أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توني كليف - الاستراتيجية والتكتيك عند لينين















المزيد.....



الاستراتيجية والتكتيك عند لينين


توني كليف

الحوار المتمدن-العدد: 4018 - 2013 / 3 / 1 - 08:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الناشر وحدة الترجمة - مركز الدراسات الاشتراكية
ترجمة أشرف عمر
.

* هذه المقالة هي في الأصل الفصل الرابع عشر من كتاب "لينين وبناء الحزب - Lenin Building the Party" للاشتراكي الثوري البريطاني الراحل توني كليف.



شهد العقدين بين 1894 – 1914 نضوجاً هائلاً في نضال وحركة الطبقة العاملة الروسية، وكان ذلك التطور بمثابة المدرسة الحية للاستراتيجية والتكتيك التي نشأ فيها لينين ليتأثر بها ويؤثر فيها. أرست تلك الفترة تمهيداً طويلاً للينين وللطبقة العاملة بشكل عام للاختبارات القصوى للاستراتيجية والتكتيك: المذابح المروّعة للحرب، وإنهاءها بقوة الثورة. والدروس المكثفة لكل تلك الفترة التمهيدية فقد كانت مستمدة بالأساس من ثورة 1905 وما بعدها.



الماركسية علم وفن



عندما اندلعت ثورة 1905، عمد لينين إلى دراسة الكتابات العسكرية لكارل فون كلاوزفيتز (1*)، ذلك الجنرال وفيلسوف الحرب الذي كان له تأثير كبير على لينين في تشكيل استراتيجيته وصياغة تكتيكاته السياسية.



عرّف كلاوزفيتز التكتيكات بأنها "نظرية استخدام القوى العسكرية في المعركة"، والاستراتيجية بأنها "نظرية استخدام المعركة لأهداف الحرب". وقد استخدم لينين مفردات سياسية شديدة الشبه بتلك التي استخدمها كلاوزفيتز لتحديد العلاقة بين التكتيكات والاستراتيجية الثورية. ينطبق مفهوم التكتيكات على مجموعة التدابير اللازمة لتنفيذ مهمة محددة أو للاشتباك مع واحدة من معارك النضال الطبقي. وهكذا تحدث لينين عن التكتيكات اللازمة خلال أيام يناير 1905، وتكتيكات العمل في النقابات والبرلمان، إلخ. تشمل الاستراتيجية الثورية تركيبة من التكتيكات التي، بتكاملها واتساقها ونموها، تقود إلى استيلاء الطبقة العاملة على السلطة.



كانت الأممية الثانية، والتي صعدت خلال فترة النمو البطيء والعضوي والمنظم للرأسمالية والحركة العمالية، تحصر نفسها في الإطار الضيق للتكتيكات، أي المهام اليومية للنضال من أجل الإصلاحات في النقابات العمالية والبرلمان والأجهزة الحكومية المحلية والتعاونيات، إلخ. أما الحركة الثورية الروسية، والتي تطورت خلال فترات عصيبة ومليئة بالتغيرات السريعة والتحولات العاصفة، فقد كان عليها أن تواجه التساؤلات الأكبر للاستراتيجية وعلاقتها بالتكتيكات. ولم يكن هناك من هو أكثر قدرة من لينين في التعاطي مع هذه التساؤلات، حيث أدرك جيداً كيف يرتقي بالماركسية من مستوى العلم إلى مستوى الفن.



دائماً ما يُشار إلى الماركسية ليس فقط باعتبارها علم، بل مرشداً للعمل والحركة، لكن ينبغي علينا أيضاً بالإضافة إلى ذلك أن نعتبرها فناً. فالعلم يتعامل مع ما هو موجود، بينما يعلمنا الفن كيف نعمل ونتحرك، وقد كان الإسهام الأساسي للينين هو تطوير الماركسية باعتبارها فناً. فإذا كان ماركس قد مات دون المشاركة في تأسيس الأممية الأولى، فكان سيظل ماركس أيضاً كما هو. لكن لينين إذا كان قد مات قبل تأسيس الحزب البلشفي وقبل أن يلعب دوره القيادي في ثورة 1905 وفيما بعد في ثورة 1917، وقبل تأسيس الأممية الشيوعية الثالثة، لما كان سيظل هو لينين.



ومن أجل الارتقاء من النظرية إلى الممارسة، من العلم إلى الفن، كان على لينين توضيح العلاقة الجدلية بينهما؛ القواسم المشتركة والفوارق التي تميز كل منهما:



"ليست نظريتنا بدوجما، لكن مرشداً للحركة. وطالما كان ماركس وإنجلز يسخران من تكرار الصيغ المحفوظة عن ظهر قلب، والتي في أفضل الأحوال لن تكون قادرة سوى على رسم إطاراً للمهمات العامة، تلك المهمات التي تتغير بالضرورة بتغير الظروف الاقتصادية والسياسية لكل فترة في العملية التاريخية" (1).



هناك فرق كبير بين القوانين العامة الحاكمة لحركة المجتمع والظروف التاريخية الحقيقية والملموسة لها، ولا شك أن الحياة العملية أكثر تعقيداً من النظريات المجردة، حيث أن تداخل العوامل المختلفة وتفاعلها فيما بينها يجعل من غير الممكن أن يكون الإطلاع على بعض الكتب أساساً للتعرف على الحقيقة. كان لينين يكرر دائماً أن "النظرية يا صديقي رمادية، لكن شجرة الحياة الأبدية خضراء". إن الحقيقة الحية أكثر ثراءاً، في تطوراتها واحتمالاتها وتعقيداتها، من التجريد أو التخمين النظري، وقد كان لينين دائم السخرية من أولئك الذين يحولون الماركسية إلى أيقونة: "الأيقونة هي شيء تقدسه، شيء تربط نفسك به، شيء تركع له، لكن ليس لها أي تأثير على الحياة العملية والسياسات العملية" (2). وفي خطاب إلى إينيسا أرماند، كتب لينين بمرارة بالغة أن "الجماهير في الأغلب (99% من البرجوازية، 98% من التصفويين، وبين 60 – 70% من البلاشفة) لا يعرفون كيف يفكرون، هم فقط يحفظون بعض الكلام عن ظهر قلب" (3).



إن العقبة الأساسية أمام الفهم اللا دوجمائي للماركسية، لاستخدامها كمرشد للحركة والفعل، تكمن في الميل لإحلال ما هو حقيقي وملموس بما هو مجرد. يعد ذلك واحداً من الأخطاء الأكثر خطورة، بالأخص في الفترات الثورية والما قبل ثورية، حين تصبح التطورات التاريخية غير منتظمة، مليئة بالقفزات والتراجعات والانعطافات الحادة.



"ليس هناك ثمة شيء يُدعى الحقيقة المجردة؛ فالحقيقة دائماً ملموسة" (4).



"أي حقيقة مجردة تصبح، في حال تطبيقها على أرض الواقع الملموس، مجرد عبارة فارغة. ليس هناك من شك أن كل إضراب يحوي في داخله عناصر الثورة الاجتماعية، لكنه ليس معقولاً أن نفكر في أن بإمكاننا السير مباشرةً وفي خط مستقيم من الإضراب إلى الثورة" (5).



"أي قاعدة تاريخية عامة تُطبق على حالة معينة من دون تحليل خاص لظروف هذه الحالة المعينة لن تغدو سوى أن تصبح عبارة فارغة" (6).



