أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - السلفية في تونس : الأصول ، المنهج وموقعها من الخارطة السياسيّة















المزيد.....



السلفية في تونس : الأصول ، المنهج وموقعها من الخارطة السياسيّة


محمد نجيب وهيبي
(Ouhibi Med Najib)


الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 09:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




المحتوى :
1- الفكر السلفي
2- مناهج عمل السلفية الجهادية
3- التيّار السلفي في تونس
4- العلاقة بين الجماعة الاسلامية والتوجّه السلفي
5- أسباب انتشار السلفية في تونس
6- موقع السلفية من المشهد السياسي التونسي
ملحق التركيبة البشريو للتيّار السلفي
المراجع












السلفية في تونس : الأصول ، المنهج وموقعها من الخارطة السياسيّة
رغم انّ التيّار السلفي الوهّابي ليس حديث العهد من حيث الأفكار والمرجعيّة والتنظيم في كلّ العالم الاسلامي ، الّا انّه تأخّر في الظهور والتشكّل التنظيمي الواضح في تونس الى حدود بدايات تسعينات القرن الماضي ،وذلك رغم المحاولات العديدة لنشره الفكر السلفي الوهابي في تونس والتي انطلقت منذ بدايات القرن 19 ، وقد أصبح يطرح اليوم لغطا كبيرا في الشّارع وعند السّاسة ، ويحدث الكثير من الفزع منه والارتباك حول تفرّعاته ، ومستقبله وأهدافه السياسيّة ، خاصّة اثر موجات العنف والتكفير المتكرّرة التي أطلقها جزء من السلفيين وآخرها الدعوة الصريحة الى الجهاد والقتال ضدّ أجهزة الدولة والمعارضة ، والتي أطلقها أحد شيوخ ما يسمّى بالصحوة الاسلامية من على شاشة قناة التونسيّة ليلة 01/11/2012، وهو الامر الذي يستوجب بحثا حول هذه الظاهرة يطال أصولها ومرجعها الفكري والاختلافات القائمة بين مجموعاتها ، واهدافهم السياسيّة بعيدة وقريبة المدى ، ونظرتهم للدولة والمجتمع ، حتى نتمكّن من فهم موقعهم في المسهد السياسي والحضاري لتونس مستقبلا .
1- الفكر السلفي
يمكن اجمالا ان نقول أن الفكر السلفي هو امتداد لمدرسة أهل الحديث و الأثر الذين برزوا في القرن الثالث هجري في مواجهة المعتزلة في العصر العباسي تحت قيادة أحمد بن حنبل والتي انقسمت فيما بعد إلى حنبلية و أشعرية وفي القرن السابع وبالتزامن مع سقوط بغداد على يد التتار ظهر ابن تميمة فعمل على إحياء الفكر السلفي والتف حوله العديد من العلماء والتلاميذ مثل الذهبي و ابن قيم الجوزية هذه الدعوة أثارت جدلا واسعا مما أدى إلى انحسارها لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر الميلادي متمثلة في الحركة الوهابية في شبه الجزيرة العربية بقيادة محمد بن عبد الوهاب بالتعاون مع محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى.
والى جانب الدعوة الى العودة الى السّلف الصالح ، والى عقيدة الصافية المرتكزة على القرآن والسنّة دون سواه ، فان للسلفيّة الوهابيّة مميزّات وقاعد للتفكير والعمل نوجزها في ما يلي :
أ‌- "لا تاريخانية القرآن".
وتعتبر هذه الأطروحة من أهم مرتكزات السلفية بصورة عامة، وبالتحديد الحركة الوهابية التي حررت القرآن من أسباب النزول، كي تصبح الآيات الصريحة مرجعا صالحا للتطبيق في كل زمان ومكان. وإذا أضفنا عنصر عدم وجود إجماع، فتح الجماعة بابا جديدا أطلقوا عليه اسم "فقه الواقع" الذي مثّل إحدى الأدوات الإيدولوجية الصارمة التي اعتمدتها الجماعات الجهادية بمختلف نزعاتها في مجمل أعمالها الإرهابية.

ب‌- "فقه الواقع".
وتعتير الحركة السلفية أن الإجتهاد في ما لا نص فيه يعد أحد أسس التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة والإجماع. وليس هذا فقط، إن الواقع الجديد، واقع الجهاد العالمي، الذي تواجهه مختلف الجماعات الجهادية أصبح في حاجة إلى أداة تبرير تساعد على ملاءمة متطلبات العمل الميداني مع "شرع الله"، فكان "فقه الواقع".
وكان من نتائج التحولات العقائدية التي شهدتها السلفية الجهادية ومحاولة تلبية ضرورات "الجهاد" المحلية والعالمية، أن تمّ تشريع قتل المدنيين العزل والذبح والنحر والنهب والسّبي والإغتيال السياسي والتفجير وكل أعمال العنف والإرهاب الهمجية، باسم الدين.



ت- "مناقضة الديمقراطية للإسلام"
تعتبر السلفية الجهادية الجديدة الديمقراطية "دين جديد" لأنّها تعطي للبشر حق التشريع غير مقيّدين بأي سلطة، ممّا يجعلها تضفي عليهم "صفة الألوهية". فقد قال أبو الأعلى المودودي:
"إن الديمقراطية هي تأليه الإنسان...." .
ويعمق أيمن الظواهري رأي أبي الأعلى المودودي بشأن الديمقراطية بقوله أنها: "دين وضعي كافر"

ث- "حكم نواب البرلمانات وناخبيهم"

إن حكم السلفية الجهادية على الديمقراطية بالكفر ينسحب على المؤسسات المنبثقة عنها وبالتحديد منها البرلمانات والنّواب وناخبيهم. فالبرلمانات بالسبة له هي تمكن الشعب من ممارسة سيادته "بواسطة نوابه". وعلى هذا الأساس فالنواب "كفار" لأنهم يتولون التشريع، "ومن شرّع للنّاس فقد جعل نفسه إلها لهم وندا لله، وهذا يجعلهم "شركاء" معه "في ربوبيته".
أمّا الناخبون فإنهم بموجب الديمقراطية النيابية يوكّلون النواب عنهم في "ممارسة التشريع الشركي" و"يتخذون" منهم "أربابا من دون الله" وذلك "شرك وكفر بالله"، "لذا فإن المشاركة في هذه البرلمانات بالترشح أو الإنتخاب من الكفر الأكبر بل هو تجاوز على مقام ربوبية الله تعالى" .


ج- أسلمة المجتمع "من تحت" و"من فوق"

تشترك السلفية الجهادية مع السلفية في اعتبار أن الأساس الأول الذي يقوم عليه المجتمع الإسلامي يتمثل في "فضيلة أفراده"، ممّا يعني أن إصلاح شؤونه مشروط بإصلاح الأفراد، وأن "أسلمته" من جديد تكون "من تحت"، عبر أسلمة الأفراد وليس "من فوق" عن طريق أسلمة الدولة. وأن توسّع الأسلمة من التّحت "يفضي بالضرورة إلى مجتمع إسلامي".
ولا تختلف دعوتها تجاه الأفراد عن الدعوة السلفية بجعل الناس يلتزمون بممارسة العقائد الإسلامية في الحياة اليومية ويتشبهون في مظاهرهم بالسلف الصالح: الصلاة والصوم والزكاة وإطلاق شعر الرأس واللحي والتسوك والتعطر وارتداء النساء النقاب..الخ. وبعث شبكات علاقات خاصة تروج الكتب وتقوم بالخدمات وتعطي الدروس الخصوصية للأطفال وتفصل بين الجنسين كلما سمحت لها الظروف بذلك وتنظم الحلقات الدينية وتنشئ التعاونيات وتكوّن مجالات مؤسلمة تطبّق فيها "الشّريعة"...الخ.
وتعمل السلفية الجهادية على أسلمة المجتمع "من فوق"، أي عن طريق الدولة من خلال "إحياء سنة الخلافة"، أو بناء "دولة الخلافة". وهو هدف استراتيجي ينطلق تحقيقه على كل شبر من "ديار المسلمين" يتم تحريره من "الحكام الكافرين" أو "المرتدين الممتنعين".

ح- عقيدة "الولاء والبراء".
وتهدف عقيدة الولاء والبراء إلى تجنيد المسلمين وتأطيرهم إيديولوجيا في السياق السلفي الجهادي ممّا جعل زعماء هذا التيار يضعونها في مقام العقيدة والإيمان. يقول عبد الملك القاسم موضحا مفهوم الولاء والبراء:
"إن الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان".
وشرح مدلولها بقوله:

"ومعنى الولاء: هو حب الله ورسوله والصحابه والمؤمنين الموحدين ونصرتهم.
ومعنى البراء: هو بغض من خالف الله ورسوله والصحابة والمؤمنين الموحدين من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفساق".
ثم مرّ إلى تحديد شروط الوفاء بها من زاوية تجبر المؤمن تدريجيا على القبول بالتأويل الصارم الذي يرمي إليه التنظيم، لاعتماده على القرآن والسّنة ضمن الإطار اللاتاريخي الذي كنا أشرنا إليه أعلاه. وفي حالة مخالفة الإنسان المسلم لبند من بنودها يضع نفسه، من منظور الجماعة، في خانة "المنافقين" و"المبتدعين" و"الفساق"، هذا إذا لم يصنف في خانة "الكفار" و"المشركين".

خ- الحاكمية لله

تذهب السلفية الجهادية مذهب سيّد قطب في اعتبار الحاكمية "أخص خصائص الألوهية"، بمعنى "أن التشريع كله لله" و"أن الحكم لله وحده". لذلك فهي "أخطر وأكبر قضايا العقيدة"، إذ هي تفصل بين الألوهية والعبودية في إظهار خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية: "تعبّد العبيد"، أي أنه على النّاس "واجب الطاعة لله"، و"أن لله وحده حق التشربع لهم في حياتهم"، و"إقامة القيم والموازين".

أما "العبودية" فهي عبادة لا يتوجه بها البشر إلا لله.

ه- "ديار المسلمين" و"الأرض المباركة".

وبما أن الدين الإسلامي أتى كدين للعالمين، دين موجه للنّاس أجمعين، فكل الأرض بالنسبة للمسلمين فتح وغزو. ومن الطبيعي ألا يرتبط المسلم بقومية أو شعب أو قطر أو وطن، بل يحل رحاله أينما وجد "ديار المسلمين". لأنه ينبغي على المسلم، في نظر الجماعة، أن يعتقد أن وطنه هو وطن الإسلام، وليس شيئا آخر. ويؤكد حازم المدني في إحدى رسائله أن جنسية المسلم هي "جنسية العقيدة" التي "تتساوى" فيها جميع الأجناس والأقوام والألوان حول "رب واحد ومنهج واحد وأمة واحدة" . ويعتقد،"السلفيون الجهاديون" في أن "أمّة الإسلام" ممتدة من مشارق الأرض إلى مغاربها. وكانت "سنّة الخلافة توحدها" ومنذ أن "سقطت تشتت المسلمون وضاعت كلمتهم"، فأصبحت مهمة "إعادة بناء الدولة الإسلامية وإحياء سنة الخلافة في الحكم واستئناف تبليغ رسالة الإسلام إلى أمم الأرض" فرض عين على كل مسلم.





2- مناهج عمل السلفية الجهادية

أ- "الفريضة الغائبة":الجهاد فرض عين.
أصدر محمد عبد السلام فرج، مؤسس تنظيم "الجهاد الثاني"، كتيبا، في أواخر سبعينات القرن الماضي، تحت عنوان "الفريضة الغائبة". وقد انفرد بتجميع وحوصلة الفقه الجهادي استخلصه من كتابات ابن تيمية وابن القيم فيما يتعلق "بدار الكفر" و"دار الإسلام" وقضايا الحاكمية والردة ومشروعية الجهاد وأحكامه وشروطه. وفي الحرب الأفغانية وفي ظل حكومة الطالبان تكاثفت الإصدارات في هذا الباب التي شكلت ما يدعى بفقه الواقع، الذي يشرّع خطف وقتل الرهائن والإغتيال السياسي وتعريض المدنيين للقتل ...الخ.

وكان عبد الله عزام وضّح في كتابه "إتحاف العباد بفضائل الجهاد" وفي وصيته التي كتبها في منزل جلال الدين حقاني، كيف أن الجهاد، في جميع "أرض الإسلام"، فرض عين، وأنه كان كذلك منذ سنة 1492، أي "عندما سقطت غرناطة بيد الكفار- بيد النصارى- ...وسيبقى الجهاد فرض عين حتى نستعيد كل بقعة كانت إسلامية إلى أرض الإسلام وإلى يد المسلمين".

ب- الأعداء الذين حددهم الجهاديون؟
حدد حازم المدني، وهو من قادة تنظيم "القاعدة"، قائمة "الأعداء النشيطين الآن من منطلق صراع الإمة"، الذين ينبغي إعلان الجهاد ضدهم، في "أربع شرائح مرتبة على أساس أشدها خطورة ثم الذي يليها فالأدنى....وهكذا:
الشريحة الأولى: - اليهود (ولا يصح التفريق بين الصهيونية واليهودية أو يهود فلسطين ويهود الخارج).

- مسيحيو الغرب، قادة الحرب الصليبية الجديدة: أمريكا وأوروبا الغربية (البروتيستان والكاتوليك).
ج- مسيحيو الشرق من الروس والعرب (الأرتودوكس) والهنود ومثلهم الوثنيون والشيعة.

الشريحة الثانية: - أئمة الكفر (النظام الحاكم). - الوزراء وعلماء السوء. - الأنظمة الأمنية التي تعمل على حماية النظام الحاكم.
الشريحة الثالثة: - المؤسسات التابعة للنظام الحاكم من إعلام وادارة. - فئة المثقفين المدافعين عن النظام والمتعدين على الإسلام (التيار العلماني). - فئة الفاسقين ممن يشيعون الفاحشة ويسمونهم بالفنانين ومن شابههم.
الشريحة الرابعة: - الجماعات العصرية ذات المناهج المتباينة والتي لا شوكة لها. - الأحزاب السياسية ذات التوجه القومي".

ج- ارهاب الأعداء

يستعمل سلفيو "القاعدة" أساليب "جهاد" هدفها إثارة أقصى الرّعب في النّفوس وإرباك عموم النّاس، لتحقيق أهدافهم العقائدية والسياسية. وقد أضحى مألوفا لدى الرأي العام أشكال العنف الأكثر إثارة وأشد دمارا وقتلا مثل أحداث 11سبتمبر2001 ومدريد والمغرب ومصر والسعودية. أما عن الذي يحدث في العراق فهو أسلوب منهجي شامل تطبق فيه أطروحات "القاعدة" على الوجه الأكمل.
ومن بين الأساليب التي تجاوزتها الإنسانية حضاريا وأحيتها الجماعات الجهادية بتوسيع ممارستها في الجزائر وفي العراق، في عمليات "الغزو" التي تقوم بها "السرايا الصغيرة" على القرى والمدن أو في عمليات اختطاف الرهائن، والتي تبثها عن طريق الفيديو أو عبر شبكة "الأنتارنات"، هي النحر.
واعتمادا على التأويل الخاص للقرآن والسنة، يصبغ الإسلاميون الجهاديون أعمالهم بصبغة شرعية، ويضفون عليها هالة قدسية، حتى تكون كل معارضة لهم في مقام المعارضة لله والرسول. وهي خدعة وتضليل يسهل الكشف عنها بكشف المصالح الحقيقية التي تخدمها والقوى الإجتماعية الواقفة وراءها.

3- التيار السلفي في تونس

هناك أسباب عديدة تفسر تأخر ظهور السلفية وانتشارها بالبلاد التونسية نذكر اهمّها في ما يلي :
وجود مؤسّسة جامع الزيتونة بعلمائها ومشايخها الاشعريين ، وما تمثّله من رمزيّة وعراقة ، وهي لم تقبل بسهولة أي توجّه يتعارض مع عقيدتها وتصوّفها السني وخاصّة الفكر الوهّابي ، وقد ساندت هذه الرمزسة التي حضيت بها مؤسّسة الزيتونة الروح العامّة للشعب التونسي المتمسّك بثقافته واسلامه المحلي الذي حصّنه ضدّ الافكار الوافدة التي ترمي الى تغيير أنماط حياة و تفكير سادت عدة قرون. و نذكر في هذا الإطار الرسالة الوهابية الشهيرة التي أرسلها محمد بن عبد الوهاب إلى أهل تونس سنة 1803م يدعوهم فيها إلى العقيدة السلفية "بالحجة والبيان، ومن لم يجبها دعوناه بالسيف و السنان" و يتحدث المؤرخ التونسي احمد بن أبي الضياف (1802/1874م) في الجزء الثالث من كتابه "الإتحاف" عن هذه الرسالة ودعوة الباي (أي ملك البلاد) لعلماء تونس لإبداء رأيهم فيها، فكانت ردودهم سلبية ورافضة بشكل قطعي لهذه الدعوة، من بينها رسالة مطولة للشيخ إسماعيل التميمي أحد علماء تونس نشرها في 154 صفحة .

