أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تامر وجيه - في البُؤس الإخواني















المزيد.....

في البُؤس الإخواني


تامر وجيه

الحوار المتمدن-العدد: 3883 - 2012 / 10 / 17 - 08:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم تفعل «جماعة الإخوان المسلمين» شيئًا غريبًا عندما قرر مكتب إرشادها تعبئة كوادرهم ودفعهم إلى الشوارع للتظاهر من أجل تطهير القضاء وإقالة النائب العام. فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقرر السلطة فيها عدم الاكتفاء بإسماع صوتها عبر القنوات الرسمية لمؤسسات الدولة والالتجاء إلى الشارع لإثبات شعبيتها أمام خصوم حقيقيين أو مفترضين.

للسلطة هواجس، أهمها طبعًا السيطرة التامة بإظهار القوة القاهرة، لكن هاجس الشعبية لا يقل أهمية.

تحب السلطة، أي سلطة، أن ترى نفسها – كذبًا أو صدقًا – متربعة على عرش قلوب جماهيرها، تمامًا كما تحب أن ترى ظل هيبتها في عيونهم.

لكن للإخوان المسلمين قصة أخرى أكبر وأبعد من أي سلطة تقليدية شهدتها مصر في تاريخ تقلبها بين الحكام على مدار العقود الطويلة الماضية.

هذه القصة تستحق أن تُروى، لأنها تكشف جانبًا من لغز الثورة المصرية التي تقف متأرجحة بين النصر والهزيمة كالبندول اللاهث بين نقطتين بلا كلل.

«الرجل المتوسط»

كتبنا كلامًا كثيرًا في وصف «جماعة الإخوان المسلمين». قلنا إنها إصلاحية، محافظة، رجعية وانتهازية. وقد يكون فيما قلناه الكفاية وقد لا يكون. لكن رصّ الصفات ليس مفتاح الفهم، فمفتاح الفهم هو التنقيب عند الأعماق.. هو البحث عن الدوافع الأصلية التي شكّلت الجماعة وجعلتها على ما هي عليه.

«الإخوان المسلمون» تنظيم بُني على مهل.. أكثر من ثمانين عامًا إذا رجعت إلى لحظة التأسيس الأول على يد حسن البنا، أو أقل قليلًا من أربعين عامًا إذا اخترت أن تكون مرجعيتك هي التأسيس الثاني، عندما التقى إسلاميو السبعينيات من أمثال «أبو الفتوح» و«العريان» ببقايا الرعيل الأول من أمثال «التلمساني» و«مشهور».

على مدار هذه السنوات الثمانين (أو الأربعين) كان «الإخوان المسلمون» أمناءً لذهنية ونفسية «الرجل المتوسط»، هذا الأفندي ابن «المدينة الصغيرة» أو «الحي الشعبي في المدينة الكبيرة» الذي تمتد جذوره القريبة إلى قرية من قرى الدلتا، والذي أصابه دوار التحديث بردة فعل محافظة دفعته للبحث عن نقطة ارتكاز على أصالة ما تحميه من الذوبان في عالم معادٍ وفاسدٍ.

«الرجل المتوسط» متذمرٌ من المدينة الكبيرة والحداثة، لكن بالضبط لأنه «متوسط» فهو يتعامل مع تذمره بحذر، «الرجل المتوسط» قد يعلن رفضه لـ«الرجل الكبير»، لكنه لا يجرؤ أن يصل برفضه إلى نقطة اللاعودة.

لا يتصور «الرجل المتوسط» نفسه مكان «الرجل الكبير». ففي نهاية المطاف «العين ما تعلاش على الحاجب!».

وعندما تُترجم هذه الحالة النفسية نفسها سياسيًا، فإنها تتجسد في صورة سعي للتأثير على السلطة، لإقناعها، لتربيتها، أو حتى للضغط عليها، لكنها أبدًا لا تتجرأ أن تتصور نفسها هي السلطة.

