسة الدولية . لقد وضع وِجهة نظره بوضوح في نوفمبر 1945 مع مقدمة الطبعة الثانية من "أزمة العشرين سنة" الذّي كُتب لهدف مدروس متأنّي بُغية إبطال الخطر والعيب "الخلل" الفاضح لكلّ التفكير الأكاديمي والشعبي تقريبا بخصوص السياسة الدولية في العالم المتحدّث بالإنجليزية من 1919 إلى 1939 و المتعلق بالتجاهل المطلق تقريبا للقوة .
وفقا لكار فإنّ المشكلة المتعلّقة بالمفكرين البريطانيين ، لا ترتبط فقط بتجاهل هؤلاء للقوة ، ولكنّها متعلقة أيضا بطوبويتهم المفرطة . لقد كان يرى أنّهم عقدوا نظرة مثالية للسياسة الدولية لا أمل فيها .لقد كان لهم أجندة معيارية دفعت بهم إلى إيلاء اهتمام ضئيل بالعالم الذي يُحيط بهم ، بدلا من التركيز على التغيّرات التّي تبيّن طريقة ارتباط الدول بعضها ببعض . في الحقيقة لقد صمّموا على تحويل عالم السياسة بشكل جذري وخلق نظام دولي سلمي لا يُعير فيه رجل السياسة اهتماما كبيرا بميزان القوى .
يؤمن كار أنّ المثاليين يرون أنفسهم كوكلاء أساسيين لإنجاز هذه الثورة . لقد كتب : "يؤمن الطوبوين بإمكانية الرفض الجذري للواقع بشكل كبير أو متدّني ، واستبدال ذلك بطوبويتهم من خلال فعل الإرادة" ، لقد توسّع لاحقا في شرح هذه النقطة وسجّل قائلا لقد : "عارض المفكرون بشكل خاص مشكلة إدراك فكرهم باعتباره فكرا مشروطا بقوى خارجية ، مفروضا على أنفسهم ، ويُفضّلون اعتبار أنفسهم كقادة توّفر نظرياتهم دافع القوة الذّي نسمّيه بإنسان الفعل" .
من المؤكد أنّ كار كان سيكون سعيدا لتجاوز عالم أواخر الثلاثينيات والإتجاه صوب اليوتوبيا التّي كان المثاليون يأملون إلى خلقها . من بإمكانه أن لا يُرحّب في بريطانيا اليوم بمثل هذا التطوّر ؟ ، لكنّه لم يكن يرى أنّه بإمكاننا الفرار من العالم الفعلي الموجود ، عالم تُمثّل فيه "القوة أداةً جوهرية للسياسة" . في الحقيقة أنّ كار كان دقيقا محدِّدا بينه و بين نفسه فهو لم يرى أبدا أنّ بإمكان الأفراد أن يُعيدوا –عن قصد وعمد- تنظيم النظام الدولي على نحو أوّلي جذري . لقد أخرج هراوته ليُقرّع نظرة المثاليين للعالم . بعدما أدّى ذلك ظلّ شيء من مشروعه هذا ساري المفعول .
لكن كتاب "أزمة العشرين سنة" كان أكبر من مجرد عملية تدمير –ونقد- ، لقد بنى كار بشكل قوي أيضا مسألة كون القوة مقوّما جوهريا في السياسة . لقد كتب أنّ : "السياسة الدولية تبقى دوما سياسة القوة : لذلك فمن المستحيل أن نزيح القوة منها" . علاوة على ذلك فقد أكّد بحزم أنّ : "الصيغة النهائية للقوة في العلاقات الدولية هي الحرب" . والتّي قادته إلى استخلاص أنّ كل وسائل فن إدارة الجيش تحظى –في نظره- "بأهمية قصوى" . هذه الإدّعاءات بشأن مسألة القوة في "أزمة العشرين سنة" تُكسب كار جذورا ودعامات لواقعيته .
لكن ومثلما سجّلتُ في مكان آخر ، فإنّ كار لم يتوّجه مباشرة إلى السؤالين الأساسيين الذّين حفّزا معظم المفكرين الواقعيين . الأوّل : لما تريد الدول القوة ؟ أيُّ منطق ضمني يُفسّر سبب تنافس القوى الكبرى عليها ؟ يُصّر كار أنّه قدّم كثيرا من الأدلّة لدعم موقفه . لكنّه لم يُفسّر إطلاقا لما يحدث ذلك . ثانيا : ما مقدار القوة الذّي تريده الدول ؟ وما المقدار الذي يكفيها ؟ ، بخصوص السؤال الثاني ، يُلمّح كار إلى نقطة واحدة وهي أنّ للدول شهيّة لا تعرف الشبع في طلب القوة . كتب كار : "يظهر أنّ ممارسة واستعمال القوة يوّلد دوما شهيّة أكبر في طلب القوة" . لكنّه لم يُوّسع هذه النقطة على أي نحو ذي دلالة . أرى أنّ تفسير هذا الإغفال يرجع إلى أنّ الهدف الأساسي لكار في كتابه "أزمة العشرين سنة" لم يكن توسعت وتطوير النظرية الواقعية ولكن بدلا من ذلك القيام بنقد وتقويض مثالية ما بين الحربين ، والتّي اعتبرها تضليلا إن لم تكن خطرا .
وبالرغم من أنّ حجج كار المتعلّقة بمسألة مركزية القوة إلاّ أنّه يؤكد أنّ السياسة الدولية ليست سعيا لأجل القوة وحسب . لقد حاجج بأنّ : "الواقعية المحضة قد لا تُقدّم شيئا إلاّ صراعا صريحا لأجل القوة" . بدلا من ذلك نجده يُحافظ على فكرة إيلاء المفكرين وصنّاع السياسة الجديّين الإهتمام بالمُثل والقوة على نفس المنوال . لقد كتب كار أنّ : "اليوتوبيا والواقع هما وجها علم السياسة" ولذلك فإنّ : "أي صوت للفكر السياسي لابّد وأن يرتكز على عناصر كل من اليوتوبيا والواقع" .
