أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد اللوزي - حيَّ على الأكباش !















المزيد.....

حيَّ على الأكباش !


محمد اللوزي

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 22:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد طول عراك بين الرأس و البطن ... استطاع ما تبقّى من "عقلي"، الانتصار على ما تدلّى من "معدتي" ... و قررت الامتناع عن شراء كبش أقرن سمين يمشي في سواد ... جذع سليم من العور و العمى و العرج و ما شابه ... لم يكن أمر اتخاذ ذلك القرار سهلا ... فعقلي يريد إحداث التوافق بين أفكاره و إزالة التناقضات من بين اختياراته ... و معدتي - آه يا معدتي، يا معذبتي، يا رأس الداء ! - تشتهي ما اشتهاه عيسى ابن هشام ... من شواء و حلوى و أطباق و رقاق ... حين استغبى ذلك السوادي، صاحب الحمار، الملقب بأبي عبيد ... على عتبة إحدى أسواق بغداد في القرن الرابع الهجري ... زمن العباسيين.

إنني لست ضد الأكباش و الخرفان يا ناس ... لست ضد "عيد الشّواء" المقدس ... بل على العكس تماما ... أحب "اللحم المشوي" و "الدوّارة" و "القديد" و "لحم الرأس المبخّر" و غيرها من "الشهيوات" المنحدرة من صلب ثقافة الطبخ المغربي ... لكن الامر الذي لا يستصيغه "رأسي العاصي"، كما يصفه البعض، هو ربط كل ذلك بدين الله تعالى ... و إلباس "السكين" و "الشواية" لباس التقوى و الإيمان ... و اختزال التجربة الروحية و العقلية و التربوية لإبراهيم و ابنه عليهما السلام، في ذبح مئات آلاف "العلاليش التونسية" ... و ملايين "الأكباش السردية المغربية" ... و مئات آلاف "القرابين التركية" ... و عشرات آلاف الخرفان الكافرة - أو المقيمة بدار الكفر حسب التقسيمات الفقهية الجاري بها العمل ... بملايين السكاكين و الأمواس و الخناجر و المديات و المقارض و السيوف : تعددت الآلات و الأكباش ... و النحر واحد !

إن المؤسف حقا أن يصبح المدخل الوحيد لتجربة إبراهيم عليه السلام، عند جمهور عريض من أتباع "نظرية الأركان الخمسة"، بأحبارهم و رهبانهم و عامتهم، هو مدخل الدماء و الذبح و القطع ... فتلك الجموع لا تكاد تعرف عن إبراهيم إلا الختان و النحر ... و كليهما مدخلين دمويين بامتياز ... فعند الختان، تسال دماء ذكران الصبيان - باسم الله - تيمنا، زعموا، بإبراهيم المختون بنص التوراة و حديث صاحب الهريرة المقدس ... و عند النحر، تسال دماء الأكباش - باسم الله و الله أكبر - تيمنا بإسماعيل الذبيح ... فيختزل إبراهيم "الأمّة" بمنطوق القرآن في شخص بئيس بحرفتين ... لا أقل و لا أكثر... حرفة الحجام/الخاتن بالقدوم و الحبل ... و حرفة الجزار صاحب السكين الحادة ... و بين تلك الحرف تضيع المعاني العميقة لتجربته الروحية ... و تمحى دروس تجربته العقلية السالكة مسالك الشك و سط هشيم اليقين ... و تنسى تضحيات تجربته المقاومة للتقاليد الصنمية الآبائية البالية و لسلطة الكهنوت و السحرة ... و تظلم تجربة رجل فريد، عمّر قبيل أربعين قرنا في ظل سقوف معرفية كانت تمجد و تقرب القرابين البشرية خوفا من الآلهة، و استطاع رغم ذلك أن يضع حدا لثقافة القربان البشري باستبداله، مرحليا و على مستواه فقط، بقربان حيواني ... مؤسسا لبداية لم يكتب لها الاستمرار بعد ... و هي الانتهاء عن تقديم القرابين عامة ... بشرية كانت أو حيوانية ... تحت أي مسمى و في سبيل أية جهة ... و لو كانت الله !

نعم إن رسالة إبراهيم لم تكن طريقة ميكانيكية في كيفية قطع غرلة صبي بريء تقربا لله ... و لم تكن أيضا تأسيسا لسنّة حز أعناق ملايين الأكباش المسكينة في موسم سنوي متكرر ... إنها كانت تجربة رجل عاش ضروبا من القلق الفكري و الروحي ... ضريبة تحرره من سلطة القبيلة و أجداد القبيلة ... إنها كانت تجربة تؤصل للمفرد في مقابل الجمع ... للحق في مقابل العدد ... للعقل في مقابل النقل ... للتساؤل في مقابل تبلد الحس ... للتفكر في مقابل التقليد ... للسلام في مقابل العنف ... للحرية في مقابل الجبر ... للتضحية بالذات في مقابل التضحية بالغير!

