أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - الوعد الالهي بالارض المقدسة















المزيد.....

الوعد الالهي بالارض المقدسة


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 15:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ولا بأس أن نتريّث في هذه المحطّة للتحقيق في الوعد الإلهي المزعوم لبني اسرائيل بدخول فلسطين وأنّها هبة من الله لهم، فقصّة هذا الوعد هي التي تقف وراء كل ما جرى من حروب وسفك الدماء ومآسي منذ أكثر من 3 آلاف سنة ولحدّ الآن بين الفلسطينيين واليهود، فما قصّة هذا الوعد؟ وهل يعقل أن يهب الله بلاداً ومدناً عامرة وقرى مسكونة لحفنة من أهل البادية ليأتوا من سيناء ويدمّروا ويقتلوا ويحرقوا الأخضر واليابس لمجرّد أنّهم موحدّون (مع أنّهم قبل أيام عبدوا العجل وقالوا لنبيّهم: اجعل لنا آلهة)؟!
أليس أنّ الأرض لمن أحياها؟ ألم يخلق الله البشر ويسخر لهم الأرض وما عليها ليعمروها ويستخلفهم فيها، فكيف يحقّ له أن يهب بقعة معينة لها أهلها وأصحابها لأشخاص آخرين لا يبدو من سيرتهم أنّهم أفضل حالاً من السكان الأصليين ـ إن لم نقل أسوأ ـ ولماذا هذا التحيّز لقوم دون قوم، وهل يعقل أنّ موسى(عليه السلام) الذي بعث لبني اسرائيل ليزكيهم ويسير بهم في خط الإيمان والقيم والرسالة السماوية أن يقول لهم: اهجموا على قرى ومدن فلسطين واقتلوا من فيها واسكنوا في بيوتهم وانهبوا ثرواتهم لأنّ الله قد وعدكم هذه الأرض ووهبها لكم؟! ولماذا كانت فلسطين مقدّسة في ذلك الوقت دون سائر بقاع العالم، وبماذا تمتاز عن سائر المناطق الأخرى قبل مجيء اليهود إليها وقبل بعث الأنبياء فيها؟!
هذه أسئلة وعلامات استفهام لا تكاد تجد لها حلاًّ في الفكر الديني السائد ولابدّ من التحقيق فيها من موقع العمق والدقة والتدبر في الآيات الشريفة للتوفيق بين مقتضيات العقل ومعطيات النصوص ولازاحة اللبس الحاصل في الذهنية المسلمة من جراء تداعيات الحرب والاقتتال العربي الاسرائيلي الطويل، وبديهي أننا لو اعترفنا بالوعد الإلهي لبني اسرائيل بالاستيلاء على فلسطين ـ كما يظهر من بعض النصوص الدينية ـ فسنواجه كل هذه الأسئلة والإشكالات فضلاً عن الاعتراف بحق اليهود التاريخي والديني بهذه الأرض.
الذي يظهر لنا من هذه القصّة، بعد التأمل والتمعن في تفاصيلها، أنّ موسى(عليه السلام) لم يعد بني اسرائيل بفلسطين، بل وعدهم بإقامة دولة في سيناء، وهي أرض مقدسة لوجود جبل الطور فيها، وهو الجبل الذي كلّم الله موسى(عليه السلام) عليه وأرسله نبيّاً إلى فرعون وقومه: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)( ).
ومرّة أخرى صعد عليه موسى ليتسلم الألواح والتوراة، وتقول الآية الكريمة عن سيناء: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوىً).
(إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوىً).
والشواهد التاريخية تؤكد أنّ سيناء لم تكن صحراء جرداء بل كانت أرض تنتشر فيها العيون والغدران والغابات وأنّ جبل الطور أيضاً كان مغطى بأشجار الزيتون( )، وعلى أية حال كانت سيناء أرضاً مقدّسة وصالحة للسكنى ولا يقطنها أقوام أو قبائل بشرية سوى بعض الرعاة المتنقلين، إلاّ أنّ ما حصل بعد سنوات مديدة من إقامتهم في سيناء أن ازداد عددهم وتكاثر نسلهم وقويت شوكتهم فطمعوا في قرى ومدن الأقوام الأخرى كما هي عادة وثقافة الأقوام البشرية آنذاك، وكان على رأس الجيش الإسرائيلي يوشع بن نون الذي كان متلهفاً للغزو والنهب وكان يطمع بأن يكون ملكاً على اليهود بعد موسى ويقودهم إلى فلسطين، ولكن وجود موسى كان يعيق تحقيق هذا الهدف، ومعلوم أنّ بني اسرائيل كانوا يعيشون الضجر والتململ من حكومة موسى(عليه السلام) ومن شدّة التزامه الديني وصرامته في تطبيق الحدود الإلهيّة والقيم الأخلاقية، حتى أنّه في أحد المرات أمر بقتل سبعين ألف نفر ممن عبدوا العجل (كما ورد في الروايات) ويحدثنا القرآن عن هذه الواقعة بقوله:
(... فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
ويحدثنا مرّة أخرى عن آذاهم لموسى(عليه السلام) وشكواه منهم:
(وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ...).
ومرّة أخرى أرادوا العودة لمصر لرغبتهم في تناول الخيار والبصل والثوم ممّا لم يكن متوفراً في سيناء:
(وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الاَْرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا...).
وتحدثنا التوراة عن موقف بني اسرائيل من موسى بعد عبورهم البحر:
«فتذمّرت جماعة بني اسرائيل كلها على موسى وهارون، وقال لهم بنو اسرائيل: (ليتنا متنا بيد الرب في أرض مصر، حيث كنّا نجلس عند قدر اللحم ونأكل من الطعام شبعنا، في حين أنّكما أخرجتمانا إلى هذه البرية لتميتا هذا الجمهور كلّه بالجوع»
ويتبيّن من كل ذلك أنّ بني اسرائيل كانوا ناقمين على موسى(عليه السلام)وخاصّة بعد وفاة هارون الذي كان ألين عريكة وأكثر تعاطفاً مع بني اسرائيل من موسى. وفي أحد الأيّام وبعد أن توجه موسى وقد تجاوز الثمانين من العمر مع يوشع بن نون إلى أحد الجبال القريبة للعبادة إذ رجع يوشع لوحده إلى قومه وأخبرهم أنّ موسى قد مات، وقد دفنه بنفسه على الجبل. ويؤكد بعض الباحثين أنّ يوشع قام بقتل موسى(عليه السلام) ليخلو له الجو وليقود بني اسرائيل إلى فلسطين، وربّما كان هو الذي ابتدع هذه الفرية وهي أنّ الله قد وعدكم هذه الأرض، ليثير حسّهم الديني ويقوي عزمهم على الحرب والقتال، ونعلم أنّ التوراة الأصلية لم يرد فيها كلام عن مثل هذا الوعد ولكن عندما كتب «عزرا» التوراة بعد حوالي ثمانية قرون من عصر موسى(عليه السلام)، أي بعد قصّة الأسر والسبي إلى بابل الذي تعرض له اليهود على يد نبوخذ نصر البابلي وبعد ما جاء كورش الفارسي وحرر اليهود من الأسر وأرسلهم إلى فلسطين قام عزرا ـ وهو كبير كهنة اليهود ـ باخراج هذا الكتاب إليهم مدعياً أنّه التوراة الأصلية، وذكر فيه أنّ الله قد وعد إبراهيم ومن بعده يعقوب وموسى بأن يهب لهم ولبني اسرائيل هذه الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً.
يقول الدكتور سوسة في كتابه «العرب واليهود في التاريخ» ص 66:
«حدث بعد هذا الاستطلاع وتريث موسى بعبور النهر، وانشقاق الرؤى بين موسى وقيادة الجيش بقيادة يشوع بن نون، الذي اتهم موسى على أثرها أنّه عصى الرب، ومن ثم، تمّ اغتياله من قبل يشوع.
وهنا انتهت حياة موسى بعد أن أعلن يشوع بن نون: أنّ الرب نفذّ وصيته في هذا العاق.
وتقول التوراة: إنّ الرب كلّم يشوع بن نون قائلاً: «إنّ موسى عبدي قد مات، فقم الآن واعبر الاردن هذا، أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لبني اسرائيل...».
وممّا يشير إلى أنّ موسى(عليه السلام) كان يمانع من الهجوم على فلسطين ما ورد في التوراة من عقاب الله لموسى أن لا يدخل الأرض المقدسة:
«فقال الرب لموسى وهارون: من حيث إنّكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني على مرأى من بني اسرائيل فإنّكما لن تدخلا هذا الشعب الأرض التي وهبتها لهم».
وبعد ذلك صدر الأمر ليوشع بالهجوم على فلسطين، وبعد عبور نهر الاردن، شرع بنو اسرائيل في الاستيلاء على أرض كنعان وكانت أريحا أول ما سقط في أيديهم، تقول التوراة:
«فاندفع الشعب نحو المدينة كل إلى وجهته واستولوا عليها، ودمّروا المدينة وقضوا بحدّ السيف على كل من فيها من رجال ونساء وأطفال وشيوخ حتى البقر والغنم والحمير... ثم أحرق الاسرائيليون المدينة بالنار بكل ما فيها».
وتضيف التوراة: ثم اتجه الاسرائيليون نحو عاي.. فقال الرب ليشوع: مدّ رمحك نحو عاي لأنني وهبتك المدينة، فمدّ يشوع الحربة التي بيده نحو المدينة فاندفع الكمين من مكانه بسرعة عندما مدّ يده بالحربة وركضوا واقتحموا المدينة واستولوا عليها وأحرقوها بالنار... رجع المحاربون الاسرائيليون إلى عاي وقتلوا كل من فيها، فكان جميع من قتل في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفاً، وهم جميع أهالي عاى....
ثم توجه إلى مقيدة واستولى عليها وقتل ملكها بالسيف وكل نفس فيها لم يفلت منها ناج، ثم توجه يشوع على رأس جيشه من مقيدة إلى لبنة وحاربها فأسلمها الرب هي أيضاً إلى يد اسرائيل مع ملكها فدمرها وقتل كل نفس فيها بحد السيف فلم يفلت منها ناج، ثم توجه إلى لخيش...».
أقول: لو كان موسى(عليه السلام) حيّاً، فهل يعقل أن يقبل بمثل هذه المجازر للسكان الآمنين، فضلاً عن ارتكابه لها بنفسه؟ وهل يعقل أنّ الله يأمر بمثل هذه الجرائم الوحشية التي لم يحدثنا التاريخ البشري عنها سوى ما كان من المغول والتتر؟! ألا تقرّب هذه النصوص الفكرة المذكورة آنفاً وهي أنّ الوعد الإلهي المزعوم لليهود بفلسطين هي من بنات أفكار يوشع بن نون وأنّ موسى كان مخالفاً لمثل هذا العدوان؟!
* * *



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد الاعجاز البلاغي في القرآن
- موقف الاسلام من المرأة
- الفلسفة الوجودية


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - الوعد الالهي بالارض المقدسة