أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عثمان أيت مهدي - عن التشاؤم والعبثية من جديد














المزيد.....

عن التشاؤم والعبثية من جديد


عثمان أيت مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 4011 - 2013 / 2 / 22 - 03:38
المحور: الادب والفن
    


لست أدري لماذا تنتابني من حين لآخر، هذه المسحة السوداوية، التي تجعل أيامي ثقيلة ومملة، وأفكاري متشائمة وعبثية؟ صحيح، أتذكر أنني كنت في الثانوي، أقرأ وأحفظ الكثير من أشعار أبي العلاء المعري، لا سيما رائعته:
غير مجد في ملّتي واعتقادي نوح باك ولا ترنم شاد
كما كنت أحفظ لابن الرومي، الطائر الذي غرّد خارج سربه، كما وصفه عباس محمود العقاد، وما أجمل قوله !:
ولقد مُنِعْتُ مِن المَرافق كُلِّها حَتى مُنعتُ مرافق الأحْلامِ.
وأحفظ الكثير لأبي الطيب المتنبي الذي صارع الأيام التي كانت تحول دون أن يحقق أحلامه الكبيرة وأمانيه العظيمة، فخلدّ كلّ ذلك في قصائد ضمّنها حكما خالدة، يندر من يعرف المتنبي ولا يحفظ بعضا منها، أو يعشق المتنبي ولم يتأثر بكثير من آرائه وأفكاره الصائبة.
كانت هذه المرحلة الثانوية، مرحلة المراهقة، مرحلة الصراع بين الطفولة والرجولة، مرحلة الصراع بين الواقع المعاش وأحلام الشباب. مرحلة الصراع بين الانتماء إلى عالم متخلف ضعيف والرغبة في ملاحقة الركب الحضاري المتطور.
واتسعت مداركي، وتوسعت قراءاتي في سنوات دراستي الجامعية لتشمل الكثير ما جادت به أقلام العبثيين من فرانز كافكا في "المسخ" و "المحاكمة" سنة 1925، وألبير كامو ورائعته "أسطورة سيزيف" التي كتبها سنة 1942، حيث كان يرى أنّ كلّ شيء في الوجود معقول، ولكنه بالمقابل يرى علاقة الأشياء مع بعضها غير معقولة. إلى أرنست همنغواي وقصته الشيّقة "الشيخ والبحر التي كتبها سنة 1951 بكوبا، وكلاهما نال شهادة نوبل للآداب سنتي 1957 و 1954. ولم أكتف بقراءة الأدب اللامعقول أو العبثية، بل كنت أقرأ عن الدادئية والسريالية، المذاهب الأدبية التي برزت بعد الحرب العالمية الثانية، التي نتجت عن معاناة الإنسان من هذا الواقع المرّ الذي شهدته أوروبا. وكان أثره على العالم العربي أقلّ حدّة، وبأقل عدد ممكن من الكتاب الذين تأثروا بهذه المذاهب المتمردة، المتشائمة، المثبطة للعزائم، الداعية إلى العزلة والضياع.
كنت أقرأ لهؤلاء ولغيرهم، ولم تظهر عليّ علامات التمرد ولا التشاؤم، كنت محبا للحياة، متنقلا من مكتبة لأخرى طالبا المزيد من المعرفة. أحببت الأدب الرومانسي وعشقته، ارتميت في أحضان الأدب الكلاسيكي واغترفت من ينابيعه الأصيلة، عانقت أشعار الجاهليين من أمثال: عنترة بن شداد، وزهير بن أبي سلمى، وعبيد بن الأبرص وغيرهم. أحببت ابن زيدون ولسان الدين بن الخطيب، رددت حكم ابن الوردي وغيره.. كنت كالنحلة أنتقل من زهرة إلى أخرى، ومن بستان لآخر. كلما قرأت لأحدهم أنساني ما قرأته للآخر، أو هكذا كان يخيل لي.
كنت أعيش على وهم الثورات العربية، والسعي قدما نحو عصر متقدم زاهر. زعماء يرددون خطبهم الجوفاء على مسامعنا فتقشعر لها أبداننا ونتفاعل معها، زعماء يقودون شعوبهم بشعارات فارغة وعبارات جميلة ومنمقة، فتستكين وتنتظر اليوم الموعود. وكم سفقنا، ورقصنا، ومشينا، وتجمعنا.. وكم كانت تلك الأحلام سعيدة وجميلة؟ لولا أنّ الأيام قد اكتشفت سرّ خداعها، وأبانت عن هشاشة بنيانها، فانهارت وانهار معها الحلم الجميل..
وها أنا ذا أشعر بثقل الأيام ورتابتها من جديد، كلّ شيء يوحي بالملل واللاتجانس، فوضى، ضعف في الأخلاق والقيم. تفرّ الكفاءات العلمية والفكرية فتجد ضالتها بأوروبا، وتحلّ محلها أشباه الكفاءات. يتقلد المناصب أشباه الرجال، فيقودون الأمة إلى الهاوية. كلّ شيء يوحي بالرداءة، وكلّ شيء يوحي بالتخلف. استبداد، قهر، جهل، استهتار، صور سوداوية ولا أبالغ، ومن يرى عكس ما أرى فعليه بالدليل والحجة.
وأحنّ ثانية إلى عبثية أدباء الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي، وأحنّ إلى قراءة شعر أبي العلاء المعري وابن الرومي، وأبي البقاء الرندي. أجد سعادتي في بكائي ونحيبي، وأنام على وقع أنغام المطرب القبائلي معطوب الوناس، ولافتات أحمد مطر، والشاعر الكويتي فهد العسكر الذي يقول:
يا صحابي ويلاه اِستأسد الثعلب واستنعَجَـــتْ أســــــــــــودُ الغـــــــــابِ
والهزبر الهصور أصبـــــــــح كبشا خاضعا رغم أنفـــــــــــــه للكـــــلابِ
وقضـــــــــــــــى نحبــــــــــــــــه هزاريَ لما أصبح الروض مسرحاً للغرابِ
يا صحابي والدهر قد رفع العب دَ وسامَ الأحرارَ ســـــوء العذابِ
بعــــــــــــدما طارد الرؤوس وأقصا هم وغصَّ الميــــــدان بالأذنابِ
هل هي مرحلة نعيشها كما عاشها غيرنا، أم أنها ستمتد إلى سنوات طوال أخرى؟. تمتد من سقوط الأندلس غربا على يد الصلبيين، وسقوط بغداد شرقا على يد التتار، وتستمر بعد ذلك إلى سنوات الانحطاط والاستعمار ثانية، وتصدق بذلك مقولة: "التاريخ يعيد نفسه؟" أم هي ستنتهي باستنهاض الهمم، واستيقاظ الضمائر، وعودة الوعي لمواكبة العصر، إنّنا عنه متأخرون وغافلون؟


عثمان أيت مهدي
الخميس 21/03/2013




#عثمان_أيت_مهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر
- -المعرفة- في خدمة الإمبريالية والفاشية والاستبداد
- روزي جدي: العربية هي الثانية في بلادنا لأننا بالهامش العربي ...
- إيران تكشف عن ملصق الدورة الـ43 لمهرجان فجر السينمائي
- هوس الاغتراب الداخلي
- عُشَّاقٌ بَيْنَ نَهْرٍ. . . وَبَحْر
- مظهر نزار: لوحات بألوان صنعاء تروي حكايات التراث والثقافة با ...
- في حضرةِ الألم


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عثمان أيت مهدي - عن التشاؤم والعبثية من جديد