رائد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 01:21
المحور:
كتابات ساخرة
حال المواطن الذي احتفل قبل فترة قصيرة، بحصوله على أول وثيقة تحمل اسم فلسطين، قبل ان يشعر بأن جواز سفره الجديد نقمة وليس نعمة، لم تكن فريدة من نوعها، إذ لم تعد "شرشحة" الفلسطيني، في المطارات العربية خبرا يستحق التوقف أو حدثا غير مألوف.
عندما أمسك للمرة الأولى بجواز سفر كتبت عليه عبارة السلطة الفلسطينية، كاد يطير فرحا. ذهب للاحتفال بالمناسبة مع أصدقائه. أبرز الجواز مرات عدة، خلال السهرة. تأمله باعتزاز. وخاطب الزملاء: "أخيرا...أحمل جواز سفر فلسطيني خالص، وليس وثيقة كتبت عليها اضافات من نوع "تمنح إلى اللاجئين" ....بل جواز سفر كامل عليه اسم وطني".
كانت الفرحة مبكرة بعض الشيئ كما ظهر لاحقا.
والاختبار الحقيقي سرعان ما اثبت ان حال الفلسطيني لم تتغير كثيرا، في المطارات العربية وعلى الحواجز الحدودية التي تخصصت في اصطياد الفلسطينيين و..."بهدلتهم".
كان على الشاب ان يتوجه من موسكو إلى عمان لتجديد تأشيرة اقامته في السفارة الروسية، حمل معه كل الأوراق المطلوبة، دعوة عمل إلى روسيا، ورسالة من الجهة الداعية إلى السفارة الروسية لتسهيل منحه الفيزا اللازمة لعودته إلى مقر عمله في موسكو، وجواز سفره الفلسطيني الذي اعتقد انه بات مفتاح عبور لا تغلق الأبواب أمامه كما في السابق.
كانت تلك زيارته الأولى إلى الأردن. واستعد لها جيدا. مثل كل زائر "محترم" سيقضي بضع أيام في التجوال والتعرف إلى البلد قبل ان يحصل على تأشيرته ويعود من حيث أتى. على الاقل كانت تلك الافكار التي مرت بخاطره خلال ساعات الطيران.
لكن، شعورا سيئا انتابه في مطار عمان عندما لاحظ أن اول من قابله، وجه متجهم سأله: أين بطاقة الجسور؟
مرت الكثير من الخواطر بباله وهو يبحث عن اجابة. لكنه حاول متلعثما توضيح أنه يحمل "جواز سفر خارجي" من دون رقم وطني.
عن أي بطاقة جسور يسأل؟ همس لنفسه. حاول ان يوضح للموظف أنه لا يحمل بطاقة جسور وأن جوازه العتيد هو كل ما يحمل من مفاتيح لعبور الحدود.
سرعان ما تم افهامه بوضوح، أن الجواز ليس مفتاحا....بل كابوس.
ممنوع. عليك ان تعود من حيث أتيت.
جواب بسيط انزلق على لسان موظف الأمن. وكان له وقع القنبلة.
إلى أين يعود المواطن الفلسطيني الذي اكتشف للتو انه لا يحمل صفة مواطن؟ ولم يكن اصلا في اي يوم مواطنا. لبلد لم يوجد، ولسلطة لا تعرف كيف تدافع عن "مواطنيها"...لكن السؤال الأهم..أين يذهب؟ من يستقبله؟
طيب ...اسمحوا لي بالدخول لبضع أيام استلم خلالها التأشيرة الروسية وأغادر!
ممنوع.
طيب ماذا افعل؟
تعود.
إلى أين؟
هذا ليس شأني.
هكذا انتهى الحوار.
وفقط بعد ذلك بدأت رحلة العذاب في المطار العربي.
الطيبيون من رجال الأمن قدموا له النصيحة. عليك أن تتصل بأحد ما، إذا حصلت على كفالة مواطن أردني تدخل.
من أين لفلسطيني لا يحمل رقما وطنيا، بمواطن أردني يكفله؟
هكذا انقضت الليلة الأولى، في ممر مزدحم بمسافرين منعوا من الدخول لأسباب عدة.
وقف بينهم، وتناوب البعض للجلوس على المقاعد القليلة التي توفرت. و....مر الليل.
في الصباح لاح الأمل في تجاوز الأزمة. الخيار الثاني كان التوجه إلى ممثلي السلطة.
الحركة في السفارة الفلسطينية في عمان نشطة كالعادة منذ ساعات الصباح الأولى.
لكن اعداد كتاب موجه للمخابرات الأردنية من اجل السماح بمرور "المواطن الفلسطيني" لعدة أيام أيام وعلى مسؤولية السفارة احتاج ساعات طويلة.