وفي نفس الوقت، يعد الفهم العلمي للمعالم العامة لتطور النضال الطبقي تاريخياً في غاية الأهمية بالنسبة للقائد الثوري؛ فلن يكون القائد الثوري قادراً على الحفاظ على ثباته ومواقفه، خلال تحولات وانعطافات الصراع، إذا لم يكن لديه إدراك عام بالسياسة والاقتصاد. هكذا كان لينين يتحدث مراراً وتكراراً عن أن الاستراتيجية والتكتيك يجب أن يقوما على "تقييم دقيق للأوضاع القائمة" (7)، وفي نفس الوقت يتم "تشكيلهما بعد تحليل العلاقات الطبقية في مجملها" (8). وبكلمات أخرى، يجب أن يقوما على تحليل نظري وواضح وواثق، وبشكل علمي.



إن التجريد النظري لا يمكن أن يتماشى مع الفعل الثوري؛ فالأمر المهم هنا هو "أن تكون واثقاً من أن الطريق الذي اخترته هو الطريق الصحيح. هذه الثقة، التي تضاعف الطاقة الثورية والحماس الثوري، يمكنها أن تصنع المعجزات" (9). وبدون فهم قوانين التطور التاريخي، لا يمكن الحفاظ على النضال صامداً وصلباً.



خلال سنوات الشقاء والإحباط ومعاناة العزلة، لا يمكن أن يستمر الثوريون بدون قناعة تامة بأن حركتهم لابد أن تتوائم مع التطور التاريخي. ومن أجل تجنب الارتباك والتخبط أثناء تحولات وانعطافات الطريق الطويل، لابد من التماسك الأيديولوجي الصارم، أما التشكك النظري فلا يمكن أن يتوافق مع الصرامة والحزم الثوريين. إن قوة لينين تنبع بالأساس من أنه دائماً ما كان يربط بين النظرية وعمليات تطور الصراع؛ فلقد كان يحاكم كل قضية أو مفهوم نظري على أساس علاقته بالاحتياجات والضرورات العملية، وبالمثل كان يحاكم كل خطوة عملية على أساس موائمتها مع النظرية الماركسية. لقد دمج بامتياز بين النظرية والممارسة. وبالتالي لم يكن على سبيل المبالغة أن يكتب المؤرخ البلشفي م. ن. بوكروفسكي أنك "لن تجد في لينين عملاً واحداً نظرياً خالصاً، كل عمل نظري له كان يحمل بعداً عملياً" (10).



لقد آمن لينين بالارتجال، لكن لكي لا يفسد هذا الارتجال ويتحول إلى مجرد انطباعات يومية متقلبة، يجب أن يكون مبنياً على فهم متماسك للنظرية، وقبل كل شيء فإن الممارسة بدون النظرية تقود حتماً إلى حالة من الضبابية والوقوع في الأخطاء. وعلى الجانب الآخر، فإن دراسة النظرية بمعزل عن النضال لا تعني إلا فصلها عن مجراها الحيوي – الحركة والممارسة – ولا ينتج عنها سوى مثقفين عديمي النفع. وهكذا فإن الممارسة يتم توصيفها بالنظرية، والنظرية يتم تفعيلها بالممارسة, والتراث الماركسي لا يتوغل في عقول ودماء الماركسيين إلا بالمشاركة في النضال.



إن النظرية هي تعميم لممارسات الماضي، وكما شرح الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامشي بوضوح، فإن "الأفكار لا تتولد من أفكار أخرى، أو الفلسفات من فلسفات أخرى، إنهم تعبيرات تتجدد باستمرار عن التطور التاريخي الحقيقي" (11). ولكي يكيّف المناضل الثوري نفسه على أي وضع جديد دون أن يفقد مبادئه، فهو بحاجة إلى الوحدة بين النظرية والممارسة.



أدرك لينين أن لا منظمة ثورية يمكن أن تحيا بدون معمل أيديولوجي دائم وحي وخلاق. كان دائم البحث عن طرق عملية يستخدم بها أبحاثه النظرية، لكن في نفس الوقت لم ينتابه أي تردد للإقلاع عن العمل السياسي اليومي في مقابل التفرغ لشهور من أجل الدراسة في المتحف البريطاني أو في المكتبة الوطنية الفرنسية (2*).



ينطلق برنامج الحزب الثوري، في مبادئه العامة، من الإمكانات التاريخية لدى الطبقة العاملة؛ أي يُستمد من الظروف الموضوعية المسيطرة على المجتمع بشكل عام ومن أوضاع الطبقة العاملة بشكل خاص. أما الاستراتيجية والتكتيكات فهما لا ينطلقا من الظرف المادي المهيمن، لكن من مستوى وعي العمال أنفسهم. إذا استطاع الوعي – الذي سماه ماركس بالبنية الفوقية الأيديولوجية – أن يعكس بشكل مباشر القاعدة المادية التي يقوم عليها المجتمع، إذن فينبغي أن تُستمد الاستراتيجية والتكتيكات مباشرةً من برنامج الحزب. إلا أن اشتقاق استراتيجية الحزب وتكتيكاته أمر معقد يتأثر بتراث وخبرة العمال، بما يشمل نشاط الحزب نفسه. الحزب الثوري، على سبيل المثال، يعارض نظام العمل المأجور القائم في المجتمع الرأسمالي، لكنه من الناحية التكتيكية عليه أن يكون منغرساً في نضال العمال من أجل أجور أعلى.



تحتاج القيادة الثورية ليس فقط فهماً عميقاً لمسارات الصراع، لكن أيضاً قدرة على طرح الشعارات المناسبة عند كل نقطة تحول في هذا الصراع. ولا يمكن لهذه الشعارات أن تُشتق بشكل مجرد من برنامج الحزب ومبادئه العامة، لكن أن تكون على توافق مع الظروف القائمة، وقبل كل شيء أن تكون منسجمة مع المزاج العام للجماهير، حتى تنجح هذه الشعارات في قيادة نضالات العمال. هذه الشعارات يجب أن تكون متوافقة ليس فقط مع المسار العام للحركة الثورية، لكن أيضاً مع مستوى وعي الجماهير. وفقط من خلال التطبيق العملي للخط السياسي العام للحزب، تظهر القيمة الحقيقية لهذه الشعارات بشكل جلي وواضح. لقد كانت الوحدة العضوية، بين النظرية من ناحية والتكتيكات العملية من ناحية أخرى، تمثل قلب نضال لينين ونشاطه الثوري.



"من دون برنامج، لا يمكن أن يبقى الحزب كياناً سياسياً متكاملاً قادراً على السير وفق المسار الذي حدده أياً كانت التحولات التي يمر بها. وبدون خط تكتيكي مرن، مبني على تقييم الوضع السياسي الجاري، مقدماً إجابات محددة لمواجهة "المشاكل المعقدة" التي نعيشها، قد نصبح في نهاية الأمر حلقة من المنظرين، لكن ليس كياناً سياسياً فاعلاً" (13).



والطريقة الوحيدة للتحقق من صحة الخطط الاستراتيجية أو التكتيكات هي اختبار الممارسة العملية، أي من خلال تطبيق هذه الخطط على خلفية خبرة التطور الفعلي للنضال الطبقي.



"ينبغي، بشكل دائم قدر الإمكان، التحقق من القرارات التكتيكية على ضوء الأحداث السياسية المتجددة. هذا التحقق وإعادة النظر بشكل دائم ضروريين من الزاوية النظرية والعملية معاً؛ من الزاوية النظرية من أجل التأكد من صحة القرارات التي اُتخذت وأي تعديلات تفرضها التطورات السياسية المتلاحقة بحيث تجعل من الضروري إدخالها، ومن الزاوية العملية من أجل التعلم كيفية استخدام هذه القرارات بشكل صحيح كمرشد للحركة، وكموّجه للتطبيق العملي" (14).



