أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - رضوان الدريدي - نقطة -إسقاط- نظام















المزيد.....


نقطة -إسقاط- نظام


رضوان الدريدي

الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 02:43
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


ألهتكم الأحزاب حتى ستزورون الزنازن و المقابر..
ألهتكم الإنتخابات و الصناديق و الكراسي حتى صرتم شعوبا و قبائل و طوائف و شيعا و أتباعا..
صرخت كرامتكم في عروقكم فخرجتم لها ناصرين .. رموكم بالرصاص، ضربوكم، عذبوكم، و لكنكم واصلتم نحو الصنم .. هدمتوه .. دمرتوه .. جعلتم من ثورتكم آية تضرب في الأرض لكل الثائرين .. ثم و كأن لعنة أصابتكم فاتخذتم من لدنكم أصناما تعبدوها و قلتم على كثرة الأصنام تتنافس فيما بينها .. نسيتم أنكم من صنعها و من وضعها و من نصبها و من زينها .. فهي لا شيء دونكم و أنتم أحرار من دونها عبيد بها .. هدمتم الصنم و لم تهدموا المعبد، خلعتم السجان و أبقيتم على السجن.

لــكــم ثــورتــكــم .. و لــنــا ثــورتــنــا.

ففي عباب الثورة ثورات .. من يحارب الطاغية .. من يحارب الطغيان .. و من يحارب من أجل طاغية جديد و طغيان آخر
و لا يغرنك أن عدو حريتك اليوم حارب البارحة في صفك، فما كل عبد تمرد على سيد، تمرد من أجل الحرية
عبيد نحن لا نثور ضد السيد فقط بل ضد العبودية.
عبيد .. لكن أحرار.

عبيد ثارت على تراكمات قرون من السبي و الرق .. عبيد كسرت أغلالا و قيودا صنعها بن علي و آل بن علي، و من قبله بورقيبة و آل بورقيبة و إستعمار و إحتلال و إقطاع و ملح منثور على الهضاب و هكذا منذ بدء البدء و قبل جلد الثور و بعده.

لــكــم ثــورتــكــم .. و لــنــا ثــورتــنــا

فشتان بين من يثور على الكراسي يكسرها و من يثور يغيرها، و ألف شتان بين من يثور ضد السلطة و من يثور من أجلها.

السلطة .. و ما أدراك مالسلطة .. السلطة لا تقف عند بن علي و التجمع و جنودهما .. السلطة ليست حاكما آدميا، هي منظومة كاملة.
السلطة نظرة عمودية للأشياء، فوقي و تحتي، آمر و مأمور، راع و رعية، و رب البيت و شيخ القبيلة و قف للمعلم و وفه التبجيلا .. و إمام المسجد و قائد الجيش و قاضي القضاة، و دشن على بركة الله و كبار المسؤولين تباعا حتى المجاهد الأكبر و الرئيس المؤمن و الزعيم المفدى و بالروح بالدم نفديك يا أعظم جلاد عرفته ظهورنا.
السلطة إنعكاس الإله في الأرض، هرم وهمي نبنيه بأعيننا و من ثم ننصب عليه فرعونا يكون خليفة الإله في الأرض، و الثورة الحق لا تكون ضد فرعون فحسب بل ضد الهرم الذي بنينا، نهدمه لنبني بحجارته بيوتنا و مدارسنا و مصانعنا و مجالسنا.


في عباب الثورة ثورات:
17 ديسمبر 2010: تغير ما بأنفسنا .. إنتفاضة العبيد .. خرجت الرعية على راعيها .. كفرت الصعاليك بآلهتها .. صارعت جيوشه .. تحدت رصاصه .. أرادت الحياة فكسرت قيدا و خوفا و جدار صمت.

14 جانفي 2011: تغير ما في البلاط .. غرق فرعون و هامان، زال السيد و إن لم تزل بعد العبودية، هذا التاريخ لا يهمنا في الحقيقة في شيء، فهو مجرد جزئية في مسارنا، يهمنا أننا ثرنا، و التاريخ يكتبه المنتصرون، لو كنا حقا إنتصرنا لسميناها ثورة 17 ديسمبر تاريخ ثورتنا و تغييرنا، و لكن أطلعني عن التاريخ كيف يكتب و سأقول لك من المنتصر .. 14 جانفي، ذاك ما علق بذهن المنتصر الحالي ـ يوم لحق التغيير بلاطه.

