أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين غريب - ثقب فى العباءة السوداء














المزيد.....

ثقب فى العباءة السوداء


محيي الدين غريب
كاتب ومهندس

(Mohey Eldin Gharib)


الحوار المتمدن-العدد: 3955 - 2012 / 12 / 28 - 00:53
المحور: الادب والفن
    


صباح هادئ جميل ليوم عادي من هذا الوقت من العام ، ونسمات باردة محببة تلطف المكان الذى يمتلأ بالحدائق الخضراء ، نسمات تحمل معها ندى الأزهار والورود.
كما تعودت كل صباح جلست فى شرفة منزلى لأستمتع بالجو والمكان بصحبة كتاب وقلم وورق للكتابة مستسلما لما تمليه الأقدار. أحيانا أقرأ بعض الصفحات ثم أكتب بعض السطور وأنا أستمع لبعض الموسيقى ، وأحيانا أخرى أهيم سارحا مفكرا فى أمور الحياة ، وبين هذا وذاك كنت أستسلم للنعاس ولو لبعض لحظات.
هكذا كان نمط حياتى منذ أن اعتزلت الحياة العملية بعد سن التقاعد ، وهو نمط أردته ووجدته مناسبا وأنا فى أواخر العقد السابع من عمرى.
كنت أجلس الساعات أفكر وأتأمل وأنا على يقين أن هذه الساعات تمر من العمر بغير رجعة ، ومع ذلك كنت أستمتع بها وهى تنساب متسربة.
اليوم لفت نظرى هاتان الشاباتان المحجبتان خلف عباءات كثيفة السواد وهما تجلسان مع بعض الصغار وسط الحديقة الأنيقة على مرمى النظر من شرفتى فى الدور الاول. تعودت هذا المنظر كل يوم تقريبا ، فعائلات هذه المنطقة عادة ما يتركون أطفالهم لمربيات من مختلف الأشكال والاجناس.
كنت أتمتع برؤية الصغار وهم يلعبون ويلهون ببراءة فى مرح وسعادة وسط الزهور والعصافير ، وكأنهم جزء من هذه الحديقة المنسقة ، جاءوا ليضيفوا لها الكثير من الحياة.
تحركت إحدى الشاباتان واقفة وهى فارهة القوام وهمت لتصور من معها من أطفال بالفديو ، وانساقت بعفوائية للحظات قليلة لتلعب وتلهو مندمجة معهم ، ولكن خطواتها كانت فى حركة محسوبة وفى كبرياء واضح. تحركت وهى تتمتم ببعض الكلمات لهم فى لهجة مسالمة ، ليست آمرة وليست حازمة ، وبالقطع ليست متحدية ليستجيب لها الأطفال طوعا.
لفت نظرى كل هذا ليزيد من فضول متابعتى لها من بين فتحات سور الشرفة وأنا فى حيرة فيما أرى. وأيقنت على الفور أنها لابد أن تكون أما لبعض هؤلاء الأطفال وليست واحدة من المربيات.
خطواتها المحسوبة فضحت تفاصيل قوامها الممشوق ولهجة كلامها فضحت أنوثتها المتوارية خلف العباءة ، وللحظات قليلة أسقط عنها حجابها الذى كان يخفى منها كل شيئ عدا وجهها الصغير الجميل.
ويبدو أن هذا ماكانت تخشاه فلقد سارعت لتعود للجلوس أرضا على النجيلة الخضراء محاولة أن تلملم عباءتها وكأنها تود أن تختفى أكثر بداخلها. بدت لى غير سعيدة كاسفة البال وكأنها وردة أبت أن تتفتح ، وكأنها خجلت من جمالها ، بل وكأنها تود أن تعاقب نفسها.
ولأنها لم تتعود الجلوس أرضا كانت كثيرة الململة ما أضاف إليها جمال الحركة الناعمة.
كنت أخشى ما أخشاه أن تكون متابعتى لها عبأ عليها قد يزيد من قلقها ويضيق من حريتها.
فى داخلى كنت أود لو أستطيع أن أحمل عنها هذا القلق وأن اخفف عنها هذا العبأ وأؤكد لها أننى ما قصدت احراجها ، فخطواتها هى التى فضحتها ، ولهجة كلامها هى التى خلعت عنها العباءة وكشفت عن جمالها لتصبح عباءتها شفافة كالهواء ولتصبح عيناها أكثر بريقا.
لست متأكدا ما إذا كانت هى أيضا قرأت وفضحت ما يدور بعقلى وهى على هذا البعد. ولما لا فالمرأة لها هذه الحاسة بغريزتها الفطرية غير العادية.
وبينما أنا فى هذه الحيرة إذا بها تلتفت ناحيتى وترمقنى بنظرة متمهلة ، نظرة تحمل الوفاق والموافقة وقبول أن أخفف من عليها ، وربما بالسماح بالمزيد من إختلاس النظرات إليها ، أو هكذا هيئ لى ، وكأنها تقول لى أنت أيضا قد فضحتك نظراتك.

لماذا أسرها المجتمع وأصر عليها ألا تتفتح ، لماذا أنكر عليها المجتمع جمالها الذى أنعمت الحياة به عليها كما أنعمت على كل هذه الورود والزهور حولها أن تتفتح وأن تتمتع بحريتها.
مجتمع غامض متناقض مغلق وغيرمقنع أعيد فيه مفهوم الهوية الإنسانية إلى مفهوم مغاير ، هكذا رأيته من بعيد وهكذا أراه الآن من قريب ، مجتمع حزنت عليه أحيانا كما هو حالى الآن ولكنى بكيت عليه أحيانا كثيرة.
****



#محيي_الدين_غريب (هاشتاغ)       Mohey_Eldin_Gharib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب الزيارة - (قصة من الخيال العلمى ) - الفصل الأخير
- كتاب الزيارة - (قصة من الخيال العلمى ) - الفصل الثالث
- التقاط ذاكرة الزمن (قصة قصيرة من الخيال العلمى)
- كتاب الزيارة - (قصة من الخيال العلمى - سبتمبر 2011) - الفصل ...
- أن تكون مصريا !
- محاكمة الانبياء (2)
- كتاب الزيارة - (قصة من الخيال العلمى - سبتمبر 2011) - الفصل ...
- الاتفاقية الكبرى
- محاكمة الأنبياء (1)
- الإسلام السياسى سيؤدى إلى خراب مصر!


المزيد.....




- لا أسكن هذا العالم
- مزكين حسكو: القصيدة في دورتها الأبدية!
- بيان إطلاق مجلة سورياز الأدبية الثقافية
- سميّة الألفي في أحدث ظهور لها من موقع تصوير فيلم -سفاح التجم ...
- عبد الله ولد محمدي يوقّع بأصيلة كتابه الجديد -رحلة الحج على ...
- الممثل التونسي محمد مراد يوثق عبر إنستغرام لحظة اختطافه على ...
- تأثير الدومينو في رواية -فْراري- للسورية ريم بزال
- عاطف حتاتة وفيلم الأبواب المغلقة
- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...
- قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين غريب - ثقب فى العباءة السوداء