عبر تروتسكي عن هذه الفكرة بوضوح عندما كتب أن "نقطة الانطلاق البلشفية الأساسية هي الاعتقاد بأن الإنسان، كي يتعلم امتطاء الخيل، لابد أن يقوم بالمحاولة الأولى دون تهيئة مسبقة" (15). وفقط في مسار النضال نفسه، يمكن للثوري أن يتعلم الاستراتيجية والتكتيك. ومرة بعد أخرى، كان لينين يكرر كثيراً مقولة نابليون الشهيرة "فلنشتبك أولاً، ثم نرى – On s engage et puis.. On voit".



في الحرب، وبالأخص الحرب الطبقية أثناء الفترات الثورية، تتعدد الأمور المجهولة، ليس فقط في معسكر العدو الطبقي، لكن أيضاً في معسكر الثورة نفسه، الأمر الذي يستلزم تحليلاً هادئاً ورصيناً مصحوباً بجرأة في الارتجال والمبادرة مبنية على الحدس وعلى الخيال الخلاق.



"تتميز الماركسية عن باقي النظريات الثورية، بكونها تقرن، على نحو فريد، الوضوح العلمي التام في تحليل الوضع الموضوعي والتحليل الموضوعي، بالاعتراف الجازم بدور الطاقة والإبداع والمبادرة الثورية للجماهير، وأيضاً، وبالطبع، للأفراد أو التجمعات أو المنظمات أو الأحزاب التي تحسن اكتشاف وتحقيق الارتباط بهذه الطبقات أو تلك" (16).



لقد شدد لينين كثيراً على أنه من الضروري إدراك أفكار ومشاعر الجماهير بشكل ملموس في كل مرحلة، وقد تفوق لينين كثيراً في ذلك. وكما كتب تروتسكي: "يشتمل تسعة أعشار فن القيادة الثورية، في أحرج اللحظات، على معرفة استجلاء صوت الجماهير وإرادتها مع أن من الضروري أن تكون الرؤية أوسع مدى ومجالاً، وكان الذي يصنع أكبر قوة في وجود لينين هو قدرته التي لا يمكن أن تجارى في الخوض إلى أعماق الجماهير" (17).



وفقط في مسار النضال نفسه، يستطيع الحزب أن يتلمس ما يشغل بال الجماهير وما تستطيع الجماهير إنجازه في كل مرحلة. إن الماركسية لا تقبل ولا يمكن أن تنسجم مع الحتمية الميكانيكية والقدرية، أو مع الإرادوية، بل أن قاعدة الماركسية هي المادية الجدلية ومبدأ أن الجماهير تكتشف قدراتها وإمكانياتها فقط خلال حركتها. وبالتأكيد ليس هناك ما هو مشترك بين واقعية لينين والسياسة الواقعية السلبية والمبتذلة، فكما كتب لينين: "الديالكتيك الثوري للواقعية الماركسية يشدد على المهمات الملحة للطبقة المتقدمة، ويكتشف في الوضعية الراهنة للأشياء تلك العناصر التي ستؤدي إلى الإطاحة بها" (18). أدرك لينين جيداً ضرورة التقدير الرصين للقوى الحقيقية في الصراع، وأن الحزب الثوري نفسه يمثل عاملاً مركزياً في توازن هذه القوى. إن جرأة وقوة الحزب الثوري تعطي ثقة هائلة للعمال في نضالهم، وعلى العكس، ربما تقود هشاشة وتردد الحزب إلى انتشار السلبية والشعور بالإحباط بين صفوف الجماهير. والسبيل الوحيد لتحديد التوازن بين القوى وتقدير إرداة الجماهير في النضال، هو النضال نفسه الذي يسعى الحزب الثوري لقيادته.



وطالما أن النضال الثوري يتطور ويتغير، فإن على الثوريين أن يحذروا خطر التشبث بتكتيكات ربما تكون قد نفذت صلاحيتها. إن الخطر الأكبر والأكثر تدميراً الذي يمكن أن يرتكبه القيادي الثوري هو أن يكون أسيراً لتلك الصيغ التي كانت صالحة بالأمس، لكنها لم تعد مناسبة لتوازنات القوى الطبقية المختلفة اليوم. وفي أغلب الحالات، عندما يتخذ التاريخ انعطافات حادة، تصبح الأحزاب – حتى التقدمية منها – غير قادرة على تكييف نفسها على الأوضاع الجديدة ومواكبتها لبعض الوقت، وتعمد إلى تكرار الشعارات التي كانت صحيحة تماماً في الماضي لكنها فقدت معناها اليوم، وهي في الحقيقة تفقد معناها بشكل مفاجئ تماماً مثلما يفاجئنا التاريخ بتحولاته الحادة.



في الفترات الثورية تصبح مسألة التوقيت مسألة ملحة؛ فعلى القيادة الثورية أن تحدد بشكل دقيق كلما أمكن السرعة والوتيرة التي تتطور الثورة وفقها، وبدون ذلك لن يصبح من الممكن طرح تكتيكات واقعية وعملية ناجحة. وفي الحقيقة، فإن منظور القيادة الثورية لإيقاع تطور الأحداث لا يمكن أن يكون دقيقاً بشكل كامل، لذا فإن عليها بأسرع ما يمكن أن تجري التصحيح اللازم لما يتعلق بمسألة التوقيت.



ولكي يتناسب التكتيك والاستراتيجية مع المبادئ العامة للحزب، لابد من أن يتمتعا بقدر كبير من الصراحة والوضوح. ومن أجل أن تعي الجماهير سياسات الحزب جيداً، لابد من تجنب إغراقهم في التفاصيل وتشتيت انتباههم عن جوهر سياسات الحزب. لابد أن يعبر الحزب عن سياساته في عدد محدود من الشعارات البسيطة والواضحة. "السياسة المستقيمة هي السياسة الأفضل.. والسياسة المبنية على المبادئ هي السياسة الأكثر عملية" (19).



"في التحليل النهائي، تعد السياسة المبدئية هي السياسة الوحيدة العملية.. ومن يتعامل مع المشاكل الجزئية من دون تسوية المشاكل العامة، سوف "يصطدم" حتماً بتلك المشاكل العامة حتى من دون أن يدرك ذلك. وعندما يتكرر هذا "الاصطدام" في كل مرة، فإن هذا لا يعني سوى الوقوع في أسوأ فخاخ التردد واللا مبدئية" (20).



"يمكن للخط السياسي، بل ويجب، أن يستند إلى النظرية، وإلى التراث التاريخي، وإلى تحليل الوضع السياسي بأكمله، إلخ. لكن خلال تلك النقاشات، ينبغي على الحزب المنخرط في النضال ألا يتغافل عن الحاجة إلى الإجابات العملية الحاسمة والواضحة والتي لا تقبل أي تأويلات لكافة التساؤلات حول خطنا السياسي: "نعم" أم "لا"؟ هل ينبغي فعل هذا الآن، أو هل ينبغي تجنب ذاك؟" (21).



من الضروري حساب توازنات القوى الطبقية بدقة بالغة، وفور اتخاذ القرارات يجب السعي لتنفيذها على الأرض بكل دأب وحسم. كتب نابليون ذات مرة إلى الجنرال برتييه: "ليس هناك أي رجل أكثر جبناً مني عندما أضع خطة حربية؛ إذ أضخّم لنفسي تقدير كل الأخطاء وكل المآسي الممكنة.. وعندما أتخذ أي قرار أنسى كل شيء فيما عدا ما يصنع النجاح".



