أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيان الخياط - شريعة الله ام شريعة الفقهاء















المزيد.....

شريعة الله ام شريعة الفقهاء


حيان الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 02:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هذا النص عبارة عن تحرير لمحاضرة مرئية للمفكر ورجل الدين احمد القبانجي بعنوان "شريعة الله ام شريعة الفقهاء" وقد قمت بكتابتها بالاتفاق معه ومن أجل ان تعم الفائدة للجميع وهي كالاتي:

"بسم الله الرحمن الرحيم، سيادتي سادتي، اشكركم على الحضور والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عنوان المحاضرة كما تعلمون هو " شريعة الله ام شريعة الفقهاء".
كل دين لا يخلو من شريعة، فعندما نرسم علاقة مع الله تعالى، يجب ان ينعكس هذا الاعتقاد وهذا الايمان على مستوى السلوك، من طقوس وشعائر وإحكام شرعية وصلاة وصوم وأمثال ذلك مما هو موجود في جميع الاديان.
في هذه الندوة سنبحث موضوع "الدين الالهي" فنحن نؤمن بالدين الالهي، ولهذا ينبغي ان تكون شريعتنا الهية، هناك شريعة اخرى، اسمها "شريعة الفقهاء" وهم يدعون انها شريعة الله. وعليه يجب ان نميز وان نضع خطوطاً فاصلة بين ما هو شريعة الهية وبين ما هو شريعة الفقهاء.
الخصوصية الاولى: هي ان حق الله علينا هو حق اخلاقي وليس حق مولوي او قانوني، ذلك اننا لسنا عبيداً لله من نوع العبد للسيد العرفي والبشري، بمعنى اخر ان الله عندما يأمرنا بأوامر شرعية، فوجوب اطاعة هذه الاوامر ليس من قبيل الواجبات القانونية التي تستدعي عند المخالفة العقوبة، فرق الشريعة او القانون ان الحكومة لها حق قانوني على الشعب، اي ان هنالك عقداً اجتماعياً او ما شابه، حيث ان الشعب يطيع الاوامر الحكومية في مقابل خدمات تقدمها الحكومة للناس، مثال اخر، حق الاب على الابن او حق المعلم على التلميذ، فهذه الحكومات ربما، بعضها قانونية وبعضها اخلاقية، وكما قلنا ان حق الله على الناس حق اخلاقي فقط، اي نحن يجب علينا ان نصلي له، نذكره، نعمل اعمال حسنة ... الخ لكن في حالة المخالفة لا يستدعي ذلك العقوبة، هذا هو الحق الاخلاقي، وكمثال عليه، حق الجار على الجار، فحين يجوع الجار يجب علينا ان نطعمه لكن ان لم نفعل فلا جرم علينا، ومن خلال هذا الطريق تتكامل انسانيتنا. اما الحق القانوني فيمكن تشبيهه بالدين، فإذا استدان شخص ما يجب عليه ان يعيد دينه، وألا تعرض للمساءلة القانونية من قبل الدائن. وهنا فالحق القانوني يستدعي العقوبة وذلك عكس الحق الاخلاقي، فاذا احسن اليك شخص ما فلا يمكن ان يطالبك بأن ترد ذلك استناداً الى القانون، لكن ان رددت الجميل فهذا يدل على اخلاقك الجميلة وفضيلتك، وحيناها تتكامل انسانيتك انت. نحن مع الله من هذا القبيل، فالله طلب منا الصلاة والإحكام الشرعية، فان ادينا الصلاة نحن من سيربح بتقوية روحياتنا وملكاتنا. وان لم نصلي فان روحيتنا ستضعف، وروحنا الايجابية كذلك، فالإنسان يملك روحية شريرة وروحية خيرة، الصلاة تقوي في الانسان عناصر الخير ولهذا القرآن يقول "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر" يعني اذا صليت فان العناصر