أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - خوان إغناسيو كاستيين مائيسترو - إعتبارات بشأن القضية الوطنية في أفغانستان















المزيد.....


إعتبارات بشأن القضية الوطنية في أفغانستان


خوان إغناسيو كاستيين مائيسترو

الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 18:15
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


أفغانستان، و بكل تأكيد هو البلد الذي يعاني منذ أزيد من ثلاثة عقود من وضع داخلي مضطرب و مشؤوم. إلا أن حاضره الجد صعب لا يجب أن ينسينا في ماضيه التاريخي الرائع و الزاخر في كثير من الأحيان. وكما لا يجب أن ينسينا كذلك في التفكير في قدرته المستقبلية على مواجهة كل الصعوبات التي يعيشها وذلك إعتمادا على ثرواتها الطبيعية الهائلة و دورها الأساسي كدولة عبور بين المحيط الهندي والمناطق الداخلية من آسيا . علينا ألا ننسى كذلك و بصفة خاصة، أن أفغانستان كانت بالتأكيد دولة فقيرة ومتخلفة في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولكن عاشت منذ عقود مضت في سلام. كما أن هذه الدولة شهدت بطريقة أو بأخرى الكثير من عمليات التحديث على كافة المستويات. إلا أن هذا التحديث الواعد توقف بشكل مثير كما نعلم. لكن فقط الواقع يفند النتائج، و بالفعل يفند تلك الرؤية الباطلة و الخاطئة المنتشرة للأسف الشديد على نطاق واسع و التي تقلل من أهمية التاريخ الأفغاني و تجعل منه تاريخ تعاقب عليه العنف و الطائفية بشكل لا متناهي. على نفس المنوال، هذا الواقع يمكن له أن يكون بمثابة حافز للتحرك نحو مستقبل أفضل، و إستعادة السيطرة على الطريق المؤدي نحو التقدم المهجور حاليا.

إلى جانب هذه الإستنتاجات الأولية، و حسب تصوري الشخصي، أعتقد بوجود فكرة ذات أهمية حاسمة في الموضوع: حيث أنه رغم حالة الفوضى، الحروب الأهلية والنزاعات، التدخلات الأجنبية و وضع إقتصادي كارثي ، فإن أفغانستان صمدت، و لا تزال هناك دولة أفغانية رغم الضعف الذي قد تعاني منه ، لا تزال هناك ملايين من الناس تحمل الهوية الوطنية الأفغانية داخل وخارج أراضيها و تفتخر بها. هكذا، فإن الدولة و المجتمع الأفغانيين قد برهنوا إذن على قدرتهم في الصمود. القدرة التي يجب أخذها بعين الإعتبار و إستحضارها كرمز للتفائل بالمستقبل بعد أن ظهرت بالتكيف مع ظروف حياة صعبة ، و بالتالي فهي تعلمنا بأن بناء الدولة و الأمة الأفغانية كانتا أكثر نجاحا مما يعتقده الكثيرون. الشئ الذي يمكن إعتباره في آخر المطاف بمثابة تنبيه جيد بهذا الخصوص. هذه العملية كانت و بالتأكيد زاخرة بالأحداث رغم ضعف و جزئية نتائجها. إذن يمكن القول و بشكل مجازي بأن أفغانستان بقيت في منتصف الطريق. لكن و لهذا السبب بالتحديد، الدولة تكون قد قطعت شوطا طويلا في مسيرتها، و هذه النتائج الأولية يمكن أن تكون أساسا لإحراز المزيد من التقدم. لكن من المفيد، التفكير و لو لوهلة قصيرة بخصوص طبيعة البناء الوطني الأفغاني و الإشارة في البداية إلى حقيقة في غاية الأهمية، و هي أنه على عكس العديد من الدول في أفريقيا، آسيا و أوقيانوسيا، أفغانستان ليست منتوجا إستعماريا، حيث أن هذه الدولة لم تولد من رحم الإدارات الإستعمارية و منحت لها الإستقلال بعد ذلك، كما يحبذ الأفغانيون ذكره دائما و هو الشئ الذي يعتز به كل أفغاني. أفغانستان قاومت بنجاح محاولات الغزو و الإستعمار البريطاني والروسي. مما يجعلها تبدو الدولة الأقل إصطناعية مقارنة مع الكثير من دول العالم. آخذا بعين الإعتبار هذه الإصطناعية من مفهوم عدم تجذر الهويات و الثقافات المحلية.
المسألة الثانية، تعتبر أفغانستان من أقدم الدول في العالم و عمرها يتجاوز بكثير عمر كل دول أمريكا ، بل و حتى عمر العديد من دول أوربا، حيث أن نشأتها قد تعيدنا على أقل تقدير إلى تتويج "أحمد شاه دوراني" بالعرش سنة 1747. و بناءا على ذلك، فمعظم الأراضي التي تشكل أفغانستان إلى يومنا هذا كانت لعدة قرون خاضعة لنفس السلطلة على الرغم من ضعفها و عدم إستقراريتها. هذه الإستمرارية التاريخية هو إنجاز يستحق أن يسلط عليه الضوء. الشئ المؤكد هو أن الدولة الأفغانية الأولى كانت لديها بنية جد فضفاضة، حيث أنها كانت تتألف في الأساس من سلسلة من السلالات بزعامة مختلف أمراء الحرب وتجمعات قبائلية مجتمعة حول السلالة الحاكمة، مع غياب أمة أفغانية موحدة. لكن هذا ليس بالأمر الغريب حيث يمكن لنا الحديث بنفس الطريقة عن غياب الأمة الفرنسية أو الأمة الإسبانية في البداية.