27 فيفري 2011: تحولت إنتفاضة العبيد إلى ثورة بين 13 جانفي و 27 فيفري، فالمتارس و الصدور العارية و إهرياق الدماء في سبيل الكرامة ليس أمرا جديدا بأرضنا و لا هذه أول مرة يستشهد فيها التونسي من أجل حلم أو فكرة بنيران السلطان. نحن من ثار ضد الإستعمار الفرنسي و الإحتلال الإسباني و العثماني و الروماني و البيزنطي و العربي .. نحن الفلاقة و الخبز و 1978.
و إن كنا نجهل ذاك التاريخ فلأننا لم ننتصر حتى نكتبه، فقد فسخوا منه أسماءنا و بطولاتنا و معاركنا و نسبوا إليهم إنتصاراتنا .. كذلك قالوا أن فرعون بنى الأهرام بينما بنتها الآلاف من السواعد الفقيرة و فرعون يشاهدهم من النافذة و هو الذي لم يرفع حجرا بحياته
تاريخنا ثورات و إنتفاضات، جديدها كان في مساء 13 جانفي، بعيد خطاب بن علي الثالث، حيث لوح لنا بين طيات كلامه بعرض تقليدي من وصفات الحكام، قال أنه قبل بأن لا تمديد و لا توريث، قبل الرحيل على أن يكمل مدة حكمه، و يعلن عن تشكيل حكومة تضم المعارضة، و قد دعا منها من وافق. هذا أخف الضررين يسوقه إلينا، تغيير النظام تدريجيا لتفادي المرور بفترة الفراغ .. إما ذا و إما الطوفان.

تحولت الإنتفاضة إلى ثورة عندما خاطر الشعب و لعب الفراغ، و إنساق في تهديم السلطة و آلياتها و مؤسساتها.
لم نخف الفراغ .. فراغ كرسي الحكم .. و الفراغ الدستوري .. و فراغ السلطة و الحزب الحاكم .. و فراغ الشوارع من الأمن.
بين عرض بن علي و الطوفان إختار الشعب الطوفان .. و ياله من طوفان:
14 جانفي ـ الطوافان الأول:
عشرات الآلاف أمام وزارة الداخلية، مئات الآلاف في المدن و القرى يحرقون أوكار النظام من شعب و مراكز شرطة و حرس و كلهم بصوت ثائر واحد: "و بن علي لا".
27 فيفري ـ الطوافان الأخير:
في القصبة و في باقي الساحات، الشعب يريد إسقاط النظام ... الشعب يريد الفراغ.

و بين الطوفان الأول و الأخير غابت الدولة، بل تلاشى مسحوق تجميلها و بانت على حق وجهها، سقط القناع و رأيناها مجنزرة عظيمة، تسحق كل من يعترضها، إختزلتها ميليشيات بالزي الرسمي تدافع عن هيبتها و مصلحتها ضد إرادة الشعب.


تآكلت أعمدة معبد السلطة فعوضناها خير تعويض، تنظمنا و نظمنا لجانا شعبية و عمال نظافة و جمعنا الأموال و كنسنا الشوارع و حمينا المحلات و سخرنا وقتنا و ملكنا و سياراتنا و هواتفنا في خدمتنا جميعا، في خدمة الشأن العام.
وقفت الشرطة في معابرنا تستظهر بوثائقها لتمر .. إنقلبت الأدوار و إستعدنا كرامتنا.

عادت السيادة للشعب. نجحنا لبرهة في الإستغناء عن الدولة و من وراءها السلطة.
تلك هي الديمقراطية، السيادة للشعب. و كل ما عارضها من شوائب مغفور فنصفه غبار حطام إنهيار المعبد و النصف الآخر لخبرة تنقصنا و آليات نجهلها.

