أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هالة موسى - الهوس الديني والعنصرية في رواية أعلنوا مولده فوق الجبل















المزيد.....

الهوس الديني والعنصرية في رواية أعلنوا مولده فوق الجبل


هالة موسى

الحوار المتمدن-العدد: 4062 - 2013 / 4 / 14 - 19:35
المحور: الادب والفن
    



" أريد أن أكون إنسانا شريفا وكاتبا مجيدا" أمنية صدر بها جيمس بولدوين روايته الأولى " أعلنوا مولده فوق الجبل " التي ترجمها هاني حلمي. هي رواية تثير العديد من الأسئلة وتكشف عن عالم الجنوب في أمريكا وعلاقتهم بالآخر الأبيض ، وعلاقتهم بالكهنوت الديني. تجسد تلك الرواية تلك العلاقة المتواشجة بين الحياة والكتابة، بين بولدوين الإنسان وبولدوين الفنان ، فهل هي سيرة ذاتية صريحة؟
في الحقيقة ليست سيرة ذاتية ، بل هي عمل فن يمتح من بئر سيرته الذاتية وتجاربه الحياتية في حي هارلم بمدينة نيويورك. وكما ارتبط اسم تشارلز ديكنز ـ بحسب المترجم ـ بلندن ، ودستوفيسكي بسان بطرسبرج ارتبط اسم بولدوين بهارلم ، المكان الذي حدده الرجل الأبيض للأفارقة الأمريكيين ، والذي كان يُطلق عليه " عاصمة أمريكا السوداء" في أيام تألقه وأزدهاره في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين ،فيما عُرف بنهضة هارلم ، ومع أن بولدوين رحل نهائيا في سن الثامنة عشرة، ولم يعد إليها إلا لزيارات قصيرة إلا أنها ظلت تُشكل عالمه الأدبي في جل كتبه.
عاش بولدوين حياة بائسة تحت وطأة الفقر الذي كان يعيش فيه المجتمع الأسود ، وانتشار الجريمة ، والعنصرية التي يعامل بها المجتمع الأبيض أبناء الأفارقة الأمريكيين ، وهذه الظروف القاسية عانى بولدوين من قسوة أبيه أيضا ، فلم يجد له ملاذا سوى القراءة التي أنقذته من مشاعر الكراهية والإحساس بالقبح وفقدان الثقة بالذات التي زرعها الأب فيه ، كذلك كانت القراءة مهربا من العزلة التي فرضها الأب على بولدوين وأخوته بدافع الخوف من شوارع هارلم المهدَدة ورجال الشرطة المتنمرين ورفاق السوء ،هكذا أيضا كان بطل " أعلنوا مولده فوق الجبل" فالبطل في هذه الرواية هي الصورة التخييلية للكاتب.
يتلمس بولدوين في هذه الرواية طريقا للتحرر مما أسماه في مقالة مطولة بعنوان " النيران في المرة القادمة " بالأمان الخانق الذي يقدمه الدين بصورته المتزمتة المنغلقة على الذات: الأمان من الضغوط الاجتماعية ممثلة في التمييز العنصري، أو الأمان من عواطفنا وآلامنا ، من ضعفنا ومخاوفنا. هي ليست رواية دينية تبشرية كما يظهر من العنوان ، لكنها رواية تصور تجربة روحية وجودية بأبعادها النفسية ، وتشابكاتها الاجتماعية ومن هنا جاء الالتباس والغموض الذي يلقي بظلاله على الرواية .
وقد أخذت الرواية عنوانها من أغنية كنسية كان يرددها السود الأمريكيين في أعياد الكريسماس والتي يبدأ مطلعها :" انطلقوا وأعلنوا مولده فوق الجبل ، مولد يسوع المسيح ".
لغة بولدوين في هذه الرواية هي لغة إنجيلية ، تحتفي بالطقوس الكنسية ، ولكن هل هو يكرس للفكر الديني الكنسي أم أنه ينتقده من داخله ، وقد كان ابنا لقس ، بل وقد اعتلى المنبر الكنسي وقدم النصائح الكنسية ، فقد كان ورث عن أبيه ذلك المنصب الديني قبل أن يفر من عالم هارلم ويتجه للكتابة الروائية ؟
رغم أن الرواية تنتهي بانضمام الفتى جون إلى زمرة المؤمنين بسقوطه في غشية رؤيوية على أرض الكنيسة، تظل حقيقة توحده مع الرؤية المسيحية واندماجه في مجتمع الكنيسة إلا أنه حين كشف المسكوت عنه داخل هذا المجتمع ، وذلك الهوس الجنسي الذي انتاب البطل يدل على أنه لا يتبنى هذه الرؤية بقدر ما يريد كشفها وتعريتها .
