الخميس 03 أكتوبر 2002 04:07
تشير اغلب التقارير ان الانتخابات البرلمانية التي اجريت بالمغرب الاسبوع الماضي كانت انتخابات نظيفة لحد مقبول. ومع انه لم تكن هناك سوى تجاوزات قليلة، فانه يمكن سماع جوقة من الاصوات الناقدة. سمعنا من هؤلاء ان عدد الذين ادلوا باصواتهم كان اقل من كل الانتخابات السابقة، مع ان نسبة الذين ادلوا باصواتهم، هي نفس نسبة الذين ادلوا باصواتهم في الانتخابات البريطانية عام 2001 والانتخابات الاميركية عام 2000.
القضية الحقيقية على كل حال هي: هل ستلعب هذه الانتخابات اي دور في تغيير تركيبة النخبة الحاكمة بالمغرب وهل ستؤدي الى اعادة النظر في السياسات التي ظلت تتبعها هذه النخبة طوال العقود الخمسة الماضية.
منذ حوالي 150 عاما تقريبا ظل المفكرون والحكام المسلمون يحاولون استعارة بعض اوجه التجربة السياسية الغربية. وقد اخضعوا للتجربة عدة افكار غربية: القومية، الاشتراكية، الشيوعية، الفاشية ومؤخرا الاصولية الدينية. وفي كل هذه الحالات كانت النتائج مخيبة للآمال، بل كانت مأساوية في بعضها الآخر. اما الفكرة الاخيرة التي جرت استعارتها من الغرب، فهي الانتخابات. فصار اجراء الانتخابات هو النمط السائد في عدد كبير من دول العالم الاسلامي. وهذا يجعل الاميركيين والاوروبيين يشعرون بالسعادة الطاغية لان النموذج السياسي الخاص بحضارتهم صارت تتبناه حضارة كانت منافسة لهم خلال ألف سنة.
خلال السنوات العشر الماضية اجرت 50 من 53 دولة اسلامية، صورة ما من صور الانتخابات. ولكن قبل جيل واحد شهدت الساحة السياسية لاقل من 12 من هذه الدول انتخابات عامة. واذا حكمنا بما نراه على السطح فإن الانتخابات صارت بالفعل هي النمط السائد في معظم العالم الاسلامي.
مع ذلك، تكمن المشكلة تكمن في ان الكثير من الانتخابات لا تأتي بتغير يذكر. ففي اربعة بلدان مسلمة فقط جرت انتخابات خلال العشرة اعوام الاخيرة نجمت عنها تغييرات حكومية، لكن حتى في تلك الحالات جرت التغييرات ضمن النخبة الحاكمة نفسها. فعلى سبيل المثال، اصبحت الانتخابات في بنغلادش آلية يتم بواسطتها تبادل موقع رئيس الوزراء بين سيدتين هما شيخة حسينة بنت مؤسس بنغلادش مجيب الرحمن، الذي اغتيل على ايدي العسكر، وبيغام خالدة ضياء، ارملة الجنرال المغتال ضياء الرحمن، الذي احتل منصب رئيس الجمهورية في فترة السبعينات.
اما في باكستان فهو تغيير تداولي بين نواز شريف وبي نظير بوتو تحت مراقبة قادة الجيش الذين استلموا في الاخير السلطة سنة 1999. كذلك هي الحال مع تركيا، حيث ظل الائتلاف الحكومي المتزعزع يتناوب الحكم. لكن كلما كان هناك خطر من وقوع تغيير ذي مغزى، على سبيل المثال بوساطة ائتلاف حكومي بقيادة حزب اسلامي، يتدخل الجيش للحفاظ على الوضع القائم. وادى انتخاب آخر الى تغيير حكومي متحيز في اندونيسيا بعد سقوط سوهارتو.
عدا ذلك، فالانتخابات ظلت تستخدم لتمجيد وتمديد الوضع القائم الذي هو تحت هيمنة مجاميع صغيرة متنفذة، وغالبا ما تكون تحت هيمنة شخص واحد.
وينتهي المطاف عادة بالمثقفين المسلمين والسياسيين الذين يستعيرون افكارا غربية الى اساءة سمعة هذه الافكار نفسها. ففي ايران قاتل الشيوعيون تحت رايات الملالي الرجعيين بقيادة الخميني. وفي العراق صار الشيوعيون مخالب في آلة صدام القمعية. وفي عديد من الاقطار الاسلامية لم يتردد القوميون ومدعو القومية في خيانة قومياتهم للاحتفاظ بالسلطة، ووجد اللبراليون في الرأسمالية فرصة للثراء الشخصي والفساد.
ومن الجانب الآخر فرض الاسلاميون رؤيتهم وافكارهم ولكنهم صادروا حقوق المسلمين جميعا في حرية التفكير والتعبير. كثير من المثقفين المسلمين مهووسون بفكرة الثورة، وهم يحلمون بالاعلام الحمراء، والمشانق والهتافات الجماهيرية العالية. وقد انتهى بهم هذا الهوس الى ان يطلقوا اسم الثورة على اي انقلاب يقوم به ضباط من اشباه المتعلمين، سرعان ما يتحولون الى طغاة.
وعندما يصف قادة مسلمون وعرب انفسهم بانهم حماة للثورة، فإن المرء يمكن ان يتفهم بسهولة ما اصبحت تعنيه هذه الكلمة بالنسبة لاغلب المسلمين. ان الاساءة لكثير من الافكار الغربية خلق فراغا خطيرا، وخاصة ان العالم الاسلامي الذي اصيب بجمود فكري طوال القرون الاربعة الماضية، لم يتمكن من تطوير رؤية فكرية خاصة به. وفي غياب مبدأ مرجعي منظم، يمكن ان يقام على اساسه نظام سياسي معافى، فإن الاختيار سيكون بين الطغيان والفوضى. والمبدأ المرجعي الاخير هو الديمقراطية الانتخابية. والمحزن ان هذا المبدأ نفسه تعرض للاساءة.
خلال الثلاثين سنة الماضية شهدت او تابعت بصورة غير مباشرة، اكثر من ثلاثين من الحملات الانتخابية في العالم الاسلامي. ومع ان عددا ضئيلا من تلك الانتخابات كان نظيفا، الا ان ايا منها لم يستجب للشروط التي تتطلبها الديمقراطية الحقيقية. ويرجع هذا الى ان اولئك الذين نظموا هذه الانتخابات تجاهلوا حقيقة اساسية، هي: مع انه لا يمكن ان تكون هناك ديمقراطية من دون انتخابات، الا انه يمكن ان تكون هناك انتخابات من دون ان تكون هناك ديمقراطية. وعلى نفس المنوال فمع انه لا يمكن ان يكون هناك شيوعية من دون نظام الحزب الواحد، الا انه يمكن ان يكون هناك نظام للحزب الواحد من دون شيوعية. ومع انه ليس هناك ثورة من دون مجازر، فإنه يمكن ان تكون هناك مجازر من دون ان تكون هناك ثورة. ومع انه لا توجد اشتراكية من دون سيطرة الدولة على الاقتصاد، الا انه يمكن للدولة ان تسيطر على الاقتصاد من دون ان تكون هناك اشتراكية.
من السهل جدا اذن تقليد الشكل واسقاط المضمون. وفي زمن ليس ببعيد شهدت انتخابات في بلد عربي، وفي احدى نقاط الاقتراع طلبت رؤية قائمة المرشحين، وكانت القائمة التي عرضت عليّ مكتملة بصورة لم اتوقعها، فهي لم تشمل فقط اسماء المرشحين، بل شملت كذلك عدد الاصوات التي نالها كل منهم. وكان ذلك قبل 24 ساعة من بداية الاقتراع وقبل ان يتمكن ناخب واحد من التصويت.
وفي بلد عربي آخر اجبرت الدولة آلافا من رعايا دولة اخرى على تبني جنسيتها حتى تستطيع عن طريق اصواتهم منع الناخبين المحليين من تحديد نتيجة الانتخابات.
مسكينة هي القومية، ومسكينة هي الاشتراكية، ومسكينة هي الشيوعية، ويا لتعاستها هذه اللبرالية، وبعد قليل ربما نقول، مسكينة هي الديمقراطية الانتخابية.
اثمة في ارضنا واجوائنا آفة تقتل كل النباتات الاجنبية؟
الشرق الأوسط اللندنية