الديماني مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 4059 - 2013 / 4 / 11 - 21:32
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
عرف العالم منذ القدم مجموعة من الأزمات و الصراعات الدولية ,حيث لم تخلو حقبة تاريخية من الحروب , التي غذتها في كثير من الأحيان الأطماع الإستعمارية لبعض الدول , و أفرزتها أزمات دبلوماسية و إقتصادية و سياسية و إيديولوجيا أحيانا أخرى ...
و تعد الحروب النقيض الحتمي للسلام و الأمن , و وسيلة لتنفيذ سياسة الدول بواسطة العنف و الاكراه , خاصة بعد فشل الوسائل الدبلوماسية و السلمية , بإعتبارهذه الأخيرة الية للتخفيف من شدة التوترات , و فض النزاعات الحاصلة بين الاطراف في الفترات المتميزة بالشك و الحذر .
إن الحرب بمفهومها التقليدي , قد عرف تطورا سريعا تزامنا مع التقدم الحاصل في الوسائل و المعدات المستخدمة في العمليات العسكرية , و لعل أبرز العوامل المساهمة في ذلك التغير , ذاك التطور الهائل الذي جاءت به الثورة التكنولوجيا و المعلوماتية و بصورة لم يسبق لها مثيل.
و تتعدد أشكال الحروب و أنواعها و وسائلها , حيث لم يعد مفهوم الحرب مقتصرا على الحروب النظامية العسكرية التي تنشأ بين دولتين أو أكثر , بل أصبحنا أمام حروب جديدة كتلك التي تشنها منظمات ارهابية , إضافة الى الحروب الإعلامية و المعلوماتية , أي أن الدولة القومية لم تعد مهددة من طرف الدول فقط , بل قد يكون أمنها في خطر أمام بضعة أفراد ينتمون الى عدة دول مختلفة .
و تعد الحرب الإلكترونية ظاهرة جديدة في العلاقات الدولية الراهنة, بإعتبارها ذلك الوجه السلبي لإستخدام التطبيقات التكنولوجيا و المعلوماتية , بل أضحت من بين المخاطر و التهديدات الأمنية الجديدة , والتي تتجاوز في تداعياتها و أبعادها الحدود السياسية و الجغرافيا للدول.
ومنه فالأمن بمفهومه الكلاسيكي , لم يعد قادرا عن التعبير بصدق عن كافة التحديات و التهديدات , التي اصبحت تلقي بظلالها و إشكالاتها على مستقبل الأمن القومي للدول.
في الايام القليلة الماضية , عاشت اسرائيل على إيقاع الاختراقات الإلكترونية , والتي شنها شباب ينتمون الى عدة بلدان منها المغرب و تونس و ليبيا و فلسطين و الأردن و باكستان و أمريكا...
فرغم البعد الجغرافي , إلا أن العالم الإفتراضي و الهدف المشترك قرب و وحد بين هؤلاء المجموعات التي من بينها مجموعة " أنونيموس"« Anonymous » و مجموعة أشباح المغربية , الفلاكة التونسية , موريتان هاكر تايم و غزة هاكر تايم....
حيث قامت هذه الجيوش الإلكترونية بإختراق العديد من المواقع الإلكترونية الإسرائيلية, من أبرزها : موقع الكنيست الإسرائيلي و وزارة الاستخبارات , و رئاسة الوزراء وموقع وزارة الأمن... , إضافة الى 20000 حساب الفايسبوك و3000 حساب مصرفي في مختلف البنوك الإسرائلية.
و قد يعتبر البعض ان هذه الحرب الجديدة المعلنة من هؤلاء القراصنة, لا تخرج عن إطار اللهو و الهواية و البحث عن الشهرة . في حين أنها تحمل في طياتها رسائل ذات طابع سياسي في غاية من الأهمية , سواء تلك الموجهة لإسرائيل باعتبارها هدفا رئيسيا لها, أو تلك الموجهة لدول العالم العربي الاسلامي خاصة و للمجتمع الدولي عامة .
حيث شكلت هذه الحرب الإلكترونية ,التي لا تقل في خطورتها و تداعياتها من التهديدات العسكرية التقليدية , مناسبة للقائمين بها في تجديد رفضهم التام و المطلق للانتهاكات الجسيمة لحقوق الشعب الفلسطيني , وسياسة إزدواجية المعايير التي يتبناها مجلس الأمن الدولي في الصراع العربي / الإسرائيلي .