انفراد تونس مبكّرا بتبني المشروع التحديثي والمدني الذي قاده حزب الدستور بزعامة الحبيب بورقيبة ودخوله في صراع فكري طويل مع منظومات التطرّف والانغلاق . والذي يتباين مع التوجه السلفي .وقد تأثرت الحركة الإسلامية التونسية خلال مراحلها الثلاث ( الجماعة الإسلامية بين 1969-1979 ، ثم حركة الاتجاه الاسلامي بين 1979 – 1989 ، وأخيرا حركة النهضة من 1989 الى اليوم ) جزئيا بالمشروع الحداثي وهو ما ساهم في تأخر ظهور تيار سلفي بتونس .

التأثير الفكري لزعماء مثل عبد العزيز الثعالبي والطاهر ثم ابنه الفاضل بن عاشور والذين تبنوا فكرا إسلاميا مستنيرا تم استيعابه وتبنيه من طرف الزيتونيين.


4- العلاقة بين الجماعة الاسلامية والتوجّه السلفي
يجدر التذكير أنه، كرد فعل على المشروع الإيديولوجي البورقيبي والمتمثل في الحد من نفوذ المؤسسة الدينية وتهميش الزيتونيين وتصفية أنصار اليوسفية ( نسبة لصالح بن يوسف الشخصية القيادية الثانية في الحزب الدستوري الحاكم في تونس والذي دخل في صراع مع بورقيبة انتهى باغتياله من طرف أنصار بورقيبة في الخارج) ، ولجملة من العوامل الخارجية (انتشار التيار الإخواني في المشرق )، ظهر في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن العشرين تيار ديني متشكل من مكونات ثلاث: ( المتأثرون بالإخوان ، والذين اقتربوا منهم في المشرق – التيار التقليدي ممثلا في الشيخ مورو وبعض الدارسين في الجامعة التونسية - بقايا الزيتونيين وعلى رأسهم الشيخ محمد صالح النيفر وعبد القادر سلامة ) إلا أن طبيعة مقررات مؤتمر الأربعين في 1972 الذي عقدته الجماعة الإسلامية بتونس وما سلف ذكره ونتيجة لعدة عوامل أخرى من بينها :
- الحضور القوي للتيارات الماركسية اللينينية وتأثيراتها على خصومها الفكريين نتيجة نقاشات وصراعات فكرية وتأثر النخب التونسية آنذاك بالثورة الماوية بغض النظر عن تبنيها سياسيا
- تأثر مؤسسي التيار الإسلامي بالمشروع الناصري بل إن بعض عناصره الأساسية في البداية كانت لها تجربة ناصرية مثل تأثر الغنوشي بالمشروع الناصري ونشاط أحميدة النيفر مع الناصريين في سورية وقرب الحبيب اللوز من الليبيين في الستينات .
- ظهور الملامح الأولى لتشكل تنظيمي لحزب التحرير
- تأثيرات أطروحات المفكر الجزائري مالك بن نبي والذي انتشرت كتاباته في تونس بين الإسلاميين بل وكانت للعناصر القيادية في الجماعة الإسلامية اتصالات مباشرة به في الجزائر

كل تلك العوامل والأسباب فرضت على التيار الإسلامي توجها هو اقرب للفكري والسياسي منه للديني الصرف في مفهومه الكلاسيكي وخوض صراعات سياسية في بعدها الثقافي والفكري نتيجة عدة عوامل من بينها مثلا، اطلاع العديد من أبناء التيار على الأدبيات الماركسية وعديد المفكرين التقدميين .

لكن ذلك لم يمنع عديد عناصر الجماعة من التأثر بالتوجه السلفي (نجد أثر ذلك في مقالات مجلة المعرفة التابعة للحركة الإسلامية و الخطب الدينية الملقاة في المساجد والمتأثرة بالفكر السلفي نتيجة تواجد تيار سلفي داخل الجماعة الإسلامية ونتيجة أسباب أخرى عديدة).


حركة الاتجاه الإسلامي : قطع المؤسسات القيادية مع التوجه السلفي الجهادي و المرحلة الجنينية لنشوء تيار سلفي جهادي بتونس :

منذ بيانها التأسيسي المعلن عنه في الندوة الصحفية في 6 جوان 1981 ظهر الابتعاد التدريجي لأفكار حركة الاتجاه الإسلامي عن طبيعة التفكير السلفي نتيجة بداية تبني مقولات الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الإنسان ، ويرى بعض القياديين بالحركة أن الغنوشي نفسه تحدث عن خوفه من أن يؤثر المعلن عنه- أي تبني الطرح الديمقراطي والحقوقي- في بعض أبناء الحركة وخاصة القريبين من الزيتونيين ، ويستدلون على ذلك بأن بعض التيارات الإسلامية بالمشرق تخوفت من هذا الخطاب وصنفت الحركة خارج إطار التيار الإسلامي

