أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة حبشى - فصل من رواية ... سرير الرمان .....قيد الاصدارللروائى أسامة حبشي















المزيد.....

فصل من رواية ... سرير الرمان .....قيد الاصدارللروائى أسامة حبشي


أسامة حبشى

الحوار المتمدن-العدد: 3970 - 2013 / 1 / 12 - 13:56
المحور: الادب والفن
    


(31)

شىء أحب ذكره الآن حدث لى بينما كنت أعمل موظفا، ذلك العمل الذى لم يدم أكثر من بضعة شهور، وهو أننى كنت مضطراً لسماع زملاء تقتلهم الوحدة برغم زواجهم، شخوص لاأعرف لماذا تزوجوا ماداموا يكرهون أزواجهم لهذا الحد، يومياً تأتى واحدة وراء الأخرى وتدخلن فى كلام يجعلنى أبكى من داخلى وأتساءل لماذا لهذا الحد هم حزانى؟ ولا أعرف لماذا كل هذه الثقة فى غريب جاء المكان صدفة وسيعبر من الباب راحلاً بلارجعة بعد قليل؟ الحقيقة أن نور الدين فهمى نتيجة توصيته علىّ بالعمل الكل اعتقد أننى مهم وأننى جئت بواسطة كبيرة جداً، والذى هون علىّ هذا الوضع – بعد الدكتور- هو ناقد شاب يدعى سمير، أصبح مقرباً منى ويشترك معى فى رؤيتى لهذا المكان الخرب كان سمير شخصا مرحاً ومكتئباً معاً، شخصا يعُد للدكتوراه، وانتدب للمكان قبلى بشهر، صرت أنا وسمير نرى المكان من وراء حجاب ونضحك عليه معا، وفجأة ألغى سمير انتدابه ورجع لمكانه القديم، ولكن لم تنقطع علاقتنا، الغريب أن سميراً كان له صديق يعيش فى إيطاليا عرفنى إليه، وكان من الذين جمعوا المال من أوربا، وكان الحديث يطول عن صديقه وكان صديقه يحسدنى على جرأتى فى الاستقرار بمصر، سمير بحق شخص أدين له بإلغاء محاولة الانتحار، وكان يقول دائماً:
- اصبر فالزمن القادم زمننا.
وكنت أصدقه وكثيراً ما أوضح لى أشياء مهمة فى النظريات النقدية، وأيضا فى كلامه عن النخبة عندما قال:
- لايوجد كاتب فى الدنيا بلا خبرات استثنائية.
أؤمن بهذا إيمانا مقدساً، وأكره كلمة النخبة كرهاً شديداً مثل صديقى سمير، فمنذ بداية وجودى بالقاهرة وعبر التسكع ومن خلال غوصى فى لحظاتى رأيت الكثير من أماكن تجمع المثقفين، رأيت من صار مشهوراً ومن هو فى طريقه للشهرة، ولكن الأمر – وإلى الآن- كان مستفزاً ومرعباً، فكيف لكاتب لايعرف فى حياته سوى شارعين ومنزل وعمل لم يغيرهما منذ عقود أن يكتب ويبدع؟هل يرى العالم من خلال القراءة؟ فإذا كان يقضى الساعات تلو الساعات بالمقهى فكيف يمكن أن يكون قارئا؟ إذن من أين يأتون بالكلمات؟ ولماذا مايكتبونه عبارة عن مجرد نهش فى مجتمع لايعلمون عنه شيئاً؟ لماذا لم أجد كاتبا له مشروع يتطور وينمو كالنبتة؟
الحوار مع سمير دائما ماينتهى بضحكات ساخرة وترك العالم ومابه خلف ظهورنا.
(32)

الانتحار كلمة مهمة وفضفاضة، كلمة تعنى التنازل طواعية عن لحظات قادمة، كلمة تصر على فرض نفسها فى الأوقات العصيبة، الانتحار هروب أحيانا ، وفى أحيان أخرى موقف مما نرفضه. مرات كثيرة فكرت فى الانتحار معتقداً أننى إنسان فاشل لايحق له الحياة بعد، وفكرت فيه أيضاً معتقداً أننى أكتفى من الدنيا بما جمعته من لحظات، آخر مرة للانتحار كانت تنتمى للمعنى الثانى، لذا اتصلت بالمقربين لى وحددت موعدا محددا للاحتفال بهذا الإنتحار وكان العاشر من شهريوليو الساعة العاشرة مساء بميدان التحرير وقررت الاتصال ببعض البرامج التليفزيونية بغرض التصوير، ورتبت قبلها بشهر للدعوة وكان من المقرر أن يكون الانتحار بعد شرب نخب الموت بالبيرة وعلى ضوء الشموع، كان الجميع يرانى مهرجاً، والبعض صدق كلامى لكننى ألغيت الفكرة بسبب رغبتى فى كتابة نفسى وبعدها سأرى فكرة إنتحارى، ولا أخفى سراً أننى الآن نادم على تأجيل تنفيذ انتحارى، وعاجز عن فهم خوفى من ترك لحظاتى.

(33)

كاثرين تتهمنى مؤخراً بقلة الكلام الزائد عن الحد، وتذهب كثيراً وحدها لخيمة البدوى ، وأحيانا تبيت هناك بمفردها، وأحياناً أخرى تكون حنوناً جداً معى ومع جسدى الذى وصل منتصف الخمسينات، كانت ماتزال امرأة عفية، قوية، مغرية، تتحدث كثيراً عن روايتى وتقول إنها تحفظ كل كلمة بها وأنها ستكتبها مرتبة يوماً ما، كانت تذهب للبدوى ومعها أوراق بيضاء كثيرة، وعندما سألتها عن السبب ،كانت تقول إنها تحب الكتابة بجوار البدوى، كاثرين صارت مثلى لاتهتم بقص شعرها الذى وصل لكعبيها، كنا أحياناً نربط شعرنا معاً ونبتعد ونضحك على المسافة السوداء التى يشكلها بيننا، فى الفترة الأخيرة أيضاً استفاضت كاثرين فى استرجاع حياتها الماضية أمامى وكانت تتعمد أن أسمعها، كاثرين امرأة لم تقع فى الحب كثيراً وإن كانت مارست الحب ، قالت إنها وقعت فى الحب مرتين فقط والمرة الثالثة والتى ستكون الأخيرة هى أنا، أعرف أن كاثرين تحبنى برغم فارق العمر بيننا، وأعرف أنها قد تحترم هذه العلاقة حتى وإن مت الآن، لكنها أكدت لى أنها لن تحب مرة أخرى، وأنها ستمكث هنا إلى أن تموت، سألتنى كثيراً عن المرة التى أحببت فيها بصدق، وأخبرتها عن قصتى مع"هند" تلك المتزوجة التى انتظرت أربعة أعوام لكى تنفصل عن زوجها، لكنها لم تفعل، الحقيقة أن هند هذه الفتاة الريفية المصرية التى قابلتها فى أوربا والتى بالفعل لم أمارس معها ممارسة كاملة كانت الفتاة الوحيدة فى الكون التى إن تزوجتها لكانت فلسفتى قد انتهت مع لحظة زواجها بى، ولكن هند اختفت، أصرت كاثرين على سماعها لوصف هند ، وكانت عيناها تمتلآن بالغيرة والحقد عند ما أستفيض فى وصف هند، ولاحظت كاثرين أن هند اً لا ذكر لها بالرواية التى اكتبها، فعلقت قائلاً:
- هند ليست بحاجة للكتابة، ولا أعرف السبب الحقيقى وراء عدم ذكرها فيما كتبته.
طلبت منى كاثرين أن أحممها بجانب البئر، كما فعلت هى معى مئات المرات سابقاً، وبينما كنت أحممها كانت تنطق شعراً لابن الفارض، وبعدها شعرت أننى أرغب فى الممارسة معها، كانت الرغبة لدى تزعجنى، فقد كنت أشعر أنها ستكون المرة الأخيرة التى ألمس فيها كاثرين،والغريب أن كاثرين كانت ترى ذلك فى عينى لذا قالت:
- برجاء أن تفعل ذلك معى وأنت تعلم أنك ستكون الأخير فى هذا الكون الذى سيلمسنى، أتفهم؟
قلت:
- أشعرأنها المرة الأخيرة لى التى سأفعل فيها ذلك؟
قالت بصوت دافئ:
- إذن لنجعل من هذه المرة ذكرى تكفينا لبقية العمر يا حبيبى..أنا أحبك حقا.
أخبرتها أننى أحبها أيضاً وأخبرتها أن تأخذ الحذر فقدماها تنزلقان فى فلسفتى التى تصنع من الماضى مستقبلاً وتصنع من اللحظة كوناً خاصاً بذاته، لم تعلق كاثرين بكلمة ، وأوقفت لسانى عندما غاص فى تقبيل لسانها.