الخيرة تقوى بالاستناد الى الله، لان هدف الدين وعمدة النبوات شيء واحد، هو اخراجك من اطار ذاتك وأنانيتك، فالإنسان دائماً يحب انانيته ويحب نفسه، والطريقة المثلى للخروج من هذه الذاتية والأنانية هو التوجه الى الله، الذي يمثل الكمال المطلق، وهو الاقتراح الذي وضعته الاديان للخروج من الذات. اما التيار المادي من علماء الاجتماع وعلماء النفس فيقولون، هنالك في الطفل انا فردية، يجب ان تتكامل الى انا اجتماعية، من خلال صيرورة الانسان تدريجياً والتعلم بالتربية والتلقين الى ان تتحول هذه الانا الفردية، فالطفل دائماً يحب نفسه ويحب ذاته. وعليه فان الانا الفردية ضد المجتمع وفي هذه الحالة تكون خدمة المجتمع بلا معنى. ولكن عندما يتكامل الانسان تصبح الانا الاجتماعية هي الاقوى، وهي الانا المتجسدة في المجتمعات الغربية التي تدعو الغربيين الى خدمة الناس والاختراعات والاكتشافات. من جانب اخر فالأديان تقول ان الانا الفردية والانا الاجتماعية يجب ان تمر بالأنا الالهية فالإنسان يجب ان يتحرر من الانا الفردية الى الانا الالهية. فيهتم بكل شيء ويتجاوز نطاق مجتمعه ليراعي الطبيعة وكل مخلوقات الله. وهكذا نعرف اهم خاصية من خصائص الشريعة الالهية وهي انها شريعة وجدانية.
ان الحق في هذه الشريعة هو حق اخلاقي، بمعنى ان نتعامل مع الله تعاملاً اخلاقياً لا تعاملاً مولوياً كتعامل العبد مع السيد. ان الفقهاء يشبهون الله بالسيد العرفي او السيد من البشر، مع ان مولوية الله ذاتاً تختلف عن مولوية المولى العرفي، فهنالك ثلاث اركان في المولوية العرفية:
1 ـ السيد 2 ـ العبد 3 ـ علاقة السيد بالعبد. اما علاقة البشر بالله فتقوم على ركنين فقط، لأنه ليس هنالك فاصل بين الله والإنسان يماثل الفاصل بين السيد والعبد البشر، فالعبد غير المولى البشري، اما نحن مع الله في الدقة الفلسفية والعرفانية ليس من هذا القبيل، فالله هو نحن ونحن الله. يعني ان المخلوقات هي تجليات الله في الطبيعة، فلا يوجد انفصال او اثنينية، اي لا يوجد اله يجلس في السماء ونحن على الارض، هذا التشبيه جاهلي، والحقيقة ان جميع المخلوقات هي تجليات الله، يوجد ركنين فقط الله وتجلياته لا ثلاثة اركان، العرفاء يشبهون هذه العلاقة بالموج والبحر، في الحقيقة الموج لا يختلف عن البحر فالموج هو ذاته البحر، وكذلك نحن مع الله، فالمخلوقات هي الله، وهنا لا يوجد سيد وعبد.
نلخص كل ما سبق بكلمة موجزة، ان شريعة الله تقوم على المولوية الاخلاقية اما شريعة الفقهاء فتقوم على المولوية القانونية والمولوية العرفية وأي مخالفة لهذه الشريعة فالعقوبة موجودة. من هنا نرى ان رجال الدين يكرسون في الناس خوفاً من النار، فيجب علينا ان نصلي وان لم نصلي فان الله سيضعنا في النار وهكذا جميع التصرفات المحرمة، وما يجب ان نؤكد عليه هو عدم الخوف من النار او من الله، وذلك بان نقول للناس ان الله يقول لنا ان علاقتي بكم كعلاقة الام بطفلها، فإلام تقول للطفل يا ولدي اشرب من لبني، من أجل ان يقوى عودك وتنضج، لكن في حال لم يستجب فان الام لن تضع طفلها في النار او تضعه في ماء مغلي! اذاً ان اوامر الله تعالى هي نصائح تقوم على شريعة اخلاقية.
الخصوصية الثانية: ان المعيار لمعرفة هذه الشريعة الالهية هو الوجدان الاخلاقي، لأننا نملك شريعة اخلاقية، ومن أجل معرفة ان هذا الشريعة الاخلاقية ام لا، فان الله خلق لنا معياراً نفهم من خلاله الخير والشر كما تقول الاية القرآنية "ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها" اذاً المعيار لمعرفة الشريعة الالهية يوجد داخل الانسان، وهو ما نسميه شرع الباطن في مقابل شرع الظاهر وهو شريعة الفقهاء، حيث يعتمدون على الايات والسنة التي وردت قبل 1400 سنة في ظروف خاصة، ويقولون ان هذه هي شريعة الله، اي ان الانسان يكسب شريعة الله من الخارج لا من الداخل، وعليه فأن هذه الشريعة تسلتزم التقليد، اما شريعة الله فلا تستلزم التقليد لان المعيار والمقياس موجود في قلب الانسان وهو الذي يوجهه. وفي هذا امتياز للشريعة الالهية على شريعة الفقهاء، ومن هنا نجد ان القرآن ذم التقليد كثيراً سواء تقليد الاباء او الاسياد. اما عند الفقهاء التقليد واجب، وهذا ما يفسر البون الشاسع بين هاتين الشريعتين.
قد يقول احدهم، كيف يمكن ان نعلم ان الوجدان هو شريعة الله؟ القرآن يملك عبارة عظيمة جداً، لكن لم اجد اي من المفسرين قد التفت الى هذه القضية، "واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلاً جسداً له خوار" فكان رد القرآن عليهم بآيتين، الاولى: " ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا" اذاً علامة الله الحقيقي انه يكلم الانسان. وبما ان حادثة العجل كانت قبل نزول التوراة فلا يستطيع اي شخص ان يقول ان الله يكلمنا عن طريق القرآن فقط. اما الطريقة التي يكلمنا الله بها فهو "الوجدان" وهو صوت الله في الانسان، اما بعد الناس عن الاتصال بالله من خلال وجدانهم فيعود الى سببين، الاول هو ايحاء رجال الدين او ان الانسان يستبعد كيف ان الله بعظمته يكلمه! مع ان كلام الله معنا يعبر عن تواضعه وحبه لنا. من جانب اخر فان فرق اله الاديان الذي يتكلم معنا عن اله الفلاسفة المجرد الخالق، يوضح السبب الذي حدا بجماهير عريضة من الناس الى اتباع الاديان دون الفلاسفة، فكل فيلسوف يملك ثلاثة او اربعة تلاميذ على الاكثر. وعند موته تبقى فلسفته في كتبه فقط. وكل هذا يرجع لحاجتنا المغروسة فينا الى الكلام مع الله ولا يكفي ان يكلم الله النبي محمد وحده قبل 1400 سنة فكلنا نملك نفس الحاجة.
الاية الثانية "افلا يرون إلا يرجع اليهم قولا" اذاً ان الله الحقيق يتكلم مع جميع الناس، لكن يجب على الانسان ان يفتح اذن قلبه، لا ان ينغمس في الماديات التي تمثل حجب وحواجز امام الانسان.
الخصوصية الثالثة: ان الحق الاخلاقي يعتمد على الحرية، اي ان الشخص الذي يقوم بفعل معين بالإكراه، لا يملك هذا العمل اي قيمة سواء ايجابية او سلبية، حتى وان كان الفعل خيراً، كبناء مستشفى اكراهاً، فلا يستحق المدح من قام بهذا الفعل. الحرية تستلزم المسؤولية، كالجدار الذي يقع على شخص فيقتله، لا يمكن لأي شخص ان يمدح او يذم الجدار لأنه يسير وفق قوانين محددة لا غير وبهذا لا مسؤولية تقع على عاتقه.
شريعة الله تعتمد على الحرية، فكل شخص يصلي يجب ان يصلي بحرية لا خوفاً من النار وإذا ادى فرض الصلاة خوفاً من النار فلا قيمة لصلاته، وفي حالها تركها يكون ذلك افضل له. يجب ان نفهم جيداً ان العمل الصالح الذي نقوم به بحرية كاملة يجسد عظمة الانسان وتكامله بخروجه عن ذاته. والدليل على كل هذا الكلام ان اكثر الناس صلاةً هم المسلمين، ومع هذا هم اتعس الناس اخلاقاً! في حين ان اليابانيين لا يصلون ومع هذا يملكون اخلاقاً. ناهيك عن الارهاب الذي يتولد عن فرض الصلاة بالقوة.
الخصوصية الرابعة: ان شريعة الله شريعة عالمية، اما شريعة الفقهاء فهي شريعة لطائفة معينة، اما للسنة او الشيعة، او مسيحيين او بوذيين، والسبب في كون شريعة الله شريعة عالمية، ان الله هو الذي خلق الناس، ولهذا يجب ان تكون شريعته لجميع الناس، والشريعة الاخلاقية لكل الناس. فان ذهبنا الى اليابان سنرى انهم يقولون بقباحة السرقة وان ذهبنا الى افريقيا فلديهم نفس الرأي وعند المسلمين نفس المفهوم وهكذا، وعلى الطرف الاخر فان العدل حسن والإحسان حسن. لتوضيح الفكرة اكثر، نطرح الامثلة التالية: شريعة الحج خاصة بالمسلمين ولا احد يشاطرهم الحج الى مكة، الخمس يدفعه الشيعة فقط دون بقية المذاهب، وغيرها من الشعائر الموجودة في اديان ومذاهب معينة دون اخرى، وهذا يعني ان هذه الشرائع تقتصر على فئة دون اخرى.
السؤال الذي نطرحه الان هو، هل يمكن الجمع بين شريعة الاخلاق وشريعة الفقهاء؟ اي هل يمكن ان يؤدي الانسان وجبه الاخلاق من احسان وعدل وصدق ...الخ والى جانب كل هذا يؤدي الفروض والواجبات الدينية الفقهية وكما تقول القاعدة الفقهية "الجمع مهما امكن اولى من الطرح"؟ والجواب من وجهة نظرنا، ان هذا غير ممكن، ولا يمكن الجمع بين الاثنين، لان شريعة الفقهاء تبتني على مفروضات باطلة لا اساس لها من الصحة، ومن هذه المفروضات:
الفرض الاول: افتراض ان شريعة الفقهاء هي حكم الله، مع انها مجرد اجتهادات ظنية لا اكثر، فبعض الفقهاء يطرحون حكماً يختلف عن حكم غيرهم من الفقهاء مع ان المسألة واحدة، والفقيه نفسه غير متيقن من ان الحكم الذي استنبطه هو حكم الله وقد أكد السيد محمد باقر على ان اغلب الاحكام الشريعة ظنية! كل هذا لا نواجهه في شريعة الاخلاق وذلك لان الوجدان هو وسيلتنا للاتصال بالله، فحين نريد ان نسرق نسأل وجداننا هل هذا الفعل حسن؟ فتأتي الاجابة بالسلب، وذلك لان الله هو الذي وضع لنا هذا المعيار بداخلنا. انا الان فنعود الى التفصيل في علاقة شريعة الفقهاء والحكم الالهي وذلك من خلال بعض نماذج والأمثلة منها:
أ ـ ان اهل السنة يملكون اربعة مذاهب، لكن لا احد يستطيع ان يقسم ان المذهب الحنفي هو حكم الله، فحتى ابو حنيفة لا يستطيع فعل هذا، لأن اقواله مجرد اجتهادات. لكن ان قال الرسول ان هذا حكم الله فصحيح، لانه متصل بالغيب وبالوحي، ونحن كمؤمنين نقول نعم، اما بعد مئات السنين فكل ما نحصل عليه هو اجتهادات ظنية، فالقرآن حمال وجوه، والروايات اكثرها موضوعة والصحيح منها قد يكون متعلقاً بذلك الزمان.
ب ـ ان احكام الفقهاء مجرد اجتهادات ظنية، وهذا مخالف للقرآن الذي يقر "ان الظن لا يغني من الحق شيئا" وبهذا نرى ان الفقهاء عندما يقولون بوجوب اتباع الفتاوى التي يضعونها، انهم يخالفون صريح القرآن. علاوة على ذلك ان كل فقيه يطرح فتوى تختلف بل قد تناقض فتوى غيره من الفقهاء!