بعد الظهر بقليل، وبكثير من الرجاء و"الواسطات" كان الكتاب جاهزا.... نرجو السماح لحامل الجواز الفلسطيني صاحب الرقم..... بالدخول علما بأنه سوف يغادر البلاد في غضون أيام.
بقي ان يرسل الكتاب إلى الجهة الأمنية المختصة، وهي ستقوم بالواجب.
صاحبنا لم ينم ليلته.
وصباحه كان مزعجا.
لكن الأمل آخر ما يموت في النفوس.
مرت الساعات الثقيلة. ومازالت "الجهة المعنية" صامتة.
وحل ليل جديد.
كان الامل يزداد مع مرور الساعات الثقيلة بان ثمة خطأ سوف يتم اصلاحه خلال الليل.
الرسالة تم ارسالها، ونحن ننتظر الجواب. قال الموظف الذي لا يريد ان يعمل واغلق الخط.
وطال انتظار الجواب حتى الصباح.
ومرة أخرى...لا جديد.
ساعات الصباح ثقيلة على ساكن الممر المزدحم في المطار، مثلما هي ساعات الليل ثقيلة.
لكن على الاقل، مع حلول الصباح ثمة أمل أن تأتي الأجوبة المنتظرة.
لاجواب.
عشرات الاتصالات، والاستعطافات. ولا جواب.
بعد الظهيرة بقليل اتضحت الصورة.
لم تصل الرسالة العتيدة إلى الجهة المعنية لأن الفاكس "عطلان".
طيب يا جماعة ربما توجد وسيلة أخرى؟
لا....سنحاول ارسالها مجددا.
طيب.
مرت الليلة الثانية.
لم تصل الرسالة.
الفاكس عطلان جدا. لا يستقبل رسائل السفارة.
والموظف النشط الذي يقوم بمهامته بشكل حسن لم يجد وسيلة للاتصال غير الفاكس العطلان.
النهار يمر قاسيا، والليل أصعب. والمقاعد القليلة في الممر المزدحم لا تكفي لجلوس الجميع
الحل في تناوب الجلوس على الكراسي.
يغدو اللجوء إلى فراش صغير حلما.
تصغر الأشياء والاحلام
لم يعد الهدف اجتياز الحدود
يكفي ان يعود المواطن الذي اعتقد انه مواطن إلى أي مكان يجد فيه فراشا ومجالا للنوم.
مرت الليلة الثالثة.
الفاكس مازال يرفض ان يعمل
يقول الموظف: أرسلناه 18 مرة ولم يصل.
ويسأل أحدهم: لماذا 18 مرة؟ أليست لديكم وسيلة أخرى للاتصال؟
يقول الموظف الذي لا يريد ان يعمل: احنا بأمرهم وليسوا تحت أمرنا.
يصمت الكلام.
هكذا استوطن مواطن فلسطيني لا يعترف أحد به مطار عمان
ويقال إن المطار خجل منه، وباتت الجدران مع مرور الوقت تعمل ما بوسعها لتفتح له بين طياتها فراشا وثيرا يحلم كل ليلة في اللجوء إليه.
لكن الممر المزدحم القاسي ما زال يحارب الزائر الطارئ.
كان جالسا في طرف الممر
عندما دهمه خاطر
لماذا اذا تتكرم السلطة الفلسطينية بطباعة جوازات السفر الخارجية اذا كانت ليست قادرة على الاتفاق مع احد على احترام هذه الجوازات
حتى ان موظفي موظفي سفاراتها انفسهم لا يحترمونها
ولماذا تتكرم السلطة العتيدة بمنح "الجنسية" لشخصيات عظيمة مثل بعض الفنانين والاعلاميين وهي تعلم انهم لن يقدمواعلى استخدام الجواز الممنوح يوما
ولماذا تغضب السلطة كثيرا عندما تقوم الحكومة المقالة في غزة بمنح نسخة "مزورة" من الجواز لشخص زار غزة؟
يعني بالله عليكم هل ثمة فرق بين النسخة "الحمساوية" من الجواز و النسخة "الفتحاوية"؟
كلاهما لا يحظيان باحترام في المطارات العربية.
هذا الشيئ المسمى جواز سفر فلسطيني خارجي، اذا كنتم لستم قادرين على فرض احترامه ...لا تصدروه.
هكذا حدث نفسه.
ثم.....كاد ان يتابع هواجسه.
لكنه توقف.
امامه ليلة جديدة قاسية في الممر.
عليه ان يحياها.
لعل الفرج يأتي مع الصباح.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