في الحقيقة فإنّه من الواضح جدّا أنّ فكر كار بخصوص مسألة سياسة القوة "ما هو إلاّ جزءٌ من الحكاية". لقد كتب على وجه الخصوص : "حقيقةً أنّ الدعاية الوطنية في أي مكان توّاقة جدّا إلى إخفاء ذاتها في إديولوجيات تحمل سمة دولية على نحو مزعوم ، تُثبتُ وجود خزّان دولي للأفكار المشتركة . لكنّها محدودة وضعيفة العقد ، من خلال الإحتكام الذّي تُؤديه ، والإيمان الذّي تقف عليه هذه الأفكار المشتركة بطريقة ما على كفّة ميزان القيم قبل المصلحة الوطنية . خزّان الأفكار المشتركة هو ما نشير إليه بمسمى الاخلاق الدولية " .
من المؤكد أنّ كار كان مُحّقا حينما قال بأنّ الدول لا تتحرّك بدافع حسابات القوة وحسب . إفتراضا أنّنا نُدرك ، بما فيه –نحن- الواقعيين ، أنّ هناك تطوّر جيّد وقبول واسع لبناء المثاليين والمعايير الليبرالية في السياسة الدولية . إنّهم يصفون صيغا مقبولة لسلوك الدولة في زمن السلم وزمن الحرب على حدّ سواء ، كما أنّهم يحظُرون أنماطا غير مقبولة من السلوك . هذه المعايير مرتبطة إرتباطا لا ينفصل تماما مع نظرية الحرب والإيديولوجيا الليبرالية . ويُصنَّفُ كثير منهم ضمن القانون الدولي . علاوة على ذلك ، نحن نُدرك أنّ أكثر قادتهم ومريديهم يريدون أن يتحرّك سلوك دولتهم وفقا لمُثلهم ومعاييرهم ، وأن يُشاكل سلوك هذه الدولة في كثير من الأحوال هذه المبادئ العامة .
وهكذا فإنّ إدّعاءات كار بخصوص إهتمام الدولة بكل من القوة والمُثل الليبرالية مثير للجدل بشكل شديد ، تتمثّل المهمة النقدية في تفسير كيفية إرتباط كل من القوة واليوتوبيا ببعضهما البعض . بتعبير كار فإنّ المفتاح يتمثل في إيجاد التركيب والتوّحد الحقيقي بين اليوتوبيا والواقع . لكنّه لم يكن متعاونا في هذه النظرة بشكل خاص ، مع ذلك فقد حاجج أيضا بطرق متعدّدة بعدم إتساق اليوتوبيا والواقع مع بعضهما البعض . لقد كتب على سبيل المثال : "تُبنى السياسة على عنصرين –اليوتوبيا والواقع- منتميين لمستويين مختلفين ليس بإمكانهما الإلتقاء على الإطلاق" . لقد ذهب إلى القول أنّ : "هذا التفاعل المستديم للقوى المتضاربة لهو مادة السياسة . فكل حالة سياسية تتضمن عناصر متبادلة لا متساوقة من اليوتوبيا والواقع ، من الاخلاق والقوة" .
الجدير بالذِكر ، أنّ كار كان يُبالغ في النزاع بين السعي إلى القوة والسعي إلى المُثل . قبل كل شيء بإمكان الدول أن تسعى في بعض الأحيان إلى متابعة هدفين معا بشكل متماثل ، مثلما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك حينما حاربت النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية وحينما واجهت أيضا الإتحاد السوفياتي طيلة الحرب الباردة . في كلتا الحالتين ، فقد أدى تدخل الولايات المتحدة في النزاع إلى بروز حس إستراتيجي جيّد . وبالتالي لم يكن عليها الإختيار بين مُثلها ومخاوفها بشأن القوة .
هناك أيضا حالات تكون فيها عملية متابعة أهداف المثاليين أمرا فعّلا في توازن القوى ، ولهذا نقول مرّة أخرى أن ليس هناك نزاع بين الواقعية والمثالية . تتلائم تدخّلات حقوق الإنسان في العالم النامي عادة مع هذه الوصفة ، لأنّها تنزع إلى أن تكون عملياتها محدودة النطاق ذات تكلفة ضئيلة ولا تنتقص من فرص وإحتمالات القوى الكبرى للبقاء . وقد كان التدخل الأمريكي في الصومال فيما بين 1992 و 1993 شاهدا على ذلك . الأكثر من ذلك ، فقد كان على الولايات المتحدة أن تتدخل لأجل إيقاف الإبادة في رواندا سنة 1994 والذّي من المؤكد أنّه –أي التدخل- كان الفعل الأخلاقي الصائب ، من دون تعريض الأمن الأمريكي للخطر .
لكن هناك العديد من الشواهد أن يتنازع السعي إلى القوة مع المُثل اللبيرالية : بعبارة كار ، أن يكون هناك التناقض والتضاد بين "اليوتوبيا والواقع" . هذه الحالة حيث يُلامس مطّاط العجلة الطريق .-يقصد التفاعل بين اليوتوبيا والواقع على المسرح الدولي- . لأنّ ذلك يدفع القادة الوطنيين بقوة إلى الإختيار بين نمطين شديدي التباين . يُحاجج الواقعيون بأنّ الدول سوف تمنح الإمتياز للقوة على حساب المُثل في مثل هذه الإقتراحات والشواهد ، وتُدعم المدونة التاريخية تماما هذه النظرة بشكل قوي . لا يُعّد كار إستثناءا عن هذه النظرة : إنّه يؤمن بأنّ القوة هي الورقة الرابحة في النهاية تنسخ كل إعتبار آخر في عالم السياسة الدولية القذر الخطير . ولهذا السبب يُعّد كار منظّرا واقعيا .
يأتي بريق واقعية كار حينما سجّل بأنّه على الرغم من أنّ أغلب الدول تستعمل دوما بلاغة مثالية لتبرير أفعالها ، فإنّ هذا لا يُخفي حقيقة دوافعها التّي عادة ما تكون دوافعا أنانية ، كما ترتكز عادة على حسابات توازن القوى ، مثلما كتب ذلك موضحا .
إنّ كشف الأسس الحقيقية للمبادئ المجرد المشتركة على نحو صريح و التّي نجد لها حضورا في السياسة الدولية لهو القسم الأكثر تفاهة وإقناعا في إتهام الأوطوبية للواقعيين .. هذه الحقيقة الكاملة المفترضة وهذه المبادئ العالمية ليست مبادئا على الإطلاق ، ولكن التصوّرات غير الواعية للسياسة الوطنية ترتكز على تأويل خاص في زمن خاص للمصلحة الوطنية .