(34)

جمعت بعضاً مما كتبت فى روايتى ، تحركت باتجاه سرير الرمان وحدى ، نادتنى كاثرين – كنت أعتقد أنها نائمة- وقالت:
- أهى اللحظة إذن؟
- لاأعرف ؟ هكذا أجبت
احتضنتنى كاثرين بقوة وهمست لى :
- عابر الصحراء والرمان يرحل هناك .. وأنا سأمكث هنا.
كان الحوار مشابها للمرة الأولى التى قابلت فيها كاثرين وكأن كل الأمور فى حياتى ترتد لسيرتها الأولى.
تركت كاثرين وهى تشير بيدها مودعة فى سلام وحب، وصعدت فوق سرير الرمان، وذهبت بعيداً فى عرض البحر، وبلا تردد بدأت فى السماح لكلماتى أن تنتهى، أردت لتطهرى - من ذنوبى تجاه والدتى وأبى- أن يصعد إلى السماء، أرى البحر الآن هو السماء وحجر أمى هو السرير، ورأيت وجه "كالفينو" يقرأ نهاية رواية "بالومار" كم كان منظر الأوراق ممتعاً فى السماء وممتعاً عندما يهبط متحداً مع الماء، فمن المؤكد أن الطبيعة الآن تدرك كلماتى، أرى الحبر ينسحب من الأوراق ويتحد مع الأمواج القادمة من الشط الآخر، نزعت شالى وتركت شعرى يغتسل بأحاسيس مفردات الرواية، وتمددت على سرير الرمان صامتاً ، هادئاً، وكانت يد أمى تأتى من هناك ويد أبى تصعد من الماء، ورأيت البدوى يسير بجمله على الماء، ورأيت قصور"كاشان" وسوق السجاد بها والفتاة الإيرانية ، ومدينة القاهرة تقترب من وراء الجبال كالطوفان، ورأيت نور الدين فهمى، ورأيت هند وياسر والقطة الغجرية والأربع فتيات على كرسى أوحد وبمعنى أدق رأيت الرمان ونهره يستقر فىَّ...
رأيت كاثرين تأتى حاملة كتاباً وحيداً، ترى هل كاثرين نسخت روايتى أم أنها ستكتبها يوماً ما؟ احتمال جائز فقد كانت تذهب لمقام البدوى حاملة أوراقاً ولا تعود بها، ومحتمل أيضا أنها تكتب ذاتها أو أنها ستكتب فلسفة الرمان التى عجزت عن صياغتها فى كلمات وإن كنت عشتها كثوان وكلحظات وكأيام وشهور أو كسنوات،عشتها هائما فى الرمان والجنون.

ياقارئى العزيز،أعترف أننى حرضتك على المضى معى إلى الأمام ومازلت أحرضك من دون أدنى فكرة عن مآلنا كما يقول "والت مان" لذا أغمض عينى ببطء برغم الصعوبة الشديدة وسأترك أيها القارى الكريم وسأذهب بعيدا ، بعيدا، فيماوراء السحاب مستنجدا بالكلمة الفيصل فى حياتى"حريتى يابلادى/حريتى يارمان، وآخر ماتذكرته - أيها القارىء- وكنت سعيدا لختام حياتى به جملتان للشاعر حلمى سالم:

(قلت ياعين ياليل ُ
سيجىءويل وراءه ويلُ
فردت البنتان:
ياليل ياعين
المحبات دين
دينُ)







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طه حسين وفيماوراء ثورة 25 يناير
- طه حسين وفيما وراء ثورة 25 يناير ..قراءة فى كتاب الأيام
- قراءة فى رواية حكاية شمردل لعمار على حسن


المزيد.....




- العراق ضيف الشرف.. ما أسباب تراجع المشاركة العربية في معرض ط ...
- العراق حاضر بقوة في مهرجان كان السينمائي
- رئيس الوزراء الإسباني يتهم -يوروفيجن- بـ-ازدواجية المعايير- ...
- بنزرت ترتدي عباءة التاريخ.. الفينيقيون يعودون من البحر
- نيكول كيدمان محبطة من ندرة المخرجات السينمائيات
- الأميرة للا حسناء تفتتح الدورة الـ28 لمهرجان فاس للموسيقى ال ...
- مهرجان كان: موجة الذكاء الاصطناعي في السينما -لا يمكن إيقافه ...
- عبد الرحمن أبو زهرة اعتُبر متوفيا.. هيئة المعاشات توقف راتب ...
- عمر حرقوص يكتب: فضل شاكر.. التقاء الخطَّين المتوازيين
- فريق بايدن استعان بخبرات سينمائية لإخفاء زلاته.. وسبيلبرغ شا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسامة حبشى - فصل من رواية ... سرير الرمان .....قيد الاصدارللروائى أسامة حبشي