أما تروتسكي، فقد كتب فيما بعد معلقاً على هذا الخطاب:



"إذا تجاوزنا عن بعض التصنع في كلمة ضعيفة التلاؤم وهي "جبن"، فمن الممكن تطبيق جوهر الفكرة على لينين. فعندما يحل لينين مسألة استراتيجية، كان يزود العدو مسبقاً بقراره الخاص وذكائه. وكانت أخطاء لينين التكتيكية في غالب الأحيان تمثل المحصلات الثانوية لقوته الاستراتيجية" (22).



التشبث بالجوهر



لقد علمنا لينين أنه في خضم سلسلة من التفاعلات السياسية، لابد من تحديد الرابط الأساسي بين تلك التفاعلات والإمساك به من أجل توجيه السلسلة برمتها.



"كل سؤال "يجري في حلقة مفرغة" لأن الحياة السياسية بمجملها إنما هي سلسلة لا نهائية من حلقات لا تحصى. ويكمن فن السياسة بأكمله في إيجاد الحلقة الأكثر أهمية في لحظة معينة، والإمساك بها بقبضة صلبة وراسخة، تلك الحلقة التي تضمن لنا أكثر من أي حلقة أخرى التحكم في السلسلة ككل" (23).



عاد لينين لاستخدام هذه الاستعارة، وفي الممارسة العملية طالما التزم بالقاعدة التي يشرحها؛ حيث تمكن دائماً خلال الفترات العصيبة من أن يجنّب كافة العوامل الثانوية وأن يمسك بالعوامل الأساسية والجوهرية. كان يعمد إلى تجنيب كل أمر قد يحرفه، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن القضية الأساسية. وكما شرح تروتسكي:



"عندما تتنحى العوائق الحرجة جانباً، يعلن لينين في كل مرة، وبعلو الصوت: "لكننا نسينا أن نفعل هذا أو ذاك" أو "لقد فوتنا فرصة ما لأننا كنا منشغلين بالأمر الأساسي"، ويرد أحدهم قائلاً: "لكن هذه المسألة انطرحت، وهذا الاقتراح تم تقديمه بالفعل، كل ما كان هناك هو أنك لم ترد سماع أي شيء".



يجيب لينين: "هل حقاً؟ مستحيل، لا أتذكر أي من ذلك". حينها يصرخ ضاحكاً ضحكة ماكرة معبراً بها عن اعترافه بالخطأ، وربما يرفع ذراعه عالياً في إيماء مميز، ثم ينزله بهوادة، قائلاً: "حسناً، لا يسع المرء أن يفعل كل شيء".



إن موطن الضعف ذاك لدى لينين إنما كان الوجه الآخر من ذكائه وقدرته على تعبئة كل قواه الداخلية، إلى أقصى حد. هذا الذكاء وهذه المقدرة اللذين جعلا منه الثوري الأعظم في التاريخ" (24).



ومرة أخرى كتب تروتسكي أن:



"غالباً ما كان فلاديمير إيليتش يُنتقد من جانب الكثير من الرفاق، وأنا منهم، إذ كان على ما يبدو لا يكترث بالأمور الثانوية والقضايا الهامشية. أعتقد أن ذلك ربما يمثل قصوراً لدى القائد السياسي في أوقات التطور "الطبيعي" البطيء، لكن في ذلك بالذات يبرز تجلي الرفيق لينين كقائد هذا العصر، الذي تغدو فيه التفاصيل الثانوية والحوادث العارضة طاغية في الخلفية، وما يتبقى فقط التضادات الطبقية الأساسية التي يستحيل التوفيق بينها في أوج الحرب الأهلية. تلك كانت موهبة لينين المميزة، والتي تفرد بها إلى أقصى حد، وبتحديقه الثوري الثاقب كان بإمكانه أن يرى ويكشف ويشير للآخرين إلى ما هو مهم وما هو ضروري، وما هو أكثر أهمية وضرورة. أولئك الرفاق، مثلي، توفرت لهم الفرصة لمراقبة نشاط لينين وعمله عن قرب. لم يكن بمقدورنا مساعدته، لكن أُعجبنا بحماسة شديدة – نعم، أكرر، بحماسة شديدة نال إعجابنا – نفاذ بصره وحدة ذهنه لافظاً بهم كل الأمور الجانبية والعرضية ليصل إلى قلب المسألة ولب القضية" (25).



لقد وقع لينين في بعض الأحيان في فخ الأخطاء التكتيكية، وكان ذلك في الأغلب بسبب اهتمامه المكثف بالجوهر الأساسي للقضايا التي تناولها، وربما أيضاً بسبب غيابه الطويل عن مشهد الأحداث في روسيا أثناء مكوثه في المنفى طيلة سنوات عديدة. ولكن من جانب آخر، تميز لينين بتركيزه الاستراتيجي المذهل. لقد كانت استراتيجية الحزب توضع وتحدد بدقة بالغة من بعيد (حيث المنفى)، حتى مع بعض الأخطاء التكتيكية.



ومن الناحية الأخرى، كان لينين محقاً عندما أصر على "ليّ العصا" أحياناً في اتجاه، وفي اتجاه آخر أحياناً أخرى. فإذا كانت حركة الطبقة العاملة تتطور بشكل متكافئ على كافة الأصعدة، وإذا كانت القاعدة الحاكمة لهذا التطور متوازنة وسويّة، لكان لـ "ليّ العصا" تأثيراً ضاراً بشدة على حركة الطبقة العاملة. لكن الواقع يخبرنا بعكس ذلك؛ فالقاعدة المسيطرة على تطور نضال الطبقة العاملة هي التطور على نحو لا متكافئ. ربما تكون العقبة الأساسية أمام هذا التطور هي قلة كوادر الحزب الثوري، أو على العكس ربما يتسبب ميل محافظ لدى كوادر الحزب في أن يقبع الحزب إلى الوراء من القطاع المتقدم من الطبقة العاملة. إلا أن الوضع في الاعتبار كافة عوامل الصراع جنباً إلى جنب قد يوضح الحاجة إلى "ليّ العصا"، لكن أيضاً قد يفرغ الحزب الثوري أو القيادة الثورية – في حال خطأ التقدير – من كل نفع وجدوى.



الحدس والشجاعة



إن التقييم الصائب للوضع لا يكفي وحده لتطوير استراتيجية وتكتيكات ثورية. قبل كل شيء، لابد من أن يتمتع القائد الثوري بالحدس الخلاق والإقدام الذي لا يشوبه أي تردد.



في المواقف الثورية، حين ينفتح الباب أمام احتمالات وتعقيدات غير محدودة، فإن الإرادة الثورية وحدها هي الأخرى لا تكفي. الأمر الضروري هو القدرة على الإلمام بالوضع كله بسرعة، وبالتالي القدرة على التمييز بين ما هو جوهري وأساسي وبين ما هو هامشي وثانوي، وذلك من أجل ملء المساحات الفارغة في الصورة. كل ثورة تمثل معادلة بها الكثير من الأرقام المجهولة، لذا ينبغي على القائد الثوري أن يكون موهوباً بحس واقعي عالي.