إلا أن هناك رؤية أخرى تعتبر أن الحركة بقيت في ملامح خطابها محافظة على المشروع السلفي، وتجسد ذلك في ما يعرف ببرنامج "الأولويات" الذي تم النقاش حوله في منتصف الثمانينات وانتهى في جزء منه بما يعرف بوثيقة "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي لحركة الاتجاه الإسلامي" المصادق عليها في مؤتمر 1986 والتي كرست البعد العقائدي في برنامج الحركة وأعطت طابعا سلفيا لمشروعها المجتمعي .
وفي نفس الإطار دارت نقاشات حول برنامج الحركة السياسي في بعده الفكري أولا، فكان هناك المؤيدون والمعارضون . ونشير إلى أن النقاشات كانت تتم تحت إشراف القيادي بحركة الاتجاه الإسلامي صالح كركر الذي فشل في إقناع هؤلاء المعارضين ومنهم محمد صالح الحراث الذي بادر إلى تأسيس تيار سلفي المنهج عرف في ما بعد بالجبهة الإسلامية التونسية، في حين دارت نقاشات أخرى أراد البعض منها توجيه الحركة إلى تبني خط جهادي صرف إلا أن الحركة رفضت في الأخير الانسياق وراء ذلك مما حدا بهم إلى تأسيس تيار جهادي سنة 1986 عُرف بـ "حزب الله المختار" أو "الجهاد الإسلامي" وعمد بعض أنصاره – في عهد الرئيس السابق بورقيبة- إلى القيام ببعض التفجيرات أدت إلى إعدام مؤسس هذا التيار الحبيب الضاوي وشقيقه وأهم المقربين منه سنة 1986

وخلال عام 1988 خلفت حركة النهضة "الإتجاه الإسلامي"، سعيا من قادتها التأقلم مع الواقع السياسي. وفي انتخابات 1989 التشريعية، جرت مفاوضات بين حركة النهضة وبين جهات من السلطة والمعارضة، حول مشاركتها في الإنتخابات وحول مضمون دعايتها الإنتخابية، بما في ذلك حول إمكانية دخولها لمجلس النّواب عن طريق "القائمات المستقلة" البنفسجية. لكنّها تجاوزت الخطوط الحمر على جميع الواجهات، إذ طفا على السطح خطاب متصلب ومكفّر هاجم المكتسبات ودعا إلى تطبيق الشريعة والعودة إلى السلف الصالح في الدين والدنيا. وتقدمت بقائمات في أغلب الدوائر. وقامت بعمل استعراضي وتعبوي أزعج السلطة والمعارضة الديمقراطية وقطاعات واسعة من الشعب التونسي وعلى الأخص المثقفون والمرأة الذين كانوا هدف الحملة المفضل.
وكان الإعلان عن نتائج الإنتخابات، بمثابة إعلان القطيعة بين السلطة وحركة النهضة، وبينها وبين المعارضة القانونية. ومع حلول عام 1990، خيّم على علاقتها بالسلطة ملف محاولتها اختراق جهاز الأمن ، وبدأ التوتر يأخذ طريقه كي يصبح السّمة البارزة فيها. وأتت حرب الخليج لتدفعه إلى مستوى حملت الطرفين على اختيار المواجهة. فرفعت حركة النهضة شعار السنة البيضاء بالنسبة للشباب التلمذي والجامعي، من خلال الإعلان عن الإضراب اللانهائي. واتجهت إلى المواجهه في الشارع والإعداد للقيام بأعمال "تأديبية" وعمليات إرهابية (عمليات حرق وتفجير) واعتداء على الأشخاص بواسطة الماء الحارق.
كانت حركة النهضة، في مطلع التسعينات من القرن الماضي، مصممة، كما كانت في 1987، على القيام بمعركة فاصلة مع نظام الحكم، حتى أن زعيمها السيد راشد الغنوشي أعلن الجهاد في تصريح له لجريدة "الإنقاذ الوطني" السودانية، حيث قال:
"والجهاد ضد أنظمة الكفر والإستبداد والعشائرية والتجزئة والولاء للأجنبي- وتكاد أنظمة العالم الإسلامي لا تخرج من هذه الأوصاف- فإن للأمة الإسلامية أن تنهض بمهام الصراع الحضاري والشهادة للمشروع الحضاري الإسلامي، فلا مناص من تركيز الجهد الجماهيري على مجاهدة هذه الأنظمة الخائنة لتعريتها وتوهينها وإرضاخها لسلطة الشعب والإطاحة بها" .
كانت الحركة الإسلامية تعلّق آمالا عريضة على تطورات الوضع في الجزائر وعلى نتائج الإنتخابات التشريعية فيها، والتي كانت تتقدم بأشقائها في العقائد، رويدا رويدا، للوصول إلى السلطة. ورغم أن إيقاف العملية الإنتخابية قد غيّر كل المعادلات السياسية، فقد بقيت حركة النهضة سجينة رد الفعل على السلطة التي جرّتها إلى التوغل بشكل يصعب عليها الإفلات من فكّي الكماشة عند إغلاقها.






