أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بلحاج رحومة - الثورة التونسية بين مطرقة الرجعية وسندان الانتهازية















المزيد.....

الثورة التونسية بين مطرقة الرجعية وسندان الانتهازية


يوسف بلحاج رحومة

الحوار المتمدن-العدد: 3860 - 2012 / 9 / 24 - 23:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اندلعت "ثورة 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010" في تونس بشعارات منادية بإسقاط منظومة الفساد والاستبداد، ومُطالِبة بالخبز و الحرية و الكرامة الوطنية. وأشعل فتيل هذه الثورة أبناء الوطن الذين عانوا التفقير و التّهميش و الإقصاء طيلة عقود، و ساندهم في ذلك كل مُؤمن بمبادئ الحرية و الكرامة والعدالة الاجتماعية. وبقدر ما كانت هذه الثورة ضدّ منظومة الفساد و الاستبداد، كانت أيضا ضدّ سياسات اقتصادية و اجتماعية تخدم مصالح أقلية على حساب الجماهير الشعبية. وبعد هروب الرئيس التونسي بن علي إلى المملكة العربية السعودية يوم 14 جانفي 2011 جراء هذه الانتفاضة، انحرف المشهد "الثوري" عن مساره و برزت شعارات لا علاقة لها بمشاغل الجماهير الشعبية المُفقرة و المضطهدة، فمع توفّر مجالات واسعة من الحرية، برزت على الساحة الوطنية تيارات دينية لا علاقة بهذه الثورة، تيارات تمارس الوصاية على الدين و الهوية، وتصرّ على إقناع التونسيين أن دينهم وهويتهم في خطر كبير، وهذا سعيا منها لتغذية الاستقطاب الإيديولوجي العقائدي المفتعل الموجّه نحو المجتمع، من أجل الفوز بغنيمة انتخابية سهلة وسريعة، وأبرز هذه الحركات هي حركة النهضة "الإسلامية" . فبعد أن كانت الشعارات متعلقة بالخبز والحرية و الكرامة الوطنية و محاربة الفساد و المحسوبية، تحوّلت إلى حملات تكفير ممنهجة وانتقاء عقائدي للشعب طمعا في السلطة و الحكم، واُستعملت في ذلك خطابات ديماغوجية ومغالطات من خلال حملات التكفير الممنهجة ضدّ الخصوم السياسيين، والتقسيم الإيديولوجي المفتعل للشعب، إضافة إلى ربط العلمانية و المدنيّة و الحداثة بالرئيس السابق بن علي و الترويج إلى أنها السّبب في انتشار الفساد و البطالة و الفقر، في حين أن بن علي كان أبعد ما يكون عن ذلك، بل كان نظامه ديكتاتوريا تسلطيا أقرب إلى النظام التيوقراطي الّذي يقوم على طاعة السلطان و إلغاء العقل. وهذه التجاذبات العقائدية، خاصة بعد صعود حركة النهضة ذات المرجعية الإخوانية إلى السلطة، أفرزت استقطابا دينيا ثنائيا خطيرا يتفاقم يوما بعد يوم، بين "إسلام" إخواني أطلسي متأمرك من جهة و "إسلام" سلفي جهادي متشدّد من جهة ثانية، وهذا الاستقطاب الديني الثنائي الخطير يمثل قنابلا موقوتة و خطرا على المجتمع، خطر يتّضح أكثر لو نظرنا إلى الهوّة العميقة بين هذين القطبين (إخوان،سلفية جهادية) إذ وصلت الأمور حدّ تبادل التكفير والتخوين بين الطرفين، فلا تَخفى على أحد الاختلافات الجوهرية القائمة بينهما، خاصة في العقيدة و السياسة والاقتصاد و البرامج الإستراتيجية، و كذلك النظرة إلى المجتمع و العلاقات الخارجية خاصّة مع "الغرب الكافر" ، فحركة النهضة "الإسلامية" تُعتبر مدنية و ديمقراطية ومتفتحة جدا - وقتيا على الأقل - بالنظر إلى الأطروحات الفكرية للتيار السلفي الجهادي. ورغم أن هذا الاستقطاب الثنائي الخطير ساهمت فيه التجاذبات الثقافية والسياسية والفكرية التي مرت بها تونس خلال العقود الماضية، باعتبار حالة التحديث القسري التي تعرض لها المجتمع التونسي دون إصلاح ديني حقيقي، وسياسة تجفيف المنابع، و بقاء أنماط التفكير و التربية و الخيارات الثقافية