|
رواية صفحات المهزلة بين مثالية النظرية ودونية الواقع
مصطفى الصيد
الحوار المتمدن-العدد: 3989 - 2013 / 1 / 31 - 11:01
المحور:
الادب والفن
" القناص الوهم ... يوجد قناص هنا ... أبي يموت ... أكاد ألمح نيرون واقفا على تل الحرائق في روما ... la morgue ..." تبتدئ الرواية برائحة الموت ، بالدعوة الى التوقف عن المسير كأن " الطريق انتهى و لم تبدأ الرحلة بعد ". لكن زهير البطل لا يأبه لذلك ، أما القارئ فيجب عليه أن لا يأبه لذلك حتى يعطي للنص معناه و إيحاءاته الدلالية . ذات قصيدة قال الشاعر نزار قباني "هل يولد الشعراء من رحم الشقاء؟ ! " . هنا تولد الرواية من رحم الشقاء، من رائحة الموت و الرصاص و الدماء و فرق المباحث لذلك كانت نوعا من " الكلام الذي يخرج عن السياق العادي ". ثم تنفرج المأساة عندما يتفق البطل مع سكان الحي في لحظة من لحظات الرواية على الصراع ضد السلطة.
ثم تمتزج الرداءة بجمال بيروت و تونس ومقهى باريس و نزل الماجستيك و رائحة المطر و أشجار شارع بورقيبة... و رغم ذلك يظل زهير مصرًّا على قضم أظافره كلما شعر بالوحدة و القلق...
ثمة صراع داخلي يعيشه البطل و يمزّقه غلى درجة التدمير ، صراع بين مثالية النظرية و دونية الواقع و رداءته ... ثمة رغبة في الإفلات من الزمن الذي يحاصره في طريق يبدو أنه لم يختره حتى لكأنه أُلقي به في اليم مكتوفا و قيل له إياك أن تبتل !! و ثمة رغبة في تخطي العراقيل و السموّ عن الممارسات القذرة و ربما تلك الرغبة هي التي جعلته يلعق جراحاته ممزوجة بالخمرة... و ثمة صراع داخلي آخر يعيشه البطل ، فمن ناحية تحاول صديقته " نيتشة" - بكل ما يحمله الاسم من رمزية- أن تدفعه الى الحركة و إعمال العقل لإنماء القدرة على الإدراك والتحليل لكل ما يحيط به من بشر ووقائع و أشياء...نجد من الناحية الأخرى فتحية - بائعة المتجر- تحاول دائما إغراءه و إيقاظ الغريزة فيه فكلما حاول التقدم خطوة اصطدم بالواقع المرير و الممارسات السياسية الانتهازية لذلك سيجد عزاءه في العودة بذكرياته الى أيام الطفولة و البراءة ، و أيام الدراسة و أبيه بجبته البيضاء لاعنًا القدر الذي رمى أمامه مجموعة من التحاليل المبهرة و الوعود الحالمة ... و رغم ذلك يدّعي البطل عدم الندم على طريق سلكه فقد أراد " و بصوت التمرد أن يعيش تجربته حتى النهاية" ... لكن اليطوبيا تنقلب إلى ضدها..!
تشعر و أنت تقرأ الرواية بالشتات... و يبدو أن الصراع الداخلي الذي يعيشه البطل ينعكس على كل شيء في الرواية، فأنت تارة في بيروت و تارة في سوريا و تارة في تونس أو في اوروبا . و تارة في المدينة و تارة في الريف ، و تارة في الحاضر و تارة في الماضي. و قد يجعل هذا من الرواية نوعا من فقاعات الأفكار (bubbles of thought) . لكن ثمة دائما خيط يربط بين الأحداث. قد يكون هذا الخيط أن البطل ظل يبحث عن تحقيق نصرما لكن الهزيمة ظلت تطارده كالظل أو ربما قد " شعر أن كل الممارسة السياسية في الجامعة مجرد أحلام رومانسية كاذبة" لذلك كان " بحاجة الى دماء جديدة " فنجده بين الحين والآخر يحاول استحضار بعض المواقف الحماسية فمرة يستحضر فرقة العاشقين الفلسطينية و مرة الشاعر العراقي "مظفر النواب" و مرة المطرب "بوب مارلي".
"ما أسوأ أن تنتظر شخصا لن تراه!؟ "
نيرون أشعل الحرائق في روما و وقف يستمتع بالنظر إليها لكن زهير وقف يتألم لمشهد الحرائق في الجامعة و في تونس و في بيروت و في المخيمات ... و لم يحقق أي نصر ! فشل في الحصول على الشهادة الجامعية وفشل في العمل السياسي و فشل في توفير المال و فشل مع نيتشة و مع فتحية................ ولم يأت غودوGodot !!!
من مكتب التحقيق إلى مكتب التحقيق. لا أدري جيدا هل ابتدأت الرواية من حيث يجب أن تنتهي أو أنها انتهت من حيث يجب أن تبدأ !!
#مصطفى_الصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|