5- أسباب انتشار التيّار السلفي في تونس .
هناك عوامل عدّة ساهمت في عودة الانتشار القوي للتيّار السلفي وخاصّة منه الوهّابي والجهاجدي في تونس بعد مناعتها الطويلة نسوق اهمّها في التالي :
- انقطاع حركة التنوير والإصلاح الاجتماعي و الديني المحليّة ، التي انطلقت مع خير الدين والطاهر الحدّاد والطاهر بن عاشور ... الخ .
- انخراط السلطة السياسيّة في خيارات أمنية مفرطة وبحتة في التعامل مع قضايا الرأي والاختلاف والحريّات .
- الصراع الدموي بين حركة النهضة وسلطة بن علي ، ممّا دفع من ناحية السلطة الى مهاجمة ومحاصرة كلّ ما له علاقة بالحركة الاسلامية ومنهم تنظيمات الاسلام المعتدل والاسلاميين التقدمّيين ، ومن ناحية أخرى انصار التيّار الاسلامي الى مزيد من التطرّف والانغلاق في الخطاب والممارسة .
- انقطاع كلّ أشكال الحوار الفكري والتثاقف حول المسائل المتعلّقة بالحركة الاسلاميّة .
- انتشار الفضائيّات والقنوات التي تروّج للسلفيّة الوهّابيّة ، في ظلّ انبهار العديد من الشباب بفكر المقاومة والجهاد وبرموز تنظيم القاعدة بوصفهم أبطال تحرير ونضال ضدّ الامريكان .
المجموعات السلفيّة المختلفة في تونس
تنقسم الفرق السلفيّة في تونس الى ثلاث أقسام رئيسيّة ، يفرّق بينها موقفهم من الحاكم وتصوّرهم للعمل المنظّم وآليات العمل ويتراوحون بين المهادنة للنظّام ، والاكتفاء بالدعوة وصولا الى الدعوة الى الجهاد ، ونفصّلها في الآتي :




1- السلفيّة العلمية ( المهادنة )
2- السلفيّة الحركيّة
3- السلفيّة الجهاديّة

1- السلفيّة العلميّة
السلفية العلمية أحد فصائل التيار السلفي بتونس وهي فصيل سلمي يحمل أطروحة دعوية وعضلية بالأساس ويركز دعاتها جهودهم على الجوانب الفقهية والعقائدية وطلب العلوم الشرعية وهم في ذلك متقيدون بالمراجع السلفية العلمية في الخارج كمصر و خاصة بالمؤسسة الدينية الوهابية في السعودية. ظهر هذا التيار في تسعينات القرن الماضي بعد قدوم مجموعة من الطلبة التونسيين بالجامعة الإسلامية بالمدنية إلى تونس و اجتهادهم في تبليغ أفكار السلفية العلمية في صفوف الشباب وازداد انتشاره بفضل الفضائيات النفطية وشبكة الانترنت.

أما عن موقفهم من السلطة فان السلفيون العلميون يحرمون الخروج عن الحاكم ولو كان ظالما وكان جل مشايخهم من مؤيدي نظام بن علي وكان هذا الأخير يغض الطرف عن نشاطاتهم خاصة قبل أحداث سليمان نهاية العام 2006. بل إن المراجع السلفية في السعودية والتي لها تأثير كبير على أعضائها في تونس وصفت ثورة الرابع عشر من جانفي بالفتنة وحرمت المظاهرات و الاعتصامات خوفا من أن تمتد هذه الأحداث الى السعودية ولهؤلاء المراجع تاريخ طويل في تدبير سياسة النظام السعودي خاصة بعد حرب خليج سنة 1991 وفتوة هيئة كبار العلماء بقيادة عبد العزيز بن باز والعثيميين والتي أجازت الاستعانة بالقوات الأمريكية لضرب العراق . هذا التيار منتشر في تونس في أواسط الشباب المتعلّم خاصّة وله أتباع كثيرون ويطلق عليهم اختصارا "السلفيون" لكن ليسوا منظمين داخل جماعة أو حركة تنظيما هرميا متماسك مثل بقية فصائل الحركة الإسلامية كالنهضة أو حزب التحرير بل يغلب عليهم التفرق لمجموعات يتبع كل منها مسجدا أو جهة.
وتتبنى السلفيّة العلميّة ثلاث مبادئ أساسيّة وهي :

أ‌- رفض التحزّب والعمل الجماعي ، بدعو كون الحزبيّة مذمومة وبدعة .
ب‌- رفض كلّ الجماعات والحركات الاخرى حتى السلاميّة منها ، واعتبارهم خوارج ، واعتبار تنظيماتهم بدع تنخر جسد الامّة الواحد .
ت‌- وجوب السمع والطذاعة للحكام وتكفير كلّ من خرج عنه ، فلا أمر بالمعروف الّا باذن الامام .


