أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحق دهبي - مدى ملاءمة التنظيم القضائي المغربي مع متطلبات قضاء إداري متطور















المزيد.....


مدى ملاءمة التنظيم القضائي المغربي مع متطلبات قضاء إداري متطور


عبد الحق دهبي

الحوار المتمدن-العدد: 3937 - 2012 / 12 / 10 - 04:20
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


مقدمة
يحتل القضاء الإداري مكانة هامة داخل التنظيم القضائي، بحيث يلعب دورا بارزا في تحقيق العدالة، وم هذا المنطلق فالقضاء الإداري به عدة خصائص تجعله يختلف عن القضاء المدني وتتمثل أساسا في تميز قواعده الموضوعية والمسطرية. فالقضاء الإداري بدوره الإنشائي للقاعدة القانونية وتطبيقها على المنازعات المعروضة عليه حسبما تقتضيه المصلحة لا سيما عند عدم وجود نص قانوني يساهم في تحقيق إحتياجات المرافق العامة وحسن تسييرها، ويضمن حماية الحقوق والحريات الفردية والجماعية .
إن القضاء الإداري المغربي الذي تأسست قواعده منذ سنة 1913 وترسخت بعد الإستقلال بإنشاء المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- سنة 1957، وإصلاح النظام القضائي سنة 1974 وإحداث المحاكم الإدارية سنة 1994 يجعلنا نعتقد أن النظام القضائي المغربي عرف الإزدواجية في جوهره كما هو معمول به في فرنسا.
ولم تتأخر المحاكم الإدارية بالمغرب منذ نشأتها في إعطاء صورة إيجابية للمواطنين، فقد منحت خدمات مثلى للمتقاضين في نزاعاتهم مع الإدارة، كما أنها مارست وظيفة بيداغوجية جديرة بالإعتبار من خلال تقويم إختلالات الإدارة، والإرتقاء بثقافة الديمقراطية تكريسا لدولة الحق والقانون.
إن الجميع يتفق اليوم أن المحاكم الإدارية هي تجربة ناجحة، بالنظر إلى حصيلتها، وأيضا إلى مستوى وطبيعة أحكامها، بالإضافة إلى وظيفتها البيداغوجية ومساهمتها في بناء تحقيق الأمن القضائي وتعزيز ثقة المواطن في عدالة بلده تنزيلا لروح مبدأ تقريب القضاء من المتقاضين، وكل ذلك يستلزم وبإلحاح دعم هذا النوع من القضاء العادي المتخصص وإعادة صياغة مقتضيات التنظيم القضائي بما يخدم هذا الهدف السامي وربط وملاءمة الخريطة القضائية مع الخريطة الإدارية للمملكة.
المحور الأول: التنظيم القضائي المغربي قبل إحداث المحاكم الإدارية
لم يعرف المغرب قبل الإستقلال دعوى الإلغاء على الرغم من أنه عرف قضاء إداريا متميزا ومستقلا بقواعده الإجرائية والموضوعية منذ ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتنظيم القضائي، هذا القضاء الذي حقق مكسبا مهما بعد إنشاء المجلس الأعلى سنة 1957، والذي أصبح مختصا بالنظر في دعوى الإلغاء التي تعتبر من الركائز الأساسية لإحترام مبدأ المشروعية من خلال إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة.
لذلك سوف نتناول مسار القضاء الإداري المغربي في ثلاث محطات تاريخية رئيسية : مرحلة ما قبل الحماية (الفقرة الأولى)، مرحلة ما بعد الحماية (الفقرة الثانية)، ومرحلة ما بعد الإستقلال (الفقرة الثالثة).
الفقرة الأو لى : القضاء الإداري في مرحلة ما قبل الحماية
كان التنظيم القضائي المغربي في مرحلة ما قبل الحماية يعرف عددا من المحاكم للفصل في النزاعات المتنوعة المعروضة عليه، فكانت هناك محاكم شرعية؛ محاكم عبرية؛ محاكم قنصلية؛ ومحاكم الباشوات والقواد.