لا شك أن «الإخوان المسلمين» قد تغيروا كثيرًا بين التأسيسين الأول والثاني، ولا شك كذلك أنهم تغيروا بين منتصف السبعينيات وأول العقد الثاني من الألفية الثالثة، لكن قليلاً من التأمل يكشف لنا أن أهم ما حافظوا عليه هو تلك الذهنية المتوسطة: ذهنية الخنوع الإصلاحي.

صدمة وفرصة

مثلت الثورة المصرية صدمة وفرصة بالنسبة لـ«الإخوان المسلمين». الثورة تصدم «الرجل المتوسط» لأنها تهدده في أعز ما يملك: قدرته على المراوغة حتى النهاية وإصراره على ألا يأخذ موقفًا حاسمًا من السلطة. لكن الثورة كذلك كانت فرصة للإخوان، فربما قد آن الأوان لتغيير قواعد اللعبة بعد ثمانين عامًا من الكر والفر.

على أن الأكيد أن الإخوان تعاملوا مع الثورة بعد الحادي عشر من فبراير بذهنية «الرجل المتوسط». لم يكن استمرار وتعميق الثورة يومًا على جدول أعمال الإخوان. ما كان يشغل هؤلاء، ولا يزال يشغلهم، هو التسلل على مهل في دهاليز السلطة حتى تقبلهم ويقبلوها، بحيث يقتسمون جزءًا من كعكة السلطة برضا منها. فالإخواني لا يقبل أبدًا أن يكون هو السلطة، هو فقط يحب أن يكون في معيتها ليس أكثر.

ظهور الإخوان المسلمين بمظهر المعارضة يوم 12 أكتوبر الماضي لم يكن تمثيلية مفتعلة، المفارقة أنه كان تعبيرًا أصيلًا عن ذهنية «الرجل المتوسط» الذي لا يحب ولا يصدق أنه قد امتلك السلطة.

دع عنك مشهد الصدام في عبد المنعم رياض، هذا المشهد العبثي الذي عكس غضب الإخواني عندما تم طرده من جنة المعارضة وفُرض عليه أن يكتشف حقيقته المرة كسلطة منبوذة، دع عنك هذا المشهد وفكر فيما وراءه: «ما الذي دفع هذه الجماعة البائسة لأن ترسل كوادرها إلى التحرير وسط فوضى سياسية لم يفهم أحد منها أبدًا ما الغرض ولماذا؟»

صحيح أن هناك جانبًا من الصحة في شكوى الإخوان من أنهم ما زالوا لا يمتلكون السلطة كاملة، إذ لم تلن قناة دولة مبارك تمامًا للسلطة الإخوانية الجديدة، لكن هذا ليس جوهر الأمر، ليس فقط لأن الإخوان ساهموا في صنعه بخنوعهم، لكن كذلك لأن هذا هو ما يحبونه ويتقنونه: «أن يظلوا رجالًا متوسطين يعملون لدى (أو مع) السلطة ولا يمتلكونها كلية».

حزب الكنبة

يحكي البؤس الإصلاحي الإخواني جانبًا من مأساة الثورة. فبمعنى ما يمكننا القول إن الإخوان هم الممثل السياسي الشرعي لحزب الكنبة: «أولئك الذين زاروا الثورة في أسبوعيها الأولين، ثم انتقدوا (قصويتها) و(تطرفها) باسم (العقلانية) و(الوسطية) على مدار ما يقترب من عامين، دون أن يعلنوا عداءهم الواضح لها».. «نحن نؤيد الثورة، لكن الثورة انتهت وآن أوان البناء»، هكذا يعبرون عن أنفسهم محدجين بنظرة لائمة للمجانين الذين يريدون أن «يحكمنا الشارع»، حيث لا قانون إلا النضال ولا شعار إلا ديمومة الثورة.

