أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وسام الربيعي - حزب خالد وحزب بلال















المزيد.....

حزب خالد وحزب بلال


وسام الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 4090 - 2013 / 5 / 12 - 02:26
المحور: المجتمع المدني
    


في مشهد صغير من فيلم "الرسالة"، يظهر أبو سفيان جالسا أمام النبي للتفاوض معه قبل دخول المسلمين مكة، ويكون خالد إبن الوليد جالسا على يساره وبلال الحبشي على يمينه، فيطلب أحدهم من أبو سفيان أن ينطق بالشهادة لدخول الإسلام، فيقول أبو سفيان مترددا: (لازال بعض الشك في رأسي). فيجيبه خالد محتدا قابضا على سيفه: (لو فصلناه لزال الشك كله). فيقاطعه بلال: (على رسلك يا خالد، قد يحتاج المرء للحظات أو لسنين).

استوقفني هذا المشهد كثيرا.. فذلك الحوار القصير يمكن أن نستخلص منه الكثير، بل إني لأجد كل معاني التاريخ الإسلامي تتلخص في هذا المشهد.
إثنين من كبار صاحبة النبي الأوائل، تباينوا جذريا بالدعوة للإسلام، وفي حضرة النبي، هذا يدعو بالسيف وذاك يدعو بالكلمة، وشتان بين الإثنين، السيف والكلمة، العنف والحكمة. كيف نفسر هذا التباين بين خالد وبلال في هذا المشهد التاريخي؟.

إن عوامل النشأة والظروف المحيطة لها دور كبير في تحديد توجهات كل منهما. فبلال نشأ عبدا، وذاق طعم القمع والإكراه، وخبِره جيدا، وقد إعتنق الإسلام للخلاص من كل هذا وطمعا في الحرية والكرامة، حرية الرأي والتعبير والكرامة الإنسانية. وقد دخل بلال الإسلام مع بدء الدعوة في مكة، حين كانت شوكة المسلمين ضعيفة، وتربى وشرب الإسلام على النهج الدعوي اللطيف اللين، حيث كانت ألآيات المكية وكذلك أوائل الآيات المدنية التي نزلت في بداية الهجرة تدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة مثل (وجادلهم بالتي هي أحسن، لا إكراه في الدين، لكم دينكم ولي دينِ، ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك) وغيرها من هذه الآيات الهينة اللينة. تلك النشأة والظروف المحيطة جعلت من هذا الصحابي قادرا أن يمنح المشرك أو المشكك أبا سفيان مهلة تمتد لسنين طويلة ليتأكد مما يدور في رأسه من شك وارتياب.
أما خالد فقد نشأ سيدا في قومه، فارسا صنديدا لا يشق له غبار، خبِر القتال والغزو وحصد الغنائم - وذلك بعد حصد الرؤوس طبعا، إعتنق الإسلام في المدينة، حين صارت شوكة المسلمين قوية، وتربى وشرب الإسلام على الآيات المدنية الحازمة مثل (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) وغيرها من هذه الآيات الأكثر حزما وصرامة. هذه النشأة والظروف المحيطة جعلت من هذا الصحابي أقل صبرا على المشرك أو المشكك أبي سفيان، وراغبا في قطع رأسه للخلاص مما في ذلك الرأس من أسئلة وشكوك.

كل تلك العوامل في نشأة هذين الصحابيين مع جملة المتغيرات المحيطة بهما قبل الإسلام وبعده، جعلت من هذا الصحابي ودودا لطيفا في دعوته لله، وذاك حازما صارما كالسيف. فكان الأول مؤذن الرسول الداعي لذكر لله بصوته، وكان الثاني سيف الله المسلول.
ولا يعني هذا أن بلال لم يحمل السيف قط، أو أن خالد لم يدعو للإسلام بالكلمة، لكن الطابع العام الغالب لكل منها كان كما ذكرنا بكل تأكيد.


