عيد العمال العالمي وتضحيات الطبقة العمالية

عبدالرحمن أحمد عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 1184 - 2005 / 5 / 1 - 11:21
المحور: ملف 1 ايار 2005- الطبقة العاملة في ذكرى 1 آيار
    

تحتفل دول العالم قاطبة بشعوبها ومجتمعاتها وأممها وحكومتها بأول مايو (عيد العمال العالمي) مثلما يحتفي بهذا اليوم الأممي بالدرجة الأولى طبقات العمال الكادحة (طبقات البروليتاريا) المكافحة.

يحتفل بهذا اليوم العالمي المقدس كل من آل على نفسه الا يرتضي سوى الحياة الحرة الكريمة وكنف العيش الرغيد من أولئك الذين تقام على اكتافهم ركائز العملية التنموية والانتاجية والاقتصادية والاجتماعية بتضحياتهم الرائعة وجهودهم المميزة ودمائهم الزكية، وتناط بهم وفي أعناقهم دعائم المسئولية الوطنية الكبرى عبر ترسيخ ولاء انتماءاتهم للمواطنة والوطنية ومن خلال تكريس نضالاتهم وحرصهم ووفائهم وتعزيز ابداعاتهم وعطاءاتهم من أجل الأرض والوطن والسيادة الشعبية. ولعل نضالات البروليتاريا وتضحياتها قد تعكس معالم تلك المكتسبات الوطنية والإنجازات العمالية بأروع صورها وتداعياتها وأنبل حقائقها وأحداثها تمثلت في الملحمة التاريخية والنضالية لانتفاضة عمال شيكاغو الخالدة عام 1886م التي جاءت تتويجاً للانتفاضة العمالية البولونية عام 1863م ونضالات (الأممية الأولى) عام 1864م.. جاءت انتفاضة شيكاغو تجسيداً لمبادئ قادتها ومناضليها بمبادئهم وتقديم أرواحهم واستشهادهم من أجل انتزاع حرياتهم والدفاع عن كرامتهم عند مواجهتهم احتكار رأسمال الدولة الامبريالية وضد أصحاب الكارتيلات والتروستات والرساميل الكبيرة القائمة على (الربح) فائض القيمة الخيالية التي محورها التفاوت الطبقي الصارخ وركائزها الظلم الاجتماعي المقيت. ولعل مكاسب وانجازات نضالات عمال شيكاغو قد ترسخت مفاهيمها وحقائقها في أرضية واقع المجتمعات الديمقراطية في العالم وفي مقدمتها الاستقرار المعيشي والأسري والنفسي والاقتصادي، وتوفير مختلف الأعمال والمهن والوظائف ضمن مبدأ العدالة الاجتماعية، وتحسين مستوى الأجور وظروف العمل وتخفيض ساعات العمل، وترسيخ العمل النقابي والنضال العمالي.. ولعل يوم الأول من مايو (عيد العمال العالمي) يظل مضيئاً في عقول ووجدان العمالة البحرينية بقدر ما يكون مبعث فخر شعب مملكة البحرين بجميع فئاته ومشاربه وطبقاته عبر مشاركته احتفالات الاعياد العمالية الأممية التي تعكس دلالات ومغازي عظيمة انصهرت في بوتقة الاحتفالات العمالية والنقابية منذ التحولات السياسية واشاعة الديمقراطية في مملكة البحرين وتفعيل الدستور والعمل بالميثاق الوطني.. لتبقى مملكة البحرين شامخة بديمقراطيتها وتاريخها وحضارتها طالما وجدت مكانتها الكبيرة على الخريطة السياسية العالمية وخاصة بين الدول الديمقراطية التي حققت شعوبها وفي مقدمتها طبقاتها العمالية أهدافها المحورية المشروعة، مثلما تحقق العديد من أهداف وطموحات العمالة البحرينية التي ناضلت من اجلها بالأمس وعبر أعوام خلت، وهو تشكيل النقابات العمالية الحرة والمنتخبة في مؤسسات القطاع الخاص طبقاً للدستور والميثاق الوطني وانسجاماً مع الاتفاقيات الدولية فضلاً عن جعل (أول مايو) اجازة وطنية اسوة بالاجازات الرسمية والوطنية.. وبالرغم من ذلك كله فان ثمة حقوقا عمالية ونقابية يظل البعض منها غائبا والبعض الآخر شبه غائب، والبعض منها ناقص لا يتماشى وأهداف ومصالح العمالة الوطنية ولا ينسجم ومطالب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.. لعلنا نوردها كالآتي: 1) الخلل القانوني حول النقابات العمالية في القطاع الحكومي: تظل حقوق العمالة البحرينية في القطاع العام منقوصة ومهمشة طالما لا تستطيع نقاباتها العمالية تحقيق مطالبها وأهدافها المشروعة بل ابعادها عن اتخاذ القرارات العمالية والنقابية، لكون ثمة ثغرات ونواقص وخلل برزت في قانون وتشريع ديوان الخدمة المدنية ودائرة الشئون القانونية فيما يتعلق بتشكيل الحركات النقابية في القطاع العام وفي مقدمة الثغرات تعميم رقم (1) لسنة 2003م الذي يخضع (المادة العاشرة) لتأويلات عمومية وتفاسير عائمة، بحيث استطاعت الحكومة ترجمتها لصالحها وتجييرها لسياستها كتصريحها «بعدم السماح أو عدم جواز تشكيل النقابات في القطاع الحكومي«.. ومن هنا فقد وضع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين خيارين.. الخيار الأول هو عملية التنسيق مع أعضاء مجلس النواب من أجل مناقشة قانون النقابات العمالية وتعديل جوانب السلب والنواقص والثغرات منه.. أما الخيار الثاني فهو لجوء (الاتحاد) إلى رفع دعوى قضائية ضد ديوان الخدمة المدنية من اجل تعديل القانون ذاته كي يتماشى ومصالح وأهداف الحركة النقابية في القطاع الحكومي. 