أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمجد الرفاعي - لغز الساعة الثالثة !!















المزيد.....

لغز الساعة الثالثة !!


أمجد الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1163 - 2005 / 4 / 10 - 12:21
المحور: الادب والفن
    


تكْ..تكْ..تكْ..!!
بين حين وآخر،أختلس بضع نظرات محنقة من الساعة الجدارية الصدئة،المستندة بوهن إلى الجدار.وألعن في سرّي هذه التكتكات البغيضة،التي تحفر في الدماغ أثلاماً عميقة موجعة.
-بقي ثلاث ساعات!.
يعلن والدي بصوت أجش،وهو ينصت بتأن لدقّات منتصف الليل الاثنتي عشرة.ثم يتابع هزّ رأسه الأشيب مع الايقاع الرتيب الواخز!.
أمي التي أرهقها الوسن،تنقل بصرها الغائم بين الساعة الجدارية ووجه أبي،وهي تغمغم بخفوت بأدعية لانهاية لها.
تكْ..تكْ..!
ومنذ المساء،انهمكت أختي(منار)في تأمل وجه طفلها الرضيع،الذي لم يكفّ لحظة واحدة عن مصّ الحلمة بوقار لايتناسب مع سنّه!.وكانت بدورها تمارس لعبة مراقبة الساعة بقلق صامت،كانت حدّته تتصاعد كلما أمعن الليل بالتوغل،ثم تغمر وجه زوجها(يوسف)،والقابع في ركنه الشاحب،بنظرات حنون مشفقة.بينما كان غافلاً عن العالم المحيط به،يعبّ من كأس(العرق)جرعات قصيرة متلاحقة.وهو يطلق تنهيداته اليائسة بحزن وهدوء.
حتى أختي الصغيرة(رنا)،فقد استهوتها لعبة مراقبة الوجوه الكالحة المحيطة بها،ولا تلبث أن تتوقف بنظرها عند وجه أمي المتغضن لعلها تستمد منه شيئاً من الحنان،يبدد وحشة هذه الأمسية القاتمة..تكْ..تكْ..
-اللعنة!.
أطلق شتيمتي الساخطة في فضاء الغرفة،فتسوطني النظرات المستفهمة،ولكني أشيح عنها وجهي بغضب.ثم لاألبث أن أشابك أصابع كفيّ خلف رأسي المتعب،وأهيم في فضاءات من الحيرة والوساوس القاتلة..تكْ..تك..!.
**************
كالأشباح يأتون دائماً.في الثالثة صباحاً.عرفنا ذلك من تجربتنا.
أخي(سعد)أخذوه في الثالثة تماماً،فبل ستة أشهر.ورغم أنه لم يكن يشرب يومها،كما يفعل(يوسف)الآن،إلا أنه كان يمر بنفس لحظات الإحباط واليأس.ولم تكن نظراته الضبابية تكفّ لحظة واحدة عن متابعة عقارب الساعة.
وعندما دقّت دقّاتها الثلاث المشؤومة،نهض ببطء،وارتدى سترته الجلدية،وفتح لهم الباب قبل أن يقرعوه!.وكانوا بالفعل ينتظرونه خلف الباب!!.
قال رئيسهم لوالدي وهو يكشر بابتسامةصفراء مهذبّة:
-لا تقلقوا.سيعود بعد فترة وجيزة.
ولم نصدّق ذلك طبعاً.فقبل(سعد)ذهب الكثيرون،وماعادوا..
كلهم مرّوا بلحظات(الساعة الثالثة)نفسها،واستسلموا لمصيرهم بالإذعان نفسه.
وهذا اللغز المحير مابرح يعذبني أشد العذاب..تكْ..تكْ..
العديد من رفاق (سعد)و(يوسف)ذهبوا بهذه الطريقة،دون أن يبدوا أية محاولة للهرب،أو المقاومة..لؤي..عدنان..قاسم..نور..!!.
تكْ..تكْ..
-ألف لعنة!.أبصق بحنق ،وأصرخ في داخلي،سأحطم هذه الساعة وأستريح.
*********
لم أستطع أن أفسّر أبداً كيف عرف كل هؤلاء بأنهم(سيُؤخذون)ذلك النهار بعينه،وتلك الساعة بعينها!!.
كأن وحياً كان يوحي إليهم فيلقيهم في مهاوي اليأس والقنوط والعجز.ويستسلمون بشكل تام لخيوط عنكبوت لامرئية،فلا يستطيعوا منها فكاكاً..تكْ..تكْ..
هذا اليوم،سألت(يوسف) إن كان متأكّداً بأن هذا هو (يومه!).لكنه ظل صامتاً.رغم ابتسامته المريرة الساخرة التي ارتسمت على شفتيه،بينما يتأمل الشعيرات الخفيفة الشاحبة فوق شفتي.وشعرت لحظتها بأن الأمور أكبر من قدرتي على الفهم!.
*********
-إيه،وبعد؟.
يخدش والدي الصمت بصوته المتسائل.
-وبعد؟!.
يكرر(يوسف)السؤال ببلاهة.
-بقيت ساعتان.
-ساعتان؟!وتغيم نظراته في كأس (العرق).
تنشج أمي بخفوت.تتذكر،ربما،يوم أخذوا(سعد).أو لعلّها تندب حظ ابنتها التي ستترمّل بعد قليل..بعد ساعتين..تكْ..تكْ..!.
