أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمود جديد - 20 يونيو 1981: أضواء على كفاح عمالي وشعبي















المزيد.....


20 يونيو 1981: أضواء على كفاح عمالي وشعبي


محمود جديد

الحوار المتمدن-العدد: 4129 - 2013 / 6 / 20 - 08:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    



في العام 1981، بعد 25 سنة من استقلال المغرب الشكلي، جرى ثاني انفجار اجتماعي في ظل حكم الاستبداد التابع للامبريالية. طيلة ربع القرن ذاك، حافظ الرأسمال الأجنبي على مصالحه ونماها، وتطورت البرجوازية المحلية بالاستفادة من الأراضي "المسترجعة" ومن المغربة، ومن جهاز الدولة عكازا لمراكمة الرأسمال. تدفقت جماهير شعبية مفقرة من القرى إلى المدن، فتضخمت بأطرافها أحزمة الفقر من جراء انعدام تصنيع حقيقي. واستعمل الرأسمال حجم البطالة المهول لفرض مستوى استغلال فائق على الطبقة العاملة.

وفاقمت تطورات ظرفية احتداد التفاوت الطبقي، فكانت حرب الصحراء ضغطا قويا على مالية الدولة، واشتد الخناق بفعل تنامي الاستدانة و توالي سنوات الجفاف. وكانت الدولة قد تصدت لموجة نضالات نهاية العقد السابع العمالية بقمع غير مسبوق، نالت منه نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أوفر حصة.

لم يكن الوضع الاجتماعي للأغلبية المقهورة مطاقا، فلم ينقصه غير الشرارة.

بيان وكالة الأنباء الرسمية يوم 28 مايو 1981، كان تلك الشرارة. فقد قصفت الدولة قاعدة المجتمع العريضة بزيادات في أسعار مواد استهلاك أساسية، بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية الذي باتت حاكما فعليا للبلد.

هذا وكانت السنتان السابقتان لهذه الزيادة قد شهدت رفع أسعار تلك المواد، ما يجعل الزيادة المتراكمة تصل فيما يخص السكر إلى 112%، والزيت 107%، و الحليب 200%، و الزبدة 246%، و الطحين 185%.

بدأت أولى الاحتجاجات الشعبية على هذا التعدي السافر بشرق البلد (وجدة، بركان...) مكتسية شكلا عنيفا. وقد كان سيطغى على تصاعد الاحتجاج الطابع العفوي المشتت لولا تدخل قوة سياسية بدراعها النقابي لتضفي طابعا سياسيا أكثر بالدعوة إلى إضراب عام وطني، وهي بادرة جسيمة في ذلك السياق.

الاتحاد الاشتراكي يضغط بالشارع

كان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية القوة المحتكرة عمليا للمعارضة الشرعية، بما أتاح له النظام المحتاج إليه، وبفعل إبادة اليسار الثوري. ومن ثمة كان الأعظم قدرة على التأثير في مجرى الأحداث. وكانت بدأت تعتري علاقة هذا الحزب بالنظام احتكاكات على صعيدي محوريها الرئيسيين:قضية الصحراء و"المسلسل الديمقراطي". فعلى صعيد مسألة الصحراء، كان هذا الحزب قد أبدى تحفظا من تدبير النظام لها في المحافل الدولية، مستشفا تفريطا في "الوحدة الترابية"، ما سيتعمق أكثر مع قبول الحسن الثاني لاحقا الاستفتاء في الصحراء، وما تلا من سجن بعض قادة ذلك الحزب. أما "المسلسل الديمقراطي"، فقد سبق للحزب، عاما من قبل، أن أبدى تبرما بمقاطعته استفتاء مايو 1980 القاضي بإضافة سنتين إلى عمر البرلمان. وهو ما سيتفاقم إلى أزمة بسحب الاتحاد الاشتراكي نوابه من البرلمان (أكتوبر 1981)، و إجبار الحسن الثاني إياهم على العودة، مع إسناد دور المعارضة لحزب الأحرار الخ.

كان ثمة خلف مناوشة الاتحاد الاشتراكي للنظام دوافع متعددة منها :

ضغط قاعدته العمالية والشعبية آنذاك، حيث كان فئات كادحة تعبر عن تطلعاتها عبر هذا الحزب الحامل لواء عليه شعارات التغيير والبديل.