بدأ الإنسان الحر المسؤول فينا يستيقظ، بدأنا بتعويض الدولة بالفطرة، قتلنا الأب و سلطته و نزعنا جلبابه، قالوا ثورة بلا قيادة، قلنا كلنا لها قيادة فنحن لسنا بقصر و لا ينقصنا عقل و لا ساعد.
بدل أن نواصل في نهجنا ذاك، نطوره و نتعلم من أخطائنا، هرعنا و إضطربنا و ذعرنا، خفنا من الفراغ، و لم تدم حريتنا المسؤولة أكثر من شهر و نصف.
بحثنا في بعضنا عن قائد، أو قل قيادات فالزمن للتعدد، فجئنا بجيل الثمانينات و التسعينات و ألقينا له بوزرنا و قلناله: خفنا من الحرية فكن أنت ربنا و نحن سنكون لك ساجدين، فصرنا كمثل إبراهيم يبحث كل مرة ربه في الكواكب و القمر و الشمس و كلها آفلة.

في 13 جانفي إنقسم جيل الآباء إلى خائف من الفراغ هرول الى فرعون الغارق في البحر بعد أن شققناه ليلقي له بطوق النجاة متعللين بأنهم تحملوا مسؤوليتهم التاريخية لإنقاذ البلاد من الطوفان ، طوفاننا .. و بين من تأبط صبرا للفراغ عله يجد فيه ضالته و نصيبه، فبعد كل عاصفة صمت و هدوء و بعد كل ثورة حكم جديد.


جئنا نحن الأحرار بمن فشل في ما نجحنا ، و نظمنا له مهرجانا إنتخابيا لتوزيع الكراسي حسب رغبات الجماهير.
صفقنا و دافعنا و هاجمنا و تلونا و وزعنا و وقفنا في الصف بإنتظام و سمع و طاعة نختار في محلاتهم من بين سلعتهم القديمة.

كنا في الديمقراطية الحق فرفضناها و خرجنا منها مقيدين بسلاسل الخوف إلى شبه ديمقراطية تمثيلية بكل معاني كلمة التمثيلية ... عاقبنا أنفسنا و أعدنا عقارب الساعة من 27 فيفري إلى 16 ديسمبر و عدنا بأنفسنا إلى ما قبل الثورة، بصراعات ما قبل الثورة.

تفطن كعنة المعبد لإضطرابنا و كانت آثار الدمار عليه كبيرة، فهرولوا إلى المهندس الأعظم للمعابد السلطوية الباجي قايد السبسي و هو أحد مهندسي المعبد الأوائل و مهندس معابد بالوراثة ساهم آبائه و أجداده في بناء قصور جلادينا منذ قرون.

إنكب الشيخ الباجي على جثة الأب يحيي رميم عظامه، خرج علينا ببعض الطلاميس و الكلام القديم و الحركات المشبوهة ...



المشهد الثالث: القصر المخفي ـ ليل ـ بعيد هروب بن علي:

الشارع في الشارع ، الحرية طوفان، الغضب بركان و النظام ينظر من الشرفة:

ـ مالعمل؟
ـ إقمعوهم
ـ لم يجدي
ـ ماذا يريدون؟
ـ كلام غريب: شغل حرية كرامة وطنية
ـ ما هذا الهراء؟ من علمهم هذا الكلام؟
ـ لا أدري سيدي .. إنهم يقتربون من القصر .. مالعمل؟
ـ أرسل لهم رسولا، قل له أن يفهمهم الآتي، أولا أننا نبارك تحركهم و نعتبرهم من الآن فصاعدا من أمثالنا، و نوافق على إقتسام ما نملك من سلطة و مال، نوافق على أن يشاركونا حريتنا و يقتسمون كرامتنا، صفق لهم في الكونغرس، حييهم في الأمم المتحدة، إرفع راياتهم و إستشهد بهم. ثم نظموا لهم مهرجانا، عرسا ديمقراطيا .. أوقفوهم في صفوف كالخرفان في الطريق إلى المذبحة .. فان إستجابوا نكون نجحنا!
ـ و لكنهم لن يصدقونا! كيف يصدقون من قتلهم و إستعبدهم؟ كيف يصدقون من أفسد في الأرض و سفك الدماء؟ كيف يأتمنون من ثاروا ضده؟ لن يهدأوا!
ـ بل سيهدأوا .. هم ليسوا جنسا واحدا أو قالبا واحدا .. فيهم أناس كثيرون يعبدون السلطة مثلنا، ضحوا من أجلها سنين، دفعوا الكثير من أجل الجلوس على الكرسي .. هذا الكرسي الذي أمامك و الذي أصبح شاغرا الآن .. أولئك حلفاؤنا و إن كانوا يجهلون .. سيكلموهم هم .. سيخاطبوهم بكلام معسول .. سيقنعوهم هم بالرجوع و التراجع .. سيخدمون مصالحنا دون أن ننبس بكلمة .. أولئك حلفاؤنا .. قل لهم لقد شغر الكرسي، و أننا سننظم مسابقة لمن سيفوز به و يعوض "بن علي" .. طبعا لن يفوز بالكرسي إلا "بن علي" جديد واحد .. و نحن من هنا سنراهم يتناحرون و يتقاتلون و يجرون الثورة الطاهرة إلى ماخور السياسة! أنا متفائل!
ـ ولكن عند فوز أحدهم بالكرسي سينقلب عليه باقي المتنافسين!
ـ لا لا تخشى ذلك .. إسمها التداول على الكرسي .. كل سيجلس عليه قليلا من الزمن فحسب .. ذلك الأمل في إعتلاءه هو الذي سيجعلهم هادئين و سيمتص غضبهم .. لا يوجد سم أقوى من الأمل .. سيملأون البلاط و يعمرون القصور .. سيأتوا كل صباح لتفقد الكرسي و للوقوف على جماله في إنتظار الدورة القادمة .. بل سيكونون رغم اختلافاتهم و تنافسهم متضامنين ضد الثورة .. سيفتحون صدورهم لغضب الشارع لحماية الكرسي أو قل الأمل في إعتلاء الكرسي!
ـ طيب و لكن في تلك الحالة باقي الشعب لن يقتنع و لن يرضى .. سيبقون خارج البلاط .. سيكتشفون و هم خارج القصر و مغناطيسه أننا مازلنا نحكمهم و أن دار "بن علي" ستبقى على حالها!
ـ لا تخف .. أولا سنشاركهم في اللعبة بحيث سيذهبون هم بأنفسهم لإختيار صاحب العرش الجديد .. سيصبحون بذلك متواطئين في الجريمة .. جريمة استعبادهم .. سننظم فرقا للمتنافسين نسميها أحزابا .. تمتص الغضب .. تجول البلاد لتخطب فيهم و تلقنهم محاسن الصندوق و الكرسي .. لا تخف حلفاونا لن يتركوننا لوحدنا!


هذه النخبة السياسية ليست من إفرازات الثورة، هي نخبة قديمة كأفكارها، منظومتها الفكرية قديمة، صراعاتها لا تعنينا، فنحن تجاوزناها بالثورة ..كل مشاريعها تمر من القصور .. خيالها سلطوي و في أحلامها كرسي و بلاط و صولجان .. جئنا في خضم ثورة بنخبة لم تؤمن إلا بفكرتين: الإصلاح و الإنقلاب

نخبة مخصية عاقر عاجزة فاشلة جثة مرمية على طريق التاريخ .. نخبة ثرثارة ديوثة جبانة ضعيفة هزيلة مريضة عمياء .. نخبة للبيع للشراء .. نخبة رد فعل لنظام فاعل بالفحشاء ..
السلطة التجمعية القمعية هي التي شكلت هذه النخبة و قولبتها بطبعها كما بممارساتها .. هذه النخبة هي نتيجة تفاعلها مع السلطة .. النظام هو الذي صقلها .. هو الذي علمها أن تقول له أفا و لا و كلا .. النخبة السياسية في تونس إستمدت وجودها، و لعقود، من معارضة النظام .. معارضة عقيمة تشكلت فيها و حولها و لها .. في السلطة حققت ذاتها و دونها لا معنى لها .. وجود هذه النخبة كان مقترنا بوجود النظام الذي تكونت على معارضته، فيوم تهاوى النظام، هرولت لنجدته ففي موته موتها و في حياته حياتها ..
سترى كيف مازالت تبرر به تصرفاتها .. ستراه يحيى في كلامها و ممارساتها هي الآن .. هذه النخبة من ذاك النظام .. هذه النخبة هي جزء من النظام.

