أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاهر الطاهات - من يعرف المتشردة الثالثة عشر















المزيد.....

من يعرف المتشردة الثالثة عشر


قاهر الطاهات

الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 07:12
المحور: الادب والفن
    


قبل اسبوعين كنت امارس رياضة المشي السريع حول اطراف بحيرة جنيف لانقاص الوزن.. وما ان قطعت مسافة خمسمائة مترمن نقطة انطلاقي من أعلى جسر "مونت بلانك" وصولا الى مرفأء القوارب الذي تنطلق منه الرحلات السياحية المستأجره حتى شعرت بالارهاق وبانعدام جدوى رياضة المشي وقررت بشكل أرعن - هروبا من استكمال رياضتي - أنني بحاجة الى الترفيه وانني اظلم نفسي بنفسي بالعمل ليلا نهارا كالآلة .. ولا يعقل ان اكون قد قضيت سنواتي السبع الاخيرة في جنيف دون ان استمتع بركوب القوارب في بحيرتها الجميلة على الاقل مرتين أو ثلاث في العام - وبدون تخطيط ركبت قارب بالاجرة واتجت نحو الحدود الفرنسية القريبة.. كنت منفتح بكل ديمقراطية على جميع المقترحات ففي سبيل خلاصي من عبء ممارسة الرياضة ومستعد للنظر في أي مقترح ثقافي أو قضية نسوية أو فكرة مشروع فضائي جديد! ولان الابحار بحد ذاته لم يكن الهدف فقد اخترت ان انزل في منتصف الطريق في قرية اعجبني منظر ورودها الحمراء المحيطة بمرسى قواربها.. اتبعت حاسة الشم وقادتني رائحة شواء الدجاج الى حانة القرية... طلبت طبق دجاج مشوي وجلست في الشرفة المخصصة للمدخنين - خيل الي انني قد لمحت بنت صغيرة في عمر الرابعة عشر او الخامسة عشر تتطلع نحوي من خارج الشرفة! وعندما حدقت النظر بها وجدتها تقف كاللعبة من دون احساس او حركة.. وبسرعة اطفاء السيجارة وجدتها تقف امام طاولتي وقد تتناولت طبق الحساء واخذت تنفخ به وتشرب... لم تسلم ولم تستأذن ولم تنظر إلي اثناء الاكل،،، انتهت من شرب الحساء ولم تنسى ان تأخذ الخبز كله بيدها وباليد الاخرى مسحت بكفها على رأسي وهبطت الى خدي وقرصتني بخفة بطريقة شكر القطط او كلاب المنزل ! ابتسمت لها ! واختفت سريعا مثلما ظهرت !

عاد الجرسون بطبق الدجاج وتطلع في بقايا الحساء المتناثرة على الطاولة ورمقني بنظره "دونية" ! ولعله كاد ان يقول لي كلاما جارحا - همهم به وفهمته من نظراته وحالته العصبيه دون أن يقله!

تناولت طبق الدجاج بشكل سريع وتعمدت ان ارشق نتف الاكل على الطاولة لكي اوحي له بأنني من فعلها اول مرة! وانني فوضوي ! سيما وان ملامحي شرقية وليست أزرق العنين - فمن الطبيعي ان يتوهم هذا "القروي" انني رجل بدائي وممكن افعل ما هو اسوء من ذلك !

فاجأته بدفع"بغشيش" اكرامية كبيرة غيرت من مزاجه وجعلته يودعني ويهديني كأس بيرة من الخشب ! ضحكت وانصرفت ! فكل ما اردته هو ان اتستر على تلك المراهقه ولا ادري ان كان يعرفها أو كان قد لمحها ام لا ! بديهتي أنبأتني؛ بكل الاحوال لو ان هذا الرجل كان ودودا معها لما تلصصت بهذا الشكل لتخطف طبق حساء !

ظللت افكر بها حتى اليوم التالي دون ان اجد اجابات لاسألتي! ما قصتها! هل هي هاربة! هل تتعرض للاذى أو العنف الأسري! لماذا لم تتكلم معي! هل هي بلهاء! لم اجد أجابة مقنعة او تحليل منطقي !

تبادر الى ذهني ان المراهقة قد تكون ضحية استغلال جنسي لاسيما وانها في سن البلوغ ! أو أن تكون مخطوفة او مستغلة او انها صاحبة إعاقة ! ومع كل ذلك فليس هناك ما يبرر ان تجويع طفلة مراهقة بهذا السن !

ذهب في اليوم التالي الى نفس المكان وفي نفس التوقيت وجلست على نفس الطاولة وطلبت من النادل - الذي اسعده رؤيتي من جديد- طبقي دجاج مشوي ! قال مؤكدا؛ هل طلبت يا صديقي طبقين اثنين ؟ اجبته : نعم؛ وارجوك أن لا توآخذني في طريقة أكلي فأنا جائع اكثر من البارحة..

انتظرت ان اراها تطل من وراء الشرفة! وبعد احضار الحساء لم اشربه انما انتظرتها أن تأتي ولكنها لم تفعل! خرجت ابحث عنها عساي اجدها حول المطعم - فالقرية كلها عبارة عن مرفأء واكواخ صيادين ولا يزيد عدد البيوت - التي تحيط بهذه الحانة اليتيمة - عن العشرة او خمسة عشر بيت على اكثر تقدير !

لم تأتي ... ولم اكف عن تمني رؤيتها ! تناولت هاتفي النقال وتظاهرت أني اتصل بصوت عالي وصرت امشي في الشارع بطوله وعرضه باحثا عنها وواضعا سماعة الهاتف على اذني وأؤشر بحركات عصبية بيدي كما لو كنت أوبخ احدهم كي لا اضع نفسي في موضع الشك ان كانت تهيؤاتي صحيحة بالفعل وان البنت مختطفة او تتعرض للاذى ! وعبثا كنت أمني النفس بظهورها ! رجعت لطاولتي ووجدت طبقي الدجاج وابتسامة صداقة ودعوة سرية لتكرار البغشيش وقال لي النادل متوددا: لا تدع الدجاج يبرد وانصحك بأن تقفل الهاتف فلن تكف عن سماع اخبار مزعجة خاصة اذا كان مصدرها صديقتك !

قلت اههه! هذا ورط نفسه! هذا يلمح للقواده ! يستدرجني ! فقلت كلا انا اعزب واعيش في جنيف وحيدا من دون صديقة! لكني غاضب بسبب عملي الذي اديره انا اخسر باستمرار في البيع والشراء! وحتى اغريه ان يتكلم قلت له انا اعمل في تجارة اليخوت الفاخرة لاثرياء العرب والروس في سويسرا! وانتظرته أن يلمح بالكلامه بأي معلومة يمكن أن استنتج منها شيئا ما عن تلك البنت ! فلو كان ثمة "دعارة" في الموضوع فلعله سيعرض خدماته عندما يسمع اثرياء عرب وروس !

خذلني متقمصا دور الرجل القروي البسيط الساذاج .. حتى انه لم يسألني من اين جئت ! غضبت من بلاهته أو من حرصه على عدم البوح بأي معلومة !

دخل المطبخ وتبعته لابحث عن شئ ما يقودني للبنت او لربما كانت هي بذاتها محتجزة بالداخل اصلا !

فاجأته بدخلولي المطبخ! وقلت له: اردت ان اغسل يداي! لم تقل لي اين المغسلة ! فقال بتوتر؛ اتبعني واوصلني للحمام، غسلت يداي ولم انسى ان اتفقد المغسلة ان كان هناك ما يدل على انها كانت هنا ! وربما كنت اتوقع رؤية اثار دماء او ملابس نسائية ممزقة ! ولكني لم اجد شيئا ! مسحت وجهي كمن يتوظأ للصلاة وكررت المسح على وجهي مستغرقا بالتفكير وكنت أهمهم واتعوذ من الشيطان بالعربية : "عذ بالله من الشيطان.. وين طارت البنت . وبعدين معه! لاحول ولا قوة الا بالله! لنشوف أخرتها.." واستدرت لاخرج فاصطدمت به واقفا خلفي وناولني ورق الحمام وكانت معالم وجهه الغاضب تحذرني من التمادي - وايقنت انني قد استفززته بدخولي المطبخ وتماديت فيما اعتقد هو انني كنت أمارس طقوس غريبة عند المغسلة واكلم نفسي باللغة العربيه "الحلقية" بطريقة بلاهانية !

أدركت أنني قد تجاوزت حدودي ،،، فلاطفته كمن يكفر عن ذنب وعقدت العزم على ان اتناول الوجبه واخرج سريعا وان لا اعود ابدا !

وما ان جلست وبدأت في الاكل حتى خيل لي اني قد رأيت البنت في الخارج تطل من نافذة التراس ! رفعت نظري وشاهدتها ثم اعدت النظر في طبق الدجاج وكررت النظر إليها مجددا للتحقق من صحة رؤيتي لها بالفعل وانني لست واهما !

وبحركة مزدوجة إلتفت الى صاحب المطعم وشاهده يجلس خلفي محدقا بي - ثم إلتفت اليها لاتزال تقف امامي على النافذة ! بدت الامور تنساب بسيولة عالية وقفت وحملت طبق الدجاج وخرجت اليها وانا لا ازال أتلفت خلفي كما لو كنت استأذنه أو أطلب منه الامان ! وصلت اليها وناولتها الطبق أخذته وقالت: توقعت ان اراك اليوم لذا فقد رجعت في تفس التوقيت !

شعرت بشعور ابوي اتجاه هذه الطفلة المشردة فلو اني تزوجت لكانت أبا لطفلة بعمرها على الاقل! خرج الجرسون يحمل بيده فطيرة شوكولاته للطفلة وفي اليد الاخرى شوكة وسكين، وقص لي قصتها مجيأها للقرية مع اطفال مشردين من مرسيليا في موسم عصر النبيذ وتجمعوا حتى اصبحوا ثلاثة عشر متشردا وكانت هي اخر القادمين، وقد تسلمت دار الرعاية الاجتماعية في المقاطعة بعضا منهم وتجاهلت او تقاعست عن البقية! وينام هؤلاء الاطفال غالبا في دور الرعاية وعندما يهربون ينامون اما بجوار الكنائس او في محطات القطارات أو تحت الجسور او عند من يؤويهم حتى تأتي الرعاية الاجتماعية لاستلامهم. وصاحب المطعم كان يؤوي بعضا منهم، وعندما غضب في المرة الاولى بسبب بقايا الحساء المتناثرة على الطاولة - فقد كان يعلم بأن احد الاطفال المشردين هو من فعلها وكان غاضبا من اجلي وليس بسببي - خوفا من ان اكون قد تضايقت وان المشردين الذيين يؤويهم تسببوا من جديد بفقدانه الزبائن !

قصصت عليه قصة شكي به وتهيؤاتي و "البغشيش" الكبير وضحكنا !

واليوم جاء الى جنيف لزيارتي - وقد أصطحبته الى شارع كودي مونت بلانك لأروي له من هنا بدأت الحكايه.. وتعشينا في المرفأ الذي كنت قد انطلقت منه بالقارب ،، ورقصنا رقصة الـ بوموزت الفلكلورية Bal-musette على انغام عازف اكورديون متجول!



#قاهر_الطاهات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قاهر الطاهات - من يعرف المتشردة الثالثة عشر