أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سراج - طلقات حالمة















المزيد.....

طلقات حالمة


أحمد سراج

الحوار المتمدن-العدد: 3850 - 2012 / 9 / 14 - 23:49
المحور: الادب والفن
    


طلقات حالمة
قراءة في ديوان " ترنيمات في صومعتي"
أحمد سراج
في دقة تليق بمصور محترف التقطت عدة من اللحظات الموَّارة، ثم تم التعبير عنها في طلقات سريعة حملت عنوان "ترنيمات صومعتي"، والترنيمات تعود في أصلها اللغوي إلى الفعل رنَّم أي رجع صوته، ونقول رنم الطائر عند هديره، ورنم القوس عند إنباضه، لكن دلالة اللفظ تتسع مع اتساع الاستعمال اللغوي فنجد الترنيمة تطلق على الأغنية، ونجد كثرة استعمال لفظ ترانيم عند حديثنا عن الغناء في بعض الطقوس، لكن الشاعر سرعان ما يضيف الترنيمات إلى الصومعة، والصومعة هي مكان تعبد الراهب المنقطع عن الناس.
لكن الشاعر يغاير في متن نصه ما نعتقده إذ إنه لا يريد بترنيماته أن تظل حبيسة صومعته، ولا يريد لها حتى أن تحتفظ بدلالتها المعجمية أو الاجتماعية وإنما هي عنده محاولة للتمرد النبيل/ للخروج/ لرفض الواقع لذلك نجده يقول: الصَّوْمَعةُ../ وحيداً تَجْعلُني/ عَفْواً/ لا أقْصدُ تِلْكَ الْمُفْردةَ ../ بتَاتَاً/ لكنِّي/ أعْني/ واحدةً أخْري/ يُوحي بالصَّعْلكةِ مداها ..
يأبى الشعر إذًا أن يوصم بالانعزال والهروب إلى برج الشعراء العاجي كما توحي دلالة الصومعة؛ إذ إن الصومعة بالنسبة له تجهزه للثورة ثم تتركه بعد أن أعدته ليواجه الخلل في كل مكان: الصَّوْمعة ..ُ/ وحيداً تُشْعلُ أعْضائي/ ثمَّةَ ../ تَتْركُني/ في الثَّوْرةِ ../ لَسْتُ بِمعْقول.
لكن ذلك يقودنا إلى السؤال ما تلك الترنيمات التي ستشعل بها الصومعة فتانا لينطلق ليس بمعقول، في قصيدة بعنوان " ونَحْنُ بلا مَعْنى" يبدأ الشاعر اعترافاته موجهًا الخطاب إلى جمع غير مرئي ولا معلوم وإنما يتضح من النص أن هذا الجمع هو نحن الذين نعيش على تراث السابقين، ننتظر المنقذ دون أن نحاول أن نفعل شيئًا نتشبث بالماضي ونخنق به حاضرنا:نَحْنُ بلا زيْفٍ/ لا زلْنا ../ الْفقراءَ/ الضَّعفَاءَ ../ وأكْثرَمِنْ ذلكَ بكثيرْ/ مَاذا/ نَنْتظرُ الآنَ مِن الْعَالمِ ؟/ هَلْ نَنْتظرُ مَجئ الْمُلْكِ ../وتَاجاً / سَيْطرةً/ تُخْضِعُ/ عَرْشَ سَلاطينِ الْقُوَّةِ/ لِيَديْنا؟/أمْ نَحْلمُ بالْعَوْدةِ/ لِلأمْجادِ السَّالفةِ الذِّكْرِ
إن تلك الحالة المركبة: انتظار المنقذ والعيش على الإرث القديم تخلق في النهاية موتًا للحاضر مما يعني انهيار القيمة والوجود ومن ثم ضياع المعنى: مَاذا/ نَنْتظرُ الآنَ ونَحْنُ بلا/ مَعْنى؟...أيَّ طريقٍ/ لِلْجُثثِ/ الْمَوْتَى. إن وصف الجثث هنا بالموتى أمر محير فالجثة لا تكون في استعمالنا إلا لميت، فلمَ أصرَّ الشاعر على ذلك الوصف الذي يبدو للوهلة الأولى وصفًا زائدًا؟ الأمر مَردُّه عندي أن الشاعر يرى الناس تقتل مستقبلها وتدمر حاضرها فهم بلا حياة وإن طهرت أجسادهم فهي محض جثث متحركة لكنها ليست حية أبدًا.