ج ـ ان ما يقوله الشيعة من عصمة الائمة، جاء لتلافي الخطأ عند استخلاص الحكم الشرعي، والشيعة يعيبون دائماً على السنة عدم عصمة رؤساء مذاهبهم، وإمكانية وقوعهم في الخطأ، لكن الرد على هذا الكلام ليس بالأمر الصعب، فكلام الائمة المعصومين أتى الينا عن طريق روايات لا نعلم صدقها من كذبها خلال مئات السنين التي تفصلنا عنهم. ومن جانب اخر، نقول ان كان مصدر الشيعة هو الامام المعصوم، فلماذا كل هذه الاختلافات في فتاوى علماء الشيعة وعلى جميع الاصعدة؟
الفرض الثاني: افتراض ان الشريعة دائمية الى يوم القيامة، على الرغم من جميع التغيرات التي طرأت على المجتمعات منذ ظهور الاسلام وحتى الان، والسؤال هو: هل ان شريعة القرآن التي ظهرت في القرن السابع الميلادي يمكن ان تطبق في اليابان الان، او حتى في اي مجتمع معاصر؟ وإذا كان القرآن نفسه قد نسخ عدت احكام خلال 23 سنة فقط فما بالك بمئات السنين. وهذا يعتبر من محاسن الاسلام، لأنه واكب تغير الواقع الذي حصل في زمنه. ونحن يجب ان نستلهم هذا الطرح القرآني ونراجع التغيرات الموجودة في مجتمعنا واختلافها عن مجتمع القرآن السابق، فحالياً لا يمكن قطع يد السارق او اخذ الجزية او تطبيق حد الردة ... الخ. لتعميق الفكرة اكثر نقول ان هنالك قاعدة فقهية في علم الاصول وهي ان الكلام للمخاطبين يشمل الغائبين حتى وان جاؤوا بعد الف سنة، فعندما يقول القرآن "يا ايها الذين امنوا" فأنه يوجه الكلام الى الموجودين في زمانه، لكن عند تطبيق هذه القاعدة التي وضعها الفقهاء، فنحن مشمولون في هذا الخطاب. مع ان القرآن يخاطب الموجودين ضمن اطار ثقافتهم مثلاً يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي" واية اخرى " يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن" وكما نرى فأن هذه الايات تتعلق بظروف خاصة لا اكثر. وعليه فليس بعيداً ان جميع الخطابات القرآنية موجهة للموجودين وما تلاهم ممن يعيشون نفس الظروف.
الفرض الثالث: افتراض ان العقل البشري عاجز عن ابتكار الحلول لمشكلاته وان الله اعلم بخلقه وما هو الاصلح لهم، ولهذا السبب فان الله هو المشرع الذي يحدد الواجبات والمحرمات على الانسان. مع اننا نرى منجزات العقل البشري فقد اثبت قدرته وصلاحيته في حل المشاكل المعقدة على طول التاريخ، وفي هذه الحالة نحن لا نحتاج شريعة الفقهاء، ومثال على ذلك ان قطع يد السارق غير ضروري اليوم، فهو يعيق السارق ويحرمه من عيش حياة كريمة، بل قد يزداد اجراماً، من جانب اخر انتج العقل البشري السجن الاصلاحي كحل واقعي لا يمكن التخلي عنه في وقتنا الحاضر. مثال اخر نأخذه على مدى اوسع، هو دولة اليابان التي لا تحتوي على قرآن ولا سنة، وقد تكون من ابعد الدول عن الدين، لكن مع هذا فأنها من اكثر الدول تطوراً في مختلف المجالات، والمسلمون انفسهم يتمنون ان يعيشوا فيها. وجميع المسلمين هم الذين يطلبون اللجوء في الدول المتقدمة، لكننا لم نرى شخصاً واحداً منهم على الاقل طلب اللجوء في دولنا الاسلامية. والسبب في ذلك هو تقدير انسانية الانسان في الدول المتقدمة بدون اي سبب خارجي يتعلق بالدين او الطائفة او العرق، فقط لأنه انسان فهو محترم وكرامته محفوظة. ومن كل ما سبق نرى ان هذا الفرض باطل ايضاً.
