أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال عوض سلامة - ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية















المزيد.....


ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية


بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3913 - 2012 / 11 / 16 - 17:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



إلماعة سريعة
إن ابن خلدون شخصية سبقت عصرها في شتى حقول المعرفة المتعددة، من علم التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والتربية وعلم النفس الاجتماعي وعلم الدولة وشؤونها السياسية، ولن نكون من المغالين إن قلنا لم يكن للعلوم الاجتماعية من أب سواه، لولا التهميش وعدم التراكمية المعرفية لهذا العلامة لأسباب ايدولوجية محضة واخرى ترتبط بالنظرية المركزية الأوروبية ووكلاءها الثقافيوين بإمتياز، وباستطاعة المتمعن والقارئ لإبن خلدون استدعاءه واستحضاره في بيئة وزمن إن اخلتفا في الظاهر، فإنهما متشابهان في الباطن والمكامن، خصوصاً لاعتبارات ترتبط بتعميماته ومقولاته وقراءاته المتعلقة بالوعي والثقافة والوجود اليومي للفرد في المجتمع.

ونُصر في هذه الورقة على القول بأن العلامة ابن خلدون شكل البداية لبواكير علمية كثيرة، بل وكان السباق لها، فقد سبق كونت ودوركهايم في تأسيسهم لقواعد المنهج في العلوم الاجتماعية، المستندة إلى المنهج التجريبي والاستقراء والملاحظة والاستقصاء للمعلومة في الكشف عن القوانين التي تحكم الوجود الاجتماعي، في حين نجد مادية ماركس وبعدها التاريخي في تشكيل وعي وبنية وثقافة المجتمع الذي ينتمي اليه الفرد، ولم يغب عنه القوانين التي يسير عليها التزايد في النوع الإنساني.

وفي خضم معالجتنا لموضوعة هذه الورقة، نجد أن إبن خلدون قد لخص أبرز أفكار علماء النفس والاجتماع والفاعليين اجتماعياً، من: فرويد وماركيوزة وباولو فريري وفانون في حديثهم عن تعليم المقهورين وتماهي المقهورين بالقاهرين، في الجزء الأول بفصله الثالث والعشرون: الذي جاء تحت عنوان " في أن المغلوب مولعٌ أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده " حيث رسم بالقانون الاجتماعي هذا خارطة معرفية لسير عملية الاقتداء والتقليد والتي تؤدي بالضرورة إلى التماهي والتوحد في سلوك وأفكار وعادات وأسلوب حياة الغالب من خلال المعادلة المعروفة المنتصر هو "الذي يصيغ الواقع المفروض على المغلوب وفقاً لقواعد اللعبة"، ووفقاً لما تمليه على مصالحه الاقتصادية والسياسية والأمنية حتى ولو كانت على حساب المقهورين. والهزيمة في هذا المضمار لا تعني الجانب الفزيولوجي فقط وإنما تتخلل وتنساب إلى الجوانب المعنوية على كافة المستويات النفسية والاجتماعية و الثقافية والاخلاقية.

ولا يوجد للمهزوم سوى خياران، الأول هو استعادة انفاسه ورمرمة أوضاعه ومحاولة النهوض من جديد، والتخلص من حالة الاستلاب الوجودي والعقائدي له من خلال الممانعة والمقاومة للتخلص من الجرح النفسي الذي أصابه نتيجة التصادم مع الغالب(1). أما الخيار الثاني وهو الإذعان والانصياع وصياغة الوعي والسلوك وفقاً لقواعد القاهر والمحتل والمستعمر، والأخطر من كل هذا هو سرعة توليد الأفكار المتواطئة مع حالة الذوبان هذه على صعيد ما يسمى بالنخب الاكاديمية والاقتصادية والسياسية(2).