حساب قيادته الساعية إلى تحسين شروط مشاركتها في "المسلسل الديمقراطي"، الذي اتضح أنه مجرد استعمال النظام للقوى السياسية لغاياته.

خشيته من أن يؤدي عدم تبصر الملكية إلى تفجير الوضع على نحو غير قابل للتحكم، ما قد يطلق دينامية تعصف بالملكية وبنظام الاستغلال الرأسمالي برمته، هاذين الذين لا يسعى الحزب إلى القضاء عليهما بل إصلاحهما فقط.

بهذا المعنى مثلت المواجهة بين الحزب والملكية نتيجة خلاف حليفين.

أعلن جهاز الحزب رفض الزيادة في الأسعار بعد يومين من إعلانها. فتجند الحزب، واستنفر كل قواه، دافعا أدرع تدخله في الساحة الاجتماعية، مستعملا صحافته بقوة غير مسبوقة. على هذا النحو قامت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والنقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين، الدائرتين في فلك الحزب، بالتصدي لقرار زيادة الأسعار، بإعلان رفضه و المطالبة بإلغائه، ثم بالتعبئة لخوض النضال ضده، وأخيرا بدخول المواجهة بالإضراب العام.

بيد أن 20 يونيو ليس مجرد إضراب عام تحالف فيه العمال و صغار الباعة، إنه علاوة على هذا عصيان شعبي شبيبي بالدرجة الأولى. قبل تفحص طبيعة عصيان الشبيبة، نتناول حالة الحركة النقابية العمالية التي انخرطت مكوناتها بتباين في التصدي لرفع الأسعار.

الحالة النقابية

ورد في وثيقة لحزب التقدم و الاشتراكية، قبل سنتين من انفجار 20 يونيو1981، توصيف لحالة قسم من الحركة النقابية ، يستمد مصداقية من كون هذا الحزب كان له، ضمن قوى اليسار، أكبر و أقدم طاقم في الاتحاد المغربي للشغل. لذا نورده كاملا:

"إن تقلص الحركة النقابية واضح للعيان، فإذا كانت الطاقة النضالية في القاعدة ما تزال متوفرة، فإن تأثيرات القمع المقنع الذي يمارسه أرباب العمل، وكذا التحريفات القديمة، تسببت في فقدان قطاعات نقابية او جامعات بكاملها. وقد مني العديد من الإضرابات بالفشل نتيجة تواطؤ مسيرين نقابيين مع أرباب العمل. ولقد انفجرت فضائح بدون أن تتخذ عقوبات، ودن ان يجري نقد ذاتي يتيح للمنقبين ان يميزوا بين المتورطين والمنظمة النقابية.

لقد استقرت بيروقراطية نقابية تمارس نمطا من الحياة لا يتناسب مع أجورها.

هذه البيروقراطية تسعى للحفاظ على مواقعها بكل الوسائل. والديمقراطية لا تحترم في مثل هذه الظروف. فالأجهزة الداخلية لا تجتمع، والمسؤولون المنتخبون يتم "التخلص منهم" و منظمات بكاملها يتم حلها...

في ذات الوقت تعاني الحركة المطلبية من انعدام التنسيق. فالتحركات المنطلقة من القاعدة لا تجد المساندة اللازمة المتمثلة في التضامن الواجب على المركزية النقابية ان تعمل على تنظيمه، حسب الظروف والإمكانيات، للنزول الى الساحة النضالية بثقل مجموع الطبقة العاملة. كما لم تنظم اي خطة ذات نطاق وطني تهدف الى تحقيق المطالب العامة لمجموع الطبقة العاملة. " [أطروحة المؤتمر الثاني لحزب التقدم والاشتراكية ( 1979) صفحات 61 – 62 ].

المقصود هنا أساسا هو الاتحاد المغربي للشغل بالنظر إلى أن حزب التقدم والاشتراكية كان يعتبره هو النقابة، رافضا انشقاق ك-د-ش. وكل حديث عن الاتحاد المغربي للشغل هو حديث عن القطاع الخاص أساسا لأنه كان منغرسا به بقوة قياسا بك.د.ش التي كانت أقوى بكثير ضمن أجراء الدولة (وظيفة عمومية وقطاع عام)، وكانت في طور صعود، و على درجة كفاحية لم تشهدها الساحة النقابية مند عقود [انظر بهذا الصدد مقال المناضل-ة عن إضرابات 1979- عدد 53/ مايو 2013].

