جاعة لطيفة
الحوار المتمدن-العدد: 4115 - 2013 / 6 / 6 - 22:30
المحور:
الادب والفن
الصناعة التقليدية بمدينة الصويرة "صناعة الفضة"
توجد مدينة الصويرة في جنوب غرب المغرب وتعتبر موقعا مثاليا للفرار من شواطئ مدينة أكادير المكتظة بالسياح. إسم المدينة الأصلي هو تاسورت على إسم قصبتها التي تشبه جدرانها العالية جدران قلعة.
الصويرة هي من دون شك المدينة الأكثر هدوءا في المغرب. يرجع البعض ذلك لرياحها والبعض الأخر للهدوء الذي يحيطها. أما تاريخها فهو شبيه بكثير من المدن الشاطئية والموانئ الكبرى في المغرب. ولقد عرف تاريخها العديد من التحولات. ففي القرن السابع، أتى الفينيقيون إلى المدينة وأسموها "ميكدال". بعد ذلك، حضر إليها الرومان بحثا عن الصبغة الزرقاء المشهورة بالمنطقة. أما البرتغال، فلم يستطيعوا الاستولاء على ميناء المدينة إلا مابين 1506 و 1510 حيث قامت القبائل البربرية، بقيادة من العرب، بهزمهم وإخراجهم من المدينة. وقد سمى البرتغاليون المنطقة "الموغادور" وهو اسم لازال مستعملا للإشارة إلى مدينة الصويرة.
فيما بعد، عرفت المدينة تحولا آخر وذلك في عهد المولى سيدي محمد بن عبد الله. إذ أن العاهل المغربي آن ذاك أراد أن يعطي لمدينة الصويرة القديمة شكلا خاصا حتى يجلب إليها تجارة كبرى وبذلك، توجه آلاف اليهود المغاربة للمنطقة للتجارة واستقروا بها .
تمثل مدينة الصويرة نموذجا لتأثير الهندسة البرتغالية، ويتجلى ذلك في هيمنة الحجرالاسود في البنايات. وتعتبر الأبواب الرئيسية للمدينة مثالا حيا لذلك. أما الكتابة العربية الرائعة على الأبواب، فإنها تثير الإعجاب حيث يمكن قراءة كلمة "بركة" عليها. وقد اهتمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة بهده المدينة وأولتها عناية كبرى خاصة فيما يخص ترميم جدرانها، بنايتها، وكنيستها الكاتوليكية.
في انتظار أن نتطرق لاحقا لمنتوجات المنطقة، علينا أن نتوقف لرؤية نحاتي الفضة فعلى طول الأقواس، تمنح المدينة تجارة هادئة ودون مشاكل وتعتبر موقعا مثاليا للاستمتاع بجمال الأزرق الهادئ
تحتل الفضة مكانة متميزة داخل البيوت المغربية؛ فبالإضافة إلى أنها أساسية بين حلي النساء والفتيات، ولا يمكن الاستغناء عنها، توجد كذلك مصنوعات فضية ضمن الأواني المنزلية والديكورات التقليدية التي لم تستطع القطع الحديثة القضاء عليها. وأكثر من ذلك كله، أصبحت الفضة جزءا من ديكور البيوت الحديثة ومستلزمات أناقتها.
مدينة الصويرة واحدة من مدن المغرب الرائدة في فن النقش على الفضة، وتعد هذه المدينة الرابضة على شاطئ المحيط الأطلسي، جنوب غربي الدار البيضاء، حقا من «عواصم
الحرف التقليدية العريقة في المغرب وسمي هذا الفن ب(الدك الصويري). وهي تشتهر على صعيد الحرف التقليدية، بجانب الفضة، بريادتها الذائعة الصيت في فن النقش على خشب «العرعار».
عدد الصناع العاملين في صناعة النقش على الفضة في الصويرة لا يتعدى الـ160 صانعا، إلا أن هذه المدينة تنفرد عن باقي المدن المغربية، بنقش خاص بها يعرف باسم «الدك الصويري» (النقش الصويري) الذي شكل مدرسة خاصة. و«الدك» هو عبارة عن نقش خاص بالصويرة، مع الإشارة إلى أن كل مدينة مغربية تقريبا أتقنت نوعا خاصا تميزت به. ولكن «الدك الصويري» يعد بالإجماع الأكثر تميزا والأصعب إنجازا، ويعتبره كثيرون دليلا ناطقا على أناقة المرأة.
وهنا يجدر القول، إن هذا الطابع المتميز لـ«دك» بالمدينة جاء بتضافر جهود الصاغة الذين هاجروا إلى الصويرة منذ زمن بعيد، من مناطق سوس وشيشاوة وتارودانت (كلها في الجنوب المغربي)، بالإضافة إلى يهود الصويرة، وكذلك بعض أبناء قبائل «حاحا»، وهي مجموعات قبلية أمازيغية عريقة تتكون من 12 قبيلة.