ما يجعل غيظي ينفجر،أن جميع من في الغرفة تبدوا على سيمائهم ملامح المعرفة الأكيدة بأن هذا الشيء سيحصل حتماً عند الثالثة.
أخبط صدغي بكفي"لماذا أنا من دونهم؟!".
حتى الصغيرة(رنا)تبدو في نظراتها ملامح معرفة السر الغامض!.وإلا فما معنى استيقاظها،وهي الطفلة،إلى هذا الوقت المتأخر؟!..تكْ..تكْ..!
أذرع الغرفة بخطوات وئيدة موتورة.
تهمد النار في المدفأة فجأة،فأشعر بالبرد..أرتجف،لكن من يكترث؟!.
"أف!،كأني في كابوس ثقيل".
يقتلني هذا الصمت.لاأتمالك نفسي.أهتف فجأة بصوت حاد:
-(يوسف).اسمعني.مادمت متأكداً بأنهم سيحضرون الآن،فلماذا لاتهرب؟!.تحاول على الأقل.لاتزال الفرصة متاحة أمامك.
-أهرب؟!!
يتساءل بفزع كالملدوغ.
-نعم تهرب.أردّ هازئاً من استسلامه الأحمق.
-أم تفضل ياسيد(يوسف) أن تقع في أيديهم كذبابة غبية؟.
يتطلع (يوسف)من جديد إلى شاربيّ الطريين..تكْ..تكْ..
"اللعنة على كل شيء!".
****************
يوم تقدم(يوسف)لخطبة(منار)،قبل عام ونصف،بعد قصة حب صغيرة،كان يملك جسداً قوياً،صلباً.وكان بريق عينيه الطافح رغبة بالحياة هو ماأسرني وشدّني إليه،وتمنيت وقتها لو يوافق والدي.
سأل والدي وهو يهرش رأسه:
-أهو من الجماعة؟!.وغمز بعينه.
ولما ابتسم(سعد)وافق دون شروط.وكان(يوسف)في الغرفة الثانية ينتظر على أحر من الجمر.
لكنه كان غير هذا الـ(يوسف)المرتمي الآن،بهذا الهيكل الضعيف،البائس.
أتأمل ملامحه التي هرمت بليلة واحدة.
****************
-بقيت ساعة واحدة!.
يعلن والدي من جديد.
يتعالى نحيب أمي.وتدفن(رنا)رأسها في حجر أمها هاربة من من شيء مجهول قادم.
أهزّ كتف(يوسف)بشراسة،أصيح به:
-اهرب (يوسف)كرمى لله..اهرب.
لكنه بارد كقطعة ثلج ضخمة.أسمع موسيقا جنائزية تأتي من بعيد.يدق قلبي بعنف،والغصة تسدّحلقي.أشعر برغبة في أن أفتح النافذة وأصرخ بأعلى صوتي في وجه المدينة النائمة.معلناً احتجاجي على هذا الاستسلام المذل لجبروت أولئك الرجال.على هذا الخنوع..
"ياللكابوس!".
طنْ..طنْ..طنْ..
تتسمر النظرات جميعاً على القرص المغبر،والذي يحمل في أحشائه هذه اللحظة،مصير إنسان مهزوم عاجز.
أصوات الخطى الثقيلة تتناهى إلى أسماعنا.تدب ببطء.وتهب في الهواء رائحة مقززة.
تجهش أمي بالبكاء بصوت عال.وتدفن(منار)وجهها في صدر أمها وهي تبللها بدموع غزيرة.تغمض(رنا)عينيها،وتصرخ برعب.وينهض والدي بجسده المحني ليمسح من عينيه دموعاً تترقرق.
أصرخ بأعلى صوتي.لكني مسمر في مكاني،كأني مربوط بسلاسل ضخمة.أراقب كأنما في حلم،كيف عبّ(يوسف)ما تبقى في كأسه ونهض.مشى بخطوات متثاقلة.ارتدى معطفه،كما فعل(سعد)،وفتح لهم الباب!.
هاهم بانتظاره بفارغ الصبر.مدججون بالأسلحة.قال رئيسهم:
سيعود بعد قليل.وصفق الباب خلفه،ثم ابتعدت الخطوات.
الغرفة تدور،وجميع من فيها يتحول إلى مسوخ بشعة.والأصوات ترتطم بعضها ببعض في فوضى عجيبة.وأشعر بأني أغوص في لجّة لاقرار لها..وأغوص...
وقبل أن يطبق اليمّ على صدري،ألمح الطفل الرضيع في زاويته المهملة.
كان،يرفس الهواء بقدميه غاضباً!.



#أمجد_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمنيات صغيرة
- إعتقال
- ثقافة-المرأة الفاضلة-
- الانتخابات العراقية..ونعمة النسيان !
- الرئيس بوش يقسم ويتعهد بنشر الحرية في كافة أرجاء الأرض...
- أمريكا،وخيارات الأنظمة العربية ومعارضاتها
- السؤال ؟؟ )
- هموم تربوية صغيرة !
- مرثية..لروح الشعب العربي
- حديث حدث !
- المرأة..في المنتديات والمواقع الالكترونية الاسلامية


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمجد الرفاعي - لغز الساعة الثالثة !!