إن المقالة الحالية بصدد إجراء حالة من المحايثة لنص ابن خلدون ومحاولة التأويل له في ظرفنا الفلسطيني، وإستعارة مفاهيم اساسية في عملية النبش في بنية الواقع الفلسطينية استناداً إلى المقولة العلمية التي طرحها ابن خلدون قبل أكثر من ستة قرون ونيف، ومن أجل تسيير عرضنا سنقوم بتقسيم المداخلة إلى عدة مباحث، كما يأتي:

أولاً: مدخل عام في فهم علاقة الغالب والمغلوب
موضوعنا في هذا الصدد هو الكيفية والآلية التي تتبع، بحيث تدفع المغلوب بتقليد الغالب، والسبب في ذلك كما يقول ابن خلدون " ... أن النفس أبداً تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه..." وهي عملية تفوق الآخر "الغالب" أو الذي يمتلك تكنولوجيا عسكرية وصناعية متطورة حسب فانون، يمتلك القوة وهي رمز وجوده المستلب، والقوة هنا لا يتم تفسيرها بحد ذاتها فحسب، وإنما ما "انتحله الغالب من العوائد والمذاهب " وبهذا تكون نظرة الإعجاب بأسلوب حياة و قوانين المحتل، ويبدى الاحترام لدولة القانون رغم عدم شرعيتها، وتستهوي المغلوب فكرة المحاسبة والمسائلة التي يتساوى فيها الوزير والمواطن على حد سواء، حيث أن الفلسطيني يضمر للمحتل الحقد والاعجاب في نفس الوقت وبمناسبات مختلفة، في تناقض وجداني ليس على صعيد العلاقة التي تربط الأبن بأبيه حسب فرويد، وإنما في علاقته مع المعتدي، وهو في هذه الحالة الاحتلال الصهيوني، تلك المواصفات التي ترسم القاهر بالكمال والتفوق وفي مقابله النقص والهزيمة للمغلوب، فإننا حسب ابن خلدون وفرويد وفانون بنفس السياق، نكن للغالب مشاعر متناقضة وجدانية فهي " ..تغالط أيضاً بذلك عن الغالب وهذا راجع للأول." فنحن نظهر الجوانب التي تعظم من شأن الغالب وفي المقابل مشاعر الحقد والكراهية كما هي المشاعر المتناقضة التي توجه نحو الأب حسب فرويد " لاعتقاد الكمال فيه اعتقاد الأبناء بآباهم والمتعلمين بمعلميهم"، إنهم يعملون على امتصاص كرامتهم ووجودهم الإنساني واستبدالها بالشعور بالنقص والدونية فيقول ابن خلدون " ولهذا تذعن للرق في الغالب أمم السودان لنقص الإنسانية وقربهم من عرض الحيوانات" حسب قوله ، وبالتعبير الماركسي إنهم يتشيؤون ويصبحون آلة في خدمة المستعمِر(بكسر الميم) " إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره" هذه الحالة يشبهها ابن خلدون بحالة تقبل الأمر الواقع والانصياع والإذعان له، حيث بتعبيره إذا غاب الملك أو لم يحصلوا عليه فإنهم يعجزون عن الدفاع عن أنفسهم في مقابل الغالب، أنه بانتصاره يكون قد استلب وجود الآخر، وأصبحت مقولتهم الفكرية والمعرفية وحتى السلوكية تنتظم تحت قانون أطلق عليه، "وهذا سر قولهم العامة على دين الملك"، وهذا حال الدول الشمولية الأحادية البعد والجانب في المذهب والتفكير كما هو حال الدول العربية، ابتداءاً من المشرق العربي حتى المغرب، حالة تكللها إذعان وتماهي وإستدخال لقانون وأفكار حزب وفكر الدولة الواحد في نظمهم وأفكارهم وثنايا مسلكياتهم اليومية، يمجدون القادة والزعماء لا أفكارهم ولا المذهب أو المبدأ الذي يتبنوه في العلانية، والذين قد يكونوا يرفضوه في السر، إنها حالة تماهي شعورية بالقاهر، فتعيش الأمم المقهورة على مقولة "عاش الملك ومات الملك"، ناهيك عن الأمثلة الكثيرة التي توضح مأساة المقهور وتوتره الوجودي الذي يبتعد عن تحكمه في أصغر تفصيل من تفاصيل حياته(3)، فيدفعه الشعور بالنقص الذي زرعه القاهر واستعيض عنه بالتماهي في قوة القاهر، أنها عملية الاستيلاء كما يسميها ابن خلدون والاغتراب حسب ماركس.

