أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حورية لنقر - خواطر














المزيد.....

خواطر


حورية لنقر

الحوار المتمدن-العدد: 4109 - 2013 / 5 / 31 - 00:42
المحور: الادب والفن
    


...................................شوق على أنقاض الذاكرة

حورية لنقر
تطفئ الفانوس كعادتها لتحلّق في أفق مظلم يعجّ بالوجوه والحكايات. يغادرها النوم. تضع وسادتها فوق وجهها لتكون حاجزا بينها وبينهم. لكنّهم لا يكفّون عن الحديث. إنّهم يدخلون تحت الوسادة.
لا حاجز الآن بينها وبينهم. أصابعهم تشير إليها وأفواههم الضاحكة تزيد من توتّرها. ترمي وسادتها تشعل فانوسها من جديد وتواصل الحديث. يعودون بها إلى زمن بعيد لم تعد تذكر منه سوى بعض تفاصيله ولكنّها مضطرة في هذه اللحظة إلى التبرير لأنّها في أمسّ الحاجة إلى نوم عميق.
ها هم يتحدثون عن الطفولة عن زمن العبث عن أيام كانت مفرغة من العذابات والجنون.
ترى نفسها الآن طفلة، بشعر أشعث طويل بعينين دامعتين وشفتين قرمزيتين وفستان بلون الورد مرقّع بالسواد فستان بلون الحياة مرقّع بالعدم. ويدين صغيرتين تمسكان بدمية. وساقين تورّمتا من ضيق حذاء.
زمن مضى عليه من الوقت الكثير ورغم طول المدّة إلاّ أنّها مازلت تحس بضيق الحذاء مازالت تشعر بألم ما يثقل الكاهل ويخنق حنجرة الحنين
مازال في القلب ما يدعو للمعاناة.
هكذا كانت ملامحها أو هذه هي الصورة التي رسخت في ذاكرتها بعد مرور أربعين عاما على طفولتها. تتأرجح أفكارها اليوم بين الحاضر والماضي، بين التذكّر والنسيان، كانت حياتها إكليلا من التعاسة ، تميمة للأسى لا تفارق جسدها أو هكذا يخيّل إليها.
وهل يمكن أن يحمل الشوق ملامح شيء آخر أو بالأحرى ؟؟ هل من الممكن أن توصف الأشياء بما يتصف به الشوق؟؟ قطعا لا.
يفعل الحنين بشوق فعلته وإنّ الحنين غالبا ما يشتهي أن يحضر سؤالا لا نملك له إجابة. هل يحضر الحنين لدى الناس جميعا في صيغة الاستفهام أم أنّ حنين شوق وحده الحائر.
أين هي الآن تلك المشاعر؟ أين ذلك الخوف الجميل؟ أين تلك النظرة التي تعاتب لتسامح، تلوم لتعذر، تنهر وتغفر؟
أسئلة تُذهب النوم من عينيها فتتوقف عن الكتابة. ترفع رأسها يجول بصرها في السقف. تنـزله بسرعة لتنظر إلى الأرض وكأنّها تودّ أن تهرب من أفكارها وخواطرها. ترفع شعرها عن وجهها. تضع القلم على شفتيها المرتعشتين وتقلّب بصرها في الغرفة التي يعجز أثاثها عن معرفة ما تكنّه فليس في هذا المكان شيء يشاركها الذكرى.
هي الآن غريبة بين أشيائها ، لا يفهم أيّ منهما الآخر وعلى أشيائنا أن تفهم ما نريد وإلا فهي أشياء لا تحسن المعاشرة. ولعلّ هذا ما يجعلنا نحتفظ غالبا بما يمثل لنا بعض ذكريات وما يجعلنا نقف على الاطلال على قدر أو وتد وما يجعلنا كذلك نكسر المرآة إذا ما تغابت في فهم ملامحنا ولكن شوق اليوم أمام أشياء لا تمثل لها شيئا. تضع القلم على الورق تتساءل من جديد:
أمازال لشوق طاقة؟ أمازال لديها شيء من التمرّد؟ أمازالت ترفض الموجود أم أنّ شوقا لم تعد شوقا؟
وتعجز ككلّ مرة عن الإجابة فتشرّع باب الذاكرة وترحل إلى ماضيها من جديد...
تذكر الآن صورة "جميلة" أختها الصغرى صاحبة الجدائل الطويلة والعيون الجميلة. هادئة الطباع. صورة الفتاة التي تشعّ براءة وطفولة. وتفوح من جسدها أنوثة تعبق بالحياة والفرح. لقد كانت اسما على مسمّى كان وجهها قطعة من بدر اكتمل جمالا وزاده الحياء واحمرار الوجنتين ربيعا. تذكر الآن تلك الصرخة العميقة عمق الجرح تذكر العيون الباكية تذكر الدموع التي أذهبت الربيع، تذكر الظلم الذي حوّل حياة أختها إلى ظلام.
العادات والتقاليد هذا القاموس الغريب الذي يمتاز في هذا البلد بالقداسة أكثر من أيّ شيء آخر بل أكثر من المقدّس ذاته. هذا المجتمع الذي يُعميه التخلّف ولا يرى في المرأة غير جسد. مجتمع لا يعترف بتفكيرها ورغباتها ونوازعها وشياطينها الشهيّة التى تجعل للكون طعما مميّزا.
في ظلمة الليل ترى "شوق" البدر في ضوء فانوس، في تغريدة بوم رمته الأقدار على غصن شجرة تطلّ من النافذة، تسمع الصوت الدفين في داخلها ينذر بأحزان ذكرى بعيدة.
بعد أربعين سنة قررت الدولة أن تستغل الطريق الطويل وبعض البيوت لتضع مكانها مركبا للسياح غرف رائعة يمارسون فيها الحب ، قاعات إفطار يتبادلون فيها الابتسام والنظرات والكلام قاعة للرقص تنتفض فيها أجسادهم من تعب الحياة لقد قرّروا كذلك إنشاء مسابح تتلوها قاعتي حلاقة، فهنيئا للسياح بالترف في قرية القانون!
عند زيارة شوق للقرية لم تصدق ما حصل فيها من تغيرات أرادت أن تدخل المركّب لكنّ العملة هناك منعوها من ذلك رغم أنهم أبناء الجهة ، فما كان عليها إلاّ أن تغادر المكان وتكتم غيضها ، لقد تمكنوا من أخذ كل شيء أخذوا الشارع أيضا!! منعوا ساكناته الأصليّات من ممارسة الأنوثة ، من ممارسة الجمال ، ومن ممارسة الذكرى أيضا ، وهاهم يحرصون كل الحرص على تحقيق راحة السائحات على أنقاض الذاكرة.
أيجب أن تكون الفتاة منهنّ أجنبية لتمارس الجمال؟ وهل يمكن لتمرّد في سن الأربعين أن يغير شيئا؟
ستظل شوق على أمل وستكرر ما فعلته في المحكمة مرارا عندما أصرت على الطلاق من رجل لا يربطها به شيء أكثر من الفراش ، ستحاول أن تدخل المركّب ، أن تمارس فيه الحياة ، لكن يجب عليها أولا أن تطرد هذه الوجوه الذكورية التي تطاردها أثناء النوم و اليقظة.
طرق خفيف على الباب تشير الساعة إلى الواحدة تسارع شوق لتخبّئ دفترها ، لتخبّئ مواقفها ، تعدّل فستانها وتتجه نحو الباب تصطنع الابتسام لرجل نال منه السكر والسهر والدناءة ، مازال أمامها شوط كبير لتقدر على التمرد ولعلّ العمر لن يكفيها......






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حورية لنقر - خواطر