بيروقراطية الاتحاد المغربي للشغل : تكيف آني وخذلان

يستعصي رصد دقيق لتعامل نقابة الاتحاد المغربي للشغل مع الهزة التي شهدتها الساحة العمالية والشعبية بالمغرب في يونيو 1981. هذا بفعل الحالة المؤسية التي توجد عليها الدراسة التاريخية لتطورات لحركة العمالية في مجمل الفترة التالية للاستقلال الشكلي، وبسبب الاحتكار البيروقراطي للمعلومة. مهما يكن من أمر، من واجبنا استشفاف ما أمكن بما تيسر من مادة.

حسب شهادة قيادي سابق بالاتحاد المغربي للشغل:"اجتمعت اللجنة التنفيذية للاتحاد المغربي للشغل يوم 4 يونيو، وسجلت إجماع الاتحادات المحلية بأن الغضب يدوي بكل مكان. وأكد بعض ممثلي القيادات المحلية أنهم يواجهون مصاعب متنامية في التحكم في جيوشهم، وأنه يجب الإسراع بالرد. لم يصدر عن اجتماع اللجنة التنفيذية أي قرار ولا حتى بيان. بعد أيام قلائل سافر الامين العام المحجوب بن الصديق إلى جنيف لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية". [حسن البزوي؛الاتحاد المغربي للشغل، الحلم والواقع (بالفرنسية)؛ مطابع النجاح الجديدة الدار البيضاء؛ 1993؛ ص90] .

لم يكن لدى قيادة الاتحاد المغربي للشغل، و90 بالمائة منها المتمثل في المحجوب بن الصديق الغائب عن البلد، أي منظور لخوض النضال ضد زيادة الأسعار. كان عليها أن تفعل شيئا ما إزاء ضغط الوضع، وخشيتها الأعظم أن تنفلت القواعد العمالية من قبضتها. هذا ما عبر عنه حسن البزوي عضو القيادة الوطنية آنذاك بالقول:

في تجمع احتجاجي أمام مقر الاتحاد بالدار البيضاء يوم 14 يونيو (حضره 50 ألف عامل حسب قوله)،" كان الجو مشحونا وكانت الشعارات تعبر عن درجة كبيرة من السخط والتذمر... وفي خضم هذا الهيجان من الشعارات، بدأ البعض يردد شعارات تدعو إلى تحويل التجمع إلى مظاهرة تجوب شوارع الدار البيضاء." [حسن البزوي، حلقات بجريدة الأحداث المغربية من 16 أكتوبر إلى 13 نوفمبر 2004 – الحلقة السابعة ].

..."بحضور 50 ألف عامل ...كنا منظمين على نحو لا يسمح بأي انفلات، ولا يجد صدى في هذا الفيضان البشري أي شعار خارج التي قررها المسؤولون".[كتاب البزوي ذاته؛ ص 91 ].

كما انعكس انعدام أي رؤية في افتتاحية جريدة إ.م.ش – الطليعة- يوم 18 يونيو1981، أي يوم الإضراب العام الذي دعا إليه الاتحاد عمال الدار البيضاء والمحمدية. : إذ لا تحديد لأي أفق للنضال، بل كلام عام أجوف عن الأزمة و"التغيير الجذري للبنيات السياسية والاقتصادية و الاجتماعية ".

بعد تنفيذ إضراب 18 يونيو الذي دعت إليه إ.م.ش بالبيضاء و المحمدية، وأيدته ك.د.ش و نادت بالمشاركة فيه، لم تتابع القيادة المحجوبية مسألة النضال ضد الغلاء، وكان لها طبعا في مآل إضراب 20 يونيو (العنف و القتلى) ذريعة مواتية ومهرب مريح. تكيفت مع ريح الغضب إلى أن مرت العاصفة، وحرصها الأكبر كان منصبا على ما يشدها إلى النظام من مصالح مادية، وولاء سياسي.

كان المؤتمر السابع للاتحاد المغربي للشغل (1985) أول مؤتمر في ما بعد يونيو 1981. ومما له بالغ الدلالة أن تقرير المحجوب بن الصديق إلى هذا المؤتمر لم يتناول أي تقييم لمعركة يونيو 1981 العمالية، ولا استخلص أي مهام، جريا على العادة البيروقراطية المستحكمة : كلام عموميات، وحشو فارغ عن أمجاد الماضي. [أنظر نص التقرير في النشرة الداخلية "أحداث ونضالات "؛ العدد 10 الخاص بالمؤتمر الوطني السابع].