2) تهميش دور النقابات العمالية في القطاعين العام والخاص: كثر الحديث عن لغة الأبواب المغلقة التي توصدها معظم إدارات المؤسسات والوزارات لدى القطاعين العام والخاص في وجه (نقاباتها العمالية)، الأمر الذي تجد فيه قيادات وممثلو هذه النقابات حرجا وإرباكا وصعابا جمة في ايصال صوتها ومطالبها وملاحظاتها إلى المسئولين والمديرين في كلا القطاعين.. ويكفي ان نستشهد بمدى ردة فعل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين التي تمثلت في إعلان استيائه وامتعاضه حول ما تواجهة النقابات العمالية من التهميش وابعادها عن مشاركة القرارات النقابية العمالية، واغلاق ابواب الحوار في وجهها وفي مقدمة نقابات هذه المؤسسات (بابكو وبتلكو والألبان الدنماركية) بأساليبها الملتوية وسياساتها الفوقية التي وصفها (الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين) بـ «الانتهاكات النقابية«. 3) إنزال فداحة الظلم على كواهل قيادات النقابات العمالية: في ضوء تهميش النقابات العمالية في القطاعين العام والخاص فقد تعرض العديد من قيادات وممثلي النقابات العمالية لعمليات المضايقة و«التطفيش« والتجاهل إزاء مكانتهم المشروعة ومطالبهم الأساسية وحقوقهم المحورية، بل تهديدهم بالفصل التعسفي والتوقيف عن العمل والتجميد في السلم الوظيفي، وكل ما في الأمر ان هؤلاء تجاوبوا مع نداء الواجب العمالي والنقابي في الدفاع عن حقوق العمال والموظفين كتحسين الرواتب والأجور وتعديل السلم الوظيفي وعملية الاعداد والتدريب، والمطالبة باحتساب الساعات الإضافية ونظام النوبات للعمل، فما كان جزاؤهم سوى التهديد والمحاسبة والتجميد والعقاب والفصل التعسفي وفي مقدمتهم نقيب السياحة ونقيب عمال شركة طيران الخليج ونقيب عمال البريد ونقيب عمال وزارة الأشغال وغيرهم في القطاعين العام والخاص على حد سواء. في نهاية المطاف نستطيع القول: ان الخلل القانوني الذي يتعلق بالنقابات العمالية في القطاع الحكومي وتهميش دور النقابات العمالية في القطاعين العام والخاص، وإلحاق فداحة العسف في حق قيادات وعمال النقابات العمالية هي ظاهرة متخلفة واستبدادية لابد ان تتلاشى أدراج الرياح عاجلاً أم آجلاً بل مصيرها الفشل الذريع في المستقبل القريب لكونها نقيضة لحقائق الاحتفالات بيوم الأول من مايو، ونقيضة لمفاهيم الاصلاحات العامة والديمقراطية وتفعيل الدستور والميثاق الوطني التي في ضوئها تتطور دعائم مؤسسات المجتمع المدني، وعلى حقائقها يتبلور مبدأ الحوار وتداعيات المناقشات ولغة العقل والمنطق الموضوعي والديمقراطي حول قضايا العمل النقابي.. ويكفي استدلالاً فيما يتعلق بالحلول الناجعة لاشكاليات التنظيمات العمالية النقابية باللقاء المهم الذي جرى مؤخراً ما بين وزارة العمل والأمانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين من أجل تذليل المعوقات والصعاب التي تعترض العمل النقابي وما يتمخض عن هذه المساعي من المهمات التنويرية والتوعوية لدور النقابات العمالية لدى مؤسسات القطاع الخاص، ودعوة مختلف إداراتها للمساهمة في وضع دعائم العملية التنموية والانتاجية من خلال ترتيب دورات تثقيفية للإداريين حول مرتكزات العمل النقابي وما يترتب عليه من الحقوق العمالية والتي تمثل خطوة ايجابية لصالح العمالة الوطنية في عيدها العمالي في يوم الأول من مايو بقدر ايجابية الخطوة الثانية الممثلة في مناقشة قانون النقابات العمالية في المجلس التشريعي من أجل تعديله واقراره في ظل منعطفات تاريخية نوعية وتحولات ديمقراطية في مملكة البحرين التي بدعائمها تنتصر على مظاهر التخلف والاستبداد والبيروقراطية والجمود والمحسوبية والفساد والمصالح الذاتية والضيقة كافة، وخاصة مع كل اشراقة ليوم الأول من مايو في كل عام جديد ضمن انماط ومفاهيم حديثة ومجتمع جديد على حد سواء.
عبدالرحمن أحمد عثمان - البحرين

#عبدالرحمن_أحمد_عثمان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات