أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب المدفعي - فقط اجعله سعيدا














المزيد.....

فقط اجعله سعيدا


نجيب المدفعي

الحوار المتمدن-العدد: 1139 - 2005 / 3 / 16 - 09:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كان ( د) قد سُرّح للتو من الخدمة العسكرية بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، عندما نـُسب ـ كطبيب و ضمن سياق التدرج الطبي ــ للعمل في إحدى مدن محافظة الديوانية ( و أظنها الشنافية). عُيـّن في حينها مديرا ً لمركز صحي، حيث وجد متعة في عمله ذاك و كان يصف لنا ـ عند مجيئه في الإجازة ـ المنطقة التي يعمل فيها و يتحدث عن طيبة أهلها.
و من ضمن المهام التي كان يتوجب عليه القيام بها حملات تلقيح الأطفال. و المنطقة تتنوع في طبيعتها فهناك المناطق الزراعية و هناك هور و كذلك منطقة صحراوية، و عليه التعامل مع سكان هذه المناطق المختلفة. فكان لديه سيارة إسعاف و (شختور) و هو زورق صغير مزود بمحرك للتنقل في الهور.

كان الطبيب ( د) يحكي لنا عن معاناته الإدارية في إدامة سيارة الإسعاف و (الشختور) و جعلهما جاهزين باستمرار لخدمة سكان المنطقة. و كانت معاناته تمتد إلى توفير الدواء بشكل مستمر لكي يتمكن من إنجاز مهامه على الشكل الأمثل. حتى أن القصور في توفير الأدوية كان يمتد إلى لقاحات الأطفال.
و ذات يوم و في أحد الاجتماعات الروتينية لمدير عام صحة المحافظة مع الأطباء، تطرق المدير العام إلى موضوع خطة تلقيح الأطفال و أن الوزارة قد طلبت منه موقف نسبة إنجاز الخطة.
و بدأ بسؤال الحضور واحدا تلو الآخر عن نسبة التنفيذ في منطقته فكانت الردود مشابهة لموقف ( د)، أي عدم تنفيذ الخطة على وجهها الأكمل بسبب النقص في اللقاحات. لم ترق الإجابات للمدير العام فصار يضغط، بطريقة أو أخرى، على الأطباء الذين كان يناقشهم الواحد بعد الآخر، لتعديل النسب التي قدموها و جعلها 100%.

حتى وصل الدور إلى ( د) الذي رفض الاستجابة لضغوط المدير العام قائلا (أنا مؤتمن على واجب و هو يستلزم أن أكون صادقا معك، و لو وافقتك على ما تريد فلن يضيرني شئ و لكن ما ذنب الأطفال الذين لم يتم تلقيحهم). و احتدم النقاش في ما بينهما و وصل إلى حد الصياح و التهديد من جانب المدير العام. إلا أن ( د) بقي مصرا على موقفه و قال للمدير ( قم أنت بتعديل النسبة و اخبر الوزارة بما تشاء، و لكني لن أتنازل عن موقفي). و انفض الاجتماع دون أن يتراجع صاحبنا ( د) عن موقفه.

كان من بين الحاضرين في الاجتماع أطباء هنود، حيث كانت وزارة الصحة تتعاقد مع أطباء من الهند لسد النقص في العراق. و كم كانت دهشة ( د) عندما اقترب منه طبيب هندي بعد خروجهم من قاعة الاجتماع، و الذي شهد المشادة التي حصلت مع المدير العام، ليقول له:

-Doctor. Why do you quarrel with him? Don t bother yourself.
ـ دكتور.. لماذا تتشاجر معه؟ لا تزعج نفسك.

-He does not want to hear the truth, just make him happy, and he, in turn, will make the minister happy.
ـ إنه لا يريد سماع الحقيقة، فقط اجعله سعيدا و لكي يجعل بدوره الوزير سعيدا.

-And the minister makes the president happy. Just make them happy, because the truth is not important for them.
ـ و الوزير يجعل الرئيس (يقصد صدام) سعيدا. فقط أجعلهم سعداء، فالحقيقة بالنسبة لهم غير مهمة.

