أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم الدين الدرعي - مجموعة مدرسة تونس: تونسة للفن التشكيلي















المزيد.....

مجموعة مدرسة تونس: تونسة للفن التشكيلي


نجم الدين الدرعي

الحوار المتمدن-العدد: 4030 - 2013 / 3 / 13 - 16:23
المحور: الادب والفن
    





يظهر لكل متأمل ومتتبع لتتطورات الفن التشكيلي العربي ، ان نقطة الانطلاقه الحقيقية للتجديد ومعاصرة اشكالياته وتقنياته بدأت نتيجة العديد من التأثيرات الموضوعية، والثقافية، الداخلية والأجنبية. اذ مثلت فترة بداية التسعينات فترة تاريخية تميزت بأكثر المراحل نشاطا وازدحاما بالمتغيرات في بنية الممارسات التشكيلية العربية المعاصرة وبأساس التجارب الفنية التونسية المعاصرة.
إذ أن هذه التجارب عملت في مواضيعها على البحث في مسألة تكريس هوية قومية، وطنية، عربية، وهي المسألة التي شغلت جل المثقفين والمفكرين العرب منذ قرن الماضي، ومثلت إحدى أهم اركانها من نداءات الاستقلال والحرية بالتخلص من سيطرة الاستعمار، لكن هذا لا يقتصر على الجانب السياسي فقط، بل إنه شمل ايضا محاولة التخلص من التبعية التي فرضتها النظم المستعمرة على الشعوب العربية سواء كان ذلك في تونس، الجزائر، ليبيا، مصر... وفي كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وكانت الفنون التشكيلية احد هذه الجوانب بمفهومها الشامل. فقد اتخذت حركة الفن التشكيلي في تونس في مراحلها الاولى بكل متغيرات الغرب وحسب قواعده وضوابطه الحضارية. الا ان ما يقال عن مراحل تطور سابقة بعد الثورة العربية، وبداية الحكم الوطني في بعض البلدان العربية، اي فترة ما بين الحربين، لم تكن في الحقيقة الا مرحلة احياء للتراث وتكريس للأصالة الذي تكتنز بها هذه البلاد التي امتلكت ارثا كبيرا، فتح آفاقا امام الفنانين المحليين وحتى الغربيين من خلال عراقة تمتد اصولها الى حضارات وديانات طبعت هذه المنطقة بهذا القدر . فقد ارتبط الحقل التشكيلي في تونس في القرن الماضي ارتباطا جليا لا لبس فيه ألا وهو مسألة الهوية، ومثل التراث له ينبوعا فنيا سعى إليه رواد الفن في تونس ومن عاصرهم إلى الاستلهام منه، والوصول إلى جعله إشكالا يتطلب الإجابة والبحث حوله، وخاصة منذ نشأة مدرسة تونس الفنية سنة 1949 وانبثاق اشكالها المتمثل في كيفية انجاز رسم تونسي مدفوعا بغاية إبراز الهوية واثباتها من خلال الاشتغال على الموروث الوطني.
وقد كان عمار فرحات وزبير التركي باعتبارهما نماذج مهمة من الفنانين التونسين المنتمين إلى مدرسة تونس والمشتغلين على اشكال الهوية من خلال البحث عن انجاز رسم ذا هوية وطنية، تونسية.
إلا أنه من الضروري لنا التساؤل عن الطبيعة هذا المفهوم أو هذه المسألة التي أرقت المفكر والفنان العربي بصفة عامة، هل كانوا فعلا بصدد البحث عن هوية العمل الفني وهوية الفنان أم أنهم كانوا يرمون إلى التعبير عن هوية أخرى ليس لها علاقة بهذا؟ فبحسب ما تبديه التشكيلات التي أنجزوها ومن خلال مواقف الفنانين ذواتهم، ومن ضمن ايضا الإشكال المتبني، نلاحظ غيابا واضحا للتساؤل التشكيلي الذي يبدو وأنه لم يكن من دواعي اهتماماتهم ولم يمثل مبحثا أساسيا لهم، بقدر ما مثلته الهوية الإثنية من مهم بالنسبة إليهم، وليتجاوز الفنان صيغة المفرد من خلال تجاوز التعبير عن "الأنا" نحو التعبير بصيغة الجمع عن "النحن" وهو ما يجعلنا نقر بنزوع الفن والفنان نحو الإثنية والتعبير عن المجموعة المنتمية إليها من خلال إنجاز فن قومي يكرس الاعتزاز بالهوية والانتماء من خلال إقحام كل ماهو علاماتي مشير إلى قومية الفنان وقوميته داخل الحدود الجغرافية قبل حدود اللوحة ذاتها، وكل ذلك كان يتم مثل الأعمال الأدبية والمسرحية والتشكيلية أي ضمن علاقة نابذة أساسها سؤالي الأصالة والمعاصرة.
جل الفنانين التونسيين إبان القرن الماضي كانوا يبحثون عن الاتيان بأعمال فنية أصيلة تعبر عن أصالة الفنان وهويته ومتساوقة مع روح العصر، وذلك بالإنكباب على تصوير مظاهر الحياة اليومية لأغلب فئات المجتمع التونسي بعاداتها، تقاليدها، مأكلها، ملبسها وكل نشاطاتها وهو ما جعل أعمالهم تنزع نزوعا نحو الإثنية ومن ثمة نحو انجاز فن قومي، وطني يعبر عن المجموعة. وهذا ما نستشفه تماما وعلى سبيل المثال في أعمال الفنان زبير التركي وعمار فرحات التي مثلت تشكيلاتهم الفنية عبارة عن أثنوغرافيا  تمثل الشعب بفئاته وانتماءاته المختلفة ومظاهر حياته المتنوعة موضوعا، حيث يطرح فيها شعبه الذي "يبدو هنا وكأنه أداة الأشياء الكبرى جميعا فهو في مجال السياسة أداة التقدم وبطل الحرية والعدل وفي الفنون الجميلة أصل العبقرية المبدعة" . وهو ما يمكن أن نتبينه من خلال قراءتنا لبعض الأعمال التشكيلية لنماذج وممارسات تنتمي لمدرسة تونس.



الزبير التركي"العروسة"

أنجزت لوحة "العروسة" للفنان زبير التركي قبل سنة 1962 وهي تمثل نموذج عن العروس البلديَة التقليدية تكتسي لباسا تقليديا مطرزا "بموتيفات" شرقية تعود إلى ما قبل النصف الأول من القرن العشرين، تجلس في إطار مكاني شرقي تبرز ملامحه من خلال المعمار الذي يختزل في قوس في خلفية اللوحة، هذا إضافة إلى مؤثثاته كالزربية والأريكة المزخرفة.

وقد أنجز الفنان هذا العمل بالاعتماد الحبر على الورق وهي التقنية التي عرف بها الفنان زبير التركي، حيث أن الخط يكون هو العنصر الأساسي المشكل للوحة، إذ يتراوح العمل كله بين سواد الحبر وبياض المحمل، اعتمده الفنان قصد نقل صورة من صور الأصالة في مجتمعه ألا وهي صورة العروس التي تمثل المركز البصري للوحة سواء كان ذلك من حيث البناء أو من حيث المضمون. أحاطها "زبير التركي" بكثير من الفراغ وفي صيغة تناظرية واضحة ومنوعا في الخطوط البنائية للوحة بين المائلة والأفقية والعمودية والمنحنية والتي كان لها إسهاما في خلق أشكال اللوحة، إذ يمكننا أن نميز بوضوح بين طبيعتين للتكوين:
ـ التكوين الهندسي: يتبين من خلال الخطوط المائلة والأفقية والعمودية التي ألف بينها الفنان لتكوين أشكال هندسية ساهمت من ناحية في تحديد الفضاء ومن ناحية أخرى في زخرفته.
ـ التكوين العضوي: تتبين ملامحه خاصة من الخطوط الغنائية الملتوية والتي وظفها الفنان أساسا في بناء عروسه وفي إظهار زخارف ثوبها.
إن هذا النموذج من التشكيلات الفنية التي طبعت على معظم تجارب الفنانين في تونس إبان القرن الماضي، لا يوحي بالعمق وعموما تبدو معالجة الفنان زبير التركي لفضائية اللوحة بعيدة عن الإقرار به وذلك نظرا لغياب التوظيفات التقنية الموحية بالبعد الثالث. وهو على عكس ما يتراءى لنا في عمل "بائع الخوخ" التي أنجزها الفنان "عمار فرحات" سنة 1942 باعتماد الزيت على القماش.


عمار فرحات، زيت على قماش، "بائع الخوخ" (72×59سم) سنة 1942

إن تواصل الفنان في استخدام الزيت على القماش في جل لوحاته دلالة على أن الفنان لا يبحث في الموضوع من جوانبه التقنية، إنما هو يبحث فيه من خلال المضمون الذي يظل دائما تصويريا. فالفنان يبحث من خلال المادة الزيتية عن أقصى حد للتطابق بين محتوى اللوحة والواقع، إذ يسعى إلى تحقيق ذلك من خلال هذه التقنية الذي يعتقد أنها تتساوق مع اشكاليته التي يعالجها وفق اسلوب تصويري، ومن هنا فإن "عمار فرحات" لا يرمي إلى تجريب المواد بقدر ما يسعى إلى تحقيق فكرة، تكون فيها المادة اللونية الزيتية مجرد وسيط أنسب يستدعيه الفنان لتجسيم هذه الفكرة.
فهذه اللوحة التشخيصية التي تجمع شخصية بائع الخوخ متكئا على صندوق وأمامه قفة كبيرة من السعف ممتلئة خوخا، فيما يتكون نصيب أخر من هذه الغلال أمامها، حيث يصور لنا الفنان في هذه اللوحة المسندية مشهدا من مشاهد الحياة اليومية، وهو ما يبدو بجلاء استدعاء الفنان لمواضيع أعماله من الحياة الواقعية لأفراد شعبه.
ولقد اعتمد عمار فرحات في تكوينه للوحة على خطوط بناء متعددة وفي اتجاهات مختلفة أفقية وعمودية ومائلة، وقد يبدو للوهلة الأولى أن التكوين قد بني من خلال محورين متقاطعين، في حين أنه لو تتبعنا عناصر اللوحة فإننا سنلاحظ أنها بنيت وفق شكل نصف دائري، هذا إضافة إلى ملاحظة حضورا مكثفا للأشكال الغنائية التي تبدو من خلال إطناب الفنان في استعمال الأشكال الدائرية والنصف دائرية ( العمامة ـ الرأس ـ القفة ـ حبات الخوخ ـ اليد ... ) وكذلك من خلال الخطوط المنحنية والتي تظهر من خلال طيات الجبة والقميص والسروال وأيضا من خلال العمامة وزخارفها، ومن هنا تبرز السيطرة الواضحة للأشكال الدائرية على مجمل التكوين وهذا ما من شأنه أن يخلق حركة بصرية هامة تحمل العين إلى التجوال بين عناصر اللوحة.
أما على مستوى اعتماد اللوني، فلقد سيطرت الرماديات الملونة على أغلب مساحات اللوحة إلى جانب حضور الألوان المتكاملة من خلال رسمه لحبات الخوخ بالأحمر والأخضر. هذا وقد نوع الفنان في معالجته اللونية على مختلف مساحات اللوحة حيث نلاحظ بوضوح أن مساحات ضئيلة من العمل عولجت باعتماد اللمسات واللطخات التي نتبينها خاصة في أثار لمسات الفرشاة.
إننا ومن خلال قراءتنا لأعمال هذين النموذجين اللذان يمثلان ركيزة أساسية في مجموعة مدرسة تونس، والتي تمثل غايتها الرئيسية تحسس اشكالية الهوية وتونسة الرسم في ظل غياب الإشكال التشكيلي. وما نلاحظه أن فنانينا يعالجان هذا الإشكال من خلال محتوى العمل الفني، أي من خلال رصد مظاهر حياة المجتمع من حيث عاداته وتقاليده ونشاطاته اليومية ومن ثم إعادة انتاجها وفق أسلوب تصويري وتجسيمي يتسم في أحيان كثيرة بالسذاجة، حيث يلاحق الفنان فئات من الشعب من خلال تبيان هذه العادات والتقاليد ومجسدا سمات شخصياته من خلال ملابسها وأدواتها... وهي ذاتها العناصر التي أراد الفنان أن يتونس بها تشكيلاته التي لم تكن فيها التقنية التشكيلية ورغم وجودها المبحث الأساسي لديهم بل أنها لم تعد أن تكون وسيلة يتوسل بها الفنان لتحقيق مقاصده التي تتلخص في إثبات الهوية، فهي لم تكن سواء بابا طرق من أجل تحقيق شكل الحداثة والمعاصرة في اللوحة التشكيلية التونسية.



#نجم_الدين_الدرعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن التشكيلي العربي المعاصر واشكالياته
- -الأنا-/-الأخر- هوية أم هويات في الفن العربي المعاصر


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجم الدين الدرعي - مجموعة مدرسة تونس: تونسة للفن التشكيلي