ومع ذلك فبنية النص الجدلية المنقسمة إلى ثلاثة أجزاء ـ والمبطنة ببنية لغوية قائمة على التضاد بين لغة الأب المستندة إلى نصوص الوعيد والهلاك والمستقاة من العهد القديم ، ولغة الابن المميزة لأفكاره وتيار شعوره والتي تنزع دائما إلى نعمة الحب الإلهي والإنساني وتركن إلى العهد الجديد ـ تطرح في النهاية مفهوما مختلفا للدين وتصورا مغايرا للإله ، وهو ما نجده في معرض انتقاد بولدوين المباشر للنفاق الأخلاقي الذي اتسم به تصور البيض للدين وممارستهم له ، وهو ما نلمحه في الرواية من خلال قراءة جون الداحضة لقراءة البيض لقصة النبي نوح وأولاده سام وحام كمبرر إنجيلي للتفرقة العنصرية ضد السود حيث يقول :" من كان يرغب في أن يصبح إنسانا أخلاقيا صادقا .. عليه أن ينأى بنفسه أولا عن كل القيود والجرائم وأشكال النفاق التي ميزت الكنيسة المسيحية فإن كان ثمة جدوى أو نفع لمفهوم الرب ، فهو أن يحملنا على أن نكون أكثر رحابة وتسامحا وأكثر حرية ومحبة .
يستقي بولدوين مادة روايته من تجربته الشخصية في مرحلة المراهقة، حيث تصور الرواية شخصية الفتى جون جرايمز في بدايات مراهقته ومأزقه الروحي والوجودي الناجم عن ضغوط الأب ومنظوره الديني الخانق ورؤيته للحياة المترعة بالمرارة والكراهية وميراث العنصرية الأمريكية، وتتعقد أزمة الشخصية من جراء صراعه الداخلي مع وعيه المتنامي بأزمة الجسد الجنسية ، وشكوكه الدينية وتنازع مشاعره بين الفوز بحب أبيه واحترامه ورغبة أوديبية في الإطاحة به وبسطلته ،فالسطوة الأبوية المحمية بلاهوت استبدادي صارم تحكم أجواء الرواية وشخوصها جميعا ،وتستنفد كل طاقة وإمكانية لحياة طبيعية وعلاقات إنسانية سوية . ويصبح الابن جون الذي هو بطريقة أو بأخرى صورة ذهنية للمؤلف نفسه ساحة للصراع النفسي والعقلي بين أفكار أبيه الدينية وتصوره الخاص للدين المتسم بالمحبة والتحقق الذاتي والجمعي .
تأتي نهاية الرواية مفتوحة تشي بشكل من المصالحة بين وعي الفنان الناشئ المتمرد المحصور في ذات متفردة ضيقة وميراث الجموع السوداء والمعذبين في الأرض ، كما تكشف عن رؤية بولدوين في تقديم رواية احتجاج أكثر رحابة من النموذج الواقعي الاشتراكي الذي قدم في الأدب.
رؤية وضعته في نظر كثير من النقاد في مصاف الكتاب الوجوديين ،حيث تشف نهاية الرواية عن قبول الحياة قبولا رواقيا قائما على الحب ، وتنظر إلى العنصرية والكراهية والمرارة وكل أشكال العذاب البشري باعتبارها جزءا من الشر الكامن في الوضع الإنساني :" أدركت أنه على أن أجد نفسي ككاتب حتى ولو كان الثمن هذا الكتاب . صرت مشلولا ، ولم أستطع مواصلة العمل فيه . شعرت أنه دُمِّر تدميرا نهائيا ، وأنني دمرت معه " هذا ما قاله بولدوين عن صراعه مع رواية " أعلنوا مولده فوق الجبل " وكان الانتهاء من الرواية وصدورها إيذانا بميلاد بولدوين نفسه كواحد من كتاب أمريكا اللامعين ، وعلامة فارقة في تاريخ الرواية الإفريقية الأمريكية ،تركت أثرها على كثير من الأجيال اللاحقة من الكتاب السود. واحتلت مكانها بين كلاسيكيات الأدب الأمريكي والأدب العالمي المكتوب بالإنجليزية.
الكتاب : أعلنوا مولده فوق الجبل
المؤلف : جيمس بولدوين
دار النشر : دار رؤية للنشر والتوزيع بالقاهرة
سنة النشر : 2012 .



#هالة_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خزانة شهرزاد ، قراءة جديدة للأجناس الأدبية في الليالي
- حب في السعودية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هالة موسى - الهوس الديني والعنصرية في رواية أعلنوا مولده فوق الجبل