فلسطينياً، ألا يبهرهنا تألق الفلسطيني وبسالته في مقارعة المحتل، وبنفس القدر تحيركم حالة الإذعان في مقابل سلطة عشائرية قبلية تفرض علينا سلوكياتنا في أدق التفاصيل، تلامس بسلطتها وقهرها حقوقاً لنا تمثل جوهر وجودنا، لماذا لا نرى ثورة الثائر في محافظته على حقوقه؟ فكيف نطلب التحرر والثورة على القاهر والمحتل، ونحن لسنا بثائرين على أنفسنا المشبعة بالانقياد والطاعة والإذعان.


ثانياً: مدخل ثقافي .. التطبيع.
قد يستغرب البعض منا، مناقشة أفكار ابن خلدون والتطبيع الثقافي؟! قضيتان ومنظومتان مفاهمية تفصلهما ستة قرون ونيف؟؟ ولكن التمعن والقراءة المتفحصة للمضامين تؤدي بنا إلى أن ابن خلدون نابغة عصر الأمة، ألم يقل في وصفه للتقليد ذاك " والله اعلم من أن غلب الغالب لها ليست بعصبية ولا قوة بأس وإنما ما انتحلته من العوائد والمذاهب " نرى بهذا السياق أن المغلوب مولع على حد تعبيره بالغالب ليس فقط للقوة والبأس وإنما أيضاً بالعادات والتقاليد وطرق العيش وقوانين الإدارة الحياتية تصل حتى الإعجاب بالعقلية المبدعة لتلك النحل والعوائد، أليس العقل هو الذي يبدع الأشياء؟ بالفعل، إننا نجد في هذا المدخل قراءتين، الأولى على صعيد القهر الداخلي ما بين البينين، وله مدخلين الأول شعورياً والأخر لاشعوري، والقراءة الثانية قهر خارجي، وله أيضا مدخلين أيضاً شعورياً ولا شعوري.

القراءة الأولى: على الصعيد الداخلي
فالحالة الشعورية: إذا كان القهر ما بين أفراد" العرق، الشعب، الديانة" نفسها، تقوم الشعوب بالامتثال والطاعة، في تقبلهم للقاهر أو للزعيم وشيخ العشيرة وذلك ليس لقبول الأمر الواقع، فإن الطبيعة البشرية حسب ابن خلدون تميل إلى حالة الإجماع(4)، ولكن في بعض الأحيان نذعن في حال عدم وجود ثقافة ثورية تغييرية قائمة على العصبية الايجابية بوجه الغالب إننا نميل " إلى الإذعان والتقليد" باعتبار أن الأمم تدين بدين ملكها، بل نرى تمفصل وانسياب هذه العلاقة على صعيد الثقافة الشعبية والامثلة المرتبطة بها "حط راسك بين الرووس وقول ياقطاع الرووس، أو عند مخالفة الأمم احفظ راسك"، حيث تعتبر هذه الأمثال نظاماً مسلكياً وفكرياً ينسج علاقة تابعة مع النظام السياسي او الاجتماعي الذي ينتمي إليه الفرد .

وفيما يتعلق باللاشعورية" فإنها تكون مسألة دراماتيكية تقوم على إعجابنا وتعظيمنا للغالب القاهر، وهذا ما يطلق عليه بمصطلح "التناقض الوجداني"، نعجب من ناحية ونرفضه وننكره من ناحية أخرى وقد تكون كلتا الحالتين معاً، ولكن كيف نتطبع ثقافياً لنذعن، يقول ابن خلدون انه "لاعتقاد الكمال ... والمتعلمين بمعلميهم" وهنا يذكر التعليم كعملية تنتج بل وتعيد انتاج البنية الثقافية والاجتماعية -ونستطيع القول والاقتصادية حسب بورديو-، والتي يتخللها الثقافة التراتبية القائمة على التفضيل (للذكر والأكبر عمراً ومنزلةً)، ولا نريد ان نسهب في اشكاليات النظام التعليمي في مجتمعاتنا العربية القائمة على التلقين والحفظ، بإعتباره يحمل ويتبنى بعداً واحداً يعكس النظام القيمي والاجتماعي المهيمن على واقعنا، فتقتل الأنا المفكرة والفكرة المغايرة، هذه العملية تنمي وتخلق ثقافة الطاعة العمياء والإذعان والتراتبية، فالمعلمين يكونوا مركز احترام وتقدير ومثلاً أعلى للمتعلمين، فيلعب الجهاز التعليمي دوراً كبيراً في عملية التطبيع الثقافي والاجتماعي(5) ، بإعتباره الجهاز الايدلوجي للدولة الذي يقمع ويدجن الشعوب على الثقافة التراتبية في المجتمع، ناهيكم عن الجهاز الأمني الذي يشرعن استخدام القوة في كبح جماح المعارضة.