و كما هو الحال بالنسبة للعديد من الدول التقليدية، التي تفتقد لوجود دولة وطنية سليمة الشكل، أفغانستان كانت تتمتع بوجود قاعدة إثنية (عرقية) خاصة، و بالتحديد إثنية الباشتون التي هيمنت و سيطرت على زمام الحكم في هذه الدولة الحديثة النشأة. فالأسرة الحاكمة كانت تنتمي إلى هذه الإثنية العرقية، كما هو الشأن بالنسبة لأغلبية الأنساب البارزة و التي تربطهم بها علاقة جيدة، مما يحتم على القسم الأكبر من كوادرها أن يكونوا أيضا من الباشتون. هذه الظروف كانت لها نتائج إيجابية و آخرى سلبية من أجل بناء دولة أكثر تماسكا. مما أدى بكل تأكيد إلى إقصاء إثنيات الغير باشتون، و بالتالي خلق إحساس قوي بالظلم لدى الكثير منهم. غير أنه، و في نفس الوقت منح تماسك أولي أكبر للدولة الناشئة ، بربطها بطريقة مميزة بمجموعة إثنية معينة، الشئ الذي جعل هذه الأخيره أكثر إلتزاما لمعالجة المشاكل التي تقف في طريق مستقبله. بدوره هذا الإلتزام إستفاد من تواجد هوية باشتونية جد مميزة، ترتكز بالأساس على منظمة عشائرية قوية. حيث أن الباشتون يرتكزون في تنظيماتهم على مجموعة من السلالات التي تأخذ شكلها الشمولي بشكل تدريجي، بداية من أصغر عشيرة إلى أكبر قبيلة مشكلين في النهاية أكبر سلف مشترك، و هو " القيس الرشيد". هكذا فالنظام القبلي مكن في نهاية الأمر من ظهور هويات جد واسعة و شاملة، و لم يشجع فقط عن المصالح الخاصة و العشائرية كمناقضات الوحدة و الإندماج الوطني، بل شجع أيضا مظاهر التعاون بين مجموعات و عشائر مختلفة و الشعور بعمق الهوية المشتركة . كما أن دولة أفغانستان الجديدة إعتمدت و بشكل كبير على المنظمات القبلية، و ذلك بإستخدامها في تعليم و تجنيد مساعديها و بالتالي إستعمالهم كوحدات للتسيير الإداري. في نهاية الأمر، هذه العلاقة الأولية بين إثنية معينة و بتنظيمها القبائلي المتطور أظهرت نتيجية عالية في تعزيز البوادر الأولى لقيام هذه الدولة الأفغانية. غير أن نفس هذه العلاقات ستؤدي على المدى البعيد إلى سلسلة من المشاكل التي يستمر تواجدها إلى غاية اليوم. إلى جانب هذه الخصوصيات الإثنية المختلفة، سينظاف إختلاف الخصوصيات القبلية الموجودة مسبقا، الشئ الذي يؤدي إلى عرقلة التقدم نحو بناء دولة و مجتمع أكثر إندماجا و حداثة. هكذا فإن كل عنصر إيجابي في البداية إنقلب إلى ضده مع مرور الزمن.
كما نعلم، فتحديث أفغانستان و بشكل حاسم إزداد حدة مع بداية عهد "عبد الرحمان الأول" ، أواخر القرن التاسع عشر. غير أن هذه الدولة الحديثة و لسوء الحظ عانت من بعض المشاكل الخطيرة، كما أنها عانت من نقص الموارد التمويلية، مما جعل الإعتماد في الأساس على المساعدات و دعم القوى الخارجية مقابل الإحتفاظ بنفوذها السياسي آداة في يد الدولة للحفاظ على بقائها حتى الحاضر.
إلى جانب المشكل الذي تمت الإشارة إليه في السابق، ينضاف و بطبيعة الحال المشكل المرتبط بالطبيعة الجغرافية للبلاد الشئ الذي يعرقل الإتصالات الداخلية و بالتالي عرقلة كل محاولة خلق سياسة مركزية لتسيير البلاد. إلى جانب هذه العراقيل، هناك عامل ثالث ، و هو الأمر الذي يجعل الإنتقال نحو إندماج داخلي أكبر بالأمر الجد معقد. و بالتالي فإن عدم التجتانس الإثني و القبلي الذي تعيشه أفغانستان أصبح عقبة واضحة ضد التوحيد الثقافي و الهوياتي الذي يتطلب بناء الدولة الوطنية التي تستمد مكامن قواها من المدرسة و التعليم، وسائل الإعلام و الأداء اليومي للإدارات العمومية التي ستفرض إستعمال قواعد و لغة مشتركة.

