عبدالقادر بشير بير داود
الحوار المتمدن-العدد: 3945 - 2012 / 12 / 18 - 16:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بينما تذبح غزة في رابعة النهار بنيران السلاح الجوي الاسرائيلي ... يعقد قادة العرب اجتماعا طارئا في القاهرة وهم يستمتعون بالاجواء الباذخة ؛ ويأكلون مالذّ وطاب وهم يتناولون امر العدوان ؛ والحرب السياسية ضد اسرائيل امام العالم ؛ وبعد شد وجذب عنيف ؛ واطلاق سيل عارم من الكلام الحماسي الذي لايغني من جوع تكرم اصحاب السيادة بأرسال برقيات تعازي الى غزة الجريحة ؛ وبعضهم ممن غامر اكثر ارسل وفود التعزية الى غزة ؛ وختم احد وزراء الخارجية القول بأن هذا التنديد والشجب هو افضل مايمكن عمله للفلسطينيين في الوقت الراهن ؛ وان لم نفلح في هذا المؤتمر سنعقد مؤتمرا آخر ... نعم المؤتمرات الكلامية تلو الاخرى هي مساحة القوة العربية في الفعل المؤثر على الساحة الدولية ... اذن ردة فعلهم الغاضبة كانت مجرد كلام انشائي لايرقى الى مستوى الحدث ؛ وهذا مااستيقنتها اسرائيل منذ الوهلة الاولى للحملة العسكرية على غزة ؛ وكما جاء في تحليلاتهم الاذاعية المباشرةواصفين الدول العربية وبعض الدول الاسلامية ب ( النعاج ) ؛ بل وتنبؤا الى ما سيئول اليه الموقف الفلسطيني من الاحداث عند بدء الهدنة حيث سعلنون عن انتصارات سينمائية ؛ ولكن النتائج ؛ وعلى ارض الواقع ؛ وللاسف ستكون لاحقا واستراتيجيا لصالحهم ...
هذا السيناريو المعد له مسبقا بل ولاحقا هو سبب التعنت والاصرار الاسرائيلي ؛ والمبارك فيه من قبل امريكا على ذبح غزة ؛ وعلى مسمع ومرآى من العالم ؛ وشاركتها في ذلك العدوان الغادر وسائل الاعلام الغربية حين شجبت وبشدة اطلاق صواريخ القسام على المستوطنات الاسرائيلية المحمية ب ( القبة الحديدية ) الامريكية الصنع رغم مئات الشهداء ؛ والاف الجرحى في الجانب الفلسطيني ...
نعم هم خبروا سيناريوهات المؤتمرات واللقاءات العربية والاسلامية وعرفوا ردة فعلهم الغاضبة ؛ وهي الكلام بما اوتوا من قوة الانشاء والتعبير لسحب الاضواء اليهم فحسب لانهم لايشبعون من الكلام والظهور ...
واذا توسعنا اكثر وعممنا بطولات الكلام ؛ والانتصارات الكارتونية نرى بان ذلك الداء الفايروسي استاصل في عقولنا ونفوسنا ؛ ونحن نتناول امور ديننا ودنيانا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ؛ واذا دققنا اكثر فأكثر نرى ان جلساتنا الحزبية ؛ ومعالجاتنا للامور لاتخرج من دائرة الكلام الفارغ من الفعل الى الحد الذي اتعب مؤيدينا ومناصرينا حيث وصلت بهم الحال الى حد الياس والقنوط في حين ان عقيدتنا الاسلامية تدعونا ان نقول ونفعل وتنهي ان نقول مالانفعل ... قال تعالى :( كبر مقتا عند الله ان تقولوا مالاتفعلون ) اية -3 – الصف .. فهذه الاية وظفتها الدول الغربية في مؤتمراتهم ولقاءاتهم فتراهم قليلون في الكلام ؛ ولكنهم يفعلون اذا قالوا ... فأصبحوا بذلك يطبقون اخلاقنا وقيمنا التي دعا اليها الاسلام ؛ اما نحن اهل الاسلام والحق المبين ترانا غرباء من تلك الاخلاقيات ؛ والقيم العظيمة ...
هنا استوقفني بيت شعر حفظته في شبابي لولعي بأرادة الاسد يقول شاعره
جانب السلطان واحذر بطشه لاتعاند من اذا قال فعل
لقد اصابنا نحن الشرقيون داء الكلام من اجل الكلام فحسب رغم علمنا ان فينا من هو متوسع في الافكار السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى اصبحت شهوة الكلام لمجرد الكلام تكشف عن اننا بعضنا ضد بعض لذلك غالبا ما نجد ان مواطنين ومؤيدين ومناصرين يكفرون الف مرة غير اسفين بفكرة ما يقوله المسؤول ايا كان مستواه ... بل ولا يصدقون مايقوله لانهم يعرفون مسبقا ان شهوة الكلام عنده يقصد بها التأثير في قوى الرأي العام ؛ فكان ماكان من تداعيات شهوة الكلام ؛ وتعطيل الفعل الثوري تلك الثورات الغاضبة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ؛ والتي سميت فيما بعد بثورات الربيع العربي ؛ ومصير رؤوسائها بدءا بتونس وصولا الى سوريا والبحرين والاردن والكويت لأن تلك الثورات دليل غضب الشعوب التي ملت من زعماء ومسؤولين زادهم الكلام ؛ وقوتهم الكلام ؛ ووعودهم ( كلام في كلام ) ..
ومما زاد الطين بلة ان هذه التفلسف الفارغ من الحكمة ( قول بلا عمل ) طال وسائل اعلامنا حيث نمت وتطورت الياتها واجهزتها الفضائية التي تنقل كلام فخامة الزعيم وهو يلوح على انه سيلقي اسرائيل في البحر ؛ وآخر يحرق نصف اسرائيل ب ( المزدوج ) ... اين هم الان ؟؟ وكيف تبدو اسرائيل !!!
من هذا المنطلق علينا ان نسأل انفسنا ومسؤولينا واصحاب الاختصاص في هذا الشأن : لماذا تسيطر علينا شهوة الكلام بهذه القوة الفاعلة ؟؟ حيث لايصح في يومنا هذا ( عصر التخصص ) ان يتكلم الفرد الواحد فينا رئيسا او مرؤوسا في كل شيء .. وفي كل علم ...
فهذا نابليون بعد ان اصبح امبراطورا على فرنسا ؛ وأستقر حكمه ارسل في طلب امه من كورسيكا ؛ وعندما حضرت اليه ؛ وهو في ابهة القصر الامبراطوري ؛ والجنود والحاشية من حوله قال لها : اصبحت امبراطورا ياأمي .. فقالت له : عساه ان يبقى !!!
فأهل الغرب اهل فعل ؛ ولايتكلمون الا حين يفعلون مايريدون ... لذلك عقولهم تنتج اما عقولنا نحن بياعوا الكلام بالجملة فيستهلك ... هم صنعوا الكهرباء والسيارة والطائرة والقماش والانترنت .. امادورنا نحن استهلاك تلك المصنوعات ولكن بدليل شرح مطول للمنتج !!!
هل فهمنا الدرس ؟ وبالتالي هل حفظنا النتيجة ؟ وللحديث بقية
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