القراءة الثانية: على الصعيد الخارجي
تقليد المغلوب للغالب بشكل شعوري في حال كون القاهر أجنبياً، وهذا ما لم يقم ابن خلدون بمعالجته بشكل واضح للعيان، ففي حين ذكره لأمة الفرس وانتشار الإسلام فيها وغزوهم قال" أنهم تلاشوا واندمجوا فيها" ... " ويقول هذا ليس بظلم" ... "فمملكة الإسلام في العدل ما علمت وإنما هي طبيعة في الإنسان إذا غلب على أمره وصار آلة لغيره" فنراه يبرر للإسلام ولا يبرره لشعوب أخرى، أو على وجه الإنصاف يلتزم الصمت، ونفهم بدورنا أن الصراع في نشر الإسلام قد يكون قد لاقى ترحيباً لديهم، وبالتالي اندمجوا فيها وفي عوائدهم بشكل إرادي.

فلسطينياً: كيف هي المعادلة؟؟ هل يعقل أن نقول في حالتنا، أن الشعب الفلسطيني شعورياً يميل إلى تقليد الغالب"الاحتلال"؟ برأيي أن هذه قد تكون، ولكن ليست بصورة كلية وإنما بصورة جزئية، فهنا العصبية الفلسطينية الوطنية تقف عائقاً وسداً منيعاً في وجه الاندثار للهوية والأعراف والتقاليد، فكان نتيجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الخوف على الهوية ومكوناتها الثقافية والاجتماعية، وذلك لاتصاف الاحتلال بميزات تهدف إلى طمس معالم الهوية الفلسطينية، فكان التمسك أو الدعوة للتمسك بتراثنا وعاداتنا وحتى وان كانت لا تصلح في زماننا كمستلزم أساسي للحفاظ على هويتنا، هذه قد تكون العصبية بشكل أو بآخر حسب ابن خلدون، أعطى صفة المحافظة على المجتمع الفلسطيني، وأعاق تطور المجتمع الفلسطيني لعقود عدة.

ولكن هل نقوم بتقليد الغالب شعورياً" عودة لابن خلدون "، يقول في وصف ما حدث بالاندلس " فإنك تراهم يتشبهون بهم وفي ملابسهم وشاراتهم والكثير من عوائدهم وأحوالهم حتى فيرسم التماثيل في الأحجار والمصانع والبيوت ... حتى يشعر الناظر .. انه من علامات الاستيلاء"، نجد كثيراً من المشاهد في تقليد المحتل من الناحية العمرانية في كثير من المواقع والمرافق، ولكن ارتباطاً بممارسات الاحتلال الهادفة إلى قتل المكان ومحاصرة الانسان الفلسطيني، باعتباره يهدف إلى اقتلاع الانسان الفلسطيني، حيث حوصر بقوانين اعاقت من تطور مبانيه من الناحية الحضارية والعمرانية، وفرضت عليه القيود والسياسيات لتغيير مكان سكنه واقامته، حتى يستطيع مارق السبيل ادراك الفوارق ما بين أبنية المستعمر(بكسر الميم) والمستعمر، خصوصاً في تلك المواقع التي تشهد حرباً على هوية المكان، مثل : الخليل والقدس"البلدة القديمة"، سلوان، الرملة، واللد... الخ" حيث ينطبق عليها مقولة فانون:
"إن مدينة المستعمر مدينة صلبة مبنية بالحجر والحديد مدينة أنوارها ساطعة وشوارعها معبدة بالإسفلت وصناديق القمامة بها ما تنفك تبلغ النفايات ما عرفها الآخرون، ولا رأوها يوما، ولا حلموا بها يوما .أما مدينة المستعمر فهي مكان سيء السمعة يسكنه أناس سيؤوا السمعة، هو عالم بلا فواصل يتكدسون فيه الناس والأشياء فوق بعضهم البعض "(فانون ،37:1972) (6).
أن سياسيات الاحتلال تتكثف لسحق المكان ومطاردة السكان، وتذكريهم دائماً عبر امتهان كرامتهم على الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش بأنهم عرب فلسطينيون، هي سياسات هدفت إلى تنميط ووصم الفلسطيني حسب خطاب الكيان الصهيويني تجاه الفلسطيني الذي يهدف إلى رسمه في صورة غير حضارية، إلا نعظم من شأن قانونهم في محاسبة الفاسدين، إلا نقول أنها – أي إسرائيل دولة محتل – ولكن بها قانون يتساوى أمامه الجميع، أليس هذا إعجاب ؟؟ أليس هنالك أيضاً تماهي في بعض الأحيان، والمطالبة على سبيل المثال بالاحتذاء بتنظيم الكنيست الإسرائيلي في تعدد وجهات النظر والاختلافات ومعالجة قضاياهم، والتي هي من عوائدهم ومذهبهم ؟؟؟.