بإختصار ، فأنّ "الأخلاق هي نِتاج عن القوة" .
تتجلّى واقعية كار أيضا من خلال خطابه المتعلق بالقانون الدولي ، أين وضّح أنّه لا يراه أنّه "يتفرّع عن الأخلاق في المقام الأوّل" ، ولكنّه يعتبره بدلا من ذلك : "وسيلة نقل للقوة" . وفيما يخّص مسألة "المجتمع الدولي" ، ذلك المصطلح الغالي على قلوب المثاليين ، فقد كتب كار لستانلي هوفمان سنة 1977 : "لقد حاولنا أن نُناشد ونستحضر فكرة وجود مجتمع دولي ولكن لا وجود لمجتمع دولي في الحقيقة " .
خلاصة القول أن لا جدال في رفض كار للواقعية المحضة : إنّه يُدرك وجود بُعد مثالي في السياسة الدولية يحتمل اعتبارا جدّيا . ومع ذلك ، يستمر في مضغ فكرة أنّ حسابات القوة تثير اهتمام أغلب صنّاع السياسة . لقد كتب في "أزمة العشرين سنة" أنّ : "القوة تحظى بدور أعظم في النظام الدولي و تحظى الأخلاق بدور أقل" . في المقابل يمنح المثاليون امتيازا للمُثل الليبرالية على حساب القوة . في الواقع فقد اتهمهم كار بإهمال القوة بشكل كلّي تقريبا ، لهذا السبب كان عدوانيا جدّا على المثالية .

الكابوس الأسوء لكار :
اقترن اتهام كار للمثالية مع مستهل الحرب العالمية الثانية ثمّ الحرب الباردة بعدها ، حيث وُجّهت لها ضربة قاضية ، استمر ذلك إلى أواخر الخمسينيات أين أقرّت اللجنة البريطانية لنظرية العلاقات الدولية بأنّ المثالية قد بدأت في النهوض على قدميها مجددا . منذ ذلك الحين فقد أحدثت عودة مذهلة . اليوم ، نجد أنّ أغلب منظري العلاقات الدولية البريطانيين تقريبا مثاليين . لا يمكنني اأن أحدّد منظّرا واقعيا واحدا في ألبيون .
لو كان كار حيّا اليوم ، فإنّي أظّن أنّه سيُصاب بالموت والخزي بسبب هذا الانتصار الكلّي تقريبا للمثالية على الواقعية في الجامعات البريطانية والحياة الفكرية هناك . بإمكان أحدهم أن يُحاجج بقوله أنّ المثالية في الحقيقة هي أكثر تأثيرا اليوم مقارنة بما كانت عليه في ثلاثينيات القرن المنصرم . إن لم يكن شيئا آخر فعلى الأقل كان كار يدّرس هناك آنذاك . وعلى نحو أكثر جدّية نقول أنّه من الواضح الآن ، من خلال عمل باحثين من أمثال براين شميدت وبيتر ويلسون أنّ كار كان يُبالغ بخصوص تأثير المثالية في أيامه ، في الوقت الذّي لا أبالغ فيه أنا –حينما أتحدّث- عن تأثيرها اليوم .
يبدو واضحا أنّه لو كان كار معنا اليوم ، فإنّه لن يكون مكترثا جدّا في حالة ما إذا عُرض عليه منصب الأستاذية ، على الأقل ليس على أساس كتاب : "أزمة العشرين سنة" .
بإمكان بعض المثاليين أن يُحاججوا بقولهم أنّه كان سيُستقدم ويُوظّف لأنّه ليس منظّرا واقعيا و لكنّه أقرب إلى المثاليين . هذه ليست حجّة جيّدة ، فكار منظّر واقعي . السبب الوحيد الجدير بالتصديق والذّي يجعل بإمكان بعض الأقسام استقدامه هو أنّه سيكون الاسم الأكثر شهرة في الواجهة ، ولابّد من تشجيع صعوده إلى التنافس على الموارد من قِبل المجلس التمويلي الأعلى للتعليم . لكن ومن ناحية أخرى ، لِما يُوّظِف مجتمع الباحثين المثاليين الذّي يمقت الواقعية ، ويُرّقّي شخصا لا يُعّد منظّرا واقعيا أسطوريا وحسب و لكنّه أيضا ناقد صارم لاذع للمثالية ؟ من المؤكد أن لا يكون هؤلاء المثاليين ميّالين إلى توظيف أي شخص ينتمي لذلك المذهب لمدّة أطول . بهذا الشكل صارت بريطانيا منطقة خالية من الواقعيين .
لأولئك الذين يشكّون في أنّ كار ومن شاكله كان سيُواجه بشكل عدواني من قِبل الباحثين البريطانيين اليوم ، إذا ما أخذنا في عين الاعتبار تجربة كار مع اللجنة البريطانية لنظرية العلاقات الدولية . نقول أنّه و عندما أسّس كل من هاربرت باترفيلد ومارتن وايت هذه اللجنة سنة 1959 شعر هؤلاء بأنّ هناك غاية مشتركة : لتطوير بديل مثالي عن الواقعية ، والذّي كان آنذاك المنظور الأكثر تأثيرا في العالم الأنجلوساكسوني . لم يُستدعى كار للانضمام إلى هذا المسعى . حتّى بالنظر إلى أنّه كان المنظّر البريطاني الأكثر شهرة في العلاقات الدولية في ذلك الزمان . وفقا لوايت فإنّ هناك خطرا في أنّ كار : الذّي كان "قوة عظمى في هذا الإقليم كان بإمكانه أن ينحدر بنقاشاتنا إلى قنوات وسُبل مفتوحة من خلال عمله هذا" . بعبارة أخرى ، فمن المحتمل أنّ أفكار كار كانت لتكون خطيرة على هذا المشروع المثالي الناشئ الحديث ، إذن فقد كان من الواجب أن يبقى بعيدا عنه . لقد استُبعِد هينسلي أيضا عن اللجنة لأنّه كان أيضا واقعيا جدّا .