فاختراق العديد من المواقع الرسمية لإسرائيل , هو بمثابة رسالة تحذيرية لهذه الاخيرة لعلها تعيد النظر في سياستها التوسعية و الوحشية التي تمارسها ضد إرادة الشعب الفلسطيني , و الغير أخذة بعين الإعتبار لقواعد القانون الدولي الإنساني.
كما تعد هذه الحرب الإلكترونية التي قامت بها مجموعة الهاكرز , محطة لتذكير في عدم جدوى السلاح النووي لمواجهة هذه الأنواع من الحروب , ويكمن ذلك في غياب إمكانية الردع في مثل هذه الحالات , بسبب كون مصدر الهجوم افراد و جماعات تنتمي الى العديد من الدول , مما يصعب معه احتواء هذا التهديد و القضاء عليه .
إن تعطيل العديد من المواقع الاسرائيلية الرسمية و مواقع التواصل الاجتماعية , يجعل إسرائيل بما تمتلكه من قدرات نووية , و بما تتمتع به من تقدم في مجال المعلوماتية و التكنولوجيا , في موقع ضعف أمام مواطنيها والعالم برمته, الذي من معالمه التشكيك في قدرتها – إسرائيل – على الحفاظ على أمنها المعلوماتي ..
لقد ساهمت شبكة الاتصالات الدولية , المتمثلة في الانترنت في التقريب بين المنخرطين خلال عمليات الاختراق , عبر السرعة في تلقي المعلومة و توجيه الضربات بشكل فعال للهدف , ومنه تشكيل جيش إلكتروني يهدد الامن القومي الإسرائيلي في الصميم .
و اذا كانت الدول العربية قد عرفت حراكا اجتماعيا لم يسبق له مثيل , بفعل استغلال الشباب العربي لمواقع التواصل الإجتماعي , و الذي كان من نتائجه إسقاط انظمة سلطوية و إستبدادية و شمولية فقدت شرعيتها منذ زمن بعيد , فهو حراك يهيمن في اغلبه مطالب داخلية للشعوب العربية , كالمطالبة بالديمقراطية و الحرية و العيش الكريم و إحترام حقوق الإنسان ... حيث لم يتم رفع شعارات ذات بعد خارجي مثل تحقيق الوحدة العربية أو تحرير فلسطين بإعتباره مطلبا قوميا .
فإستمرار الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية , و تواطؤ العديد من الدول من بينها العربية مع الإحتلال , ساهم في خلق المزيد من السخط و عدم الرضى على السياسات الخارجية للدول العربية ازاء هذه القضية , والتي لا تستجيب لطموحات الشعوب. و منه فالأقطار العربية اصبحت مطالبة بإضفاء الشرعية على سياساتها الخارجية , و عدم اتباع سياسة الإستبعاد و التهميش التي لا تتأتى و مبادئ الديمقراطية .
فمجموعة هذه الجيوش الإلكترونية قامت بدور و عمليات , عجزت الجيوش العربية و الإسلامية من تحقيقها على أرض الواقع أو على الأقل في العالم الافتراضي . حيث ألحقت بإسرائيل خسائر مالية و اقتصادية كبيرة ,التي كان من أسبابها تعطيل للخدمات التي تتيحها تلك المواقع الإلكترونية .وفرض حصار إلكتروني و عزلة عن العالم الخارجي .
فاذا كانت دول العالم العربي الإسلامي تبرر إخفاقها في إلحاق أضرار لسلطات الإحتلال الإسرائيلي , بكونها لا تتوفر على الإمكانيات و الوسائل لتحقيق ذلك الهدف , ففي عصر تغلب عليه شبكات الإتصالات الدولية , يصبح من المستحيل ممكنا عن طريق إستثمارثمارالتطبيقات المعلوماتية في هذا المجال.
و ختاما يمكن القول , أن تحقيق الأمن المعلوماتي لجميع الدول أصبح مطلبا ملحا في العقود الأخيرة , بفعل تنامي الحروب الإلكترونية التي تغذيها الثورة المعلوماتية , حيث لم يعد معها سيادة الدول حصنا منيعا للاحتماء من تحدياتها و مخاطرها و تداعياتها السياسية والاقتصادية و النفسية ...
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