محسن محمد الطوخى
الحوار المتمدن-العدد: 3890 - 2012 / 10 / 24 - 01:46
المحور:
كتابات ساخرة
أقبل صديقى القديم على المقهى وهو يلهث , أسقط نفسه على المقعد واشتكى من كَرشَة نفس , ثم طلب من الجرسون فوارا , فاجتاحت المقهى موجة من التعليقات الساخرة أشاعت البهجة والسرور . إلا صديقى , ظل ملتحفا بهمه . لم يستجب لدعاباتى كما عودنى . قال بيأس : صاحبك حايموت . تحاشيت ذكر كرشه العظيم حتى لاأفسد الأمسية , لكنى حومت حول الحمى فقلت : لعلك أتحفت نفسك بعشاء فخيم . قال : لم أنل شيئا من الطعام , ثم أضاف : أنت تعرف أنى لاأفرط فى الأكل . ها قد بدأنا ... فى حوارنا السابق الذى أعقبته قطيعة امتدت لأسبوعين كان قد أكد لى أن كرشه هذا ماهو إلا هواء , وأن لديه أنزيما يحول الهواء إلى دهون , وأن مشكلته أنه لا يجد طبيباً يفلح فى إبطال أثر هذا الأنزيم اللعين ( الوصف ليس من عندى ) . وبما أننى لا أسعى إلى قطيعة جديدة فقد قررت عدم التمسك بالحقائق العلمية هذا المساء إكراما لحالته النفسية . رجعت إلى مصادر الاستقصاء , فعلمت أن مايربو على أربعين مليونا من المصريين يحملون كروشا ذات شأن . بدأت فى ممارسة هواية جديدة بإحصاء الكروش التى تمر قبالة مجلسى فى المقهى فتوصلت الى نتائج تؤكد صحة المصادر التى لجأت اليها . تبين لى أن واحدا من بين كل ثلاثة ممن تخطوا الأربعين لا يملك كرشا , بينما واحد من بين ثلاثة ممن هم دون الأربعين يتمتع بكرش فخيم . لاحظت أيضا ملاحظة عرضية , أن كروش الفئة الأولى تتمدد رأسيا فتصل مابين الصدر والبطن فتعطى شكلا أشبه مايكون بالبرميل , بينما تتمدد كروش الفئة الأخيرة دائريا مما يترك انطباعا يقترب من شكل القارورة التى كنا نسميها الفياسكا . نراها حتى اليوم لدى الحوانيت التى ورثها مصريون عن طلاينة ويونان , أو فى معارض التحف والعاديات .
أخبرنى صديق صيدلانى عندما لاحظ ميلى المفاجىء للإهتمام بالكروش أن أكثر العقاقير الطبية رواجا هى أدوية التخسيس , وأضاف : وهى أيضا أكثرها خطورة . ولما سألته لم لا يبين للناس خطورتها أجاب : هم يعرفون . ثم انشغل بتنسيق علب البارفان , والشامبو, وصبغات الشعر
تحينت فرصة استعداد زوجتى للحكى فى واحدة من الجلسات المسائية النادرة فى الشرفة , وأشرت الى حديث الصيدلانى , فأسهبت متطوعة بإكمال الصورة , ولم أخلص منها بسهولة , لكن كم الفواجع التى أمدتنى بها أصابنى بالدهشة . فدرية ساكنة الدور الأرضى فى المنزل المقابل بعد أن أنهكها اعتلاء المشاية . وفكك الكريزى أوصالها , وخنقت أنفاسها الساونا , لقنت صاحب الجيم علقة ساخنة انتهت فى قسم الشرطة , على اعتبار أنه باعها الوهم , إذ زاد وزنها أربعة كيلو جرامات بعد أربعة أشهر من الغلب والعذاب والمصاريف , أردفت زوجتى موضحة بهزة من رأسها وهى تقذف إلى فمها بحفنة من الفستق المقشر : بتاكل زى البغل .. صافى أيضاً ابن السلامونى مدير البنك , فقد حياته إثر عملية تدبيس . غمغمت : اسم مناسب ومعبر . تجاهلتنى واستمرت : أجرى الجراحة لكى يحدد حجم وجبته , فصار عاجزا عن الأكل برمته , فتحوا بطنه مرات ثلاث متتالية لاكتشاف المشكلة , لكنه لم يمهلهم وأسلم الروح . يقال أنهم احتاجوا رافعة لنقله الى السيارة . مالت على بطريقتها عندما تريد أن تؤكد شىء وهمست .. لا أظن , مبالغة , لم يكن سميناً الى هذه الدرجة . قاطعتها قبل أن تستطرد فتذكر فواجع المدينة كلها وسألت بسذاجة : لم يتكبد الناس كل هذا العنت , لدرجة المغامرة بأرواحهم , مع أن الأمر لا يستلزم أكثر من السيطرة على مايأكلون . تحسست عظام قفصى الصدرى بطريقتها الخاصة وقالت : أنت معذور , لأنك لا تعرف شهوة الطعام .
فقدت حماسى مع الوقت , خاصة وقد عاد صديقى الى طبيعته الرجراجة يملأ المقهى صخبا , ويتناول أضعافنا جميعا من المشروبات المحلاة . لكنى لم أعد أندهش عندما يستوقفنى فى الطريق أحد رفاقى القدامى ويقول لى وهو يكافح كرشة النفس : أظن وزنك لم يتجاوز الخمسين كيلوجراماً منذ تخرجنا فى الجامعة , فتزغدنى زوجتى وتدفعنى لمواصلة السير وهى تهتف : تأخرنا الساعة بقت خمسه . فأقول لها : الساعة لسه اربعه ياماما , فأتلقى زغدة إضافية , وألمح صديقى وهو يراجع ساعته بينما أحاول ملاحقة ملاكى الحارس .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