لكن إلى جانب هذا التنظيم وبموازة معه، عرف المغرب خلال هذه المرحلة بعض المؤسسات التراثية الأصيلة أوكل إليها مراقبة حسن سير عدة مرافق من أجل الحفاظ على الصالح العام ودرء المفاسد، وجعل حد لأي تعسف يمكنه أن يمس بهذا الصالح العام، ويمكن أن ندرج في هذه المؤسسات : الحسبة، ولاية المظالم ووزير الشكايات.
فبالنسبة للمحتسب في نظام الحسبة فكان يسهر على إحترام تطبيق النصوص الخاصة بعلاقة المواطنين مع بعضهم البعض في معاملاتهم اليومية، كما كان يراقب جودة المنتجات والخدمات وأثمانها، وكان يقوم بمهمة قمع الغش على إعتبار أنه إنتهاك لعدالة المعاملات ومس كلي بصدقها.
وبالنسبة لولاية المظالم، فالمغرب كدولة إسلامية متأصلة الجذور عرف هو الآخر إطارا مؤسساتيا قائم الذات لولاية المظالم، وأن هذا الأخير لم يسلم بدوره أحيانا من التصور التقليدي الرئيسي الذي طبع ولاية المظالم منذ بزوغ فجرها في العهد الإسلامي، وأن ولاية المظالم نشأت مستقلة عن القضاء العادي منذ بداية الإسلام، ويختص قاضي المظالم بالنظر في تعدي الولاة على الرعية والتعسف في حقهم، وهو إختصاص يتضمن معا ولاية الإلغاء وكذلك ولاية التأديب ويختص أيضا في جور العمال فيما يجبونه من أموال، وهو ما يشبه إختصاص القضاء الإداري الحديث في منازعات الضرائب والرسوم ويزيد عنه من حيث سلطة والي المظالم في تنفيذ الحكم برد ما أخذه عن جباية الأموال زيادة على حق الدولة الذي تقرره القوانين العادلة.
أما بالنسبة لوزير الشكايات، فكان يوجد بالقرب من السلطان ويتلقى تظلمات المواطنين ضد السلطة الإدارية.
وبصفة عامة، لم يعرف المغرب قضاء إداريا مستقلا منفصلا قبل الحماية، بل كانت تطبق على العموم قواعد الشريعة الإسلامية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وفي طريقة التسيير الإداري اليومي الذي كانت تتكلف به الهيئة العامة التي لم تكن تعرف قصلا للسلطات الذي يسمح بمراقبة السلطة القضائية للسلطة الإدارية. إلا أن هذه المرحلة بدأت تنتهي بمجرد بداية تواجد النفوذ الأجنبي في المغرب بمقتضى معاهدة الجزيرة الخضراء .
الفقرة الثانية : القضاء الإدا ري في مرحلة الحماية
كان التنظيم القضائي المغربي خلال فترة الحماية يتكون من :
- المحاكم الشرعية (ظهير7 يوليوز 1914)؛
- المحاكم العبرية؛
- المحاكم العرفية (ظهير 11 شتنبر 1914)؛
- المحاكم المخزنية أو المحاكم العصرية، التي كانت على ثلاث درجات: المحاكم المخزنية الإبتدائية (ظهير 28 نونبر 1944)، المحاكم المخزنية الإقليمية (القرار الصادر بتاريخ 24 أبريل 1954) ثم المحاكم العليا الشريفة؛
- وأخيرا المحاكم الدولية المختلطة (منطقة طنجة الدولية).
وبالنسبة للقضاء الإداري خلال هذه المرحلة، فقد منح المشرع بمقتضى الفصل الثامن من ظهير التنظيم القضائي الصادر بتاريخ 12 غشت 1913 للمحاكم العصرية مهمة الفصل في المنازعات الإدارية، حيث نصت الفقرة الرابعة من الفصل المذكور على أنه : ( في المواد الإدارية، تختص جهات القضاء الفرنسية المنشأة في مملكتنا وذلك في حدود الإختصاص الممنوح لكل منها، بنظر جميع الدعاوى التي تهدف إلى تقرير مديونية الإدارات العمومية سواء بسبب تنفيذ العقود المبرمة من جانبها، أو بسبب الأشغال العامة التي أمرت أو بسبب جميع الأعمال الصادرة منها والتي تلحق ضررا بالغير . . . ).
ويلاحظ خلال هذه المرحلة أن المحاكم الفرنسية المؤسسة في المغرب، والتي أصبحت تسمى فيما بعد بالمحاكم العصرية، لم تكن تطبق قواعد القانون الإداري وإنما كانت تطبق مقتضيات ظهير الإلتزامات والعقود المغربي الصادر بنفس التاريخ في فصليه 79 و80، وبذلك فإن ولاية تلك المحاكم خلال هذه الفترة كانت تقتصر على التعويض فقط دون الإلغاء، إلا أنه كان بإمكانها أن تراقب مشروعية القرارات الّإدارية عن طريق الدفع بعدم المشروعية وأن ترتب عليه نتائجه.
لكن رغم المواقف الجريئة للمحاكم العصرية آنذاك، فإن أسلوب الدفع بعدم المشروعية يظل غير كاف لضمان إحترام الشرعية الإدارية وذلك في غياب دعوى الإلغاء، ولذلك كان من الخطوات الأولى التي قام بها المشرع في عهد الإستقلال هو إحداث المجلس الأعلى –محكمة النقض حاليا- بمقتضى ظهير 27 شتنبر 1957 الذي أصبح مختصا وحده بالنظر في دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة إلى أن أحدثت المحاكم الإدارية بمقتضى القانون رقم 41-90 .
الفقرة الثالثة : القضاء الإداري بعد الإستقلال
نميز خلال هذه المرحلة بين القضاء الإداري قبل الإصلاح القضائي لسنة 1974، والقضاء الإداري في إطار ذلك الإصلاح القضائي.
أولا : القضاء الإداري قبل الإصلاح القضائي لسنة 1974 :
تميزت مرحلة حصول المغرب على الإستقلال على مستوى التنظيم القضائي بثلاث عناصر أساسية :
- إلغاء المحاكم العرفية، والمحاكم المخزنية؛
- إعادة هيكلة التنظيم القضائي وذلك بخلق صنفين من المحاكم : وهما المحاكم المحاكم العادية، والمحاكم العصرية؛
- ثم إحداث المجلس الأعلى كمحكمة للنقض.
1- المحاكم العادية :
* محكمة الحاكم المفوض (محكمة السدد فيما بعد)؛
* نظام المحاكم الاجتماعية (سنة 1972)؛
2- المحكمة الإقليمية : محكمة درجة أولى فيما يخص المنازعات والقضايا التي تفوق قيمتها 900 درهما، ومحكمة درجة ثانية بالنسبة للأحكام الإبتدائية الصادرة عن محكمة السدد. كما كانت تضم غرفة للجنايات؛ وغرفة للإستئناف الشرعي؛
3- محاكم القضاء الشرعي : وهي على درجتين : محاكم إبتدائية وغرفة الإستئناف الشرعي.
4- المحكمة العليا الشريفة : وكانت بمثابة هيئة نقض عليا في القضايا الشرعية، وقد تم إلغاؤها بعد إحداث المجلس الأعلى.
5- المحاكم العبرية : وتنظر في قضايا الأحوال الشخصية لليهود المغاربة، وكانت أيضا علي درجات : محاكم مفوضية، محاكم إقليمية، محكمة عبرية عليا.
6- المحاكم العصرية : أبقي عليها بكامل اختصاصاتها ونظام تكوينها، وأصبحت تصدر أحكامها باسم جلالة الملك، كما ألحق بها قضاة مغاربة، لكن مع استمرار العمل والمرافعات أمامها باللغة الفرنسية.
7- المجلس الأعلى : وأحدث بظهير 27 سبتمبر 1957 كمحكمة للنقض، ولم يعد الطعن بالنقض يمارس أمام محكمة النقض بفرنسا أو محكمة النقض بإسبانيا.
وبمقتضى القانون الصادر في 26 يناير 1965 تمت مغربة وتعريب القضاء، وتوحيده وذلك بإلغاء تعدد الجهات القضائية بالمغرب من خلال إلغاء المحاكم العصرية والعبرية والشرعية وإحداث جهات قضائية موحدة، وهي :
- محاكم السدد، وهي ذات ولاية عامة في جميع القضايا المدنية والتجارية والجنحية والشرعية والإجتماعية؛
- المحاكم الإقليمية، كمحاكم درجة أولى بخصوص بعض القضايا وكمحاكم استئناف في قضايا أخرى؛
- محاكم الإستئناف؛
- المجلس الأعلى بظهير 27 غشت 1957 كمحكمة بالنسبة لأحكام المحاكم المغربية وكمحكمة أول وآخر درجة بالنسبة لدعوى إلغاء القرارات من أجل الشطط في إستعمال السلطة.
وقد أبرز المرسوم الملكي بمثابة قانون المتعلق بالتنظيم القضائي الصادر بتاريخ 03 يوليوز 1967 الخطوط العريضة للنظام السابق، كما حدد إختصاصات مختلف المحاكم وأصبحت القضايا الإدارية من إختصاص المحاكم الإقليمية إبتدائيا (الفصل 17) ومحاكم الإستئناف إستئنافيا (الفصل 22) بينما إستمر العمل بأحكام ظهير 1957 المتعلق بإختصاصات المجلس الأعلى .
ثانيا : القضاء الإداري في إطار الإصلاح القضائي لسنة 1974 :
بمقتضى الإصلاح القضائي لسنة 1974 تمت إعادة تشكيل التنظيم القضائي المغربي الذي سبق إحداثه بمقتضى قانون التوحيد، بهدف تبسيط بنية المحاكم وتفعيل أدائها وتقريبها من المتقاضين، وذلك من خلال ما يلي :
- إلغاء محاكم السدد وإحداث محاكم الجماعات والمقاطعات للبت في القضايا البسيطة؛
- إلغاء المحاكم الإقليمية والمحاكم الإجتماعية وإحداث المحاكم الإبتدائية كمحاكم ولاية عامة؛
- محاكم الإستئناف؛
- المجلس الأعلى.
كما تم إصدار القانون المتعلق بالنظام الأساسي لرجال القضاء وإلغاء قانون المسطرة المدنية لسنة 1913 وإصدار قانون جديد لتبسيط قواعد المسطرة؛ وإصدار ظهير المقتضيات الإنتقالية في مجال المسطرة الجنائية .
أما فيما يتعلق بالإختصاص في المنازعات الإدارية، فإنه بالنسبة لمحاكم الجماعات والمقاطعات فتبقى مجردة من إختصاص في القضايا الإدارية، أما بالنسبة لإختصاص المحاكم الإبتدائية فإنه أصبح حسب الفصلين 18 و25 من قانون المسطرة المدنية يتعلق بجميع القضايا الإدارية والإجتماعية إبتدائيا وإنتهائيا أو إبتدائيا مع حفظ حق الإستئناف.
أما إختصاص محاكم الإستئناف والمجلس الأعلى فقد بقي على ما كان عليه.
وخلال هذه المرحلة، يمكن أن نميز بين فئتين من المنازعات الإدارية :
- المنازعات المتعلقة بمراقبة مشروعية القرارات الإدارية، أي المنازعات المتعلقة بالشطط في إستعمال السلطة وهو ما تختص به الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى إبتدائيا وإنتهائيا؛
- وجميع المنازعات الإدارية الأخرى التي تبقى من إختصاص المحاكم الإبتدائية إبتدائيا ومحاكم الإستئناف لإستئنافيا والمجلس الأعلى نقضا .
المحور الثاني : واقع التنظيم القضائي الحالي ومتطلبات قضاء إداري متطور
لعل الثابت قانون وعملا أن أهم مؤشرات إحداث محاكم جديدة : مؤشر البعد الجغرافي؛ مؤشر التقسيم الإداري؛ المؤشر الديموغرافي؛ مؤشر النشاط القضائي؛ مؤشر الموارد البشرية. وبإستقراء هذه المؤشرات وإسقاطها على تجربة المحاكم الإدارية بالمغرب تتوضح الضرورة الملحة في إعادة توزيع الخريطة القضائية الحالية

الفقرة الأو لى : واقع التنظيم القضائي الحالي
تغطي محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط نسبة 73,5 % من السكان، بينما تغطي محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش نسبة 26,5 % من السكان فقط، كما أن محكمتين إداريتين من أصل سبعة محاكم إدارية تغطيان نسبة 48,6 % من السكان، فيما تغطي المحاكم الإدارية الخمسة المتبقية نسبة 51,4 % من السكان وذلك وفقا للتفصيل التالي :
- المحكمة الإدارية بالدار البيضاء %26,2 ؛
- المحكمة الإدارية بالرباط %22,4 ؛
- المحكمة الإدارية بمراكش %13,3 ؛
- المحكمة الإدارية بأكادير %13,2 ؛
- المحكمة الإدارية بفاس %11,3 ؛
- المحكمة الإدارية بمكناس %7,2 ؛
- المحكمة الإدارية بوجدة % 6,4 ؛
كما أن محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط تحتكر% 82,80 من القضايا الرائجة بينما يروج أمام محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش فقط ما نسبته % 17,20 .
إذن وبإستقرار هذه المعطيات الرقمية التي يتبين أن الخريطة القضائية للمملكة تعاني فيما يتعلق بتوزيع المحاكم الإدارية من إختلال عددي ونوعي من شأنه أن يؤثر على مستوى أداء تلك المحاكم.
الفقرة الأو لى : إعادة توزيع الخريطة القضائية في إطار مقاربة جديدية
إن واقع التنظيم القضائي الحالي يدعو إلى التفكير في مراجعة تلك الخريطة القضائية وذلك بالزيادة في عدد المحاكم وإعادة النظر في توزيعها الجغرافي في إطار توجهات الجهوية واللاتمركز التي أصبحت تفرض إعادة ضبط التنظيم الترابي للمحاكم وكذا اختصاصها المحلي، وذلك مراعاة للحقائق الجغرافية والديمغرافية والإقتصادية، ومتطلبات فعالية الإدارة القضائية وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة وتحقيق النجاعة القضائية. وكذلك من أجل التوفيق بين ضمان هيكلة مُحكمة لقضاء إداري قوي وفعال فوق مجموع التراب الوطني، وضمان قضاء قريب ليس فقط من المتقاضين بل ومن الواقع الإجتماعي والإقتصادي والثقافي والمحلي أيضا.
وهنا تظهر أهمية الربط بين الخريطة القضائية والتقسيم الإداري للمملكة؛ بهدف خلق خريطة قضائية بدوائر نفوذ ترابية مقسمة على مجموعات متجانسة ومندمجة، تمكن من تجميع الوسائل والإمكانيات والرفع من مستوى الأداء القضائي بعد تحسين ظروف العمل؛ وتمكين المتقاضي من الوصول إلى المحاكم الإدارية دون تحمل مشاق الإنتقال الطويل للوصول إلى المحكمة الإدارية.
لذلك يتعين الإنسجام في إعادة صياغة الخريطة القضائية مع مشروع الجهوية المتقدمة الذي يعرفه المغرب والهادف إلى إيجاد جهات قائمة الذات وقابلة للإستمرار، من خلال بلورة معايير عقلانية وواقعية لمنظومة جهوية جديدة، وإعتماد مقاربة أكثر تطويرا وتحديثا للتنظيم القضائي للمملكة تتجاوب مع هذا السياق؛ بما يحقق الانسجام مع الأهداف الجوهرية للجهوية المتقدمة باعتبارها توجها حاسما لتطوير وتحديث هياكل الدولة ومرافقها العمومية وفي مقدمتها مرفق القضاء.
لذلك فإن اعتماد التنظيم القضائي على الجهة كإطار مرجعي لتحديد دوائر اختصاص المحاكم الإدارية، من شأنه أن يحقق عدة مزايا، في مقدمتها ضمان تقارب أكثر بين القاضي والمسؤول القضائي والواقع الأمني والإجتماعي والإقتصادي المحلي بكل خصوصياته ومميزاته، حتى لا يصبح القضاء منعزلا عن الدور الذي يجب أن يقوم به. ومن شأن هذه الملاءمة أن تحد من بعض الإختلافات بين الخريطة القضائية والتقسيم الإداري كما هو الأمر في التقسيم الحالي .