العقلانية الإخوانية في السلطة تعني المواءمة! فلنبحث عن حل وسط يرضي جميع الأطراف، ولنتأرجح ذات اليمين وذات اليسار حسبما تقتضي الأحوال، وهو ما يتجسد عمليًا مثلًا في إقصاء رجل مبارك الذي يقبع على رأس هذه المؤسسة أو تلك ثم الإتيان بنائبه المطيع ليحل محله، أو في اتخاذ القرار بتحقيق هذا المطلب أو ذاك من مطالب الثورة ثم الرجوع عنه أو إشفاعه بقرار آخر يفرّغه من مضمونه.

من يتحدثون عن مشروع «أخونة الدولة» لا يدركون أن المشروع الأهم لتنظيم «الرجل المتوسط الإخواني» هو «دولنة الإخوان». الإخواني التائه لا يسعى إلى قلب الدولة والاستيلاء على مفاصلها بالكامل، هو فقط يسعى إلى حل وسط يُتوج بالنتيجة السعيدة المتمثلة في قبوله في أروقة السلطة كخادم لقوانينها هي وآلياتها هي.

فراغ

قد يُفلح الإخوان في التطبيع مع الدولة وقد لا يفلحون.. قد ينجحون في «إصلاح» الدولة بحيث تتوقف عن بث الكراهية تجاههم وتقبلهم خادمًا مطيعًا لمنطقها، وقد يفشلون فيؤدي تخبطهم إلى صعود بديل أكثر تماسكًا، تلتف حوله الطبقة الحاكمة كمنقذ من الفوضى الضاربة في الأطناب، لكن هذه ليست المشكلة الرئيسية التي ينبغي أن تشغل بال الثوريين الآن.

ما ينبغي أن يشغل بالنا هو «الفراغ!».. ففي مصر اليوم تحارب السلطوية السلطوية. سلطوية قديمة تحاول التشبث بآخر مواقعها، تحارب سلطوية جديدة ذات وجه إخواني بائس، سلطوية مدنية تعيد إنتاج نبيذ «الوطن المفدى» و«والهوية المصرية» و«الأمن القومي» القديم في أقنية جديدة، تحارب سلطوية إسلامية متطابقة مع الأولى في المشروع الاقتصاي والاجتماعي العميق، لكنها تريد أن تضع غلافًا جديدًا على السلعة المعطوبة نفسها.

أجسر على القول بأن الصخب السياسي الذي نعيشه هو في الجوهر صراع بين وجهين لنفس النظام العميق.. وأجسر كذلك على القول بأن التفكيك الخلاق الذي قامت به الثورة وأقدمت عليه الجماهير هنا وهناك لكل ما كان راسخًا وأبديًا سيتبدد إن لم يجد لنفسه تمثيلًا سياسيًا.

التفكيك عمل رائع، لكنه نصف المهمة. النصف الآخر، حتى لو كرهنا، هو مسألة السلطة، وإلا فلنترك سلطة ما «غيرنا» تتواءم وتناور إزاء طاقة التغيير الخلاقة التي نبددها بأيدينا.. فلنترك الرجل المتوسط في مسعاه لتمييع الثورة وتعفينها.. ولنترك الرجل الكبير يحصد أرباحه ويملأ خزائنه ناظرًا من علٍ إلى صراع بين سلطوية وسلطوية.



#تامر_وجيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة على «كوكاكولا»
- البحث عن رئيس لمصر!
- لماذا أنا متفائل؟
- حي على الإضراب!
- هل أنت مع 23 يناير أم مع 25 يناير؟
- بعد زخم الأعوام السابقة.. ماذا تحتاج الحركة العمالية لكسب مع ...
- اتحاد اليسار من 4 أغسطس إلى 4 نوفمبر
- العنصرية ضد اللاجئين السودانيين: خطر يتهددنا قبل أن يتهددهم


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تامر وجيه - في البُؤس الإخواني