كيف ترث المرأة في الإسلام؟

مجد أحمد خلف

الحوار المتمدن-العدد: 3933 - 2012 / 12 / 6 - 07:28
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) – النساء 11 ، هنا يقرر التشريع القرآنى الحكيم نصيب كل من الذكر والأنثى في إرث من توفي من ذويهم الأقربين ؛ الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت ، يرث الأخ ضعف الأخت .
منذ فترة ليست بالقصيرة تعالت الأصوات المنكرة مطالبة بتبديل وتغيير هذا التشريع الإلهي ،الذي يعطي للرجل ضعف حظ الأنثى، وتسعى بعض الجهات والعديد من المفكرين والكتاب إلى تعديل نصيب المرأة فى الإرث ليصبح مساويا لنصيب الرجل ، أي يطالب هؤلاء بتغيير ما شرع الله لعباده ، لكي تتحقق المساواة – حسب ظنهم – بين الرجل والمرأة فى المجتمعات الإسلامية ، وفتحت يعض الجرائد والمجلات صفحاتها ليكتب فيها كل من هبّ ودبّ ، كأن المساواة لن تتحقق للمرأة مع الرجل إلا بتبديل كلمات الله ، ونقض القانون الإلهي بالأخذ بما وضعه هؤلاء دون أي اعتبار أن ذلك كفر صريح بما جاءت به آيات الذكر الحكيم!
وأقل ما يقال عن هذه الحملات المنسقة ؛ توقيتا وهدفا ، أنها لا مكان فيها لحسن النية ، والهدف الأساس منها تشويه صورة الإسلام وصورة نبي الإسلام ، وتدمير صورة صحابته رضوان الله عليهم ؛ الذين أوصلوا لنا الدين ، هذا فى الوقت الذى يدخل فيه الناس فى الإسلام أفواجا رغم أنوف أعدائه والمتربصين به.
وعَود إلى إرث المرأة في التشريع الإسلامي الحكيم ، يجب أن نلاحظ عدة اعتبارات :
أولا: في معظم حالات التوريث ؛ سيكون الوارث إخوة ذكورا وإناثا لأب توفي ، أو أم توفيت ، فإذا كان المتوفي هو الأب ، فإن الأخت تصبح منذ وفاة أبيها تحت رعاية أخيها ، يتكفل بطعامها وشرابها ومسكنها وكسوتها وتعليمها ، فإذا آن أوان زواجها ؛ زوّجها أخوها وأنفق عليها حتى تصبح في ذمة زوجها ، فيتولاها زوجها بالرعاية والإنفاق ، وضعا في الاعتبار أن التشريع الحكيم قد قرر أن لها منذ زواجها ذمتها المالية المنفصلة عن زوجها، ومن قبل عن أخيها الذي ورثت نصف ما ورث ، فمن أين لأخيها أن ينفق عليها ، في ذات الوقت الذى لها أن تحتفظ فيه لنفسها بكل ما ورثت ؟ إلا أن يتكفل الشرع الحكيم أن يرث أخوها ضعف ما ورثت ..
ثانيا : إذا أخذنا في الاعتبار عند الزواج وجوب التقارب الاجتماعي ، والتكافؤ المالي بين العائلتين ، فإن الرجل الذي سيرث واحدا صحيحا سيتزوج من امرأة ورثت نصفا ، فيكون الناتج واحدا ونصف ، وكذلك أخته التي ورثت نصفا ستتزوج من رجل ورث واحدا صحيحا ، فيكون الناتج أيضا واحدا ونصف.
ثالثا : وهي حالة شائعة منتشرة في مجتمعاتنا ؛ وقد تحدث في معظم البيوت، الأب الشيخ الكبير مريض وطريح فراشه ، بعد أن بلغ من العمر أرذله ، وقد تكون الأم كذلك ، وأصبح تمريضهما ورعايتهما في كبر سنهما وعجزهما مهمة تستدعي قوة جسمية إلى حد كبير ، إذ يحتاج الأب إلى من يحمله ، ويضعه فى فراشه ، ويقلّبه ، ويطعمه ، ويمرّضه ، ويبدل له ثيابه ، وكل هذا في إمكان الرجل أن يفعله بما آتاه الله من قوة الجسم ؛ إحسانا لوالديه ورحمة بهما وتقربا إلى الله ، أما الأخت فإنها بالكاد تستطيع أن توفي احتياجات بيتها وزوجها وأبنائها ، وقد يكون زوجها أيضا ذا أب كبير أو أم عاجزة ، فتساعده زوجته وتدفعه إلى رعاية والديه ، بل وترعاهما معه ، فإذا ما قيّمنا على المستوى المادي والبدني من يرث أكثر ؛ لأدركنا أن حكمة التشريع أعطت للرجل ضعف ما ورثت أخته لقاء ما بذل من مجهود مضنٍ مضاعف فى حياة أبويهما ، لم تكن أخته تستطيع أن تبذل نصفه !!
وهنا تتحقق المساواة والعدل فعلا في أسمى صورهما ، ولا عجب.. فالله تبارك وتعالى أعلم بنا من أنفسنا ، ( قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ) ، صدق الله العظيم ، – الإسراء 96.
أما ما يقع من الظلم على المرأة فهو قطعا ليس سببه هذا التشريع الأمثل ، ولكن بسبب عدم تطبيقه من قـِبَل الورثة الذكور بجهلهم أو بطمعهم ، فلا يؤتون النساء نصيبهن المفروض من الإرث ، وهذا التصرف من بعض رجال الأمة لا يعيب التشريع وإنما يدل على سوء التطبيق ، وتمكن ثقافة الجشع والطمع والكذب عند البعض الذين من المؤكد أنهم يرتكبون – بمنطق صحيح الدين – كبيرة من الكبائر ، أنذرهم القرآن بسوء العاقبة وقسوة العقاب ، يقول تعالى في الآية التى سبقت آية حظ الأنثيين: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) – النساء 10 .
إن الفهم الصحيح لآيات القرآن ، وتطبيق شرائع الله تطبيقا صحيحا ، والتزام الرجال أشقاء كانوا أو أزواج أو سوى ذلك، بأحكام الله عز وجل هي جميعها الضمان الأمثل ليعم الخير ويسود الوئام والحب والعدل فى مجتمعات الناس كافة ، والله من وراء القصد .

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات