أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان















المزيد.....

أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان


يوسف ابو شريف

الحوار المتمدن-العدد: 3954 - 2012 / 12 / 27 - 19:38
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


عزيزي مرزوق:
تذكر بأني أكثرت من الوعود الموثقة ساعة الوداع ،وقلت بأنني لن أنقطع عن مراسلتك مهما كانت الظروف. لقد كنت أخجل ساعتها من بكائك الذي لم أره دموعا في عينيك بل رجات صوت حزين هز قلبي وأجبرني على إطلاق الوعود الفارغة في تلك اللحظة المليئة بالإنفعالات.
كلانا كان يكذب على الآخر ساعتها، فأنا أطلقت وعوداً كنت أدرك بأنها ستسحق في رحى التغيير مع اشيائي الأخرى ثم تعجن بعد السحق ويعاد تشكيلها من جديد . وأنت كذبت علي وتظاهرت بأنك تصدق وعودي مع أنك أكثر الناس دراية بي وتجريبا لوعودي الكثيرة المنكوثة من قبل.
أي صديقي :
مرت خمس سنوات علي وأنا في بلاد الأحلام هذه وما زالت قنبلة التغيير تعدني بالانفجار في داخلي دون أن تفي بوعدها . تعرف كم حملت من الأحلام في حقائبي يوم رحلت الى هذه البلاد. وكنت أنتظر أن أفتح حقائب أحلامي وأخرج محتواها يوم أصل إلى هنا فإجدها حقيقة لا يشابها شك . حرية وتحرر وثراء، جنس متحرر من الحب ، وحب متحرر من المسؤولية ، ومال متحرر من فساد جمعه ، وحرمة صرفه.
كانت تلك الأماني في داخلي عملية حيوية تشوش على كل عملياتي الإنسانية الأخرى، عشت وفيا لها حتى صار واقعي الذي عشته في بلادي قبل الرحيل غربة، وأهلي الذين يتحركون في ذلك الواقع الموحش مخلوقات قادمة من عالم أجهله.
ذبت في حلمي لدرجة اشمئزازي من أي صوت يتحرش بخلوتي معه، فكل الأصوات كانت عندي نشازاً عدا تلك التغاريد القادمة من بلد العجائب المشيدة على أرض آمالي
ناداني من يميني ...... ولسا بيناديني
ويقول لي حصليني .... على بلد العجايب
هل ما زلت تذكر يا مرزوق كم كنت أزعجك بتكرار هذه الأغنية على مسمعك؟! اتذكر حين كنت أقول لك بأنها موسيقى تصويرية لحلمي الذي لا يفارقني.
لقد قضيت عمري قبل الرحيل وأنا أهييء نفسي للحظات التغيير بعد السفر ، فرشت له غياهب نفسي بشخصية جديدة كنت أظن بأن انتقالي إليها سيكون تلقائيا بمجرد أن تتغير معالم الجغرافيا من حولي
ثم جاء الوقت لينتقل جسدي خلف روحي التي سبقته بزمن طويل إلى أرض أحلامي، وتتغير الجغرافيا. ليست جغرافيا الأرض والسماء فقط هما من تغيرتا، بل وجغرافيا الملامح والتراكيب الإنسانية تبدلت بين ليلة وضحاها أمام ناظري . فهنا لم يعد للوجوه ـ ذات التضاريس البائسة من الحرمان ، الراعشة من الخوف ـ مكان من حولي . ولم أعد أرى الناس تنتحر أمامي كل يوم في ملامحها وهي تلقي علي تحية الصباح، وكأنها تكتب وصية ما قبل الموت. كل شيء تغير من حولي لكن قنبلة التغيير التي بداخلي ما زالت إلى الآن عصية على الانفجار.
جلست أتساءل اليوم وقد أصبحت القصعة التي سأملأها بالحرية المحلوم بها ثابتة بين يدي : لم لا تمتلئ قصعتي ولا يتحقق حلمي كما أردت ؟ لم لا أشعر بالسعادة وأنا أرى المشاهد التي كانت تمر أمام عيني في أحلامي وهي تتحول إلى واقع لا شك في حدوثه ، ما زلت الى الآن أنتظر لذة صادمة تستولي على حياتي وشعور بتمييز حياتي الجديدة المتخمة بالغنى والحرية عن حياتي القديمة البائسة بفقرها وكبتها ولكن اللذة لم تأت بعد.
اتذكر يا صديقي حين كنت أمطرك بمشاهد مشرقة حلمت بلعب دور البطولة فيها حين أصل أرض أحلامي . كأن أدخل إلى مركز أمن، وأسب رئيس الدولة فيه، ثم أخرج من الباب حيا أرزق، بل دون أن يجرؤ أحد على احتجازي ولولدقيقة واحدة.أو أن أدخل إلى دائرة حكومية ، وأنجز مصالحي فيها وأحصل على حقي المنصوص في لوائحها، دون أن يرافقني شعور دائم بأني أعتدي على حق الموظفين بالاسترخاء.