«الدك الصويري» عانى في بعض الفترات من شيء من التهميش، وذلك بعدما ترك عدد من الحرفيين هذه المهنة، مما أثر بشكل سلبي على صناعة الحلي الفضية، وهذا على الرغم من كون قطاع الحلي الفضية من القطاعات المنظمة بالمدينة. ففيها ثلاث «قيساريات»، و«القيسارية» هي عبارة عن مجموعة من الدكاكين المتجاورة تكون في العادة مخصصة لعرض منتج معينة. وهي تستقبل يوميا أعدادا لا يستهان بها من الزوار المغاربة والأجانب، إضافة إلى الزوار المحليين، وهي: «قيسارية الصائغين» وهي عريقة بعراقة الحرفة، و«قيسارية بن بكار» و«قيسارية الكنوز» اللتان أسستا عام 1982. «القيساريات» الثلاث مفتوحة إحداها على الأخرى، وتوجد كلها في شارع الاستقلال. أما الصناع التقليديون لحرفة الحلي الفضية فيعملون داخل دكاكين صغيرة، ويستعملون أدوات تقليدية.
تعتمد الحرفة على مهارة «المعلم»، الذي يلقن الحرفة للأجيال الصاعدة، أما طريقة العمل وأسرار المهنة فهي عند الأجيال السابقة شبه احتكار عائلي تتوارثه أبا عن جد. ويوزّع العمل داخل بعض هذه الدكاكين الصغيرة بين الصناع، فهناك مَن يصهر المعدن، ومَن يحفر أو يرصع بالأحجار الكريمة، وأما عن الإشكال التي ينتجها هؤلاء الصاغة فهي عبارة عن مجموعة متكاملة من الحلي، مثل الخواتم المتنوعة والأساور المختلفة والأقراط المتباينة الأحجام، والأحزمة والخلاخل. هذه الحلي، طبعا، تستعمل في المناسبات المهمة، مثل حفلات الزواج والختان والأعياد الدينية، وبالإضافة إلى قيمتها الجمالية، تعد الحلي الفضية هذه وسيلة للادخار نظرا لقيمتها المادية. تعتبر مدن الصويرة ومراكش وفاس وتطوان أهم مراكز صناعة الحلي في المغرب. ويمكن التمييز بين حلي هذه المدن من خلال تقنيات صياغتها، لا سيما أنها كانت تحمل في غالب الأحيان أختام المدن التي صنعت فيها. أما الحلي القروية فهي تختلف من منطقة إلى أخرى، وتتشكل مجموع الزينة النسائية في الغالب من تاج وزينة للضفائر وأقراط وخلالات وصدريات وأسورة وخواتم وخلاخل. وغالبا ما يستعمل معدن الفضة في صياغة هذه الحلي، وأحيانا يلجأ الصاغة إلى مواد أخرى، مثل النحاس والبرونز وخليط من النحاس والقصدير أو الرصاص.
وكما سبقت الإشارة، تخصصت بعض المراكز في تقنيات وأشكال معينة أكسبتها شهرة واسعة. وتتميز الحلي الحضرية التي تصاغ في مدن مثل فاس ومكناس ومراكش والصويرة وتطوان وطنجة، عن نظيراتها في الأرياف بالدقة العالية في الإنجاز.
وتُستوحى الزخارف التي يعتمد عليها الصاغة لتزيين الحلي الحضرية من أشكال زخرفية ذات أصول أمازيغية وأندلسية. كما أن الطابع السائد في تزيين هذه الحلي هو عبارة عن تشكيلات نباتية وهندسية مرصعة إما بالأحجار الكريمة أو الزجاج، وهو ما يضفي على الحلي الحضرية رونقا خاصا.
من جهة ثانية، حرص المغاربة على المحافظة على التقاليد والأصالة التي تتميز بها الحرف المغربية، مما جعلهم يوسعون مجال استخدام الفضة من الحلي ليشمل أيضا الأواني المنزلية التقليدية، وحتى اليوم لا يخلو بيت مغربي من الأواني الفضية، وبالأخص طقم أواني الشاي الذي يضم الصينية وإبريق الشاي (البراد)، ويمكن كذلك استعمال كؤوس للشاي مزخرفة بقطع من أسلاك من الفضة، التي تغلف الكؤوس بطريقة بديعة، هذا بالإضافة إلى أنها تستعمل في الديكورات المنزلية والإكسسوارات الرجالية التقليدية مثل الخناجر.
من إنجاز الطالبة : jaa latifa
#جاعة_لطيفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