الكونفدرالية: النضال ضمن حدود المنظور الاتحادي

رغم أنها لم تكن نهضت بعد من مخلفات قمع 1979، اندفعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في إضراب 20 يونيو، مسنودة بنقابة التجار الصغار التي كان لها دور شديد الوقع في نجاح الإضراب العام. فقد نقلت نقابة الباعة الصغار الإضراب إلى أعماق الأحياء الشعبية، مكهربة مناخها المشحون أصلا.

و أيا كانت حسابات القيادة الاتحادية للمعركة، كان موقفها متجاوبا مع تطلعات الجماهير العمالية والشعبية في الرفض المطلق للزيادات، والمطالبة الحازمة بالغائها، والجرأة على النضال من أجل ذلك. ففي يوم8 يونيو، حددت الكونفدرالية للدولة أجل أسبوع للتراجع عن الزيادات، علما أن الحكومة أعلنت يوم 6 التراجع عن نصفها. انتهى الأجل المتاح للدولة يوم 17 يونيو، وفيه قرر المكتب التنفيذي، مستعملا صلاحيات فوضها له المجلس الوطني، الدعوة إلى إضراب 20 يونيو العام.

لا يمكن الحديث عن تسيير الإضراب العام بالنظر إلى الطريقة الفوقية التي أعلن بها، وكذا بإدارته من طرف القيادة النقابية التي لم تتجاوز التعبئة، مستعملة صحافة الحزب. حتى تحديد يوم الإضراب كان فوقيا بالكامل بفعل الصلاحيات المفوضة التي حصل عليها المكتب التنفيذي من المجلس الوطني.

في هذه الطريقة الفوقية مصادرة تامة لتسيير الشغيلة لإضرابهم، بالجموع العامة ذات السيادة، ولجان إضراب تتولى تنظيم اليقظة والتصدي لكاسري الإضراب، و الحملة الإعلامية، وتسيير المعتصمات بأماكن العمل، والتنسيق بين تلك اللجان، الخ. الرؤية الاتحادية للنضال العمالي لم تساعد على بناء هكذا تقاليد بروليتارية. لم تكن غاية الاتحاد الاشتراكي حفز النشاط الذاتي للعمال وتنظيمهم الذاتي، بل استعمال طاقتهم النضال للضغط المحسوب دون أدنى مخاطرة بانفلاتها.

تدخلت جماهير كادحة بالأحياء الشعبية بطريقتها يوم الإضراب العام، وأخذت الأحداث مجرى آخر لا يد للنقابة العمالية فيه. وبهذا لم يبق مجال للنظر اليها من زاوية إضراب عمالي وحسب.

قبل مقاربة فعل شباب الأحياء الشعبية يوم الإضراب العام، نلقي نظرة خاطفة على رؤية اليسار الماركسي آنذاك المفترض أن يضطلع هو بحفز النشاط والتنظيم الذاتيين للعمال.

اليسار الثوري و 20 يونيو

دون إدعاء الإلمام بحقيقة تعامل اليسار الماركسي مع هزة يونيو 1981 العمالية والشعبية، نلقي نظرة وفق المتاح، ويظل تحليل ذلك التعامل من مسؤولية جيل الثوريين الذي عاش التجربة من داخلها.

أول ما يتعين لمتتبع موضوعي أخذه بعين الاعتبار الظروف الذاتية لليسار الماركسي في تلك الحقبة. فقد انهال عليه النظام منذ نشأته في مستهل سنوات 1970 بجائحة قمع همجي، لدرجة حدت من قدرته على النمو و الانغراس في الطبقة العاملة. فرض النظام على اليسار الماركسي العمل السياسي في ظروف بالغة السرية، وزج معظم قواه الفتية، وقياداته، في السجون مددا طويلة. ومن جانب آخر، اجتاز ذلك اليسار أزمة داخلية مستفحلة، إذ شهد تمزقات فكرية وسياسية بصدد تقييم المسار وتحديد الآفاق. واخترقته تقييمات متباينة، بعضها يميني، فيما الآخر غير خلو من سمات اليساروية. ولم يكن لتلك الخلافات، العادية في آخر المطاف، أن تدمر المنظمات الماركسية لولا نقص تقاليد الديمقراطية الداخلية الناتجة عن الأصول التاريخية، لا سيما الفهم الستاليني للمركزية الديمقراطية.

ولا شك أن نقص التحليل الملموس للواقع الملموس كان له اثر قوي على مدى صحة الرؤية السياسية لليسار الماركسي، ومن ثمة صواب طرق تدخله في الصراع الطبقي. إذ أن ظروف النشأة المتميزة، محليا و دوليا، بالتجذر غلبت شعارات نضال قصوية، وحتى اعتقادا خاطئا بأن الثورة قاب قوسين أو أدنى.

ومع كل التقدير المستحق لعطاء ماركسيي تلك الحقبة، يبدو أن رؤيتهم غلب فيها التحمس لفعل الجماهير الشعبية على نحو مقدس لعفويتها، ما أزاح تحليلا ملموسا لواقع الحركة العمالية والشعبية وحقيقة ميزان القوى الطبقي. ففي بيان لمنظمة إلى الأمام، موقع باسم مناضلين ثوريين، جاء أن الانتفاضة بينت" زيف الادعاءات القائلة بان الجماهير تفتقر للتجربة النضالية، تفتقر للوعي ولزمام المبادرة ... الخ ". وسار نفس البيان إلى إسقاط الرغبات على الواقع بقول :" الجماهير لم تنتفض لمجرد المطالبة بإلغاء الزيادات الحكومية في أسعار المواد الأولية والضرورية في أدنى مستوى عيشها، وإنما من أجل فرض اختياراتها الثورية، من أجل فرض سلطتها الشعبية، من اجل فرض ديمقراطيتها الحقيقية التي لن يكتب أبدا الخروج إلى النور إلا باستعمال عنفها الثوري .... "

[ الصعيب حسن؛ سيرورة إعادة بناء منظمة إلى الأمام ؛ الجزء الأول منشورات الأفق الديمقراطي؛ الدار البيضاء يوليو 2011 ص 101-103]

شباب الأحياء الشعبية

لم تكن مظاهرات 20 يونيو1981، ولا تصدي المتظاهرين العزل لقوات القمع، فعلين منظمين تحت قيادة النقابة الداعية إلى الإضراب العام، ولا أي قيادة أخرى في إطار تنظيم منغرس له أهداف وسياسة لتحقيقها.

كانت طلائع المظاهرات منبثقة بشكل عفوي من صفوف شباب الأحياء الشعبية المسحوقة. هب الشباب للتعبير عن سخطه، وحقده السليم، على الذين أشبعوه تنكيلا وإذلالا وأذلوه بما فرضوا عليه من براثن الفقر المدقع، ومكابدة شتى صنوف المعاناة اليومية.

معظم المنتفضين شباب معطل، ضحايا نظام التعليم الطبقي، وكادحون، صغار متكسبين يتدبرون لقمة يومهم خارج دائرة الإنتاج، بامتهان مختلف النشاطات الهامشية. إنهم ضحايا مسحوقة لنظام قهر طبقي، حط البشر إلى ظروف حياة مذلة، بؤس، سكن غير لائق، جهل، مرض، ...

طبعا يشارك في أعمال العصيان بالأحياء الشعبية عمال، لكن ليس بصفة طبقة بل كأفراد.

تراكم السخط يوما بيوم، طيلة سنوات، وفتح إعلان الإضراب العام، باب تنفيس الحقد على المجرمين الذين بنوا نعيمهم فوق جحيم يعج بملايين الضحايا. كان الرد الشعبي على القهر الطبقي بتفجير السخط بأشكال عنيفة، كتدمير و/ أو إحراق متاجر، وسيارات، ومقرات بنوك، والمواجهة العنيفة لقوات القمع. عنف ولده عنف الدولة البرجوازية المستبدة التي تذيق الكادحين يوما شتى ألوان العذاب، والإذلال من قبل رجال السلطة. لكن هذا الرد احتجاج آني، نوع من فش السخط، والانتقام قصير النظر. مع ذلك هو مشروع تماما، لأنه رفض للقهر الطبقي، للظلم، للإهانة والاحتقار، وإن كان غير متبصر، إنها أفعال من يرفض القهر دون أن يدري كيف سيتخلص من قاهريه. المدان هو النظام الاقتصادي-الاجتماعي والسياسي الذي سبب السخط وما تولد عنه.

تمرد شباب الأحياء الشعبية الذي لا يندرج في نضال أشمل منظم هو تعبير ابتدائي عن الرفض تمر منه كل حركات النضال، إنه يأس و انتقام أكثر مما هو نضال، عصيان مقهورين بلا أفق، ردة فعل مشروعة لكن يعزوها وعي مكتمل. ليس بوسع كتلة بشرية مضطهدة مفككة الأوصال، متروكة لمصيرها في أحزمة الفقر والأحياء الشعبية، أن ترد إلا بتلك الطريقة ما دام لا يأتيها العون من تنظيم عمالي، يكون حدد الأهداف وسبل بلوغها. هؤلاء الكادحون الساخطون يجب أن تقودهم الطبقة العاملة، أن تجذبهم إلى نضالها، أن تجعلهم يتبنون وجهة نظرها الطبقية ومنظورها التاريخي.

بدل هذه الرؤية العمالية، ثمة من ينجر إلى تقديس أشكال غير واعية في التعبير عن السخط ، واعتبارها راديكالية لمجرد أنها عنيفة، لا سيما تصادمها مع قوات القمع. ومن ثمة تركيز الأنظار على استعمال العنف العقيم ضد الشرطة، و حرف النظر عن هدف تكريس القوى للإسهام في توسيع الحركة وتنظيمها.

ليس هذا تحفظا من العنف بحد ذاته. إذ أن إطاحة الرأسمالية ستكون عنيفة لأن الطبقة السائدة، بكل ترسانتها القمعية، ستدافع حتى آخر رمق عن امتيازاتها. تاريخ مذابحها بحق العمال والشعوب المضطهدة شاهد على ذلك.

لكن الطبقة العاملة لا يمكن ان تستعمل أي نوع من العنف، و لا استعماله بأي طريقة كانت، و في أي ظروف كانت. يجب أن يكون استعمال العنف يخدم تعزيز الحركة، يجب ان يعبر عن القوة الجماعية للطبقة العاملة، و يستعمل بطريقة واعية، مناسبة لهدفها النهائي، هدف إطاحة الدولة الرأسمالية.

الانفجارات الاجتماعية

الإشادة بكفاحية شباب الأحياء الشعبية، وبالتضحيات الجسيمة، حتى بالحياة، التي يقدمون عليها، مفيد في بناء ثقة ضحايا الاستبداد والرأسمالية في قدرتهم الجماعية على رد العدوان، لكن الوقوف عن هذا الحد غير كاف. إذ لا غنى عن إبراز عقم الانفجار غير المستنير بأهداف واضحة، والقائم على أشكال تعبئة وتنظيم جماعيين. فالانفجار الشعبي الخلو من هذه المقومات ليس أكثر من رد يائس، عاجز عن مواجهة جدية للقمع، ولا يمكن أن يفضي سوى إلى سحق الجماهير بأيدي قوات القمع، والى وضع أسوأ مما كان السبب، ماديا و وعيا وتنظيميا.

الانفجارات الاجتماعية، في غياب قوى منظمة، لا تهدد النظام. لا مطالب لها ولا أفق قادر على هجوم جدي على الوضع القائم. بل إن النظام يستفيد من تلك الانفجارات، لأن طاقة الكفاح تتبد فيها عوضا عن أن تجد لنفسها وجهة سياسية واضحة، وهياكل تنظيمية تطورها. ثم إن الفشل الذي تنتهي إليه تلك الانفجارات يغدو حجة من الواقع يستعملها النظام لإقناع ضحاياه بلا جدوى العراك معه.

وفوق هذا وذلك، مصلحة العدو الطبقي في انفجارات عمياء هو الذي يحدو بالنظام إلى استفزاز الغاضبين بقصد افتعال العنف و"التخريب" لوقف التعبئة الجماهيرية. هذا تكتيتك ما زال منتهجا وبكثرة.

كما أن الانفجارات عديمة الأفق تعطي لقوى "المعارضة" المتعاونة مع النظام مبررا لطرائقها في "النضال"، أي لعبة مؤسسات الديمقراطية الزائفة. فحصيلة القمع (قتلى و سجناء...) دون التمكن من رد العدوان، بل تصاعده بعد سحق العصيان، ُيستعمل حجة ضد النضال الراديكالي و لصالح "نضال" الاستجداء. هذا علما أن "المعارضة" المتعاونة مع النظام لم تتردد في استعمال تحرك الشارع في مناوشاتها له، ما دام عفويا لا يهدد بخطر قيام حركة نضالية مستقلة واعية لاهدافها ، ومن ثمة منفلتة.