باستثناء العام 1905، قضى لينين 15 عاماً خارج روسيا (قبل عودته في أبريل 1917 بعد إسقاط القيصر نيقولا الثاني)، إلا أن إدراكه للواقع وملموسيته للمزاج السائد بين العمال لم يتقلصا مع الوقت، بل ازدادا ثراءاً. إن تصوراته الواقعية كان لها جذوراً عميقة في استيعابه للنظرية وذاكرته القوية وتفكيره الخلاق. هذه التصورات الواقعية كانت تتزود باجتماعاته بين الفينة والأخرى مع رفاق يقدمون لزيارته في المنفى.



لم يكن حدس لينين مكبلاً بأية قيود. والمثال التالي سيرينا بوضوح كيف استطاع لينين أن يرسم وضعاً سياسياً واجتماعياً كاملاً من جملة واحدة قالها أحد العمال، والتي غالباً ما مرت دون أن يلتفت لها أحد غيره.



"بعد أيام يوليو اضطررت، بفضل العناية الفائقة التي شرفتني بها حكومة كيرنسكي، للانتقال إلى الحياة السرية. وطبيعي أن العمال كانوا يؤون أمثالي. ها نحن إلى الغداء في مسكن عمالي وضيع في حي ناء من بتروجراد. وها ربة البيت تجلب الخبز. ورب البيت يقول: "انظر، أي خبز ممتاز. انت ترى، "أنهم" لا يجرؤون الآن على إعطائنا خبزاً رديئاً. بل أننا لم نكن لنفكر بأن من الممكن إعطاء خبز طيب في بتروجراد".



لقد أذهلني هذا التقدير الطبقي لأيام يوليو. فقد كان فكري يدور ويلف حول أهمية الحدث السياسية، ويقدر شأنه في مسير الأحداث العام، ويتفحص الوضع الذي أدى إلى هذا التعرج في مجرى التاريخ، ويتكهن بالوضع الذي سينجم عنه، ويسعى إلى معرفة الطريقة التي يترتب علينا اتباعها لتعديل شعاراتنا وجهاز حزبنا قصد تكييفه وفقاً للوضع الجديد. ولكني لم أكن لأفكر بالخبز، أنا الذي لم أعرف العوز. فالخبز كان بنظري من البديهيات، وأشبه بالنتاج الثانوي لعمل الكاتب. فالفكر يصل إلى النضال الطبقي من أجل الخبز، أس كل الأشياء، عبر التحليل السياسي الذي يسلك طريقاً غاية في التعرج والمشقة.



أما ممثل الطبقة المظلومة، وإن كان من عداد العمال ذوي الثقافة الكاملة والأجور العالية، فإنه يأخذ الثور من قرنيه بلا تردد، وبهذه البساطة وهذه الاستقامة المدهشة، وبهذا العزم الراسخ، وهذه النظرة الواضحة الآسرة، التي نبعد عنها نحن المثقفون بعد الثرى عن الثريا. فالعالم بأسره ينقسم، بنظره، إلى معسكرين: "نحن"، الشغيلة و"هم"، المستثمِرون. وليس ثمة أي ظل لحيرة حول ما جرى: معركة من معارك النضال الطويل الذي يخوضه العمال ضد الرأسمال. فحين نقطع الخشب، تتطاير الشظايا.



"أي شيء مؤلم هذا "الوضع المعقد للغاية"، وضع الثورة" – هذا هو تفكير المثقف البرجوازي وشعوره.



"لقد كسرنا شوكتـ"هم"؛ ولن يجرؤوا بعد الآن على التصرف على هواهم كما في السابق. دفعة واحدة أيضاً ويقعون أرضاً" – هذا هو تفكير العامل وشعوره" (26).



كانت كروبسكايا على صواب تام حين وصفت لينين بأنه "دائماً لديه نوعاً من الغريزة الخاصة.. فهماً عميقاً للخبرة التي تختمر لدى الطبقة العاملة في كل مرحلة" (27). لقد امتاز لينين بذلك الحدس والذي يُعد أمراً حيوياً وهاماً للغاية لإدراك شعور الجماهير حتى في أكثر ومضات التاريخ تراجيديا: "القدرة على التفكير والشعور من أجل وفي القلب من الجماهير ومعها، تلك كانت سمة مميزة للينين لأقصى درجة، بالأخص أثناء التحولات السياسية الهائلة" (28).



على القائد الثوري، فور إقرار تكتيكات معينة، ألا يضمر أي تردد، بل على العكس أن يتحلى بشجاعة قصوى في تنفيذها، ولم يكن لينين يفتقر إلى تلك المقدرة. وهكذا وصف م. ن. بوكروفسكي تلك السمة المميزة لدى لينين:



"عندما ألقي نظرة على الماضي، يبدو لي أن واحدة من أهم السمات الأساسية لدى لينين هي إقدامه السياسي الهائل، ولا أعني هنا الشجاعة وتحدي المخاطر، فعلى أية حال لم نكن نفتقر للثوريين الشجعان الذين لا يهابون الاعتقال أو المشانق أو حتى سيبيريا. لكن هؤلاء الناس كانوا خائفين من أن يحمّلوا أنفسهم عبء اتخاذ القرارات السياسية الهامة. ولعله من الواضح أن لينين لن يخف ولم يتخاذل يوماً من تحمل مسئولية القرارات السياسية مهما كان ثقلها. لم يهب لينين من أي خطر وأخذ مسئولية قرارات لا تتعلق فقط بشخصه وبمصير الحزب، لكن أيضاً بمصير كل البلد، وبدرجة ما بمصير الثورة العالمية. إنه لأمر غريب أن يشرع لينين في التحرك على الدوام بمجموعة صغيرة من الرفاق، لكن عدداً قليلاً بالفعل هم من يمتازون بالجرأة الكافية لاتباعه منذ البداية" (29).



كثيراً ما يتهرب "الماركسي" من التزامه بالتوصل إلى قرارات، معطياً بذلك الماركسية طابعاً قدرياً باهتاً. وتلك كانت عادة المناشفة الذين طالما سيطرة عليهم الخوف والتشكك والتردد في كل منعطف هام في الصراع الطبقي. لا شك أن الثورة هي الطريق الأقوى والأكثر ضرواة لحل الأزمات الاجتماعية، وأسوأ حالة يمكن أن تسيطر على الثوريين في وقت الثورة هي التردد وعدم الحسم. على الجهة المقابلة، كان لينين هو الأكثر تماسكاً وصلابة بين الثوريين، حيث وصل إلى أقصى درجة من الجرأة في اتخاذ المواقف الأعظم شأناً والقرارات الأكثر خطورة والاستعداد لتحمل مسئوليتها.



الحلم والحقيقة



من أجل طرح الاستراتيجية والتكتيك، على القيادي الثوري ليس فقط أن يكون واقعياً، لكن حالماً أيضاً. لقد وصف الكثير من الكتّاب والمؤرخون لينين بأنه واقعياً وليس رومانسياً، وهذا بالتأكيد وصف ليس منصفاً؛ فالثوري لا يكون ثورياً من دون إلهام حلم عظيم.