تحت سيطرة فاعلين اجتماعيين يسيرونها حسب مصالحهم الاجتماعية و السياسية، فهذه العوامل التي تصب في خانة الكبت الديني الثقافي، تؤدي حتما إلى التطرف أو الانبطاح إلى أطراف خارجية. إلا أن بقاء الخطاب الديني، بعد الثورة التونسية، تحت سيطرة فاعلين اجتماعيين وسياسيين يسيرونه حسب مصالحهم وحسب الأجندات الّتي يريدون تمريرها، زاد الطين بلّة وساهم في إضفاء مزيد من التعقيد على المشهد الديني في تونس، وأدخل المجتمع في حالة من الاضطراب والهستيريا،خاصة في ظلّ التنازلات الكبيرة التي قدمتها حركة النهضة "الإسلامية" لفائدة النمط العلماني الحداثي، فكل ما تصدره من قرارات وكل ما تنتهجه من سياسات، يُحلّل من منظور عقائدي إسلامي، ممّا ساهم في تغذية الاستقطاب الديني الثنائي الذي أشرنا إليه (إخوان، سلفية جهادية). ومن ضحايا هذه التجاذبات، الشبان الّذين يتعرضون إلى عمليات دمغجة و يتحولون إلى "مُدمْغَجين" لا "مُتَدَيّنين" ، و يجدون أنفسهم في نهاية الأمر ضحايا خطابات الجماعات "الإسلامية" سواء المتطرفة و الخطيرة و التي تتبنى العنف و الإرهاب أو المتحزبة التي تعمل من أجل السلطة، فيجد الشاب نفسه منساقا لا شعوريا نحو الدخول في تجاذبات لا مصلحة له وللمجتمع فيها، ويتحوّل إلى مستميت في الدفاع عن حركته التي يرى فيها روح الإسلام، و ينطبع في ذهنه انطباع لاشعوري أن كل من ينتقد أو يعارض مواقف و سياسات حركته يعتبر عدوا له و للإسلام. وهذا ما يؤدي إلى شحن المجتمع وزرع قنابل إيديولوجية اجتماعية موقوتة. ومن تبعات هذا الوضع أيضا، إجهاض العقول اليانعة لهؤلاء الشباب و حرمانهم من التكوين الفكري الثقافي السليم الذي يكتسبون بموجبه أدوات التحليل و النقد و النقاش الصحيحة. إذن، فرغم كثرة المتحدثين في الإسلام، تفتقد الساحة التونسية اليوم إلى خطاب إسلامي تقدمي ومعتدل، فالخطاب الإسلامي، مثلما أشرنا، يرزح تحت سيطرة فاعلين سياسيين يسيرونه حسب مصالحهم، فحركة النهضة "الإسلامية" الّتي تسيطر على الحكومة، ورغم عديد التصريحات التي أوضحت من خلالها أنها ستقوم بدور الإصلاح الديني و إدراج الإسلام في منظومة تقدمية، إلا أن هذا الإدعاء كان زائفا و غير منطقي أصلا، لأن التجاذبات الحزبية و الإصلاح الديني لا يختلف اثنان في أنهما لا يلتقيان أبدا.
إن هذه التجاذبات العقائدية، إذا أضفنا إليها ما يقوم به أتباع التيار السلفي من أعمال عنف وإرهاب واعتداء على الحريات وعلى التيارات السياسية ومكونات المجتمع المدني، ساهمت في إلهاء الرأي العام والقوى الحية في البلاد عن المسائل الأساسية والأهداف الحقيقية التي انتفضت من أجلها الجماهير الشعبية الجائعة والمفقّرة، فلقد نجحت حكومة النهضة "الإسلامية" في اللعب على الوتر الحساس المتمثل في الدين ونجحت في توظيف الخطاب "الإسلامي" بما يخدم مصالحها.
فبين هذا و ذاك تضيع الأهداف الحقيقية التي قامت من أجلها "الثورة" و في خضمّ هذه الاستعراضات العقائدية الفارغة، أُفرغ ما يسمى "بالمسار الثوري" من مضامينه الحقيقية (عدالة اجتماعية، منوال تنمية عادل، محاربة الفساد و الفاسدين...). فعندما تكون الصراعات و التجاذبات العقائدية على أشدها ،يقع تمرير قرارات و سياسات و تعيينات تصب في خانة إعادة إنتاج النظام القديم الذي يخدم مصالح أقلّية متنفّذة على حساب أبناء الشعب المهمّشين.