أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح كرمیان - ثقافة الاعتذار وواجب الدولة العراقیة تجاه ضحایا جرائم الابادة الجماعیة















المزيد.....

ثقافة الاعتذار وواجب الدولة العراقیة تجاه ضحایا جرائم الابادة الجماعیة


صلاح كرمیان

الحوار المتمدن-العدد: 3931 - 2012 / 12 / 4 - 20:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


یعرف الاعتذار بانه تعبیر عن الشعور بالندم والاسف لارتکاب عمل خاطئ او ما یسبب الاذی الأخرین.
یعد الاعتذار احدی مهارت الاتصال الاجتماعية وفن من الفنون التى لا يتمتع بها الكثيرون وان قدرة الإنسان على الإعتذار تتطلب ثقافة وأدباً وفكراً سديداً. ان فن الإعتذار هو قيمة عالية من قيم الإنسان الراقى المثقف الذی یتحکم بالمنطق دون أن يتنازل عن شىء من كرامته فیما یجعل الطرف المقابل يشعر بالرضا والراحة النفسية. فبالاعتذار تزول الأحقاد وتندثر الکراهیة.
یکون الإعتذار أكبر وأعظم حين يأتى من قوى لضعيف ومن غني لفقير ومن رئيس لمرؤوس.وبالاخص حين يأتى الإعتذار من جهة معتدية إلى اخری معتدى عليها وان مضى علی ارتکاب الجرم او الخطأ عقود أو قرون من الزمن. من شأن الإعتذار قلب الموازين وتضمید الجراح واطفاء نار الحقد وبناء علاقات انسانیة على أساس من المحبة والعدل والسلام . فهو اساس لثقافة التسامح فى العالم الذى حطمته الحروب وخربته الحقد والکراهیة.
ان الجهل باسالیب الاعتذار یأتي من الکبریاء والتعالي، التي هي صفة المجتمعات المتخلفة التي تري من الاعتذارعنوانا للهزيمة أو دلیلا للضعف وإنقاص للشخصية والمقام. لذا نری الاشخاص غیر الواعین بثقافة الاعتذار یلجأوون الی خلق الاعذار بدلا من الاعتذار.
ان الاعتذار باتت سمة من سمات المجتمعات المتقدمة حیث ترفع الاصوات لتنادي بتقدیم الاعتذار مطالبة الحکومات واصحاب القرار بممارسة مسؤولیاتهم تجاه من تعرضوا الی سوء المعاملة او ارتکبت بحقهم اخطاء او جرائم لایمکن الصفح عنها. فهناك عشرات الامثلة الحیة في عصرنا الحالي اشیر الی نماذج منها قبل التطرق الی حالة من واقعنا الراهن، الا وهي جرائم الابادة الجماعیة المتمثلة بحملات الانفال والقصف الکیمیاوي وقتل البرزانیین والکورد الفیلیین وسکان الجنوب من الشیعة التي ارتکبت من قبل النظام العراقي البائد.
بالرغم من ان الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون ولد في عام 1946 اي بعد مضي 14 سنة على تجارب " معهد توسكيجي "التي دعمت من قبل الحكومة الامریکیة لاجراء الابحاث حول تأثيرات مرض السفلس بين الامريكيين السود والتي بدأت سنة 1932 واستمرت الى سنة 1972، و التي تم فیها اخضاع 399 امريكيا اسودا من "مقاطعة ماكون في ولاية الاباما" لاجراء تلك التجارب عليهم، الا انه وبتاريخ 1997/3/16 قدم اعتذارا صريحا نيابة عن حكومة الولايات المتحدة الامريكية امام احد ضحايا تلك التجارب اللاإنسانية الامريكي الاسود " هيرمان شو " الذي كان يبلغ من العمر 95 عاما في تلك السنة، ومن خلاله الى أسر جميع الضحايا الذين تعرضوا الى تلك التجارب بالكذب والتحايل والخداع. وقد القى كلنتون كلمة في تلك المناسبة جاء فيها:
" لقد اقدمت حكومة الولايات المتحدة على عمل يعتبر خاطئا بكل المعاني وخاطئ اخلاقيا، وكان ذلك اعتداءا على التزامنا بالوحدة والمساواة لكافة مواطنينا. بأمكاننا ان ننهي الصمت. ونتوقف عن التفات رؤوسنا باتجاه آخر. بأمكاننا النظر اليك محدقا في عيونك وفي الختام نقول بالنيابة عن الامريكيين ان ما اقدمت عليه حكومة الولايات المتحدة الامريكية كانت مخجلة، وانني آسف."
اعتذرت نیوزیلندا عام 1997 للسکان الاصلیین (الماوریین) لنقض معاهدة 1840 التی اقرت حقوقهم فی امتلاك اراضهم وتعرضهم الی سوء المعاملة. وفی شهر شباط سنة 2002 اعتذرت رئیسة وزراء نیوزیلندا للجالیة الصینیة فی بلادها لسیاسة التفرقة العنصریة التی تعرضوا لها فی نهایة القرن التاسع عشر.

فی عام 1997 اقدم البرلمان النرویجی وکذلك فعلت الحکومة السویدیة عام 1998 علی تقدیم الاعتذار الی سکان اسکندنافیا الاصلیین المعروفین ب( سامي) لما عانوه من ظلم من قبل سلطات البلدین فی السابق.
وفي استراليا اعتذر رئیس الوزراء السابق کفن راد فی شباط عام 2008 من سکان أستراليا الاصليين "الابورجنيز"عن الجریمة المعروفة بـ" الجيل المسروق " التي تعتبر جريمة لاانسانية ارتكبها المحتلون الانكليز بحقهم وذلك بسرقة الفتيات الصغار من ذويهم واستخدامهن لخدمة نواياهم.
کما وقامت المانيا و كطريقة لتقديم الاعتذار لضحايا الهولوكوست من اليهود في المانيا بتقدیم مساعدات مالیة لاسر ضحایا وأصدار طابع تذكاري بمناسبة الذكرى السنوية الخمسين لميلاد " آن فرانك ". وكذلك قامت سويسرا بالاعتذار عن اليهود لدورها في تعليق ممتلكاتهم.
وفي هذه السنة وبعد انتخابه بشهور قدم الرئیس الفرنسی الجدید فرانسوا هولاند الاعتذار عن دور بلاده في محرقة الیهود اثناء الحرب معترفا "بان تلك الجريمة ارتكبت في فرنسا، من قبل فرنسا." واعتذر عن قتل ما يصل الى 200 من المتظاهرین الجزائريين الذین تعرضوا للضرب حتى الموت من قبل الشرطة الفرنسیة عام 1961.

الغرض من التطرق الى الحالات الواردة اعلاه ليس لاضفاء طابع العدالة والمساواة على تلك الانظمة الغربیة او الانبهار بالحریة والديموقراطية التي تدعيها. وانما لكي نقطع الحجج و المبررات التي قد يلجأ اليها البعض للتهرب من المسؤولية بأنهم غير معنيين عن ما قام به الطاغية المهزوم صدام حسین لانهم لم يكونوا ضمن اركان نظامه اثناء تنفيذ الجرائم الوحشية التي ارتكبتها اجهزة النظام القمعية، بل یلجأوون الی تقدیم الاعذار الواهیة للتبریر بانهم ليسوا ممن عليهم تقديم الاعتذار.
من الواضح بأن الجرائم سالفة الذکر لم ترتکب اثناء فترات حکم المسؤولين الحاليين في تلك البلدان ولیسوا بالمسؤولين المباشرين على ارتكابها، بل هناك فوارق زمنية کبیرة بین وقت حدوثها وایامنا هذه.

ان عمليات الانفال جرائم فريدة في وحشيتها وتعتبر اكبر الجرائم مأساوية نفذت بحق الجماهير الفقيرة في قری وقصبات كوردستان، کذلك قتل البرزانیین وتغییب الکورد الفیلیین وقيام وأجراء تجارب الاسلحة الكيمياوية واختبار مدى قوتها التدميرية على الاطفال والنساء والرجال من الکورد قد نفذ بأمر من الطاغية المهزوم صدام بصفته رئيسا لدولة العراق. والعراق کیان سیاسی له موقعه بین دول العالم وملزم بالتعهدات والمواثیق الدولیة حتی لو تغییر نظام الحکم فیه وان الکثیر من القرارت والقوانین التي صدرت تحت ظل الحکم البائد ومنها ما تخص العلاقة مع الدول الاخری بقت نافذة لحد یومنا هذا باستثناء ما تم تعدیلها او سنها لتلائم الظروف المستجدة.

ما يدعو للاستغراب والتساؤل هو عدم ايلاء الاهتمام بضحايا جرائم الابادة الجماعیة تلك من قبل الاطراف المتواجدة على الساحة السياسية العراقية، فالبرغم من مبادرة البرلمان العراقي باعتبار تلك الجرائم جرائم الابادة الجماعیة الا ان مسألة تقدیم الاعتذارعن ما تعرضوا له من المآسي لاتزال لم تعطی اذانا صاغیة، فالاعتذار من شأنه التخفیف من الالام التي خلفتها هول الجرائم و یساهم بلا شك في خلق مناخ من الثقة والطمأنینة بمستقبل جديد خالي من الافكار العدائية الشوفينية، کلمة من شأنها خلق شعور نفسي للشعب الكوردي بتقدیر معاناتهم وترسخ الاحساس بمساواتهم وشراكتهم ضمن العراق.
يبدو ان حکام العراق الحالیین لایتسمون بروح العصر ولایزالون یحملون تلك الثقافة البالیة وان الکبریاء والتعالی هی الصفة الغالبة لدیهم والاعتذار ليس محط اهتمامهم او لربما لایدرکون قیمته الانسنیة ولم تتخذ كظاهرة حضارية لدیهم. والاغرب من ذلك ان قادة الاحزاب الکوردیة المشارکة فی الحکومة العراقیة لم تعطي تلك المسألة ادنی اهتمام، فبینما تشتد الصراعات والخلافات بین اربیل وبغداد علی المسائل العالقة کالنفط والمیزانیة، لم نلاحظ اي تحرك جدي من قبل اي من الزعماء والوزراء الکورد للمطالبة بتقدیم الاعتذار.

لقد حان الوقت لان يصار الى العمل من اجل تقديم الاعتذارمن قبل الحکومة العراقیة بصورة رسمية الى الشعب الکوردي وبالاخص ضحايا مذابح الانفال والقصف الكيمياوي لمدينة حلبجة وجرائمه الاخرى باعتبارها جرائم الابادة الجماعية المنظمة خططت لها ضمن سياسة شوفینیة عنصریة انتهجتها الحکومة العراقیة فی حینه والامثلة التي اوردت في مقدمة هذه السطور تفند كل الحجج التي قد تتخذ كمبررات لعدم الاقدام على مثل هذه المبادرة الحيوية التي لابد منها لازالة اي شكل من اشكال التمييز بين ابناء الوطن الواحد. وان مثل هذه الخطوة كفيل بجلب انتباه المجتمع الانساني الی تلك الجرائم والاعتراف بها دوليا وتخفیف الام اسر الضحايا وتعویضهم مادیا و معنویا على ضوءها.

* قدمت في مؤتمر مرکز حلبجة لمناهضة انفلة وابادة الشعب الکوردي – CHAK الذي انعقد في السلیمانیة بتاریخ 24/11/2012.



#صلاح_كرمیان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صلاح كرمیان - ثقافة الاعتذار وواجب الدولة العراقیة تجاه ضحایا جرائم الابادة الجماعیة