كان بالإمكان التنبؤ بأن بشتنة أفغانستان (Une pashtunisation de l´Afghanistan) سيكون بمثابة مشروع لإستعابة جميع سكان البلاد لهذا العنصر الباشتوني الجوهري الثابت، بحيث أن التباين الثقافي والهوية الثقافية الأولية كانت ستبدو جد ضعيفة. لكن إلى جانب ضعف الدولة، هذا الإحتمال يصطدم بعائق ثان جد مهم، حيث أنه إلى جانب " الباشتو "، لغة الباشتون، الفارسية و بفصيلتها "داري" تعتبر الآخرى لغة البلاد . و يتعلق الأمر هنا بلغة قديمة و عريقة ذات صلة بثقافة تمتاز بعلاقتها التاريخية الظاربة في القدم على مر القرون مع آسيا الوسطى، إنطلاقا من تركيا وصولا إلى الهند. ومن هذا المنطلق، لا سيما في حالة أفغانستان فإن هذه اللغة فقد لعبت دور جسر وصل ذات تاريخ غني بين البلدان والمناطق المجاورة. غير أن اللغة الباشتونية سوف لن تسمح لهذه الأمور بالإستمرار. هي مفارقة ناذرة في الواقع حيث أن لغة و ثقافة المجموعة المهيمنة سياسيا تكون غير تلك الأكثر نفاذا و عرقا. و بالتالي ليس بالشئ الغريب رؤية "اللغة الباشتونية و لغة داري" قد تعايشتا بشكل سلمي جنبا إلى جنب، أو رؤية قسم كبير من الأفغان يتحدثون بلغتين، حيث أن المتحدثون باللغة الفارسية قد عملوا على تطوير هوية غير الباشتونية أو الطاجيكية. و هكذا فإن الأقليات الآخرى مثل الأزباكية و الحزارى قد عملوا على تعلم اللغة و الثقافة الفارسية و بذلك التيجة النهائية كانت تعددية لغوية، ثقافية و هوياتية صعبة التدبير، لكن و بالطبع هي مفيدة للغاية لتعزيز الإتصالات مع الدول المجاورة.