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن مردود حكومة النهضة "الإسلامية" أضحى مثيرا للجدل من خلال الهوس بالتعيينات السياسية و الإدارية على أساس الولاءات لا الكفاءات، والسعي المفضوح نحو تدجين الإعلام والسيطرة الناعمة على مفاصل الدولة و المجتمع، وسياسة المكيالين في المحاسبة و فتح ملفات الفساد، فكل من يدخل بيت الطاعة والولاء يتمتع بصكوك الغفران مهما كان ماضيه، أما من يخالف الرأي أو يعارض فيُعتبر متمرّدا وتوجّه له شتى التّهم و تفتح ملفاته إن وُجدت. أما من النواحي الاقتصادية و الاجتماعية فإن هذه الحكومة لم تقدم إشارات جدية، فالخيارات الاقتصادية و الاجتماعية و التنمويّة الّتي تنتهجها هي نفس الخيارات الفاشلة للرئيس الهارب بن علي، الّتي تقوم على نهب ثروات البلاد و استنزاف المجهود الوطني و تفقير الشعب، هذا مع غياب القرارات الإستراتيجية التي تدخل الطمأنينة في قلوب الناس، خاصة تلك القرارات المتعلقة بالخيارات الاقتصادية ومنوال التنمية. ونظرا للوعود الانتخابية اللاواقعية و الضخمة التي استعملتها حركة النهضة "الإسلامية" خلال حملتها الانتخابية ونظرا لتدهور المقدرة الشرائية وارتفاع نسبة البطالة، استفحلت ظاهرة الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية، ولمواجهة هذه التحركات، استعملت الحكومة نفس أساليب الرئيس الهارب بن علي، القائمة على عصى القمع البوليسي و رمي الاتهامات على "المتآمرين" و "الفاشلين في الانتخابات"
و في خضم هذه التعقيدات والصراعات الدينيّة وضعف أداء حكومة النهضة "الإسلامية"، أطلّ على التونسيين السيد الباجي قائد السبسي لينتهز الفرصة وليؤسس حزبا في شكل مبادرة سمّاها "نداء تونس" و مثلت هذه المبادرة فرصة ذهبية ومناخا مناسبا لعودة قوى الردة المتمثلة في بقايا الحزب الحاكم سابقا "التجمع" الذي وقع حلّه قضائيا بعد هروب زعيمه بن علي، وبعد أن مثّل طيلة عقدين من الزمن منظومة فساد ساهمت في تفقير الشعب وعسكرة البلاد وانتشار الفساد والمحسوبية. ومثّل الباجي قائد السبسي بمبادرته نداء تونس، نواةً التفّ حولها الانتهازيون الذين قامت ضدهم ثورة قبل أقل من عامين، وفرصة لعودة رموز النظام السابق في أثواب جديدة وتحت مسميات رنانة، مستغلين الشعبية التي حصدها الباجي قائد السبسي خلال توليه منصب رئاسة الوزراء بعد إسقاط حكومة الغنوشي التي تشكلت إثر هروب بن علي، ومستغلين كذلك قدرة السيد الباجي على المراوغة وتقديم الخطابات الرنانة التي تذكرنا بالزعيم التونسي الراحل حبيب بورقيبة. فالسيد الباجي لا يختلف اثنان حول تاريخه القمعي الديكتاتوري عند توليه عديد المناصب السياسية خلال العقود الماضية، وحول سياساته الاقتصادية والاجتماعية التي لا تختلف عن سياسات حكومة النهضة "الإسلامية" الحاكمة.
إذن، بعد كل هذه التجاذبات، تحصلنا على مشهد سياسي جديد، يقوم على استقطاب ثنائي، بين تيار يميني ليبرالي إسلاموي يتمعش من شعارات الدين و الهوية والأصالة بقيادة حركة النهضة "الإسلامية"، وتيار يميني ليبرالي حداثوي يتمعش من شعارات الحداثة و الوسطية والديمقراطية بقيادة السبسي بحركته "نداء تونس". فكلا التيارين لهما نفس السياسات ونفس البرامج وكلاهما يخدم نفس المصالح التي تخص البرجوازية والكمبرادورا المحلية، مع بعض الاختلافات الشكلية. وبذلك تحولت الساحة الوطنية إلى حلبة لصراع (رجعي، رجعي) لا مصلحة فيه للجماهير الشعبية التي قامت بالثورة والمتعطّشة إلى واقع اجتماعي واقتصادي جديد يضمن لها الخبز والحرية والكرامة الوطنية.
يوسف بلحاج رحومة



#يوسف_بلحاج_رحومة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس لازالت مستعمرة


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يوسف بلحاج رحومة - الثورة التونسية بين مطرقة الرجعية وسندان الانتهازية