في الوقت الذّي كان فيه مثاليو الحرب البرادة على غرار باترفيلد ووايت ثمّ هادلي بول لاحقا معادون للواقعية ، فإنّهم لم يؤمنوا رغما عن ذلك بالدور الذّي لعبه ميزان القوى في السياسة الدولية . كانت أهدافهم هي التقليل من أهميته ، على حدّ تعبير هادلي بول ، حتّى مصطلح "الحفاظ على المجتمع الدولي وتوسعته" هو مصطلح غير واقعي ، لكنّ المثالية البريطانية كانت قد استنبطت من العقدين الماضيين سُبلا تجعلها أكثر عدوانية بكثير على الواقعية ممّا كانت عليه في ذروة اللجنة البريطانية لنظرية العلاقات الدولية وأكثر قُربا وتجانسا من مثاليي ما بين الحربين ، هذا الشيء البغيض تجاه النظريات التّي تقف على قاعدة القوة بين مثاليي ما بعد الحرب البرادة يُفسّر جزءا واسعا سبب عدم الترحيب بالمنظّرين الواقعيين في الجامعات البريطانية اليوم . دعونا نأخذ بعين الاعتبار هذا التجلّي الأخير للمثالية بشكل أكثر تفصيلا .

مثالية ما بعد الحرب الباردة :

بداية دعونا نعترف بشكل واضح أنّه من الإفراط في التبسيط حينما نُصوّر النظريات البريطانية للعلاقات الدولية كمجتمع فكري يتضمّن المثاليين وحسب . أدرك أنّ هناك اختلافات مهمة بين هؤلاء الباحثين : بعضهم منظّرون نقديون ، بينما نجد الآخرين إمّا نسويين أو ما بعد حداثيين . هناك أنماط متعدّدة من البنائيين كباحثين يعرضون لأنفسهم باعتبارهم أعضاءً في "المدرسة الإنجليزية" . باختصار ، إنّها مجموعة غير متجانسة من المفكرين و لكنّها مفعمة بالنشاط . مع ذلك ، فإنّ هناك أيضا عناصر مشتركة مهمة في هذه النظريات المتعدّدة التّي تقدمها هذه المجموعة من الباحثين ، والتّي تجعلهم جميعا منظّرين مثاليين .
حرّي بي أن أضيف أنّ هناك تباينات مهمة بين الواقعيين أيضا ، لكنّهم يتقاسمون أيضا تصوّرات مشتركة تجعل من الممكن تواجدهم معا ضمن فئة واحدة .
يتقاسم مثاليو اليوم نفس الأهداف المركزية كمثاليي ما بين الحربين الذين كتب عنهم كار في "أزمة العشرين سنة" . لا يزالون يمقتون طريقة تصرّف الدول تجاه بعضها البعض ، كما لا يزال لديهم : "واجب إلزامي لتغيير العالم" على حدّ تعبير كل من تيم دان ونيكولاس ويلر . تهدف أجندتهم الراديكالية إلى تغيير الأشياء إلى الأحسن بالطبع ، في الواقع لقد قرّروا أن يحوّلوا السياسة الدولية بالشكل الذّي لا تولي فيه الدول اهتماما طويلا بالقوة وكذا الدخول في تنافس أمني ، والعيش بدلا من ذلك معا في تناغم . لقد طرأ الحديث كثيرا عن "الإنعتاق" « emancipation » بين مثاليي ما بعد الحرب الباردة ، والذّي ينفصل عن التفكير الواقعي ، ذلك الذي يخاف المثاليون أن تبقى له قوة عظيمة .
في الحقيقة ، يريد المثاليون المعاصرون أن يجعلوا العالم الضخم "مجتمعا أمنيا" ، حسب عبارة كارل دويتش الشهيرة ، أين تكون الدول مهتمة برفاهية كل الشعوب لا رفاهية مواطنيها وحسب ، وحينما تتصرّف الدول أيضا بشكل أخلاقي ولا تحترم القانون الدولي وحسب ولكن تحترم بعضها البعض قبل كل شيء . يبقى مشروع المثاليين مشروعا معياريا و سلميا مناهضا للحرب في جوهره .
يكمن الاختلاف بين مثاليي ما بعد الحرب الباردة ومثاليي ما بين الحربين حول الطريقة التّي يتمّ بها تحقيق اليوتوبيا . فهؤلاء المثاليين الأوّلين كانوا أبناء الحركة التنويرية الذين كانوا يؤمنون أنّه من الممكن توظيف العقل للوصول إلى ما وراء الواقعية . على الشعوب أن تفكر بجدية بخصوص السياسة الدولية ، وبالتالي فقد مضت الحجّة ، وحرّيٌ بهم أن يُدركوا الواجب الإلزامي للتغيّر الجذري القاعدي بخصوص طريقة تعامل الدول مع بعضها البعض . فئة واسعة من الشعوب الضوء اليوم ، لقد صار الرأي العام قوة كبيرة للتغيير في الدول عبر العالم . لقد التقط كار هذه الصورة حينما كتب أنّ مثاليي ما بين الحربين يؤمنون أنّه : "بإمكان العقل أن يُوّضح سخافة الفوضى الدولية ، ومع تزايد المعرفة ، فقد اقتنع قدر كافي من الناس بشكل عقلاني بسخافتها ، وفي وضع حدّ لذلك " .
إنّ لدى مثاليي ما بعد الحرب الباردة إستراتيجية مغايرة لتغيير العالم . إنّهم يؤمنون بأنّ المتغيّر السببي الأساسي هو الخطاب ، وليس العقل في حدّ ذاته . إذ ليس كافيا أن تكون لك الحُجّة الأفضل ، بدلا من ذلك فإنّ المرء يفوز اليوم من خلال امتلاكه حجة وحيدة وحسب . إنّهم يحافظون بالأخص على فكرة الطريقة التّي نتحدث ونفكّر بها بخصوص الممارسة الشكلية الواسعة للعالم . بعبارة أخرى ، الأفكار التي تحوزها عقول الشعوب مهمة بشكل كبير حتّى نحدّد الطريقة التّي تتعامل الدول فيها مع بعضها البعض . فالسلوك يتبع الاعتقاد . والعالم المادي الذّي يمنحه تيار الواقعيين امتيازا يبدو مبالغا فيه بشكل كبير بالنسبة للمثاليين المعاصرين . فالخطاب هو ما يمنح معنى للعالم الذّي يحيط بنا . ووفقا لعبارة ألكسندر واندت الشهيرة أنّ : "الفوضى هي ما تصنعه الدول" .