لقد كان وقع هذا الكلام مؤلما على الدكتور ( د) وعلى كل من سمع هذه القصة. فهزال التركيبة السياسية في العراق كانت واضحة للقصي و الداني و الناس سبرت أغوار قائدنا (صانع النصر و السلام) و يدركون مدى الخراب الذي أصاب الشخصية العراقية على يديه. فهذا الطبيب الهندي لا ينطلق في ملاحظته الساخرة من فراغ. لقد كان معروفا لكل من يتعامل مع صدام، أن عليه إرضاء مزاج القائد حتى و إن كان ذلك على حساب مصلحة البلاد و العباد. و يبدو إن خصلة just make him happy قد رسخت في لا وعي العاملين في مختلف قطاعات الدولة و بالتمازج مع فلسفة (الشعلية = ما علاقتي بالموضوع) أنتجت ثقافة اجتماعية تتسم بعدم الرغبة في التصدي للخطأ. لا بل صارت توغل أكثر باتجاه إيجاد المبررات للخطأ و عدم التصدي له.

إن ضمان حرية التعبير عن الرأي هي أهم عنصر يستوجب توافره لتعليم الأفراد ثقافة التصدي، يضاف إلى ذلك وجود نظام رقابي نزيه و صارم يُسهّـل على المواطن التعامل معه لضمان تدفق سيل المعلومات عن حالات الخلل. كما إن شفافية أجهزة الدولة في التعامل مع الباحثين و أجهزة الأعلام لها دور كبير في جعل البيانات متاحة و بما يسهل مراقبة أداء أجهزة الدولة و تأشير مواضع الخلل.

إن عملية إشاعة ثقافة التصدي للخطأ تستلزم اشتراك عدة جهات فيها. فهناك الجانب التربوي التعليمي و الذي تتحمل وزره بدرجة رئيسية مؤسسات التربية و التعليم تعاضدها في ذلك المؤسسة الدينية و مؤسسات المجتمع المدني و الإعلام. و لا يوجد تعويل كبير هنا على الأسرة سيما و أن عدم الرغبة في التصدي للخطأ تحول إلى ثقافة اجتماعية كما أشرنا في أعلاه.

و هناك الجانب التشريعي و التنفيذي الذي يتوجب عليه سن الأنظمة و القوانين التي تكفل سهولة متابعة و محاسبة أجهزة الدولة و تعمل على حماية الأفراد في مواجهة الجهات التي تسلك مسلكا منحرفا في تعاملها مع من يتصدى لعبثها.
إن صدور عدد من حالات الملاحقة القضائية بحق بعض القيادات السياسية و الدينية في الفترة الماضية، أسهم في إزالة الهالة المخيفة التي تحيط بصورة المسؤلين و التي تجعل المواطن يعزف عن توريط نفسه في قضية خاسرة، لا بل تعود عليه بالويل و الثبور و عظائم الأمور.

وتبقى النهاية المفترضة للمسيئين، و هي المحاكمة، غائبة عن مجتمعنا في يومنا هذا. نريد أن نعرف ما الذي حلّ بكل أولئك الذين نسمع عن إلقاء القبض عليهم دون أن نسمع شيئا عن محاكمتهم. و هنا (نمون) على صحافتنا و نطالبها بمتابعة أخبار المحاكم من خلال محرريها لتطلعنا على حقيقة ما يجري. و هو أقل واجب يمكن للصحف أن تضطلع به للإسهام في إشاعة ثقافة التصدي.



#نجيب_المدفعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العراقية و الفرصة التاريخية
- محاولة لقراءة نتائج الأنتخابات العراقية
- نريد مشاركة المرأة بقوة
- رسائل إنتخابية
- أنا أنتخب..إذا أنا موجود
- لا يهمني مَـن يكتب الدستور
- النابلسي و العرب و العراق
- عباس المستعجل
- رأس الدولة والقانون..حكاية من العهد الملكي
- انطباعات حول جلسة التحقيق الأولى مع صدام
- أعطوا الناس فرصة...ثم احكموا


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نجيب المدفعي - فقط اجعله سعيدا