"كتب بيساريف بصدد مسألة الخلاف بين الحلم والحقيقة: "ليست جميع الخلافات واحدة، إذ لا يمكن أن يسبق حلمي مجرى الأحداث الطبيعي، أو يمكن أن يسير في اتجاه لا يمكن أن يفضي إليه سير الأحداث الطبيعي بحال من الأحوال. في الحالة الأولى لا يسبب الحلم أي ضرر، بل قد يشجع ويشد من عزيمة الإنسان الكادح.. ليس في مثل هذه الأحلام ما يمكن أن يفسد أو أن يشل القوة العاملة، بل بالعكس تماما. فلئن كان الإنسان محروماً تماماً من ملكية الحلم على هذا الشكل، ولا يستطيع أن يسبق مجرى الأحداث أحياناً وأن يتصور العمل الذي بدأ لتوه جاهزاً في صورته الكاملة النهائية، عندئذ لا أستطيع أن أتصور بوجه من الوجوه الدافع الذي يدفع الإنسان إلى الشروع بعمل جسيم متعب في ميادين الفن والعلم والحياة العملية وإلى الدأب حتى إنجازه.. إن الخلاف بين الحلم والحقيقة لا يسبب أي ضرر، على أن يكون الشخص الحالم صادق الإيمان بحلمه وعلى أن يتأمل الحياة بانتباه ويقارن بين ملاحظاته والقصور التي يبنيها في الهواء وعلى أن يعمل بوجه عام وبصورة وجدانية على تحقيق حلمه. فعند وجود تماس بين الحلم والحياة تسير الأمور على ما يرام".



هذا النوع بالضبط من الأحلام قليل جداً لسوء الحظ في حركتنا. ويقع القسط الأكبر من تبعة ذلك على ممثلي الانتقادية العلنية والذيلية الذين يتبجحون باعتدالهم وبحسهم للملموس" (30).



لقد أخضع لينين نزعاته الرومانسية لاحتياجات وضرورات الفعل المباشر في الواقع. وكان كثيراً ما يزدري الإنتلجنسيا الروسية في إشارته باحتقار شديد في أكثر من موضع إلى الرجل عديم النفع "أبلوموف" (بطل رواية جونشاروف الشهيرة والتي حملت نفس الإسم) الذي طالما راودته أحلام يقظة عن طموحات ينتوي تحقيقها، لكنه أكثر كسلاً وضعفاً من نقلها إلى الواقع.



كتب الاشتراكي الألماني فرديناند راسل، واصفاً الضرورات الأساسية للسياسات الثورية: "كل حركة كبيرة تبدأ ببيان يوضح ماهيتها"، أما لينين فقد عمد أيضاً إلى تكرار أن "الحقائق هي أشياء صلبة وعنيدة". والماركسية بحسب لينين "تستند إلى الحقائق وليس إلى الاحتمالات. والماركسي يجب أن يضع نصب عينيه الحقائق المحددة وغير القابلة للشك" (31). كان لينين دائم البحث عن الجسر الممتد بين الواقع والممكن، لم يكن خائفاً من النظر خلال الهوة الفاصلة بين ضخامة المهام التي تواجه الحركة، وبين افتقار الحركة نفسها للمقومات والإمكانيات التي تؤهلها لحمل هذه المهام. كانت قدم لينين على الأرض فيما كانت رأسه في السماء.



الحزب كمدرسة للاستراتيجية والتكتيك



كانت التساؤلات حول الاستراتيجية والتكتيك ذات معنى بالنسبة للينين فقط إذا كانت إمكانية تحقيقها في الواقع، بواسطة الحزب الثوري، إمكانية حقيقية. لقد كان الحزب في نظره مدرسةً للاستراتيجية والتكتيك، منظمة قتالية هدفها أن تظفر الطبقة العاملة بالسلطة.



كيف إذن تتعلم القيادة الثورية من الجماهير ونضالاتها، إذا لم تكن جزءاً متكاملاً مع هذه الجماهير تصغي لها في مواقع العمل، وفي الشوارع؟ لكي تُعلِم القيادة الثورية الجماهير، عليها أن تتعلم منها، وهذا ما آمن به لينين وظل يمارسه طيلة حياته.



لا ينبغي على الحزب الثوري أن يترنح متأخراً خلف القطاعات المتقدمة من الطبقة العاملة، كما لا ينبغي أن يتقدم عنها بمسافة يصعب وصولها إليه. يجب أن يقف الحزب في مقدمة الطبقة ومتجذراً في صفوفها:


"كي يحرز العمل الثوري الجاد نجاحاً، فإنه يتطلب أن تكون فكرة أن الثوريين قادرين على القيام فقط بدور الطليعة المتقدمة والمقدامة بحق، فكرة مفهومة ومُترجمة إلى الحركة والممارسة العملية. والطليعة تمارس مهماتها كطليعة فقط عندما تتجنب الانعزال عن كتل الجماهير التي تقودها، عندما تغدو قادرة على قيادة الجماهير ككل إلى الأمام" (32).



إن الحاجة إلى الحزب الثوري، كما أشرنا من قبل، هي انعكاس لتفاوت الوعي داخل الطبقة العاملة. وفي نفس الوقت يعمل الحزب، من أجل تقليص هذا التفاوت، على رفع الوعي داخل الطبقة العاملة إلى أعلى مستوى ممكن. أما التكيف مع متوسط الوعي أو المستويات الدنيا منه، فذلك بالتأكيد من طبائع الانتهازية. وعلى الجانب الآخر، يعد انفصال الحزب وعزلته عن القطاعات الأكثر تقدماً من الطبقة أول طريق العصبوية. بينما النضال في القلب من الطبقة من أجل رفع القطاعات المتقدمة منها إلى أعلى مستوى ممكن في ظل الظروف المسيطرة، فذلك هو الدور الحقيقي الذي يضطلع به الحزب الثوري.



ومن أجل التعلم من الجماهير، على الحزب أن يتعلم هو الآخر من أخطائه، وأن يتمتع بدرجة عالية من النقد الذاتي.



"إن موقف الحزب السياسي تجاه أخطائه يمثل واحداً من المقاييس الأكثر دقة في تقييم جدية وإخلاص هذا الحزب، وكذا أمانته في التزاماته تجاه طبقته. التعرف بصراحة على الخطأ، التأكد من الأسباب التي أدت إليه، تأمين طرق تصحيحه – تلك هي السمات المميزة للحزب الجاد، والتي هي كيف يمارس دوره ويؤدي واجباته، وكيف يجب عليه تثقيف وتدريب طبقته، ومن ثم الجماهير" (33).



"على حزب الطبقة المتقدمة المناضل ألا يخاف من الوقوع في الأخطاء. ما يجب أن يخافه بحق هو الإصرار على الخطأ، ورفض الاعتراف به وتصحيحه هرباً من شعور مزيف بالعار" (34).



في 21 يناير 1905، كتب لينين مؤكداً على ضرورة أن تكون الجماهير طرفاً في تصحيح الحزب لأخطائه:



"نحن الاشتراكيون الديمقراطيون نلجأ إلى السرية من القيصر وكلابه في حين نسعى من أجل أن تعرف الجماهير كل شيء عن حزبنا، وعن أطياف الرأي بداخله، وعن تطور برنامجه وسياسته، وحتى أن يعرفوا ماذا قال هذا المندوب أو ذاك أثناء المؤتمر الحزبي في القضايا المختلفة" (35).


والنقاش المفتوح يعتبر ذا أهمية وضرورة أكبر في فترات النضال الثوري المباشر، وكما كتب لينين في 25 أبريل 1906، فإن:



"في الفترات الثورية مثل هذه التي نعيشها اليوم، يتم الزج بكافة الأخطاء النظرية والانحرافات التكتيكية على الفور في اختبار الممارسة نفسها، هذه الممارسة التي تتعلم الطبقة العاملة وتستنير بها بسرعة غير مسبوقة. في مثل هذا الوقت، يصبح على كل اشتراكي ديمقراطي أن يكافح من أجل أن يضمن أن النضال الأيديولوجي داخل الحزب حول القضايا النظرية والتكتيكية يجري بشكل حر ومفتوح وواسع بقدر الإمكان، لكن في الوقت نفسه لا يعوق وحدة الفعل الثوري للبروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية" (36).