خلال الأربعة عشر قرنا الماضية من التاريخ الإسلامي ظهرت الكثير من الفرق والاحزاب والحركات الإسلامية المختلة، من مذاهب وطوائف ومدارس وملل. وستظهر في المستقبل أيضا الكثير منها، مادمنا ودام الدهر. ورغم كل تفرعاتها الواسعة والمتشعبة وتباعد أصولها وجذورها الفقهية، إلا أنني إرتأيت أن أصنف كل هذه الفرق الإسلامية إلى فرقتين أو حزبين رئيسيين، هما (حزب خالد وحزب بلال).
لن يكون تصنيفي هذا على أسس فقهية أو شرعية أو ما شابه ذلك، فأنا لا أفقه في الفقه شيء، بل على أساس السلوك الذي تمارسه هذه الفرق في الدعوة لها خصوصا، أو للإسلام عموما. بالسيف أم بالكلمة، بالعنف أم بالحكمة، بالتطرف أم بالإعتدال.
فكل فريق من الفرق الإسلامية المتشددة والمتطرفة كالوهابية وتنظيم القاعدة مثلا هم في تصنيفي من (حزب خالد). وكل فريق من الفرق الإسلامية المعتدلة والعقلانية والمنفتحة على الآخر كالمعتزلة أو الأباضية مثلا هم في تصنيفي من (حزب بلال). وهكذا جميع الفرق مهما اختلفت صنوفها وتباعدت مدارسها ومرجعياتها الفقهية.
إن تكوين السلوك هذا يعتمد بشكل كبير على جملة من المعطيات والمتغيرات والظروف المحيطة عند نشأة وتأسيس كل فرقة. فالمدارس والمذاهب لا تتشكل لمجرد الرغبة في تشكيل تيار أو مذهب جديد، بل هي حصيلة أو نتيجة لأحداث وظروف انبثقت من خلالها هذه المدارس والفرق. فبلال مثلا دخل الإسلام في أول عهده، حين كان القرآن يحث النبي على أن لا يكون فظا غليظ القلب. بينما دخل خالد الإسلام حين كان نفس القرآن يحث نفس النبي أن يجاهد الكفار ويغلظ عليهم. وكذلك هو الأساس التكويني لكل فرقة أو مذهب، يعتمد على المرحلة والمتغيرات التي تشكل فيها هذا المذهب، تماما كما تشكلت توجهات خالد وبلال.
وبمثل هذه المقاربة يمكننا أن نفسر - مثلا - كيف تكون التقية شيء من أصول الدين لدى فرقة معينة. بينما تكون نفس التقية شيء من فروع الدين لدى فرق أخرى. فالمستضعفون ليسوا كمن يمتلك مقومات القوة، وبذلك يتباين السلوك والمعيار من فرقة إلى أخرى، وكل منهم يؤسس منهاجه وتوجهاته كما تقتضي الضرورة وبما يمتلك من مقومات.
كما أنه يمكن أن تنتقل أي فرقة من حزب خالد إلى حزب بلال أو بالعكس في مراحل معينة، حسب معطيات وظروف كل مرحلة من تاريخ تلك الفرق. فكما حمل بلال السيف في مواضع معينة وكما دعى خالد بالكلمة في مواضع معينة أخرى. كذلك أيضا قد يتغير سلوك بعض الفرق من الإعتدال إلى التطرف أو من التطرف إلى الإعتدال، فيصير العامل بالتقية هو من يُتقى بطشه، والعكس صحيح، حتى تتغير الظروف والمعطيات مرة أخرى وتعود كل فرقة إلى سيرتها الأولى.

باختصار وبالعودة إلى ذلك المشهد السينمائي من فلم الرسالة. خالد وبلال مثّلا صورتي التطرف والإعتدال في عالمنا الإسلامي، وكل المسلمين بكل مذاهبهم وفرقهم، إبتداءا من الإئمة والمراجع والعلماء، وصولا إلى المسلم العادي البسيط، ينقسمون ببساطة إلى هذين الحزبين (حزب خالد وحزب بلال)، ويمكننا أن نلمس هذا الإنقسام في أي حوار أو نقاش عادي يجري بين إثنين، في البيت أو الشارع أو المقهى، يمكننا أن نميز ببساطة، من هو من حزب خالد، ومن هو من حزب بلال.

فانظر من أي حزب أنت؟...



#وسام_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خادم سويسري ولا سيد عراقي


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - وسام الربيعي - حزب خالد وحزب بلال