يذكرك العنوان في قصيدة " لافتات" بالشاعر العربي أحمد مطر، لكن الشاعر هنا لا يتصادم مع واقعه بل يمارس مراجعته لذاته: كُنْتُ السَّاذجَ ../ إذْ لا أفْهمُ مَعْنى/ بَعْضِ الْمُصْطلحَاتِ ../ وأجْهلُ/ تَفْسيراً باتَ مُهِمَّاً/ لِلأحْداثِ ../ وبِضْعَ أمورٍ/ يَخْشى/ بَعْدُ / ضيافتَها فُوهي/ لَنْ ألْفظهَا الآنَ/ فكُلٌّ يَعْرفُ/ تِلْكَ الأشْياءِ ..
تكشف هذه القصيدة عن جوهر أومة يعيشها الناس: صناعًا للحدث ومتأثرين، قادة ومقودين؛ إنها الازدواجية الشاملة بين ما نقوله وما نفعله وبين ما نؤمن به، بين شعارات نرفعها و مضامين لا نطبقها: تمَاماً/ إذْ أنَّا/ عَلّقْناها/ كالْلَوْحاتِ على الْجُدْرانِ / وفي ../ سَاحات ميادينِ مَدائننا/ نَقْرؤُها/ يَوْميَّاً/ في كلِّ جرائدِنا/ لكنَّا/ لِلأسَفِ/ الْمُوْجعِ ../ لَمْ نَقْدر أنْ/ نَحْياها.
تأتي قصيدة " الموجود" ترنيمة أخرى من ترانيم الصومعة، فالعنوان الدال على الرضا بالقليل ما دام موجودًا وبأنه لا شيء أفضل من الموجود – ظاهرًا – يفارقه النص الذي يقارن بين حالين: حال الظالم الذي يحاول أن يبحث عن وجوده بسلطة القهر والظلم والطغيان، ومقام الواثق المطمئن الموجود في متن الوطن وحاشيته، القار في أفئدة الناس:
عُمْدَةُ قَرْيتِنا/ لا أقْصدُ فَرْداً/ إلاهْ/ لا يَنْتقلُ مِن الدُّوَّارِ/ إلى بَاحاتِ الْبلْدةِ/ إلا/ والْعُشْرونُ ../ أو الْخَمْسونَ/ مِن الْخُفراءِ بِرفْقتِهِ/ /كي يَحْتفظَ بِأمْنٍ ../ وسَلامةِ جَاهْ
لكنَّ بسيطاً آخرَ/ أوْ/ مَنْ في مَرْتبةٍ/ سَاواهْ/ يَمْضي مُنْفرداً/ تَقْرأُ كلَّ أمَانَ الْعالمِ/ في عَيْنيْهِ ../يَقولُ لِكلِّ النَّاسِ :/ أنا/ المَوْجودُ ../ وليْسَ هُنالِكَ ../مَا أخْشاهْ
تحتاج هذه القصيدة إلى عدة وقفات: المقارنة الرائقة بين الأمرين، استخدام مفردات بعينها، اختيار الهاء التي تتبع الألف تثيره من دلالات، لكنني لا أدري لمَ استخدم الشاعر كلمة آخر وصفًا لبسيط؛ فهذا يعني أنه تحدث عن بسيط أول، وما حدث ذلك اللهم إن اعتبر أن العمدة رغم السلطة والجاه بسيطًا.
في هذه الترنيمة التي تحمل عنوان ".. جُنودُ الرُّقْعةِ .." يقارن النص بين ملايين البشر، الذين يقومون بأعمال لا يؤمنون بها، ولا يريدونها، ولا تعود عليهم بفائدة، وبين عساكر الشطرنج أرخص القطع، التي تتراص أمام الملك وحاشيته متصدرة المشهد حين اندلاع الحرب، وملقاة على جوانب القطعة عند احتدامها: نَحْنُ ../ وعُذْراً للتَّشْبيهِ/ جُنودُ الرُّقْعةِ في الشَّطْرنْجِ/ نَقومُ بِدَوْرِ جِدارٍ/ يَعْزلُ/ مَا بَيْنَ الْمَلِكِ ../ وغَاراتِ الأعْداءْ/ ونُضَحِّي/ يَا كَمْ ضَحَّيْنا/ في صَمْتٍ وسَخَاءْ/ وبِرغْمٍ مِنْ ذلكَ ../ أوْ..../ كانَ لِذلكَ/ قَدْ نُلْغى/ بِوشَايةِ وَاشٍِ/ مِنْ دُنْيا الأحْياءْ.