إلا يوجد بيننا من المثقفون في خدمة الآخر (وهو المحتل) يدعون بقبول التطبيع الثقافي والاقتصادي، والقبول بقواعد اللعبة وقوانينها الإسرائيلية، أليسوا مولعين بتقليد القاهرين والمحتلين؟؟؟. والقبول بمبدأ القواعد واللعبة حسب الاسرائيليين، الا يستجاب للقوانين السياسات الاقتصادية المفروضة على المجتمع الفلسطينية كحالة متناغمة مع السوق الفلسطيني، قد يكون ج

نذهب الآن إلى ما هو تقليداّ لاشعورياً، كثيراً ما نسلك بمسلكياتنا بشكل متناقض، حسباً للزمان والمكان، المصرارة في القدس مثال واضح للعيان، كيف نسلك بوسط أجواء عربية وكيف نتحرك ونتصرف بفضاء عربي، وإذا خرج الفرد منا وتحرك 200 متر عن المكان- أي شارع يافا الإسرائيلي- نرى السلوك ونمط التفكير وحتى اللباس يختلف بطريقة لاشعورية لهذا الفرد، انه يتماهى بالمكان وبمتطلباته الثقافية والاجتماعية، انه التقليد اللاشعوري لحياة القاهر، أنه يحاول تلقيد المستعمر في ملبسه وقصة الشعر واتقانه اللغة العبرية، والتي يدخلها في حياته وتفاصيل وجوده وتعبيراً عن مشاعره حتى لو لم يطقنهابصورة جيد.


ثالثاً: مدخل التماهي بالمحتل أو بالغالب
التماهي بالعدو، مصطلحاً أدخله فرويد في عالم علم النفس ومصطلحاته، وتحدث عنه فرانتز فانون، في كتابه "معذبو الأرض "، ولكن أرى أن ابن خلدون مبدعها وكاشف أحوالها، نجد بين النصوص في كلماته التي تقول " .. ولذلك ترى المغلوب يتشبه بالغالب في ملبسه، ومركبه، وسلاحه، في اتخاذها وأشكالها بل وفي سائر أحواله" وفي مقام آخر" يتشبهون بهم في ملابسهم وشاراتهم" أليست بندقية (M16)هي السلاح المفضل للمقاتلين، وأبعد من ذلك أطفالنا في ألعابهم والأسماء التي يعرفونها(F16) كطائرات حربية، أهي أفضل من الكلاشينكوف أو ما اختلف عليه من أسماء؟؟، الم توضع الشارات وطواقي الرأس فوق الكتفين كما هو الحال للجندي الإسرائيلي، ألم نحمل السلاح يداً فوق والأخرى ممدودة بشكل مائل، أو نضعها مائلة بالخلف في حبل طويل يصل الركب كما يفعل الإسرائيلي، ألا يفضل بعض من مقاتلينا وحتى جنودنا للزي العسكري الإسرائيلي، ألا يقفز جنودنا من دورياتهم بطريقة تشبه قفز الجندي من الجيب العسكري، أنها حالة التقليد للغالب، انه السلاح الذي يمتلكه الغالب هو رمز القوة ورمز الملك، انه بثورته على الغالب وفي غياب حاضنة فكرية ثقافية لثورته وغزوه للغالب يكون مسيراً بثقافة القهر والغلبة والإذعان، فلا يمكن أن ينبع الفكر من فوهة البندقية(7)، حيث البندقية وحامليها تحولوا في مناسبات عدة إلى أداة في أيدي السياسيين تحرك وتوقف حسب ما يريد المديرون ووفقاً لمصالحهم واستخدامهم كأداة ضغط على القادة الكبار، وفي مناسبات أخرى انعكست العلاقة بين "القاهر والمقهور" إلى داخل المجتمع الفلسطيني، حيث مارس المسلحون(8) دور القاهر لابناء جلدته، إن هذه العصبية لا بد من توظيفها في إطار وطني ومرجعية أيدلوجية قادرة على مجابه أيدلوجية الآخر، فهي حسب ابن خلدون التي مكنته من التغلب.