سلمناهم السلطة التي هدمنا .. فرمموها كل على ذوقه .. عادوا إلينا بأمراضهم و عللهم و صراعاتهم القديمة.

سلمناهم الثورة التي نملك .. سلمناهم الطريق إلى الكرامة .. سلمناهم أرواح الشهداء .. و الأمل في الحياة .. سلمناهم ثورة عظيمة .. فباعوها في سوق النخاسة مقابل بضع كراسي.

هنا يكمن التناقض ، بين جماهير ضحت بكل شيء من أجل هدم السلطة و طبقة سياسية ضحت بكل شيء من أجل الحصول على السلطة.


لم يكن بن علي صاحب الضيعة بل كان حارسها .. حارس يضمن لمشغليه شعبا مقموعا يشتغل بأبخس الرواتب في المستوطنات الصناعية الفرنسية و الألمانية و الإيطالية في الشرقية و جبل الجلود حيث تمنع القوانين من الدخول من الحاجز الحديدي لتترك المجال لقانون الغاب في داخل المستوطنات، قانون الثري على الفقير و الأجنبي على المحلي .. حارس يضمن لمشغليه شعبا معزولا عن نضالات رفاقه في فلسطين و العراق و الأحواز و غيرها من الأراضي العربية الواقعة تحت وطأة البساطير و نار المدافع .. حارس يضمن لمشغليه شعبا مجهلا مفقرا منكسا مقموعا مسجونا مقتولا
بن علي كان مجرد سجان يشتغل في سجن بنته الرأسمالية العالمية بالتحالف مع البرجوازية المحلية .. أن تطرد السجان فأنت لم تتحرر من السجن .. أن تطرد السجان و تختار أنت بنفسك من يحل محله فهذا لا يجعل منك إنسانا حرا .. حرية التعبير و الرأي لا تعني شيئا ما دمت سجينا و ما دمت مقيد الحركة .. الهروب من السجن إلى سجن آخر إسمه لمبادوزا أو الموت غرقا في الطريق لا يجعلك حرا .. للحرية طريق واحد يمر أولا بطرد السجان و هذا ما قد فعلناه .. ثم هدم و حرق مكتب السجان و أبراج المراقبة (السلطة) و هذا ما شرعنا فيه .. ثم لا بد من هدم السجن بأكمله بأسواره بمشربه بساحته بجدرانه (الدولة) و هذا ما وقفنا دونه .. مادام السجن قائما فصاحب السجن سيلتف على ثورتك و سيجد طريقا لتعيين سجان جديد، سيتعلل بتحسين مشرب السجن لتحسين شروط عبوديتك فإن قبلت سيستغل ذلك لترميم مكتب السجان و أبراج المراقبة و أدوات التعذيب و القمع .. سيقول لك ها قد إنتصرت إختر الآن من لدنك سجانا ليجلدك حسب برنامج إنتخابي متفق عليه .. حرية التعبير داخل السجن ليست إلا حرية الصراخ عند التعذيب .. إهدم و لا تخف فكما بنيت ستبني و لكن هذه المرة بدل السجن إبني حديقة تعلم فيها الأزهار جمال ثورتك .. إهدم و لا تخف!


و بذلك فإن الوقوف في نصف الطريق زاد من قوة النظام بدلا من إضعافه، فبعد إسترداد النفس و ترميم القليل الذي هدم، تسلح النظام بدروع جديدة كصندوق الإقتراع و الشرعية و التعددية، كما تعلم النظام من أخطائه و سد ثغراته و حسن من دفاعاته، بينما وقف قطار الثورة و تعطلت عجلاته و دخله الشك و الريبة و إضطرب مساره و تداخلت أوراقه.