ليست الانفجارات الاجتماعية العفوية، وعصيانات شباب الأحياء الشعبية، غير تعبير عن طبقة عاملة ضعيفة الوعي بالهدف النهائي لحركتها وما يمثل قوتها الفعلية. يتمثل الوجه الرئيسي لعمل الثوريين مع شباب الأحياء الشعبية المهمشين، ضحايا البطالة، في التوجه الى الطبقة العاملة برمتها لتطوير وعيها و إبراز وسائلها الطبقية لتحقيق مشروعها الثوري: الإضرابات المظاهرات، التجمعات العامة، فطالما لم تكن لها القوة لخوض نضالات جماهيرية في ساحتها الطبقية وإبراز أشكالها التنظيمية الوحدوية ، وطالما بقيت سجينة مناورات الآخرين، طالما لم تطور وعيها، ستحدث أعمال تمرد من ذلك القبيل.

الدرس القديم الجديد

طالما لم تمتلك الطبقة العاملة قوة ذاتية، و لم تجذب إليها قوة الكادحين، ينزلق الشباب المهمشون إلى اليأس و مأزقه. الحل الوحيد لشباب الأحياء الشعبية هو تطوير نضالات الطبقة العاملة نحو الثورة التي تعطي معنى وأفقا لتمرد الشباب.

لذا يبقى مفتاح الوضع، وسبيل القضاء على الاستغلال وكل صنوف الاضطهاد، تطوير الشعور الطبقي المستقل بين الجماهير العمالية، وبناء أدوات نضالها على كل الجبهات، وجمع أشد قواها كفاحية و أرقاها وعيا في حزب ثوري. .

فكما قال تروتسكي " بدون منظمة ثورية رائدة تتبدد طاقة الجماهير مثل البخار غير المحصور قي اسطوانة المكبس. علمًا بأن الحركة لا تأتي من الأسطوانة أو المكبس، ولكنها تنجم عن البخار". ( من مقدمة كتاب تاريخ الثورة الروسية).



#محمود_جديد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفاهم الروسي - الأمريكي حول سوريّة بين الشكّ واليقين
- ملاحظات واستنتاجات حول الوضع الأمني في سورية وآفاقه السياسية ...
- ذاكرة الكفاح العمالي: إضرابات ابريل 1979
- ملاحظات واستنتاجات حول الوضع الميداني في سوريّة وآفاقها السي ...
- تقويم اعوجاج النظرة التقويمية للجيش السوري للكاتب محمد خليفة
- تساؤلات في زمن الغرائب والعجائب
- الحلّ السياسي في سوريّة بين الوهم والحقيقة
- اللجنة العسكرية في سورية بين الحقيقة والتوظيف السياسي الطائف ...
- - تخبّط الإئتلاف بين التكيّف السياسي ، والتكتيك السياسي - 
- هل عاد معاذ الخطيب إلى قمقم الإئتلاف ؟
- - دوافع وأهداف العدوان الإسرائيلي على مركز البحوث في جمرايا ...
- قراءة متأنّية لخطاب بشّار الأسد .. الظاهر والمضمر
- الموقف الروسي والأمريكي في الميزان
- مهمّة الإبراهيمي ومسيرة الحلّ السياسي إلى أين
- مقابلة الشرع مع- الأخبار اللبنانية - قراءة في النصّ والخلفيّ ...
- الموقف الروسي من الوضع في سورية - الخلفيات والدوافع والآفاق
- الأوضاع في سورية والخيارات المحتملة ، والمطروحة
- شاهد حيّ على خواطر شاهد عيان للدكتور محمد الزعبي
- الانعكاسات العربية ، والإقليمية ، والدولية المحتملة عند تنفي ...
- استنساخ الحظر الجوّي على ليبيا في سورية تدخّل عسكري سافر ، و ...


المزيد.....




- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق
- -حاقد ومعاد للسامية-.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يهاجم الرئيس ...
- بالفيديو.. رصد وتدمير منظومتين من صواريخ -هيمارس- الأمريكية ...
- مسيرة حاشدة بلندن في يوم العمال
- محكمة العدل الدولية ترد دعوى نيكاراغوا
- خردة الناتو تعرض في حديقة النصر بموسكو
- رحيل الناشر والمترجم السعودي يوسف الصمعان


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمود جديد - 20 يونيو 1981: أضواء على كفاح عمالي وشعبي