ونهاية هذه القراءة السريعة، أود أن أستميح ابن خلدون عذراً، إن اغرقت في إقحامه على زمن ليس بزمنه ولكن وإن اجتزأت النصوص، إلا أنني رأيت فهمي المعاصر لها يكون هكذا، وإن أشعل شمعة من شمعات ابن خلدون خير من نبقي على شمعة أوقدها ولم يكن من هنالك من يستهدي بنورها أو يضيف إليها أخرى.

الهوامش
(1) تحيلنا هذه الفكرة إلى مناسبة من المهم توثيق الرد عليها، حيث أن الكثير من المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني، ويعملون على مشاريع مؤنجزة(NGO’s) حول الصحة النفسية في فلسطين، يروجون للدفاع عن الشعب الفلسطيني بإعتباره مليئ بالامراض النفسية، في حين يغفلون عن قضية هامة وهي أن استرجاع عافيته النفسية فقط تمر عبر المقاومة وهي وحدها تكفل الشفاء أو التخفيف من حدة توتره الوجودي الناتج عن الاحتلال. للمزيد، يرجى الرجوع إلى دراسة حجازي، مصطفى (1976). التخلف الإجتماعي : مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور. بيروت: معهد الإنماء العربي.
(2) لتعميق الفكرة في هذا المجال، يرجى الرجوع إلى كتاب: سمارة،عادل.(2003). مثقفون في خدمة الآخر! بيان الـ 55 نموذجاً. رام الله: مركز المشرق.
(3) من الأمثلة التي نستطيع سياقها لتوضيح هذه الفكرة، أغنية للمغني المصري محمد منير(أنا خايف أوعدك ما أوفيش) تعكس حالة التوتر الوجودي الذي يختبره المواطن المصري في علاقته مع حبيبته، بحيث لا يستطيع القيام بوعد صغير لها، حيث يسميه علماء النفس بـ "Locus of Control".
(4) إن حمى الاجماع شبه فيروس في العالم العربي والحالة الفلسطينية أيضاً، حيث لها بنية ثقافية تاريخية تبررها، ترفض به الاختلاف في الرأي وتمارس عملية ركلجة للعقول، ويتهم المخالف والمعارض بالخيانة وبالتعاون مع الخارج متكالباً على وطنه، ألم تتهم الأصوات التي نادت بالتغيير بالعملاء والمندسين والمتآمرين على الانظمة العربية فيما يسمى بالربيع العربي، اليس الصراع بين حركة حماس وفتح حول من يمثل المصلحة الوطنية العليا، ومن يحدد الخطوط الحمر، للمزيد الرجوع إلى مفهوم الظاهر لبيب في تفسيره لبرادييم الطاعة في الثقافة العربية.
(5) تشبه هذه الفكرة اطروحة طه حسين وفيصل دراج (الشيخ والمريد).
(6) فانون، فرانز .(1972).معذبو الأرض. بيروت:دار القلم.
(7) غلب هذا الشعار على فكر المقاومة في السبعينيات والثمانينيات، خصوصاً تلك الأحزاب التي لم تتبنى ايدلوجية واضحة المعالم.
(8) استخدم هنا كلمة مسلحون بشكل سلبي، وليس مقاتلون لتمييزهم عن الأخيرة المناضلة وعدم ادانة المقاومون الحقيقيون.



#بلال_عوض_سلامة (هاشتاغ)       Bilal_Awad_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدوان على غزة : انها لحظة تصحيح الاعوجاج في سبيل الفعل الم ...


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بلال عوض سلامة - ثقافة الغالب والمغلوب في فكر ابن خلدون: قراءة فلسطينية