2- السلفيّة الحركيّة ( الاصلاحيّة )
وهو تيار يلامس السلفيّة العلميّة فكرا وممارسة، وقريب من الفكر الإخواني والمنهج السعودي في التدين (فكر محمد بن عبد الوهاب وأدبيات سلمان العودة وعائض القرني ). ويتعاطف معه قطاع عريض من الموظفين الصغار ، ويختلف هذا التيّار عن السابق في كونه يتبنىّ أطروحة الاصلاح السياسي ويدعوا الى المشاركة في الفعل السياسي وتنظيم الاحزاب وبالتالي الخروج عن طاعة الحاكم ، ورغم كثرة الحديث والشكّ حول ميله للعنف من عدمه في التغيير السياسي الّا انّ قادة تنظيماته يصرّحون انّهم ينهجون نهج التغيير السلمي .
ومن الجماعات المنضوية تحت هذا التيّار نجد ، الجبهة الاسلامية بتونس وحزب التحرير .
3- السلفيّة الجهادية
وهي التيّارات الاكثر راديكالية ضمن المجموعات السلفيّة ، وتتقابل مع السلفيّة الحركيّة في قبول الخروج عن الحاكم وتنظيم العمل الجماعي بكلّ أشكاله واهمّها المسلّح و تعود بدايتها إلى الثمانيات على يد مجموعة من الشباب الذين قاموا بعدد من العمليات البدائية البسيطة مما أدى إلى قتل بعضهم واعتقال الآخرين وفرار بعضهم الآخر الر خارج تونس وكان من بينهم الشيخ محمد الأزرق الذي أفتاهم بالجهاد ومشروعية استهداف الدولة وهياكلها وقد فر الشيخ اثر فشل تلك المحاولة إلى السعودية ولكن النظام السعودي سلمه إلى الأمن التونسي أواسط الثمانيات حيث حكم عليه بالإعدام. بعد هذه التجارب الجهادية الفاشلة توجه العديد من عناصر التيار آخر الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي إلى ساحة الجهاد الأفغاني وحاول بعضهم تشكيل نواة لتجمعات جهادية موحدة على غرار ما فعل الليبيون والجزائريون من الأفغان العرب وقد فشلت تلك المحاولات لعدم وجود كوادر مؤهلة بين أولئك الشباب.... وبعد خروج الأفغان العرب من أفغانستان سنة 1992 رحل الجهاديون التونسيون إلى السودان محاولين ذلك مرة أخرى دون جدوى ،وبعد سيطرة حركة طالبان على الساحة الأفغانية ومع بداية الشوط الثاني للأفغان العرب توجه عشرات الجهاديين التونسيين إلى أفغانستان قادمين من البوسنة بعد أن شاركوا في قتال الصرب وحرب الإبادة أواسط التسعينات وفي أفغانستان نجح هؤلاء في تكوين معسكر مستقل.ولكن الوقت لم يسعف هؤلاء لتطوير معسكرهم الذي كان هدفه العودة بالجهاد إلى تونس... فقد دوت انفجار الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك وواشنطن لتصل شظاياها في أفغانستان وجاءت الحملة الأمريكية في ديسمبر 2001 وقد شارك المعسكر التونسي في قتال القوات الأمريكية على خط الجبهة في قمم طورة بورة في جبال سليمان غربي جلا ل آباد وسقط منهم عشرات القتلى وبعض الأسرى لتنتهي بذلك التجربة الجهادية التونسية المنتجة في مختبرات الصحة الأفغانية.
كما قام نظام بن علي حكم في اطار حملته على الارهاب بتوجيه ضربات قاسية الى التيّار السلفي الجهادي بتونس ، ممّا اضطرّ أغلب انصاره الى الالتحاق بالتنظبمات الاقليمية " للقاعدة ببلاد المغرب العربي" في جبال الجزائر .
امّا بعد 14 جانفي فقد سعى تنظيم القاعدة العالمي وذراعه الاقليمي في المغرب العربي الى اعادة الحياة الى التيّار الجهادي بتونس ، عبر ضخّ الدماء فيه وتمويله بالقادة والمدرّبين وبالمال في محاولة منهم لزعزعة الاستقرار ، وخدمة لاجنداتهم السياسيّة الدولية التي تبحث لها عن ساحات لاقامة معسكرات الاستقطاب والتدريب ، وبحثا عن تخفيف الضغط على المجموعات المقاتلة في الجزائر وليبيا وايجاد خطّ امدا لوجستي لهما ، واهمّ المجموعات التي يمكن تصنيفها ضمن هذه التيّار الجهادي نجد ، انصار الشريعة ، وتيّار الصحوة الاسلامي ومن رموزه نصر الدين العلوي ، الذي دعا صراحة الى حمل الكفن والجهاد ضدّ الحكومة والشعب ورموز الكفر في تونس .

