أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - قراءة في ذات















المزيد.....

قراءة في ذات


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


عندما تقف لدقائق متأملاً أمام عملٍ فنيٍّ ما، فأنت قد تفعل لذلك لأحد ثلاثة أسباب؛ إما إعجابك بجماله الظاهري، وإما محاولتك التعمق تحت الطبقات الخارجية المكونة له، واختراق حجب ألوانه، وفك شفرته التي لا تمتلك مفتاحها في فضولٍ لمعرفة ما الذي يريد الفنان أن يخبرك إياه بإظهاره بواعثَ نفسه من مكمنها الأمين لتبصرها، وهنا قد لا تنالُ هذه المعرفة إلا إذا كنت تسبحُ مع هذا الفنان في نفس الموجة أو تحلق معه على نفس الجناح. أما السبب الثالث؛ فهو فضولك تجاه بواعث نفسك أنت، التي قد ينجح هذا العمل في إظهارها أمام عينيك، تلك المكنونات الداخلية التي أهملتَها تحت وطأة حياتك اليومية ودورانك المستمر مع الرحى، والتي تطحن أجزاءً من ذاتك كل يوم، ربما لا تدري حتى أنها موجودة.


في معرضه الفردي الثاني "ذات-2"، ألقى إلينا الخزاف المحترف خالد سراج قشة وحيدة لنتعلق فيها قبل السباحة في بحر لا نحسن العوم فيه – نحن الفانين متذوقي الفن – فقد نوه عن مصدر إلهامه الذي استقى منه أعماله لمعرضه الفردي الثاني عندما أعلن أنه قد أبدع أعمالاً لبعض من أفراد العائلة، الأصدقاء، الأساتذة والطلبة الذين أثَّروا في روحه وساهموا في تكوين ذاته لتصبح على ما هي عليه اليوم. وقد يبدو هذا لمن شاهدوا معرضه الفردي الأول "ذات" تكرارًا لا تجديد فيه، لأن أعماله كانت تدور حول الشخصيات الأدبية والفنية والشعرية التي أثَّرت في تكوين ذاته أيضًا، كل ما هنالك أنه ضيَّق الدائرة هذه المرة على الشخصيات الأكثر قربًا والأشد حميمية بحكم التعامل البشري القريب. كما أن التفاصيل الدقيقة التي قد تميز أعماله هذه المرة ربما لن يقدِّرَها ولن يفهمها إلا المتخصصون العالمون بأسرار فن الخزف كتقنيات الإنتاج ومراحله ودقائقه وأساليب الحرق وتكون الألوان التي يستعصي فهم طلاسمها على العامة من أمثالنا. فما الذي لدى خالد سراج ليقدمه لنا وقد أنتج أعمالاً تمسه وحده بصفة شخصية ولن يفهم معناها إلا هو وهؤلاء الذين استلهم منهم أعماله؛ الذين شاركوه ذكرى، كلماتٍ في حوار، يومًا سعيدَا، أو تجربةً حياتية. حسنٌ، لقد قدم لنا خالد سراج أكثر مما يمكن أن نتخيل؛ لأن مخيلتنا التي تقلصت بحكم الاعتياد، والتي حوصرت حتى الإنهاك بسبب الروتين، والتي أهلهلكها تكرار الأحداث واستنساخها؛ ستنشط بفعل الدهشة وتمدد أطرافها المنكمشة في محاولة للوصول، وستُصدر مفاصلها المتيبسة صوتًا يقرع في داخل كل منا جرسًا منبهًا للاستيقاظ من سبات أيامنا المتشابهة.