يقول المثاليون أنّ المشكل قد تصاعد الآن ، حيث هيمن الواقعيون على الخطاب في السياسة الدولية ، ، في الحقيقة ، فإنّ للواقعية هيمنة طويلة على الخطاب ، والذّي لا يُسلّط الضوء على الدول وحسب ، ولكنّه يؤكد على أنّه ينبغي على الدول أن تُولي اهتماما بالأمن العسكري . مثلما سجّل ستيف سميث في رسالته الرئاسية الأخيرة إلى رابطة الدراسات الدولية . إنّ أمن الدولة هو ما يهّم في العلاقات الدولية . وفقا لمنطقهم فإنّه يجب على المثاليين البريطانيين إذن أن يغيّروا جذريا لغة السياسة الدولية عبر خلق خطاب مهيمن جديد . فحسب كلمات سميث يجب عليهم أن : "يُغنّوا لأن يتواجد عالم جديد" .
ليس مفاجئا أن يكون هدف مثاليي ما بعد الحرب الباردة هدفا فاترا فيما يتعلق بمصطلح الأمن . والذّي يقولون أنّه يحتاج لأن يكون موّسعا وعميقا . يحاججون أنّ الأمن يتضمن أكثر من مجرد الأخطار العسكرية وتوازن القوى : إنّه يتضمن أيضا أخطارا كالإيدز ، الاختلال البيئي والفقر .. إذن فإنّ هناك خطئا أوّليا –جذريا- حينما نحدّد هذا المصطلح النقدي المهم بشكل ضيّق جدّا .
لا يوجد جدال في أنّ الإنسانية تواجه اليوم العديد من الأخطار الغير عسكرية و التّي نأسف لوجودها ، ونسعى إلى مواجهتها بشكل سريع وحسام . علاوة على ذلك ، لا يوجد سبب في عدم إمكانية تسميتها بالأخطار الأمنية . فالتعريف هو نفس التعريف : لم يكونوا إطلاقا مخطئين أو مصيبين . لكن ما هي الغاية من هذا الأمر ؟ إنّه لمن الصعب تصوّر أنّ تسمية الإيدز أو الفقر خطرا أمنيا سوف يقود إلى تغيير الكيفية التّي نفكر بها بخصوص هذه المشكلات أو أن نجعلها أيسر للحل .
أشتبه في أنّ الهدف الحقيقي للمثاليين يتمثل في توسعت مدلول الأمن ، ولكن لتحويل معناه بشكل أكثر تعقيدا من صيغته التّي كان عليها . وهذا يعّد شيئا ضئيلا إذا لم نفعل شيئا لمواجهة الأخطار العسكرية . من المؤكد أن هذه المقاربة ستكون "متساوقة مع أجندة المثاليين" . علاوة على ذلك ، يبدو أنّ هذه المقاربة منعكسة في كتاباتهم . كيف يمكن للمرء أن يفهم إصرار وتوكيد دان و ويلر أنّ نظريتهم توّفر وصفا نظريا جذريا مختلفا لمدلول و نتاج الأمن ؟
يدفعنا المثاليون لأن نتوقف عن التفكير في كون الدولة وِحدة أساسية للتحليل في السياسة العالمية . وتركيز انتباهنا بدلا من ذلك على "كل الإنسانية باعتبارها وحدة كاملة أو تركيز الانتباه على الفرد" . هذا حتّى لا نقول أنّهم يحاججون لأجل تعويض الدولة ببعض المنظمات السياسية الجديدة . على النقيض من ذلك ، يبدو أنّ أغلب المثاليين يدركون أنّه من غير المرجح أن تختفي الدولة في أي وقت قريب . بدلا من ذلك فحجتهم هي أنّه لا ينبغي أن تكون الدولة هي مرجعيتنا الأخلاقية ، ولكن ينبغي أن تكون هذه المرجعية هي الفرد أو الإنسانية . يحدّد كين بوث هذه النقطة بشكل محكم : "الاختبار الحاسم الحقيقي يتعلق بالموضوع المرجعي الأساسي : هل هو الدول أم هي الشعوب ؟ أيّهما يأتي أمنه في المقدمة ؟ أريد أن أحاجج بأنّ الفرد الإنسان هو المرجعية النهائية" .
باختصار ، وحتّى يسري مشروع المثاليين ، فإنّه من الضرورة إحداث تغيير راديكالي في طريقة تفكيرنا وحديثنا عن الأمن ، في الوقت الذّي نحوّل فيه بشكل متماثل تركيزنا بعيدا عن الدولة ذاتها وتحويله إلى الشعوب ، حول العالم الذي تعيش فيه هذه الدول . يثير هذا الخطاب تساؤلا مُهّما : من سيكونون الوكلاء الأساسيون لهذا التغيير ؟ من سيقود المسار إلى الأمام في تحوّل الخطاب الموجود في الواقع والمتعلق بالسياسة الدولية ؟
الجواب هو : الأكاديميين المثاليين . يؤمنون أنّ بإمكانهم أخذنا إلى الأرض الموعودة ، لأنّ لديهم تأثيرا ذي سُلطة على الطريقة التّي يفكر بها قطاع واسع من الناس المؤثرين ، تفكيرهم بخصوص السياسة العالمية . قبل كلّ شيء فالأكاديميون مسئولون على تعليم نخب المستقبل ، ممّا يعني أنّ منظّري العلاقات الدولية يحتلون موضعا جيّدا حتّى يغيّروا طريقة تفكير قادة الغد بخصوص موضوع الأمن والدولة . المحرِّر الضيف للعدد الخاص السابق من مجلة "العلاقات الدولية" حدّد هذه النقطة بشكل جيّد حينما كتب : "في الحداثة المتأخرة تُعّد الجامعة موقعا مهما لبناء المعرفة بخصوص العلاقات الدولية .. تساهم الجامعة بقوة في تنمية وتوزيع مثل هذه المعرفة . فأغلب الممارسين من أصحاب المهن يحصلون على توجهاتهم المفهوماتية ومواقفهم الفكرية من هناك" .