لكن رغم كل هذا التنوع و الإختلاف أفغانستان تتمتع بهوية و ثقافة وطنية واحدة مميزة . الأمر الذي يتجلى في تواجد بعض الحقائق، مثل "البوشخازي" bushkhazi ، الرياضة التي ظهرت في الشمال و باتت حاليا رياضة وطنية. نفس الشئ يمكن قوله عندما نتكلم عن رقصة الأتان-ء- ميلي Attan-e-melli من أصل باشتوني و التي بدورها أصبحت رقصة وطنية. وينضاف إلى ذلك الإعتزاز بالماضي التاريخي المشترك للبلاد الذي يزخر بملاحم المجد التي نراها اليوم و خاصة عبر تركتها الأثرية الهائلة.
إلى جانب هذا كان التنوع العرقي، الذي يمكن وصفه بالأفقي، بإمكاننا إضافة عنصر آخر ذي طبيعة عمودية هذه المرة و هو الذي يجمع بين مختلف الشرائح الإجتماعية. مما يؤدي إلى وجود فجوة إجتماعية كبيرة كما هو الشأن بالنسبة للعديد من المجتمعات النامية ، حيث تواجد أقلية متحضرة تقطن المدن و هي الأكثر حداثة، و أغلبية ساحقة جد محافظة من سكان الريف و هي أكثر تقليدانية من الأولى. هذه الأقلية المتحضرة تكون أكثر إرتباطا بالدولة الجديدة، حيث يتم إستغلالها في ملئ المناصب الشاغرة في التسيير الإداري و الخدمات العسكرية أو المقاولات. لكن ضعف هذه الدولة يؤدي إلى ضعفها الخاص كأقلية. كما أن عزلة الدولة عن غالبية السكان يؤثر عليها بالسلب كذلك. هكذا فالأقليات التي تعيش في المدن تجد صعوبة كبيرة في تحملها مسؤولية التحديث، لنشر و تعميم عادات و أعراف جديدة بين سائر المواطنين للمساهمة في تظييق الفجوة الثقافية التي تفصل بينهما.

العديد من الوقائع في التاريخ الأفغاني تستمد مصادر تواجدها من العوائق الداخلية، حيث أن إنعدام أي إندماج داخلي سليم يجعل بعض الأقليات تحاول فرض مشاريعها الخاصة على كافة المجتمع مستعملة الدماء و النار. هي نفس الطريقة التي إشتغلت بها جماعات "خلق" و" بارشام" - خاصة الجماعة الأولى منها-، و كذا نسبة كبيرة من مكونات حركة المجاهدين، و حركة الطالبان الذتي يمكن ذكرها فوق كل إعتبار. وهكذا، رغم كل الإختلافات الموجودة بين الحركات الإجتماعية و بغض النظر عن إختلاف إديوليجاتها حيث الشيوعية الستالينية التي تكثر في المناطق الحظرية تواجه الأصولية الإسلامية وقواعدها الإجتماعية التي تكثر في المناطق القروية، فإنه في الأخير كل هذه الحركات تمتاز بعدم قدرتها على فهم جذري لمجتمعهم، بالإضافة إلى رغبتهم في إستعمال العنف لفرض حل مناسب لطموحاتهم معتقدين بأن الأمر سيكون بمثابة علاج عام لكل العلل التي يعاني منها المجتمع. البعض منهم يدافع على مشروع التحديث القسري، و البعض الآخر متشدد و محافظ معتبرا ظهوره بمثابة ردة فعل ضد التيار الأول، مبينين إذن أعراض الفجوة الإجتماعية و الثقافية التي تتفاقم في نفس الوقت. إنه بالطبع هو السبب و النتيجة في آن واحد لنفس المعظلة. بعد الكثير من المآسي، العديد من السكان واعون بالنتائج عند نشوء رغبة لدى أقلية ما بفرض أمر الواقع على باقي المجتمع، و نتيجة لهذا العنف المفرط فإن الأقلية التي تقطن المدن و أكثرها تنورا قد هلكت ودمرت ومعظم أعضائها فروا إلى الخارج، الشئ الذي جعل المجتمع الأفغاني يفقد زعامته، و هو في الأخير أحد أكبر مشاكل البلاد حسب رأينا. في المقابل، ربما قد يكون لهذه المأساة أثر إيجابي مباشر، حيث أن خروج العديد من المواطنين الأفغان إلى الخارج سيسمح لهم بالإطلاع أكثر على الثقافات الآخرى و إكتساب قدر هائل من المعرفة التقنية. هكذا فإن إستخدام هذا التكوين الإضافي في الإسهام في بناء و تنمية البلد في المستقبل القريب سيكون بمثابة الأمر الرائع . لكن لتحقيق هذا الهدف يتحتم على الدولة قبل كل شئ التغلب على إحدى معضلاتها العالقة، و ذلك بإرصاء أدنى شروط التوافق حول الدولة التي يراد بناءها، و تركيب ثقافية هوياتية مقبولة لدى غالبية السكان، الشئ الذي سيسمح بتعايش أحسن و بتعاون أكبر بين الجميع. تماشيا مع هذا الهدف يجب تصحيح التحيز المفرط لصالح لكل ماهو باشتوني حتى يتسنى للغير منتمين لهذه الإثنية بالإحساس بالراحة و الطمأنينة، و عليه يجب محاربة الخصوصيات الإثنية و تجنب التلوينات الإنفصالية.