أو ذلك الحلم السخيف بأن أمر على رجل وامرأة يقبلان بعضهما في الشارع دون أن يكون المشهد صادما لي أو خارجا عن مألوف حياتي.
لا بد وأنك تذكر تلك الأحلام يا عزيزي التي كنت أعدها عليك حلما حلما كما يعد التقي حبات سبحته بعد الصلاة. كلها صارت الآن في متناول يدي أضعها كل يوم في قصعتي ولكن قصعتي بقيت عصية على الامتلاء.
مازلت أدخل إلى الدوائر الحكومية وأخاف الجلوس في حضرة الموظف حين يدعوني إلى الجلوس. وأرتعب من ابتسامته في وجهي أو مخاطبته لي بصفة احترام متوقعا أن شيئا شريرا لا بد وأنه يختفي خلف ذلك الاحترام .
مازلت أتعامل مع مديري في العمل بنفس الخضوع الذي اعتده في حياتي من قبل، ولم يوقفني عن ذلك استياءه من خضوعي، أوالذل المتأصل في نبرات حديثي حين أخاطبه. فهو لا يفهم ماالذي يرغمني على التمسك بهذا الخضوع، و هو العارف بأني أعرف بأن حقي عنده مصان، وواجبه علي واضح لا لبس فيه .وحق له أن لا يفهم ذلك، فهو لم يربَ في حياته على أن يَستعبِد أو يُستعبَد ليعذرني في ذلي المتجذر في تصرفاتي ، أو ليتوقف عن النفور منه.
اليوم ،كل شيء من حولي يشبه أحلامي في ظاهره ،ولكن الحرية التي انتظرت التلذذ بها صارت تحاصرني من كل صوب حصارا يثقل علي بدلا من أن يفرحني ، و اكتشفت بأن قصعتي التي أخرج بها الى العالم المتخم بالحرية من حولي لأجمع لنفسي شيئا منها مثقوبة ، وثقبها أكبر من أن يسد.
لا يفكر الناس هنا يا عزيزي بأمر حريتهم ولا يطرحون الأسئلة التي أطرحها على نفسي، وهم أيضا لا يبحثون عن حلاوة الحرية الغائبة عن تذوقهم كما أفعل أنا، ذلك لأنها بديهية من بديهيات حياتهم كالنفس الذي يتنفسونه. ووجبة رئيسية على أطباق يومياتهم ، وليست حلويات يتناولونها بين حين وآخر لتزيل عنهم مرارة ما يشعرون به من ذل عاشوه قبل أن يتعرفوا على حرياتهم. أما أنا فلم أولد في بلادي حرا مثلهم ولم تكبر حريتي معي ، لتشاركني لعبي صغيرا ، وأملي كبيرا. فالحرية بالنسبة لي ما هي إلا رغبة جامحة بالإنتقام من ذل عشته حين كنت محروم منها. ولا يمكن للإنسان أن يتلذذ بشيء فقط لأنه يكره عكسه، فحقوق الإنسان ليست زوجة ثانية يتزوج منها كبرياء المرء انتقاما من زوجة أطالت إذلاله. إنها مفاهيم لا يتعلمها الإنسان من كتاب أو محاضرة ، ولا يستطيع تقمصها إن شاهدها في مشهدا أحبه في فيلم، ولا يكفيه أن يكون الجو من حوله مشبعا بها حتى يستطيع تنفسها . أو أن تكون القوانين من حوله حامية لها مدافعة عن مفاهيمها ليأخذ بناصيتها .إنها بذرة تزرع في الإنسان منذ الولادة فيرضعها من ثدي أمه وتنمو معه بنمو أعضائه وتظل جزءاً أصيلا من مكوناته لا يستطيع أن يسلبها إياه أي شيء حتى القبر .
ما زلت إلى اليوم أسيء استخدام حريتي وكأنها عضو ضامر من أعضائي لا حاجة له، ولا أمل يرجى للإستفادة منه بعد أن أهملت استعماله منذ الولادة ، أو أرتديها كالسروال الواسع على خصر نحيل ، فيسقط كلما حاولت النهوض ، حتى صرت كالمشلول لا أقوى على الحراك حتى لا تتكشف عوراتي للناس.
ها أنا ذا اليوم أقف على سور أعراف نفسي نابذا ماضٍ رفضته منبوذا من حاضر يرفضني. حريتي ثقيلة على مداركي بعيدة عن مجال إحساسي محكوم علي كما حكم على بني اسرائيل ـ توهان في الصحراء حتى تجف الفروع التي ترعرعت في العبودية، وتخرج فروع جديدة لم تعرف الذل من قبل.
يحزنني أن تكون أول رسالة أبعثها لك بعد طول الانقطاع محملة بهم لي ،أكبر من الهم الذي تركته خلفي فاعذرتي يا عزيزي

صديقك حسان



#يوسف_ابو_شريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية / هاشم نعمة
- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - يوسف ابو شريف - أيام الرسائل الورقية _ مرزوق وحسان