لكن ، حتّى يتمكن مثاليو ما بعد الحرب الباردة حقيقة من تحقيق هذا المشروع الاجتماعي الطموح والمفعم بالحيوية ، لابّد عليهم أن يتحكموا بشكل كلّي في المسيطر الأعلى على الحقل ، ليس بإمكانهم أن يتسامحوا مع الواقعيين ، فهم يحاولون تدمير الواقعية وتغييرها بخطاب مهيمن أكثر سلمية . يتعلق كل مشروع المثالية إذن بمسألة الهيمنة لا التعايش السلمي ، وليس طبعا لأجل نقاش يُصمّم بُغية تحسين فهمها للمشكلات السياسية المعاصرة أو تثبيت توجهاتنا التاريخية . إنّ الرهان في وجود منافسة الواقعيين في سوق الأفكار يتمثل في مدى قدرتهم على إقناع انطباعات بعض الطلبة الشباب –ربّما يوجد منهم الكثير- بأنّه لا يوجد شيء يسمّى مجتمعا دوليا أو أمنا مشتركا ، لذا ينبغي على الدول إذن أن تكون حريصة على مكانتها في ميزان القوى الكوني . لكن إذا ما حدث ذلك فلن تصير المثالية بعدُ أبدا خطابا مهيمنا ، ذلك المبتغى النهائي للمثاليين .
مثاليو ما بين الحربين بإمكانهم أن يكونوا أكثر تسامحا من الواقعيين في أوساطهم ، لأنّهم يؤمنون أنّ العقل كان إلى جانبهم ولهذا بإمكانهم أن يستخدموا هذا السلاح الرائع لتحريك العالم بعيدا عن الواقعية . في حين يركّز مثاليو ما بعد الحرب الباردة أساسا على التحكم فيما يفكر فيه الناس ويقولون ، ويفعلون أي شيء يبدو ممكنا حتّى يؤكدوا أنّ خطابهم هذا هو الخطاب المهيمن ، لا خطاب الواقعية . إنّ إصرار المثاليين على خلق أفكار مهيمنة لهو أمر قسري إكراهي في الأصل ، ليس بإمكان هذا الأمر أن يكون مساعدا و لكنّه يعزّز اللاتسامح تجاه التصوّرات المنافسة الأخرى للعالم ، خصوصا التصورات الواقعية . هذا هو السبب الذّي جعل المنظرّين الواقعيين غائبين عن الجامعات البريطانية اليوم .

آفاق النظام الدولي الجديد :
محافظةً على التقليد الذّي أرساه كار ، أوّد أن أعرض تقديما لمثالية ما بعد الحرب الباردة ، في حوزتي ثالث نقاط أساسية .
أولا ، حتّى وإن أنتج المثاليون المعاصرون بناءا معرفيا ثريا فإنّ ذلك لم يؤدي إلى تحويل السياسة الدولية أو تحويل طريقة دراستنا للموضوع على أي نحو ذي دلالة . إنّ أفضل دليل على أنّ الواقعية لم تسقط إلى طريق النسيان هو بقاء حضور كتاب "أزمة العشرين سنة" بشكل لافت ملحوظ . لا يزال يُعّد هذا الكتاب –الذي يُعتبر قطعة واقعية- العمل الأكثر أهمية في نظرية العلاقات الدولية الذّي كُتب في بريطانيا إلى الآن . علاوة على ذلك فإنّه لا يزال يجذب انتباها بين المثاليين بشكل واسع الانتشار . في الحقيقة لقد أُنتجت خلال الخمسة عشر سنة الماضية كمية كبيرة من المقالات والكتب عن كار وأفكاره .
قد لا يوجد هناك عمل أكثر توضيحا لاستمرارية أفكار كار من كتاب "أزمة الثمانين سنة : العلاقات الدولية فيما بين 1919-1999" ، كتاب نُشر سنة 1998 من قِبل جامعة كامبريدج ، كتب محرروه ، جماعة المثالين الشهيرة بالطبع ، -تيم دان ، ميشال كوكس وكين بوث- في مقدمته : "لتوكيد فكرة أنّ كار يزودنا بإلهام وراء هذا الكتاب فإنّنا لم نستخدم فقط عنوان كتابه الأكثر شهرة في العلاقات الدولية ، ولكنّنا استعرنا أيضا عناوين فصوله وأجزاء من العناوين التّي تتبعناها . حقيقة فإنّه كان من السهل أن نُقدّم بيّنة واضحة لقضايا كار الإشكالية ذات الصلة ، -وتقديم بعض الأجوبة بالطبع-" .
لقد ذهبوا إلى القول : " في حكمنا ، أنّ كتاب أزمة العشرين سنة يُعّد واحدا من بين قلة من الكتب في الثمانين سنة الماضية للحقل و الذّي لم يترك لنا مكانا للاختباء" .
إنّ السبب في بقاء "أزمة العشرين سنة" ذا الصلة هو وجود وجه ثابت للسياسة العالمية والذّي تحدثت بخصوصه الواقعية كثيرا . على سبيل المثال ، تبقى الدولة الفاعل الأساسي في النظام الدولي كما تبقى الشعوب عبر العالم موالية بعمق لدولها . أمّا الشعوب التّي لا تحظى بدولة ، كالفلسطينين مثلا ، الأكراد والشيشانيين ، فإنّها عازمة على خلق واحدة . إنّ السبب الأساسي الذّي يجعل معظم الشعوب تمنح امتيازا للدولة على كل من الفرد و كافة الإنسانية هو مبدأ القومية « The nationalism » و التّي تبقى الإيديولوجيا السياسية الأكثر قوة على وجه البسيطة ، وليس هناك سوى علامات قليلة توحي بتلاشيها في أي وقت قريب . حرّي بي أن أضيف أنّ عددا كبيرا من الشعوب تريد الدول لأنّهم في الحقيقة مهتمون بالأمن الإنساني ، ويدركون أنّ الشعوب التّي لا تحظى بدولتها الخاصة تكون مُعرّضة في العادة إلى السلب والافتراس من قِبل الآخرين . قبل كل هذا نتسائل : لما يريد الصهاينة خلق دولة إسرائيل ؟
لمّح كار في "أزمة العشرين سنة" بذلك ثمّ أقّر بوضوح بعد الحرب العالمية الثانية أنّ القومية كانت قوة منهكة وأنّ الدولة-الأمة صارت بشكل سريع عبارة عن مفارقة تاريخية « Anachronism » ، لكنّه كان مخطئا . فقد بقيت القومية قوّة فعّالة مقنعة ، على النحو الذي اكتشف فيه الجيشين الأمريكي والبريطاني ذلك في العراق ، وعلى النحو الذي تستمر فيه إسرائيل كل يوم –في اكتشاف ذلك- عبر احتلالها للأراضي .