يأسى النص/ المصوِّر والنبوءة لحال الشهداء الأطهار والعمال الأخيار الذين لا يأخذون من التقدير شيئًا، ولا ينظر إليهم إلا على أنهم وقود للثورات وللمعارك، وتتجلى تلك المظاهر في نص قطيع شياه: لَسْنا .. / مِنْ عِلْيَةِ قَوْمٍ/ أوْ سَادةْ/ لكنَّا كَقطيعِ شِيَاهٍ/ تَفْترسُ ذئابُ الْغَابةِ/ أفْرادهْ / ولِذلكَ ../ لَنْ يُطْمعَ في حَلٍّ/ يَنْتشلُ رُفاتي/ وسَنجْلسُ نَحْلمُ/ في وَهَنٍ/ كَعجوزٍ/ سَتموتُ قَريباً/ كَالْعادةْ.
لكن الشاعر رغم اعترافه بما يجري له ولأمثاله، لا يهدر نبوءته لصالح مراراته، فيقول في قصيدته " ربما" : هَلْ/ يَطْمعُ فِي/ جِلْسةِ صُلْحٍ/ بَيْنَ الْماءِ../ وبَيْنَ النَّارِ/ سِوى../ الْمَجْنونِ.
هذه القصيدة التي كتبت وطبعت قبل مظاهرات تونس وثورة الشباب المصري بعام على الأقل، لا تجعلنا نهتم بحس النبوءة بقدر ما نقف أمام روعة الكشف: لماذا لا يقبل الثوار بحلول وسط؟ لأنهم ببساطة نار محرقة من شدة ما لقيت من عنت الطغاة، ولأننا يجب ألا نحذف أولاً، ونتعامل مع ثانيًا مباشرة: ما الذي دفع الثوار إلى الثورة. أليس اختيار أشد الفسقة والمردة من آليات السلطة الغاشمة كما نقرأ في قصيدة: " اصطفاء: وَلأنَّك ..َ/ أكْثرَ فِسْقاً/ مِنَّا/ اخْتارَكَ رَبُّكَ/ فِي لَحْظةِ خُبْثٍ/ مَنْدوبَاً/ عِنْدَ السُّلْطَةِ ../عَنَّا. أليس من آليات المقهور الكبرى الحلم الذي نراه في قصيدة " حلم" : مَاذا يَجْعلُني../ أنْتظرُ قُدومَ بِلادٍ/ قالوا فَاضلةٍ/ لَنْ تَطأ ثَراها قدمَايَ ../ وأقْعدُ أعْلى/ كُرْسيِّ الْحُلْمِ أُفكِّرُ../ فِي أمْنيةٍ/ يَصْعبُ أنْ تَتَحقَّقَ حَاليَّاً/ وأنَا/ كَكَثيرٍ../ أعْجزُ أنْ أبْتاعَ لأطْفالِي/ كِسْرةَ خُبْزٍ/ أوْ ../ جَرْعَةْ مَاءْ؟
يمتلئ الديوان الشعري بعالم من الترنيمات الخارجة من حس شاعر رومانسي فاجأته قسوة الواقع، فآثر أن يدونها كما وقعت في قلبه؛ فرأينا أمامنا رؤية متكاملة للعالم كما رآه الشاعر:
ذاتَ زمَانٍ / كانَ الْمَوْتُ قَريبَاً/ جِدَّاً/ مِنْ قَرْيتِنَا/ يَحْصدُ ../ أرْواحَ الْفُقَراءِ تِباعَاً/ لكنَّ غَنيَّاً / اتَّخذَ الْبُغْضَ إلهَاً/ يَسْجدُ فِي هَيْكلِهِ/ أقْبلَ هَرْولةً سَاعتَها/ يَسْألُني/ أيْنَ نَصيبي؟؟!







الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...
- كيف تحوّلت الممثلة المصرية ياسمين صبري إلى أيقونة موضة في أق ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سراج - طلقات حالمة