ألح لينين مراراً وتكراراً على أن هذا النقاش لا ينبغي أن يكون محدوداً أو أسيراً داخل الدوائر الحزبية، لكن أن يجري بشكل مفتوح كي يتمكن من هم ليسوا أعضاءاً بالحزب من متابعته والمشاركة فيه.



"لن يكون هناك حزباً جماهيرياً، لن يكون هناك حزباً للطبقة، من دون وضوح كافي لكافة الأطياف الأساسية، من دون نضال مفتوح بين التيارات المتنوعة، من دون أن يصبح واضحاً أمام الجماهير أي من القادة، وأي من منظمات الحزب تسير في هذا الاتجاه أو ذاك. من دون ذلك، لن يُبنى حزب يستحق هذا الإسم" (37).



ومرة أخرى:



"يجب أن يكون النقد، ضمن إطار مبادئ برنامج الحزب، حراً وطليقاً (ونحن نذكّر القارئ هنا بما قاله بليخانوف حول هذا الموضوع في المؤتمر الثاني للحزب) ليس فقط في اجتماعات الحزب، لكن في الاجتماعات العامة أيضاً. مثل هذا النقد لا يمكن ولا ينبغي إيقافه" (38).



هناك علاقة جدلية بين ديمقراطية الحزب وجذور هذا الحزب داخل الطبقة العاملة؛ فمن دون سياسة طبقية صحيحة وحزب مكون بالأساس من الطبقة العاملة، لن تكون هناك فرصة حقيقية لديمقراطية حزبية صحية وقويمة. ومن دون قاعدة عمالية متماسكة، لن يعدو كل الكلام حول الديمقراطية والانضباط في الحزب سوى لغطاً لا معنى له. والعكس صحيح أيضاً؛ أي أنه من دون ديمقراطية حزبية ونقد ذاتي مستمر، يصبح من المستحيل تطوير السياسة الطبقية للحزب.

"لدينا أكثر مما أعلناه من وجهات نظرية بخصوص أهمية الالتزام، وكيف يمكن الإلمام بهذا المفهوم في حزب الطبقة العاملة. لقد عرّفناه بأنه وحدة الفعل وحرية النقاش والنقد، هذا النوع من الالتزام هو فقط ما ينبغي أن يسير وفقه حزب طليعة الطبقة الديمقراطي" (39).



"لا تعترف البروليتاريا بوحدة الفعل دون حرية النقاش والنقد" (40).



وإذا كانت الديمقراطية ضرورية من أجل استخلاص واستيعاب الخبرات المختلفة للنضال، فإن المركزية والانضباط هم أيضاً ضروريين لقيادة النضال. إن التماسك التنظيمي المحكم يجعل الفرصة سانحة للحزب للتحرك الموحد – وأيضاً لاتخاذ المبادرات – لتوجيه حركة الجماهير. والحزب الذي لا يتمتع بثقة عالية في نفسه لا يمكن أن يحوز ثقة الجماهير. وبدون قيادة حزبية تتخذ خطواتها بحزم وتنكفئ على قيادة وتوجيه حركة العضوية ونشاطها، لا حزب ثوري يمكن أن يولد. الحزب الثوري هو منظمة مركزية تقود النضال من أجل السلطة، وهكذا فإن هناك حاجة ماسة إلى الانضباط في الفعل والحركة.



كلاوزفيتز وفن الحرب



في بداية هذا الفصل كنت أشير إلى أن كتابات كلاوزفيتز كان لها تأثير كبير على مفهوم لينين عن الاستراتيجية والتكتيك. سأعمد هنا إلى تسليط الضوء فقط على نقاط التشابه المذهلة بين كلاوزفيتز ولينين في الأسلوب وصياغة الأفكار.

يبدأ كلاوزفيتز كتابه "حول الحرب" بالتوكيد على أن هناك اختلافاً جذرياً بين المفهوم المجرد للحرب والحروب الحقيقية في الواقع، حيث أن الظروف الفعلية للحرب لا يمكن أن تكون مثالية موضوعة بشكل مسبق؛ فأجواء الحرب ليست محكومة بأسباب بسيطة بل بتداخل سلاسل من الأسباب والتأثيرات المختلفة، كما تلعب العوامل النفسية دوراً قد يؤثر بشكل كبير في تحديد القرارات التي تُتخذ، إلخ. يصنف كلاوزفيتز كل هذه الظروف تحت عنوان "الاحتكاك"، في إشارة للتشابه بين هذا المفهوم الفيزيائي وما يقصده من تناقض بين المفهوم الحقيقي والمفهوم المثالي والميكانيكي للحرب. وفقط من خلال وضع هذا المفهوم في الحسبان يمكن فهم العلاقة بين الحرب الحقيقية والحرب المجردة، بين التجربة والنظرية. ذلك هو مصدر "الاختلاف بين مفهوم الحرب وبين تأثير العوامل الخاصة على اختلافها" (41).



ومن أجل وضع هذا المفهوم النظري في اتساق مع العالم الحقيقي، فنحن بحاجة إلى "العودة دائماً إلى الحصيلة الناتجة عن الخبرة؛ إذ بنفس الطريقة تؤتي الكثير من النباتات ثمارها إن لم تنبت عالياً، هكذا أيضاً في الفنون العملية، يجب ألا تنبت الأوراق والأزهار النظرية عالياً، لكن أن تبقى بالقرب من الخبرة والتجربة، التي هي تربتها الخصبة" (42).



يقوم فن الحرب على عدد من العلوم مثل الفيزياء والجغرافيا وعلم النفس، إلخ، لكن على الرغم من ذلك يبقى فناً. والقائد العسكري الناجح هو الذي يعمد إلى استخدام هذه العلوم لتحقيق هدفه في سحق العدو. ولأن الحرب هي أمر مليء بالتعقيدات المتشابكة، فينبغي أن يتحلى القائد العسكري بقوة الإرادة من ناحية، ومن الناحية الأخرى بالحدس وبالأفق الواسع في وضع التصورات.



"إن كل حرب بالتأكيد ثرية للغاية بالكثير من الأحداث، لكنها في الوقت نفسه تبدو كالبحر الذي لم يستكشفه بشر بعد، بحراً مليئاً بالصخور التي لا يراها القبطان وعليه أن يحذر من الاصطدام بها، بل عليه أن يبحر بسفينته حولها في ظلام الليل. وإذا هبت رياح معاكسة، أي إذا ناوءه أي حدث عارضي، فعليه بالضرورة أن يطلق كل مهارته وحيويته وحضوره الذهني" (43).



وببراعة فائقة صاغ كلاوزفيتز العلاقة بين الاستراتيجية والتكتيك كالتالي:



"الاستراتيجية هي توظيف المعركة للانتصار في الحرب، لذا عليها أن تحدد هدفاً للفعل العسكري ككل، والذي يُحدد هو الآخر وفقاً للغاية من الحرب نفسها. وبكلمات أخرى، ترسم الاستراتيجية خطة الحرب، ومن أجل ذلك عليها أن تربط سوياً حلقات طويلة من التحركات في سلسلة واحدة تقود للهدف، ومن هنا نقول أن الاستراتيجية تضع الخطط الخاصة بالمعارك المنفصلة وتنظم القتال في كل منها على حدا. وبما أن أغلب تلك الأشياء يتم تحديدها فقط عن طريق التخمين، لذا فمن المحتمل أن يجانب الصواب بعضها، إلا أنه يجدر القول أيضاً أن الكثير من الترتيبات المتعلقة بالتفاصيل لا يمكن إقرارها سلفاً؛ فالأمر برمته يعتمد بالطبع على سير الاستراتيجية مع الجيش إلى ميدان القتال من أجل الإلمام بالتفاصيل وتنظيمها في القلب من المعركة، ومن أجل إجراء التغييرات في الخطة العامة، تلك التغييرات التي تغدو ضرورية باستمرار أثناء الحرب ككل.. وهكذا لا يمكن أن تسحب الاستراتيجية يدها من ميدان الفعل المباشر ولو للحظة واحدة" (44).