الأكثر أهمية من ذلك ، فقد بقيت الدول تولي اهتماما عظيما بالأمن بمفهومه التقليدي العسكري . فالولايات المتحدة الأمريكية قبل كل شيء ، خاضت خمسة حروب منذ انتهاء الحرب الباردة ، وكانت بريطانيا إلى جانبها حليفا مقرّبا طيلة الوقت في كل تلك الحروب . علاوة على ذلك ، حتّى وإن كان من غير المحتمل ، فإنّه من الممكن أن تنتهي الصين والولايات المتحدة إلى حرب متبادلة على تايوان خلال السنوات القليلة القادمة . الأكثر أهمية من ذلك أنّنا نعيش في عالم يحوز آلاف الأسلحة النووية أين يبدو فيه من المؤكد أنّ عدد الدول ذات الصناعات النووية سيكون مرشحا للنمو في الأعوام القادمة . ليست الحرب النووية أمرا محتملا ، لكن على المرء أن يكون مجنونا ليحاجج بعدم إمكانية حدوثها . على سبيل المثال ، ليس من الصعب أن نضع سيناريو قابل للتصديق تنتهي فيه كل من الهند وباكستان إلى استعمال الأسلحة النووية ضد بعضها البعض ، نورد هذا لنقول أنّ الدول تبقى حريصة على بقائها ، كما تبقى القوة العسكرية تعني بالنسبة لها الكثير ، في مثل هذا العالم ، ليس من المؤكد أن يبقى كار قوة عظيمة في بريطانيا وحسب ، على حدّ تعبير مارتن وايت ، ولكنّه القوة الأعظم على الإطلاق .
ثانيا ، ليس من الحكمة إن لم يكن من الخطر بالنسبة للمثاليين أن يحاولوا تهميش دراسة المسائل الأمنية التقليدية في الجامعات البريطانية . القضايا الإشكالية العسكرية هي أكثرها أهمية على الإطلاق ، ليس ببساطة لأنّ الدول تبقى في حالة حروب ضد بعضها البعض وحسب و لكن يرجع ذلك أيضا إلى إمكانية تصاعد خطر النزاع إلى المستوى النووي . فضلا عن الوجود الراهن لخطر إرهابيين يحوزون أسلحة نووية .
بعد هذه المشكلات الأمنية الرهيبة التّي لا تشمل فقط بقاء منظور فكري وإنّما البقاء الفعلي للشعوب ، فإنّه من الواجب الإلزامي أن تتعرّض لها أفضل العقول في الأكاديمية ، ويأتي في المقدمة منظرّو العلاقات الدولية في بريطانيا . علاوة على ذلك فإنّه من الجوهري أن يُدفع طلبتهم إلى التفكير الطويل والجدّي بخصوص المسائل العسكرية التقليدية بنفس الطريقة التّي يفكرون بها في تلك الجديدة منها . ذلك أنّ استبعادهم خارج الملعب ، مثلما يريد بعض المثاليين القيام بذلك ، لهو عمل غير مسؤول .
ثالثا ، ليس من الحكمة لأي تصوّر فكري من أي مجموعة من باحثي العلاقات الدولية ، سواء كانوا مثاليين أو واقعيين ، أن يقوموا بتشجيع وتعزيز خطاب مهيمن بعينه . إنّ فكرة المنح الدراسية تقدم –حلا- أفضل في أي حقل معرفي حينما يكون هناك مدارس فكرية متضاربة تحظى بحرية التنافس ضد بعضها البعض في سوق الأفكار . التعددية ، وليس الاحتكار ، هي ما يجب على الجميع تشجيعه في أقسامنا وفي حقل العلاقات الدولية الواسع .
إنّ الذين يسعون إلى هيمنة نظرياتهم يدّعون أساسا أنّهم وجدوا صيغة سحرية للتفكير بخصوص السياسة الدولية . جوهريا ، هم يؤمنون بأنّهم اكتشفوا الحقيقة . وكل من يختلف معهم يُعتبر مخطأً وحرّيٌ به أن يلتزم الصمت . لقد توقف جون ستيوارت مل عند نقطة مهمة حينما كتب ذات يوم : "كل صمت عن النقاش يُعّد افتراضا بالعصمة من الخطأ" . من المؤكد أنّه في هذه الحالة إذن يجب على الواقعية أن تُسحق وتُقمع . لأنّ المثاليون يظنون أنّهم شيّدوا بناءا نظريا غير قابل للجدال ، تقف الواقعية على صرحه أيضا.
أحد المشاكل الواضحة مع هذا النمط من التفكير هو أنّه يمكن للمثاليين أن يكونوا مخطئين بخصوص المسائل المهمة –في الحقل- . هل يوجد أحد منّا هنا ليس له بعض وجهات النظر في حياته أو حياتها ، يكون قد تخلى –مثلا- عن فكرة أو نظرية كان يظن أنّها أداة قوية لفهم طريقة سير وعمل العالم ؟ إنّه وإذا كنتُ قد تعلمتُ أي شيئ بخصوص تطوّر نظريات علم الاجتماع ، فذلك لكي أكون متواضعا –بخصوص آرائي- ، فعادة ما يتعامل العالَم الحقيقي بخشونة وقسوة مع أغلب أفكارنا المدلّلة العزيزة . لهذا السبب قال ألبرت أنشتاين ذات يوم : "كل من يأخذ على عاتقه مهمة وضع نفسه عاليا باعتباره حكما في حقل الحقيقة والمعرفة فإنّه سيُخيّب بضحكات الإله" .
لكن حتّى وإن كان لأحدهم نظرية أو نظرة مثيرة للإعجاب ، فلا يمكنها أن تُخبرنا بكل ما نحن في حاجة لمعرفته حول السياسة الدولية ، لسبب بسيط : من اللافت أنّ العالم معقّد وكل نظريتنا –بما فيها الأفضل منها- تحظى بقوة تفسيرية محدودة . وحتّى نجعل العالم يبدو مفهوما ، فنحن بحاجة إلى تنوّع المنظورات في طرحنا وتسييرنا .