6- موقع السلفيّة من المشهد السياسي التونسي
تبنّت السلفيّة الحركيّة ( المنتظمة الاصلاحيّة ) خيار المشاركة السياسية وتأسيس أحزاب تنادي بالعمل السلفي من اجل الوصول الى هدف تحقيق الدولة الاسلامية ، وقد مكّنتها حكومة النهضة من امكانيات العمل القانوني ، رغم رفضها لذلك أوّل الامر خوفا من المنافسة الانتخابية ، وخاصّة انّ حركة النهضة تروّج خطابها السياسي على محامل دينية تسعى لاحتكارها لنفسها ، ولا يزال الصّراع الفكري والعقدي قائم بينهم ، خاصّة فيما يتعلّق بمسألة الدولةة بين الدعوة الصريحة لاقامة الخلافة من قبل حزب التحرير مثلا ، وبين اتّفاقات حركة النهضة في المحافزة على النظام الجمهوري .
وتستعمل حركة النهضة جزءا واسعا من المجموعات السلفيّة الحركية الاخرى وخاصّة من مجموعات الشباب ، لإحداث القلاقل وتنظيم حملات عنف على معارضيها ، وعموما لانجاز المهام التي يستحيل عليها انجازها علنا وعبر أجهزة الدولة وخلاياها الحزبيّة الرسميّة ، كما توفّر الحماية لهذه المجموعات ، اتّقاءا لشرّهم وكسبا لتأييدهم الانتخابي ، ولكنّ هذه الممارسات باتت تهدّد السلم الاهليّة بتونس ، وتهدّد حتى مصالح حركة النهضة ، لانّها أتتحوّل رويدا رويدا الى مجموعات منظّمة تعمل فوق القانون ، وتكتسب استقلالا نسبيّا على حركة النهضة كما تمثّل أرضية خصبة لنموّ وتطوّر السلفية الجهادية وتنظيم القاعدة في تونس ، اللّذان يمثّلان تهديدا حقيقيا وعدوّا رئيسيا لحركة النهضة وأسلوب حكمها واتفاقياتها الدولية والإقليمية .
وامّا السلفية الجهادية في تونس ورغم محدودية عدد اتباعها وانتشارها في تونس ورفضها من قبل شرائح واسعة من الشعب التونسي ونخبه ، الّا انّها بدأت تكشّر عن انيابها وتظهر تنظيامت صغيرة (سرايا) في بعض الاحياء الشعبية والمدن الداخليّة ، وتحوّلت من مرحلة استقطاب العناصر والتدريب الى مرحلة التهديد والدعوة الى الجاهد وتكفير الجمعي بما فيهم وزراء الحكومة الاسلامية ، ونذكر هنا انّ مواجهة جدّت بين قوّات الامن التونسي ومجموعة أنصار الصحوة الاسلامية شقط على اثرها قتيلان من المجموعة السلفيّة قد أجّجت الاوضاع ودفعت الى امكانية المواجهة الحتمية بينهم وبين الدولة والمجتمع التونسي ككلّ .
ويبدوا انّ حركة النهضة تؤجّل المواجهة وتسعى الى تحييد جزء كبير من المجموعات السلفيّة ، او على الاقلّ هي تلعب ورقتهم الى أقصى حدودها من اجل ارهاب التونسيين من المستقبل المظلم الذي ينتظرهم ان هي سقط حكمها ، ومهما يكن من امر فانّ الصّراع داخل حركة النهضة بين شقّها السلطوي وشقّها الراديكالي ( مجلس الشورى) حول هذه المسألة يظهر جليّا كلّ يوم مع حالة التردّد التي تتعامل بها السلطة ازاء ملفّ الجهاديين في تونس ، رغم ما يمثّلونه من تهديد ورغم التكفير الصريح الذي وجّهه قيادات القاعدة في الداخل والخارج (أيمن الظواهري ) لحركة النهضة ورئيسها ، الّا القيادات السياسية للحركة وللدولة تبدو محرجة من اتّخاذ تدابير واضحة وصريحة ، يجب عليها اتّخاذها حماية لسلطتها وللبلد ولأمن الناس ووفاء بتعهّداتها ازاء حلفائه الدوليين




ملحق : التركيبية البشريّة للتيّار السلفي
تمّ الاعتماد في حساب هذه الارقام والنسب على معلومات متعلّقة ب1208 حالة من السلفيين الذين سجنوا على أساس الانتماء بين سنتي 2007
و 2009 وذلك في ظلّ غياب المعلومات الكافية حول هذا الموضوع

الولاية النسبة
تونس 23.63
بنزرت 10.77
مدنين 08.84
سيدي بوزيد 08.45
قبلي 06.02
المهدية 05.56
سوسة 05.33
القصرين 04.98
القيروان 03.70
نابل 03.36
صفاقس 02.78
الكاف 02.20
بن عروس 01.73
سليانة 01.62
قفصة 01.62
المنستير 01.27
تطاوين 01.15
اريانة 01.15
جندوبة 01.15
قابس 00.92
توزر 00.81
باجة 0069
مولودون بالخارج 00.69
زغوان 00.11
التوزيع الجغرافي للتيّار السلفي في تونس 2007-2009

كما يتوزّعون حسب الفئة العمريّة إلى :
من 19 إلى 24 سنة: ما يقارب 30 %
من 25 إلى 30 سنة: ما يقارب 48 %
من 31 إلى 37 سنة: ما يقارب 11 %
والبقيّة تتقاسمها الفئات العمريّة الأخرى
و يحتلّ ضمن هذه المجموعة ، العمّال نسبة 36 % بينما يحتلّ الطّلبة والتّلاميذ نسبة 34 % والتجّار نسبة 15 % ويتوزّع الباقون على مختلف المهن الأخرى.
















المراجع
1. ابو الأعلى المودودي: الإسلام والمدينة الحديثة،
2. محمّ الكيلاني ،تونس : السلفية الجهادية حركة ارهابية عالمية
3. أبو حمزة البغدادي، لماذا نقاتل؟ ونقاتل من؟،
4. عبد الملك القاسم، الولاء والبراء، موقع "مراجعات فكرية".
5. حازم المدني، هكذا نرى الجهاد ونريده،
6. عبد الله عزام، إتحاف العباد بفضائل الجهاد،.
7. أحمد ابن أبي الضياف ، إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان ،
8. علي بن سعبد ، مستقبل الإسلام السياسي في تونس ، المجلة الالكترونية أقلام أون لاين العدد 18السنة الخامسة/ جويلية- أوت2006 .
9. أعليّة علّاني ، التيّار السلفي في تونس : المكوّنات والفئات الاجتماعيّة ، بحث منشور في كتاب السلفيون في دول المغرب العربي



#محمد_نجيب_وهيبي (هاشتاغ)       Ouhibi_Med_Najib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذرا سادتنا الجدد لا تلومونا وهذا الشعب الكريم ان طردناكم طل ...
- حركة النهضة تختنق بالغاز الذي أطلقه شرطتها على مواطني سليانة
- في مشروع قانون تحصين الثورة ؟؟: تلاعب بالمصطلحات وبالثورة او ...
- هل تصدّعت حركة النهضة ؟
- الملفّ المالي : خيار أمريكي فرنسي يدفع الجزائر الى المستنقع
- في مسألة توطئة( ديباجة) الدستور التونسي
- حول الانتخابات الأمريكيّة : هل فاز اوباما حقّا ؟؟
- في حادثة اغتيال -لطفي نقض- او اغتيال الدولة


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد نجيب وهيبي - السلفية في تونس : الأصول ، المنهج وموقعها من الخارطة السياسيّة