تواجد أشخاص من جماعات عرقية مختلفة و على طول ربوع البلاد يؤدي بكل تأكيد إلى مجازر و تهجير قصري للسكان، وما التجارب الحديثة المعاشة في البلقان، القوقاز و الشرق الأوسط خير درس لنا. إلى جانب هذه الأمور يمكن القول بإن تقسيم أفغانستان سيزعزع إستقرار بلدان الجوار، حيث يتعلق الأمر بدول هشة كما هو الحال بالنسبة لدول الإتحاد السوفياتي السابق و باكستان التي تختلف عن أفغانستان نفسها، بإعتبارها مستعمرات سابقة و بتاريخ ليس بالعريق، تتكون من مجتمعات إثنية غير متجانسة حيث أن أغلبيتها هي ضحايا نزاعات قوية و كامنة. بالتالي وجب توخي الحذر، و الإنكباب و السعي لإنهاء المشاريع التي تم الخوض فيه بناءها و التي كلفت الكثير من المجهودات المادية و المعنوية. إنه من الضروري إستعادة مشروع بناء الدولة الأفغانية التي توقفت بشكل دراماتيكي في العقود الأخيرة. غير أن القيام بهذا العمل يتطلب إتخاذ منظور يراعي البرغماتية لمواجهة كل النزعات العرقية الغامضة. لذلك فالهدف يجب أن يكون جد متواضع حيث يتعلق الأمر بتحسين الوضعية المعيشية لملايين السكان، و في الآخير يمكن لنا الحديث عن القومية الموضوعية أو البراغماتية بدلا من القومية العرقية. هذا النوع من القومية لا ينفي تواجد الثقافات و الهويات الإثنية بقدر ما هو واع بالمخاطر التي تنطوي كل مشروع بناء وطني ينبني على خصوصياتها الإثنية. في المقابل تعزيز هذه الهوية يعني العيش داخل نفس الحدود و في بلد واحد، و إقتسام التاريخ الوطني و كذا بعض المكونات الثقافية. هذا يعني بصفة خاصة إقتسام مصالح مشتركة ناجمة عن الإنتماء إلى وطن واحد. غير أن هشاشة الدولة نفسها الناتجة عن غيابها من العديد من المواقع المحلية و إمتلاكها لإقتصاد وطني مفكك يؤدي إلى ضعف هذه المصالح المشتركة. وهكذا، فإن الإفتقار إلى تنسيق داخلي وإلى مؤسسات قوية يعرقلان تنمية هذه المصالح المشتركة. كل هذه المشاكل ليست مجرد تركة ماضي العصر الحديث، و ليست نتاج الحروب والفوضى التي عاشتها البلاد، رغم حدتها و بدرجة أكبر مع بروز ظاهرة العولمة.

