علي خالد
الحوار المتمدن-العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 18:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعبت المحاصصة دورا مؤثرا في رسم الخارطة السياسية والحزبية وفي تحديد شكل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق بعد عام 2003,وتعد من المفردات الغريبة على الشارع العراقي الذي لم يألفها كثيرا الا بعد سقوط النظام السابق,فلو اجرينا مقارنة بين المحاصصة في العراق وتلك التي في دول اوربا يتبين من ان المحاصصة لدى دول اوربا قد ساهمت وبشكل كبير في ترسيخ الديموقراطية والارتقاء بالدولة المدنية الحديثة واصبحت من خلال ممارستها لعقود من الزمن بمثابة عرف لدى الاحزاب والمجتمعات الاوربية وكان معيارتصنيف المحاصصة لهذه الدول هو المعيار الحزبي التكنوقراطي,وبذلك لاقت المحاصصة قبول ورضا جميع الاطراف في الدول الاوربية التي يعتمد في انظمتها تشكيل حكومات ائتلافية . اما في العراق فأن مفردة المحاصصة غير مقبولة لا بل مستهجنة في الشأن السياسي العراقي والسبب في ذلك يعود الى طبيعة الاحزاب السياسية المتنفذة ,اذ هي احزاب ذات ايدلوجيات دينية مذهبية فضلا عن كون العراق بلد تعددي فجرى هنالك استقطاب بأتجاه هذه الاحزاب واصبح التنافس الانتخابي قائم على اساس الانتماء المذهبي لا على اساس التنافس الانتخابي المحكوم بالبرامج السياسية وراحت الاحزاب السياسية تطلق شعاراتها الدينية وتستخدم الرموزالدينية كوسيلة من وسائل الدعاية الانتخابية لاستمالة مشاعر الناس ,وتمخض عن ذلك ولادة حكومة محاصصة طائفية والتي ذهب البعض من الساسة ومن اجل تجميل مفردة المحاصصة الى وصفها بحكومة الوحدة الوطنية او حكومة الشراكة الوطنية والغريب في الامر نجدهم الان يصبون عليها كل الويلات ويتهجمون عليها ليبعدوا عنهم شبح الطائفية ,لا يعلمون من انهم قد جائوا من نتاجها ,ولا ننسى من ذلك تأثير العامل الخارجي ودوره الفاعل في تعزيز المحاصصة وكما هو واضح ومعروف قامت دول مجاورة بدعم كتل سياسية تنتمي الى نفس المذهب الذي تنتمي اليه هذه الدول من خلال الدعم المادي والمعنوي وعقد اللقاءات والاجتماعات السرية منها والعلنية ,ولغرض الكبح من جماح المحاصصة التي باتت تفرض نفسها بقوة على المشهد السياسي العراقي فمن المتخيل ان ذلك مرهون بأعتماد تشكيل حكومة اغلبية سياسية وبهذه الحالة ستنتفي الحاجة الى اقتسام المناصب بين الكتل الفائزة وبالتالي فأن هذا الخيار سيوجد حكومة قوية تستطيع تحمل اعباء المسؤولية وتعمل كفريق واحد مقابل معارضة برلمانية ايضا قوية بحيث تكون قادرة على تقويم الاداء الحكومي ,كما ان الاخذ بهذا الاسلوب سيعمل وبشكل كبير في تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات ,ولكن وبنفس الوقت يمثل هذاحلا وقتيا بانتظار بروز احزاب احزاب ليبرالية التي طالما كانت ولازالت الى اللحظة احزاب مغمورة غير فاعلة وكل منها يعمل على حدة بالاضافة الى كونها احزاب اشخاص مرتبطة بشخص زعيمها اذ تستمد قوتها وعنفوانها منه اما اذا غاب عن الميدان السياسي فسرعان ما تفقد حضورها الذي هو في الحقيقة وفي ظل وجود زعيمها الملهم متواضع في الساحة السياسية ,ولم تستطع هذه الاحزاب الى الان تشكيل ائتلاف يضم كل او اغلب القوى الليبرالية على غرار التيارات الاخرى . وقد يسأل سائل كم ستبقى المحاصصة حاضرة حاضرة في تشكيل الحكومات ؟هل سيتكرر سيناريو الاستقطاب الطائفي ام سيكون الاختيار مبني على اساس البرامج السياسية للاحزاب ؟وهل ستخرج الاحزاب الحالية عن خندقها المذهبي لتكون احزاب وطنية ؟ من المتصور ان المحاصصة ما هي الا نتيجة ظرفية مرحلية خلقتها مسببات وعوامل تاريخية اجتماعية وديمغرافية وهذه الظاهرة ستتلاشى تدريجيا بمرور الزمن وربما في المستقبل ستتغير الخارطة السياسية الحزبية في العراق سيما وأن الاحزاب السياسية المتنفذة حاليا بدأت تفقد مصداقيتها شيئا فشيئا وهنالك بوادر وعي للفرد العراقي الذي بدء يتطلع الى حكومة تكنوقراط لا حكومة محاصصة او حكومة الوحدة الوطنية او الشراكة الوطنية كما يحلو ان يسميها البعض ,فالمحاصصة التي هي من صنيعة الاحزاب ساهمت وبشكل كبير في تأخر عملية البناء وادخلت البلد في نفق المساجلات والمهاترات السياسية واصبحت القنوات الاعلامية بمثابة سوق عكاظ يتم من خلالها تبادل الاتهامات بين الكتل ,كل ذلك وغيره جاء على حساب عملية بناء الدولة والارتقاء بالواقع الخدمي والمعيشي المتردي حيث كانت اخر احصائية اجراها الجهاز المركزي للاحصاء تتحدث عن 23% من الشعب العراقي اي ما يقارب سبعة ملايين منه يعيشون تحت خط الفقر وهذا مؤشر خطير وقد ينذر بكوارث لا يحمد عقباها .فالحل الامثل يكمن في الناخب العراقي واختياره للنخبة السياسية الاصلح في ادارة شؤون الدولة وهذا هو الخيار المعول عليه.
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