وبذلك نقترح أن يتم إحداث محاكم إدارية بكل جهة من الجهات الإثنا عشر، وهي :
- جهة طنجة -تطوان؛
- جهة الشرق والريف؛
- جهة فاس- مكناس؛
- جهة الرباط سل –القنيطرة؛
- جهة بني ملال –خنيفرة؛
- جهة الدار البيضاء- سطات؛
- جهة مراكش – آسفي؛
- جهة درعة –تافيلالت؛
- جهة سوس –ماسة؛
- جهة كلميم – واد نون؛
- جهة العيون -الساقية الحمراء؛
- جهة الداخلة – واد الذهب.
وإعتبارا للمعطيات الواقعية والعملية الراهنة، فإننا نقترح مرحليا الإقتصار على إحداث مجرد غرف إدارية تعنى بالمنازعات الإدارية بالمحكمة الإبتدائية بكلميم أو طانطان بالنسبة لجهة كلميم – واد نون وبالمحكمة الإبتدائية بالداخلة بالنسبة لجهة الداخلة – واد الذهب، في أفق تحويلها إلى محاكم إدارية مستقلة في المستقبل.
على أن يتم إضافة محكمتين إداريتين إستئنافيتين بكل من الدار البيضاء بالنسبة للجهة الوسطى وبطنجة أو تطوان بالنسبة للمنطقة الشمالية، وذلك رفعا للإكتظاظ الرهيب الذي يعرفه العمل القضائي بمحكمة الإستئناف بالرباط.
وأن من شأن ذلك أن يحد من تراكم الملفات وخاصة في المحكمتين الإداريتين بالدار البيضاء والرباط، وسلوك المقاربة النوعية في تحرير وصياغة الأحكام ودراسة الملفات دراسة مستفيضة بما يتناسب وأهمية تلك الملفات بالنسبة لطرفي المنازعة الإدارية، بدل المقاربة الكمية المعتمدة حاليا والتي أبانت عن عدم جدواها والتي تلخص القاضي في مجرد رقم إحصائي لعدد الأحكام الصادرة عنه بغض النظر عن كل تقييم لجودتها وصلاحيتها للتنفيذ وخلوها من الأخطاء المادية ووضوح منطوقها، وهو الأمر الذي لن يتأتى إلا بالزيادة في عدد المحاكم لتخفيف ضغط الملفات وتحقيق الفعالية والنجاعة القضائية وسرعة البت في النزاعات.
مستنتجات ختامية
نخلص في الختام إلى تقديم المستنتجات والأفكار الآتية إسهاما في بلورة تصور شمولي لدعم تجربة القضاء الإداري بالمغرب :
- التعجيل باستكمال الهرم القضائي الإداري بإحداث المحكمة الإدارية العليا أو مجلس الدولة المغربي كأعلى هيئة قضائية إدارية تحقيقا لازدواجية القضاء والقانون؛
- إحداث محكمة التنازع للبت في تنازع الإختصاص بين المحاكم العادية والمحاكم الإدارية؛
- التعجيل بصياغة قانون المسطرة الإدارية لتنظيم الجانب الإجرائي لللتقاضي أمام المحاكم الإدارية؛
- تقريب القضاء القضاء من المتقاضين وذلك من خلال إضافة محاكم إدارية جديدة، وذلك إستنادا إلى مقاربة تنبني على ربط الخريطة القضائية بمشروع التقسيم الجهوي الجديد؛



#عبد_الحق_دهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -قضية الصحراء المغربية ومخطط التسوية الأممي
- إشكالية تعريف المضايق الدولية بين الفقه والقضاء الدوليين
- المفهوم الإداري و الجنائي للموظف العمومي في التشريع و الفقه ...
- العلاقات المغربية - الألمانية ما بين 1912 و 1966 : نموذج لعل ...
- الأدوار والمهام الجديدة المسندة للنيابة العامة في ضوء قانون ...
- وسائل تسوية المنازعات في إطار جامعة الدول العربية
- نزاع الصحراء .. والشرعية الدولية
- المغرب ومنظمة الامم المتحدة للتغذية والزراعة fao
- تأملات في جرائم الأموال العامة


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحق دهبي - مدى ملاءمة التنظيم القضائي المغربي مع متطلبات قضاء إداري متطور