ولجت أفغانستان دائرة الإقتصاد العالمي بأسلوب جد خاص، و ذلك عبر ممارسة تجارة المخدرات و الأسلحة بطريقة غير قانونية و على نطاق أوسع. مما لا شك فيه، فإن التفكك الداخلي للمجتمع الأفغاني أكسب هذه التجارة قوتها الحالية، لكن بمجرد تجذرها بالمجتمع إرتفعت و تيرة نتائجها الهدامة، حيث أن الفئات التي إهتمت بهذه التجارة تمكنت من جمع ثروات هائلة معتمدة عن العنف و الرشاوي جاعلة المجتمع و المؤسسات العامة تحت السيطرة. مما أدى في النهاية إلى ضعف أكبر للدولة و زيادة هائلة في الفوارق الإجتماعية و التقسيمات الإقليمية للبلاد.
رغم كل هذه المشاكل و العراقيل و بالنظر إلى الأحداث التي وقعت في العديد من دول أمريكا اللاتينية و أفريقيا لا يمكن إعتبار القضية الأفغانية بالشئ الوحيد المرعب الذي عايشه العالم. إلا أن تفاقم المشكلة كان سببه تركيبة هذا التقسيم الموزع بين مختلف مراكز القوى المحلية والخصوصيات العرقية المختلفة، وكذا بين مراكز السلطة هذه، والقوى الأجنبية المختلفة. في نفس هذا السياق، فإن هذه الثروات الطبيعية الجديدة التي يزخر بها البلاد يمكن إستخدامها من طرف مختلف أمراء الحرب لتعزيز أكبر لقدراتهم و من أجل تجزيئ أكبر للبلاد، كل هذا يحدث بتعاون مع القوات الأجنبية. و ما مأساة جمهورية الكونغو الديموقراطية إلا تحذير خطير في هذا الصدد لأخذ العبرة. بإختصار شديد، نحن في مواجهة سلسلة من الحلقات المفرغة، حيث ضعف الدولة والمجتمع الذي يؤدي إلى نشوء عوامل إختلاف جديدة و متنوعة تزيد من ضعفهما، و هو الشئ الذي يشجع بدوره على ظهور تيارات إنقسام جديدة. بالتالي يصبح من الأهمية بمكان تعزيز التيارات التي تتبنى الفكر المركزي. الشئ الذي يبدو تحقيقه صعبا للغاية دون دعم خارجي. لكن حبذا لو أنجز هذا التعاون الدولي بطريقة أكثر فعالية مقارنة على ما أنجز عليه في الماضي. في نفس الوقت تجدر الإشارة إلى أن الإستراتيجية الوحيدة الناجعة هو العمل الشاق و الموجه من المنظور الموضوعي و البارغماتي الذي أشرنا إليه في السابق من أجل تعزيز تنظيم المجتمع قصد النظال من أجل مصالحهم اليومية. غير أن هذا العمل يجب أن لا يستند على المصالح المشتركة الضعيفة و إنما على توقع تحسين الوضعية الجماعية على المدى البعيد. هكذا فإن تعزيز بناء الدولة الوطنية هو السبيل الوحيد لتحسين وضعية السكان.

هكذا فعندما كانت الدولة الأفغانية قوية بإقتصاد أكثر وضوحا، كان معظم السكان يعيشون أحسن من ما هو عليه الأمر حاليا. بل أكثر من هذا، يمكن الإفتراض و بشكل منطقي بأن الوضعية كانت ستتحسن أكثر في المستقبل بالرغم من العراقيل و الصعوبات التي كانت قائمة في تلك الفترة أيضا. و عليه فمن المنطقي أيضا القول بأن تحقيق بناء الدولة سيمكن من تحسين الوضع الإجتماعي. إنها الإستراتيجية الوحيدة التي تستحق المراهنة عليها.



#خوان_إغناسيو_كاستيين_مائيسترو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - خوان إغناسيو كاستيين مائيسترو - إعتبارات بشأن القضية الوطنية في أفغانستان