تقف أمام معظم أعمال خالد سراج الخزفية لتجد أنها لا تتكون من وحدة واحدة كالمعتاد، وحدةٌ يمكنك احتوائها بنظرة أو حملها بيد واحدة، ولكنك ستجد تكوينات صغيرة تتجمع معًا لتصنع في النهاية كلاًّ ذا أجزاء، إذا أبعدت منها جزءًا ستشعر-كمشاهد- بالنقص. هذه التكوينات الصغيرة ترتبط معًا عبر وسائط مختلفة، وهذه الروابط ليست كمالية، فهي لا تقل أهمية عن الأجزاء التي تجمعها لتخلق العمل. ستقف أمام العمل في محاولة لتوصيل النقاط، وفهم الروابط. وقد تقول لنفسك إن توصيل النقاط يقيدها، يأسرها، يربطها في حبل له بداية ونهاية، ليس أفضل من ترك النقاط حرة، سابحة في كون لا نعرف له أبعاد محددة، وبقدر ما في قولك هذا من تحرر وانعتاق إلا أن التوصيل مفيد أحياناً من أجل الفهم، والفهم يؤدي إلى التقدير، والتقدير يؤدي إلى تشرب الفكرة حتى الثمالة، حتى لو كان هذا التوصيل بطريقتك الخاصة. وسواء كانت الروابط التي استخدمها خالد سراج في تجميع أجزاء أعماله مرئيةً في شكل وسائط مادية كالأسلاك والخيوط، أو كانت غير مرئية ولكنها محسوسة من خلال المسافات التي تفصل بينها وهي معلقة في الفراغ أو متجاورة على الأرض، فهي عامل حاكم في معنى العمل الذي سيصل إليك كمتلقي؛ وهذا المعنى يقول لك: أنت كإنسان دائمًا وأبدًا مرتبط!


أنت مرتبط رأسيًّا بجذورك، بأصولك، وبفروعك، بامتداداتك. وأنت مرتبطٌ أفقيًّا بعلاقاتك، بالعابرين في حياتك، بمن يحملون حقائبهم للسكن في أيامك ومن يحملونها خارجين إلى غير رجعة. كلهم باقون وإن بدا لك غير ذلك. كل من هؤلاء احتل جزءًا من فراغ كونك، كل منهم مر معك بمرحلة شكَّل فيها أهمية بحيث أصبح غير قابل للاستغناءٍ عنه في تلك المرحلة، وإن حدث، يحدث خلل قد يمكنك أن تتكيف معه بمرور الوقت ولكن الفراغ الذي سيتركه غياب ذلك الجزء لن يُملأ بسهولة. كل من هؤلاء حفر في ذاتك نقشُا غائرًا أو بارزًا بحسب تفاعلك معه، عمق النقش أو ارتفاعه أيضًا محدد بمدى تلقيك لتأثيره، بمدى سماحك لنفاذه في داخلك. يحدث هذا عن غير ترتيب منك لأن اللحظات الفارقة، تلك الفترات القصيرة النادرة من عمرك التي قد يتغير فيها وجه الحياة، لا ينبغي أن تعايشها وحيدًا. فأيًّا كان شكل اللحظة التالية لها، سيكون من الصعب عليك تقبلها بدون مشاركة. إلاَّ إذا كنت قويَّا بما فيه الكفاية، وهذا أمرٌ نادر جدَّا.


خالد سراج يريك ذاتك في ذاته، يذكرك بنقطة البداية ونقطة النهاية، ولكنه يلفت انتباهك أكثر إلى ما بينهما؛ الرحلة. وبما أنه يندر أن تسافر وحيدًا وقد حزمت زادك في صرة وتوكأت على عصاك بمفردك، فإن خالد سراج ينبهك إلى الاهتمام برفاق الطريق قبل الاهتمام بوسيلة السفر ومحطة الوصول.