على التكتيكات أن تخضع للاستراتيجية، لكن في الوقت نفسه ربما تستلزم سلسلة من الخطوات التكتيكية إجراء تغيير في الاستراتيجية نفسها.



"إن الأمور الأقل أهمية، أو الهامشية والثانوية، تعتمد على القضايا الرئيسية الأكثر أهمية وتتحدد على أساسها.. هذه القاعدة يجب أن تكون مرشداً لتفكيرنا" (45).



لقد استطاع كلاوزفيتز بتفكيره الجدلي وعدم اعترافه بالقوالب الجامدة، أن يدرك بعمق وبوضوح العلاقة بين النماذج المثالية والواقع الذي تسعى لتشكيله، لقد أدرك جيداً العلاقة العضوية بين النظرية الممارسة في تطور كليهما، حيث أمسك بالخط الواصل بين العلوم الضرورية للقيادة الناجحة في الحرب وبين فن الحرب. وقبل كل شيء، كان لديه فهماً متميزاً للأهمية البالغة للحدس المدعوم بالمفاهيم النظرية العلمية.



كان لأفكار كلاوزفيتز أثراً بالغاً في كتابات فريدريك إنجلز العسكرية، وكليهما – كلاوزفيتز وإنجلز – أثّرا بعمق في لينين. كانت عبقرية لينين الأساسية تكمن في أن الاستراتيجية والتكتيك، في تشابكهما مع الخبرة العملية، مثلتا بالنسبة للينين جزءاً من تفكيره وحياةً تجري في دمه. وبسرعة، وحتى في أوقات عصيبة، كان لينين يطوّر الاستراتيجية والتكتيك الأكثر كفاءة، وخلال ذلك كانت إرادته تتكامل مع عبقريته.



أنعشت ثورة 1905 قدرات لينين الاستراتيجية والتكتيكية بغزارة، وهذه القدرات قد ظهرت بكامل عظمتها بعد ذلك بإثنى عشر عاماً في انتصار ثورة الطبقة العاملة في أكتوبر 1917.



هوامش:

(1*) كارل فون كلاوزفيتز (1780 - 1831): جنرال بروسي وفيلسوف حرب، خدم في الجيش البروسي أثناء الغزو على فرنسا خلال الثورة الفرنسية العظمى، وشارك في حروب نابليون في الفترة من 1806 إلى 1815. استوحى كلاوزفيتز أفكاره من نابليون، ومن أشهر كتاباته "حول الحرب – On War" الذي لم ينته منه حتى وفاته – المترجم.



(2*) في مذكراته، تطرق بوكروفسكي إلى أن البلاشفة قد أرسلوا وفداً إلى لينين في 1908، وكان بوكروفسكي نفسه مشاركاً في هذا الوفد الذي طلب من لينين أن يتخلى عن دراساته الفلسفية وأن يعود إلى العمل السياسي، لكنه رفض باقتضاب شديد (12).



(1) Lenin, Collected Works, vol.24, p.43.

(2) Lenin, Collected Works, vol.30, p.356.

(3) ibid., vol.35, p.131.

(4) ibid., vol.9, p.86.

(5) ibid., vol.7, p.65.

(6) ibid., vol.27, p.48.

(7) ibid., vol.26, p.135.

(8) ibid., p.56.

(9) ibid., vol.9, p.103.

(10) Molodaia gvardiia, February-March 1924, p.248.

(11) Gramsci, op. cit., p.201.

(12) I. Deutscher, Stalin, London 1949, p.116.

(13) Lenin, Collected Works, vol.17, p.280.

(14) ibid., vol.9, p.146.

(15) Trotsky, Terrorism and Communism, University of Michigan Press 1961, p.101.

الإرهاب والشيوعية، ليون تروتسكي، ترجمة جورج طرابيشي، صفحة 96، دار دمشق للطباعة والنشر.

(16) Lenin, Collected Works, vol.13, p.36.

لينين: ضد المقاطعة (حسب ملاحظات كاتب اشتراكي ديمقراطي)، 26 يونيو 1907، الأعمال الكاملة بالفرنسية – المجلد 13، ترجمة ونسخ: جريدة المناضل – المغرب (مارس 2005).

(17) Trotsky, History of the Russian Revolution, op. cit., p.138.

تاريخ الثورة الروسية – الجزء الأول، ليون تروتسكي، ترجمة أكرم ديري وهيثم الأيوبي، صفحة 92، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

(18) Lenin, Collected Works, vol.9, p.149.

(19) ibid., vol.12, p.22.

(20) ibid., p.489.

(21) ibid., vol.9, p.262.

(22) Trotsky, History of the Russian Revolution, op. cit., p.978.

تاريخ الثورة الروسية – الجزء الثاني، ليون تروتسكي، ترجمة أكرم ديري وهيثم الأيوبي، صفحة 126، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.

(23) Lenin, Collected Works, vol.5, p.502.

(24) Trotsky, On Lenin, London 1971, pp.124-5.

(25) ibid., pp.193-4.

(26) Can the Bolsheviks retain state power?, in Lenin, Collected Works, vol.26, p.120.

ورد النص باللغة العربية في "هل يحتفظ البلاشفة بالسلطة؟"، مختارات لينين – الجزء الثالث، صفحة 67 و68، دار التقدم بموسكو.

(27) Krupskaya, op. cit., p.106.

(28) Trotsky, Diary in Exile, London 1958, p.81.

(29) T. Deutscher, ed., Not by Politics Alone, London 1973, p.71.

(30) Lenin, Collected Works, vol.5, pp.509-10.

ورد النص باللغة العربية في "ما العمل؟"، صفحة 89، دار التقدم بموسكو. ويستشهد لينين هنا بمقالة لبيساريف بعنوان: "زلات فكر غير ناضج" – المترجم.

(31) ibid., vol.35, p.242.

(32) ibid., vol.33, p.227.

(33) ibid., vol.31, p.57.

(34) ibid., vol.26, p.58.

(35) ibid., vol.8, p.523.

(36) ibid., vol.10, pp.310-1.

(37) ibid., vol.13, p.159.

(38) ibid., vol.10, pp.442-3.

(39) ibid., vol.11, p.230.

(40) ibid., vol.11, p.321.

(41) Carl von Clausewitz, On War, London 1971, pp.164-5.

(42) ibid., p.91.

(43) ibid., p.166.

(44) ibid., p.241.

(45) ibid., p.389.



#توني_كليف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصر الثورة الماركسية في الألفية الجديدة
- لينين والحزب الثوري
- البرافدا اللينينية
- اليهود، إسرائيل والهولوكوست
- لمحة عن حياة روزا لوكسمبورغ
- ثورة ديمقراطية أم ثورة اشتراكية


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - توني كليف - الاستراتيجية والتكتيك عند لينين