إلا أن أحبار و رهبان و أتباع "نظرية الأركان الخمسة" أبوا، من منطق كهنوتي تقليدي مؤسساتي مصلحي، إلا أن يسفهوا تجربته ... و يطمسوا دروسها وسط ركامات من التفاصيل و الجزئيات المزعومة ... المستقاة عموما من شريعة الكتبة الفريسيين ... و يكفي أن نقارن مثلا بين أحكام الختان و الأضحية و شروطهما في فقه أحبار معبد أورشليم ... وبين أحكام الختان و الاضحية و شروطهما في فقه أحبار معبد مكة ... لتتضح لنا الرؤية و يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ... و لنعرف مدى التطابق العجيب و الغريب بين فقه التلموذ و فقه السنة ... و بين هذا و ذاك تضيع، في كل يوم و في كل سنة، معاني رسالة إبراهيم السامية ... بمقص الخاتن تارة ... و بسكين الجزار تارة أخرى !

لقد كان محقا مالك بن نبي حين كتب و قال : "عندما تغيب الفكرة ينمو الصنم" ... إذ عندما يوأد العقل بالنقل ... و ينسخ القرآن بالحديث ... يزني العجز الهرم بالخرافة القاصرة ... فينجبون أبناء و حفدة من التقاليد اللقيطة ... و تطمس الحقائق و تدلس ... و تنسى دروس المعاناة الإنسانية من أجل التحرر من الآصار و الأغلال عبر التاريخ ... و يستلقي التقليد الملتحي باطمئنان على قفاه العريض ... و في يده اليمنى "الجامع الصحيح" المانع ... و الأخرى تسبح بحمد اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى في صحن الكعبة ... و تستمر المأساة !

إن المشكلة لا تكمن أساسا في العيد أو في الزّفّة ... بل هي في جنس من الحاضرين من الطرشان و العميان ... من الذين لا يبصرون و لا يسمعون و لا يفقهون حديثا ... إذ لا مانع من إحياء ذكريات كبار التجربة الدينية و الفلسفية و العلمية و الادبية و غيرها ... بل من المطلوب إعادة إحياء سلوك النبي إبراهيم في التفكر ... و أفكار السيد المسيح في المحبة ... و توجيهات النبي محمد في الأخلاق ... و الحكيم غوتاما بوذا في التأمل و نبذ الغضب ... و الفيلسوف كونفشيوس في نبذ الطغيان و الاستبداد ... و الحكيم سقراط في التركيز على قيمة الفضيلة ... و الفيزيائي الفلكي غاليليو في الثبات على الحقيقة رغم احتراقه بجحيم الكنيسة ... و نضال أبي ذر الغفاري ضد طغيان معاوية و ظلمه للفقراء ... و تجربة المهاتما غاندي في المقاومة السلامية اللاعنفية للاستعمار البريطاني ... و غيرها.

و لا مانع أيضا أن نحيي في كل يوم ذكرى إنسانية لامرأة أو لرجل ... بصما حياتنا اليومية ببصمات من العلم أو الأدب أو الفن ... فنجعل كل أيامنا عيدا ... و نتذكر في يوم ما مارتن لوثر كينغ ... و في اليوم الموالي ابراهيم النظام ... و في الثالث فيثاغورس ... و في الرابع ابن سينا ... و في الخامس طوماس أديسون ... و في السادس جيمس كلارك ماكسويل ... و في السابع ابن خلدون ... و في الثامن الكواكبي ... و في العاشر ليسنغ ... و في الحادي عشر ابو الحسن زرياب ... و في اليوم الثاني عشر أبو بكر الأصفهاني ... و في اليوم الرابع عشر لافوازييه ... و في الخامس عشر اسحاق نيوتن ... و في السادس عشر آينشتاين ... و في السابع عشر مالك بن نبي ... و في الثامن عشر محمد إقبال و غيرهم كثير ... أولئك الذين أثثوا بيت الإنسانية عبر التاريخ بأفكار الانبعاث الروحي أو الفلسفي أو العلمي أو التقني او الفني ... على اختلاف ألوانهم و ألسنتهم و أديانهم و فلسفاتهم ... فنجعل أبناءنا ينفتحون منذ نعومة أظافرهم - ليس على الختان و النحر و القطع - و إنما على الأبعاد الإنسانية الجميلة ... لوجود معقد متعدد يبعث على التساؤل و الدهشة و القلق.

حينها فقط سيكون للعيد معنى ... و ستكتمل فرحتنا بعيد الحياة ... و سينتهي المواطن العربي الواعي عن نحر أخيه في الوجود و المحن ... ذلك الكبش الأقرن الوديع الذي يعاني الآن تماما كما نعاني ... من وطء وضع اجتماعي و سياسي مترد ... و حالة دينية تبعث على الغثيان ... إذ وضع المواطن العربي لا يختلف تماما عن وضع الكبش العربي ... مأساة واحدة و لو اختلفت السكاكين ... وقد أبدع مطر حين نظم : " قطيع نحن و الجزار راعينا " ... فيوم العيد نتقمص دور الجزار بذبح كبش لا حول له و لا قوة ... و في باقي أيام السنة، سيتكفل بأعناقنا أمير الجزارين، كعادته، رضي الله عنه و أرضاه ... بيده اليمنى سيف الله المسلول ... و يده اليسرى تحمل فتوى ... تبدأ باسم الله الأعظم ... و تنتهي ب : "حي على الأكباش" !



#محمد_اللوزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو سألنا القرود عن السبب ...
- الإثارة و الاستجابة في سلوك أتباع الصحابة
- الحركات الاسلامية ووهم الدولة


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد اللوزي - حيَّ على الأكباش !