تأمل قليلاً في وحدة الكائنات؛ في البدء كانت الخلية، ثم تعددت الأطراف وتباينت الجبلة الخارجية، سواء كانت أجنحةً أم أقدامًا أم زعانف أم حراشف أم تعرجاتٍ على صدفة خشنة، تتلاقى الكائنات في رغبة ملحة للهرب خارج أجسادها، وتتدافع في سباق غريزي غير عابئة بقشورها الهشة، لتعود إلى الأصل، لتتوحد مع الملكوت. يعيدك خالد سراج إلى أصل الخلق إن كنت من المؤمنين، أو يوجه نظرك إلى مصدر من مصادر الحياة إن كنت من الماديين. المادة التي تطؤها بأقدامك غدوًّا ورواحًا يشكلها خالد سراج بين يديه لتتواضع للحظة وتتأمل وتدرك أن الروحانية لا تطارد فقط في السماء وبين السحب، لكنك ستجد ذلك الصفاء بنفس القدر إذا لمست، ونظرت وشممت وأنصت، ومن ثمّ، أحسست!

يستخدم خالد سراج العناصر الأربعة مثل الخزاف الأول في أقدم الحضارات الإنسانية التي اندثر بعضها فلم نستدل عليها إلاَّ بما تركته وراءها من قطع شكلها يومًا ما فنان، بعد أن احتوى ذرات التراب الضئيلة بين يديه، وعجنها بالماء لتتماسك وتستحيل طينًا، وأحرقها بالنار لتتصلب وتتحمل، والهواء حوله يباركه بصلواتٍ من صفير الريح تحمل السحب التي يخرق الودق من خلالها لتعاد دورة الحياة. دورة الحياة التي تبدأ هشة، ضعيفة، محتاجة، ثم تتمتع بالقوة، وتغتر بالجبروت، وتختال بالصحبة، وقد تتمرد عليها بخديعة القدرة والاستغناء، ثم تعود ضعيفة، محتاجة، ولا تلبث أن تنتهي لتبدأ من جديد في بعث متجدد بين أخذٍ وعطاء ومنحٍ ومنع.


سأسرب إليك عملاً واحدا من أعمال خالد سراج في ذاته الثانية، العمل الذي يحمل رقم (1) تأمله وفكر في أثر الجدات الذي لا يزول، أثرٌ بعيدٌ في المكان لكنه تحت الجلد، باهتٌ في الزمن لكنه واضحٌ كما لو كان بالأمس. سواء كنت تذكر جدتك، عايشتها وعاصرتها أم رأيتها فقط في الصور، فأنت تذكر جيدًا آثار العمر على وجهها، وقسوته على يديها المعروقتين. تدرك تمامًا أن كل خط محفور في بشرتها يقابله سنوات من العطاء وبذل الروح، تعلم يقينًا أنها أصل وجود من تعايشهم من عائلتك، أنها مركز الشمس التي أنارت حياتك.


أغلق عينيك أمام أحد أعمال خالد سراج بعد أن تطبع صورته في عقلك وتفسر معناه بطريقتك في روحك، استعد ذكرى من عرفت وعايشت وملامحهم وأصواتهم، ابتهج بالحاضرين وفكر في الغائبين، ممن باعدت يبنك وبينهم المسافات والسنوات، ادعُ لأطياف من غابوا إلى الأبد، ممتنًّا لهم لأنهم لا يزالون يحيطون بك في حب، ولأنهم لم يودعوا ذاكرتك وقلبك، ولأنهم تركوا لك الكثير من الذكريات الجميلة، التي ستكون زادك لبقية الرحلة.


"الآن يكون الكشف
الآن تكون الرؤية
الآن أكون أنا
خالد سراج"


-------
فيديو لأعمال "ذات-2" خالد سراج- القاهرة- مصر
https://www.facebook.com/photo.php?v=506747022706472



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موستانغ
- آخر الشارع
- سألتُ مُعلمي
- عنكبوتٌ صبورٌ هادئ
- نجمةٌ ميتةٌ
- سأم القاهرة
- نقطة ومن أول السطر
- البجعة السوداء - من دار الأيتام إلى خشبة المسرح
- الضباب ومقر البرلمان
- في انتظار الحُكم
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - قراءة في ذات