الفرض الرابع: افتراض ان شريعة الفقهاء تتجاوز اطار الزمن، وإنها متوافقة مع جميع المراحل التي يمر بها الانسان، لكن ما نلاحظه عكس ذلك، فالإحكام التي يضعها رجال الدين مبنية على اسس قديمة، مثل البيت الذي بني من طين فهو لا يمكن ان يتحمل طوابق اخرى فوقه. ولتوضيح الفكرة اكثر نطرح اساسين مختلفين بين الفكر القديم والحديث، 1 ـ في السابق كان الاصل للعقيدة، فان كان الانسان مجوسياً في الامبراطورية الفارسية فهو محترم وان لم يكن كذلك، فأما يعامل على انه مواطن من الدرجة الثانية او يعطي جزية معينة، وكذلك الحال في امبراطورية الروم بل حتى في الحضارة الاسلامية، ومثل هذه المواقف صحيحة في زمانها لأنها موافقة لعصرها، لكن ان تجاوزت الظروف التي وجدت فيها فستحدث التفرقة، وهذا ما نشاهده في جميع المناطق التي يحكم فيها الدين حالياً، اما الفكر الحديث فيقوم على اساس المواطنة التي تجمع الناس تحت اطار واسع ويتقبل الجميع. وهذا دليل اخر يعزز فكرتنا في ان العقل البشري انتج حلولاً عظيمة لا يمكن تجاهلها. 2 ـ ان المفاهيم الفقهية القديمة مبنية على الدولة الدينية، اما الان فنحن نملك دولة مدنية وينبغي ان تكون القوانين مدنية لكي تتلاءم مع الحكومة المدنية والمجتمع المدني، وما لا نستطيع فعله هو ان نملك حكومة مدنية مع احكام دينية، فالأحكام الدينية حتى ان كانت صحيحة وعادلة، لكنها تبقى في تلاؤم مع الحكومة الدينية حصراً.
اما الان وقبل ان نختتم الجلسة نقول ان الاهتمام بشريعة الفقهاء من صلاة وصوم وحج ...الخ يمتص عناصر الخير في الانسان، وبما ان قدرة الانسان محدودة فأنها لن تتسع لأمور تتجاوز المتطلبات الحياتية، ومثال على ذلك، ان من يحترف التجارة لا يملك قدرة تؤهله لتعلم الطب لان قدرته لا تستوعب هذا الكم الاضافي من المسؤولية. وكذلك روح الانسان الخيرة، او وجدانه الاخلاقي لا يتحمل الاحكام الشريعة وتطبيقات الفقه من وضوء، صلاة وصوم ... الخ ولهذا نجد ان المسلمين اقل الناس وجداناً وأخلاقا، والسبب في ذلك ان الاحكام الفقهية قد امتصت وجدانهم الاخلاقي. وعكس هذا نجده عند الامم المتحضرة مثل اليابان، فهم من احسن الناس اخلاقاً ويملكون حساً بالمسؤولية ووجوب مساعدة الاخرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."



#حيان_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عندما تدخل الخرافات تحت غطاء العلم
- المجموعات الفكرية والعلمية على الفيس بوك
- النظرية هي فرضية تم اختبارها وليست مجرد رأي شخصي
- الازواج اكثر عرضة للطلاق اذا قام الزوج بنصف الاعمال المنزلية
- الابطأ هو الأسرع ... تجربة العالم ديرك هلبنج
- حياة اينشتاين ونظرياته بأبسط ما يمكن ... في كتاب -اينشتاين ل ...
- مستقبل الثقافة بين التفكير العلمي والتخبّط
- الطب الدارويني … عندما تدخل نظرية التطور الى المجال الطبي
- مجزرة بورما ... هل يتعرض المسلمون للاضطهاد حقا؟
- ميشو كاكو وفيزياء المستحيل
- ادم رذرفورد ... عالم الاحياء المجهول
- علماء معاصرون لهم الفضل الاكبر في تقدم البشرية
- ويلارد ليبي او الكاربون 14
- النار التي انهت معاناة انثى عراقية
- الحجاب الشرعي: سوء العرض والترغيب
- قراءة في كتاب (فكرة التطور عند فلاسفة الاسلام)


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حيان الخياط - شريعة الله ام شريعة الفقهاء