هناك سبب آخر حتّى نُشجع على التعددية هو أّنّنا نتعلم من باحثين ساحرين ينظرون إلى العالم بطرق متباينة بشكل جذري عن نظرتنا نحن . من المؤكد أنّي استفدتُ من وجود ألكسندر واندت كزميل لي في جامعة شيكاغو ، كما آمل أنّه استفاد هو أيضا من التفاعل معي ، حتّى وإن كان يُفكّر أنّنا نفكر بطرق متباينة جدا فيما يتعلق بالسياسة الدولية . بالمناسبة أريد أن أسلّم أنّ المثاليين في بريطانيا مستمرون في قراءة كتاب "أزمة العشرين سنة" لأنّهم استفادوا من الأفكار الجذّابة لكار حتّى وإن لم يكونوا متوافقين مع معظمها أو كلّها . باختصار ، لقد كان ستيوارت مل مُحّقا مرّة أخرى حينما قال أنّ : "السبيل الوحيد الذّي من الممكن أن يجعل الإنسان يشكل بعض المقاربات لمعرفة كافة جوانب موضوع ما ، هو ذلك الذّي يكون من خلال الاستماع إلى ما الذّي يمكن أن يُقال بشأنه من قِبل أشخاص ينتمون إلى آراء متنوعة جدّا" .
أريد أن أؤكد أنّي لا أحاجج أنّه ينبغي على المثاليين التوقف عن نقد الواقعية . على النقيض من ذلك ، أرى أنّ هذا الأمر يُعّد ميزة خالصة للحقل حينما تدخل مدارس فكرية متنافسة في معركة فكرية . حجتّي في ذلك أنّه كان لمثاليي ما بين الحربين إستراتيجية ذكية في شنّ الحرب ، والتّي تعتمد على مبرر لأجل إظهار وتوضيح أوجه القصور المتعلقة بسياسة القوة . إنّها إستراتيجية بعيدة المدى في إقصاء الواقعيين عن الأكاديمية ، وحظر لغة الواقعيين وتفكيرهم هناك . أو حتّى نصيغ هذه المسألة بطريقة أخرى نقول أنّه إذا ما كان المثاليون المعاصرون يملكون حقّا نظريات قوية لعرضها ، فإنّهم ليسوا في حاجة لأن يكونوا مرعوبين من الواقعية .
بإمكان أحدهم أن يُحاجج بقوله أنّ الواقعية كانت تحظى لمدة طويلة بخطاب مهيمن و أنّ ما يفعله المثاليون هو محاولة ضرب وهزيمة الواقعيين في لعبتهم الخاصة . من المؤكد أنّ الواقعية قد حظيت بالخطاب الأكثر أهمية في العلاقات الدولية في معظم تاريخ هذا الحقل . مع ذلك ، فلم تبقى أبدا خطابا مهيمنا . فقد كان هناك دوما مثاليين و باحثين آخرين غير واقعيين في الحقل ، وهذا بالضبط ما ينبغي أن يكون .
حرّيٌ بي أيضا أن أضيف ، أنّني لا أعرف واقعيا واحدا يرى أنّه ينبغي لحقلنا أن يُحتل فقط من قِبل الواقعيين . أنا متأكد أن لا أحد يُفكّر بهذه الطريقة ، وكل الواقعيين الذّين أعرفهم يفضلون حقلا تقيم فيه تصوّرات متنوعة ، لا تصوّرا واحدا يُتحكم فيه من قِبل أي مجموعة فكرية فريدة من الباحثين . أؤمن أنّ هذه النزعة الكاثوليكية « Catholicism » ترجع في جزء ما إلى حقيقة أنّ الواقعيين ، كغيرهم من مثاليي ما بين الحربين ، على ثقة بأنّ نظرياتهم سوف تؤدي ما عليها بشكل جيّد في مواجهة المنافسة في سوق الأفكار .
ختاما أرى أنّ الجهود المبذولة لجعل المثالية خطابا مهيمنا لهي جهود مخطئة . يجب أن يكون مجتمع العلاقات الدولية البريطاني على قدر من الذكاء حتّى أن يُشجّع التنوع في صفوفه ، من خلال استقدام وتوظيف واقعيين مثلما يُوّظف المثاليين تماما ، بالإضافة إلى عدد من أنماط المفكرين الآخرين إلى جانبهم . فالتنوع الفكري هو أحد أعظم فضائل الديمقراطية ، وينبغي علينا أن نشجعه لا أن نبتره ونقصيه .
أعتقد أنّ هناك سخرية مثيرة للإعجاب بأتّم معنى الكلمة ، أنّ كار ، المنظّر الواقعي ، قد تمّ استقدامه وتوظيفه ليشغل منصب يحمل إسم وودرو ويلسون ، الليبرالي الذّي مقت كار أفكاره بعمق ، ليأتي بعده كين بوث ، المثالي المتفاني ، فيُوظف ليشغل المنصب بعد كار . آمل حينما يأتي الوقت الذّي سيُشغل فيه المنصب بعد البروفيسور بوث أن يقع الاختيار على منظّر واقعي ليشغله . لن يكون ذلك جيّدا للواقعية وحسب ، و لكنّه أمر جيّد للمثالية أيضا ، بل ولحقل العلاقات الدولية على الأعم . وقد يكون الأمر أكثر أهمية للجميع ، سيكون أمرا جيّدا لقدرتنا على فهم العالم كما هو ، وبالتالي دفعه إلى الأمام برفق ، لكن بشكل بطيئ و مؤلم صوب الاتجاه الإنساني . أنا منظّر واقعي ، وأؤمن بوجود حدود معينة فيما يتعلق بمدى إمكانية أن يصير العالم جيّدا ، ولكنّنا من المحتل جدّا أنّنا نتحرك في الوجهة الصحيحة ما لم نقم بتضييق نظرتنا أو إسكات أصوات أخرى غير أصواتنا . شكرا لكم .

*جون ميرشايمر : منظّر واقعي جديد معاصر ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة ، و مؤلف كتاب : "تراجيديا القوى العظمى" و كذا كتاب ذائع الصيت مع البروفيسور ستيفن والت أحدث ضجة داخل الولايات المتحدة عن اللوبي الصهيوني و تأثيره على السياسة الخارجية الأمريكية .

**جلال خشيب : مهتم بالدراسات الدولية والإستراتيجية ، الجيوبوليتيكا والفلسفة السياسية ، قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة منتوري قسنطينة / الجزائر .









#جون_ميرشايمر. (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جون ميرشايمر. - إدوارد هاليت كار في مواجهة المثالية : وتحتدم المعركة .