بعد رحيل بن علي، إحتكرت النخبة السياسية تعريف الثورة و ما قبلها و ما بعدها، ففرضت على الشعب تجربتها هي مع النظام، و تم تلخيص إجرام النظام في منع الحريات السياسية و هو ما عانته هي من النظام .. أي أن نظام بن علي أصبح مجرما في حرمانه لذوي الطموحات السياسية الحزبية من الحق في التحزب و الإجتماع و التعبير عن الرأي و كذلك منعه لهذه الفئة من المنافسة على سدة الحكم .. لخصت هذه النخبة حرمان الشعب في حرمانها هي من حكم الشعب .. حددت لنا برنامجا نابعا من خيالها السياسي الضيق: مواصلة نظام "بن علي" بدون فساد و لا إستبداد .. و بذلك حولت الثورة الى حركة إصلاحية من داخل النظام هدفها الإبقاء عليه .. فسرت الديمقراطية كما شاءت: إختلفت فيما بينها حول التعريف، فجزء منها لخص الديمقراطية في التعددية و ما هي إلا تعدد للأسياد، و جزء آخر إختزلها في حكم الأغلبية بينما هي حماية الأقلية، و جزء أخير فسرها بالسيادة للأحزاب و خلع الشعب عن سيادته .. الديمقراطية هي السيادة للشعب، و لا سيادة دون حرية، و لا حرية دون مساواة.

يـســألـونـك عـن الـثــورة أيــــان مرســــاهـــا!

قل عندما نكفر بالسلطة و الدولة و المناصب و الكراسي و المال.

أنظر مليا إلى السلطة .. لا تخفض عينيك .. إبصق عليها .. ثم أسكب عليها غضبك و أوقد فيها النار .. ثر .. كما إفتكوا منك الثورة إفتك منهم السلطة .. ثر .. فالشارع أمامكم و وراءكم و من حولكم .. لا مفر ..
ثر .. و لا تجعل عليك وصيا و لا قواما .. إبني طريقك مشيا نحو حريتك .. و جرب و أخطئ و تعلم .. و إبني حقيقتك بنفسك و دمر السلطة أينما تراءت لك و أغرتك .. حتى لو نصبتك أنت الملك و السلطان .. فمن دون سلطة يستحيل الطغيان.
ثر .. على القديم على الموت على اليأس ثر .. على أحزابهم و ألوانهم و أقوالهم ثر .. حدد أنت الطريق و الوجهة، فمن سار معك فله الثورة و من سار ضدك أو غير المسار أو هدأك أو ألهاك عن معركتك .. فقد نصب نفسه بنفسه عدوا لحريتك.

و إحذر .. إحذر التجار .. تجار الثورة و تجار القضية و تجار الديمقراطية و تجار الدين و تجار دماء الشهداء و تجار الوطنية .. كثيرون هم يريدون بيعك و شراءك فكن كالحياة وكالحرية بلا ثمن.

كلا إن الانسان ليطغى ـ أن رآه استغنى .. كن مع الفقراء و الضعفاء و لا تنصر ظالما و لا مستبدا .. لا تنصر جلادا على ضحية .. و لا سيفا على دما .. و لا مالا على جوع .. فلا معنى للحرية إلا بحرية الضعفاء.

كل الثروات التي ترى هي ثرواتك .. بنيتها و أمثالك بساعدك .. كل الشوارع أنت رصفتها .. و الجدران أنت عليتها .. بما في ذلك جدران زنزانتك .. كل الأموال أنت و ملايين الفقراء كسبتها .. كل الحرية كانت عندك .. كل النعم كانت نعمتك .. هم إفتكوا منك كل شيء، ثم سنوا القوانين و ألبسوا حراسهم أزياءا رسمية، و بنوا الدولة، ثم صنعوا الأسماء كلها و علموك إياها: إسلامي وشيوعي و علماني و سلفي و نسيت من أنت في الحقيقة: أنت الحر و الحرية.

ليت ثورتي ثورة صعاليك .. ثورة تمرد .. ثورة صماء كبيرة متكبرة .. لا من يشتريها و لا من يروضها .. ثورة لا تقبل المساومة .. مقاومة .. ثورة وحشية .. عنترية .. لا تخاف الحرية .. ليت ثورتي ثورة أحرار.




#رضوان_الدريدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - رضوان الدريدي - نقطة -إسقاط- نظام