|
سوريا – السياسة و -المقامرة-
قصي مسلط الهويدي
الحوار المتمدن-العدد: 3831 - 2012 / 8 / 26 - 06:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
سنحت لي الفرصة كي أتشرف بالتتلمذ على أستاذ أعتز به كثيراً ، حيث كان يفتتح محاضرته بالقول : "ما أقوله مادة للنقد و ليس للتبني" .
إن هذه "المقالة" لا تدّعي بأنها ستأتي بما "لم يأتي به الأوائل" ، كما لا تطمح إلى كشفٍ لم يسبقها إليه أحد . كل ما هنالك : أنها تسعى إلى "تحليل المشهد" السوري ، و "تجميع" متفرقاته ، ثم إعادة تركيبها "برؤية جديدة" مغايرة .
لتكن البداية من المشهد الدولي ، و لنبدأ بقراءة "الموقف الروسي" : مما لاشك فيه أن روسيا اليوم ، تختلف كثيراً عن روسيا بُعَيد انهيار الاتحاد السوفييتي ، كما عن روسيا إبان اجتياح العراق ، حيث بدأت باستعادة "حلمها الإمبراطوري" و خصوصاً بعد عودة "بوتين" على سدة الرئاسة – و هنا استخدمنا حرف الجر "على" بوعي و ليس سهواً – حيث أنه يمثل أحد أهم الصقور "القيصريين" ، إن لم يكن أهمهم على الإطلاق ، و الذي يعي تماماً بأن خروج روسيا من اللعبة الدولية ، هذه المرة ، نهائي و إلى الأبد ، كما يعي بأن سوريا ليست إلا الحلقة الأولى في سلسلة حلفائه ، و التي إن خسرها ، ستمتد ( أي سلسلة فقدان الحلفاء ) إلى أبعد من أذربيجان و باقي "الجمهوريات السوفييتية الإسلامية " السابقة المطلة على بحر "قزوين" – بما يمثله من مخزون استراتيجي مستقبلي للبترول – مروراً بـ "إيران" التي من المرجح أن تكون الحلقة التالية ، و ذلك على الأقل من وجهة النظر الروسية . تلك السلسلة التي إن خسرتها ، فستخسر كل ما لديها خارج حدودها الجغرافية ، إضافةً إلى فقدان السيطرة على منابع و ممرات مصادر الطاقة ، بما في ذلك "ممرات و أنابيب الغاز" ، الذي يشكل ورقة الضغط الأقوى بيد روسيا ، ضد "أوربا" . فلنحاول أن نرى المشهد ، بصورته السابقة ، من وجهة النظر الروسية ؛ إذا تمت خسارة سوريا فستمتد سلسلة الخسارة إلى "كل" المتبقي من حلفاء و مناطق نفوذ روسيا ، مرةً و إلى الأبد ، إذاً لن يتبقى ( لروسيا ) ما تخسره ، و هنا مكمن الخطر ، حيث "ستحارب" حربها "الأخيرة" دون هوادة أو خوف من الخسارة ( إذ كما سبق و قلنا : لم يتبقى لديها ما تخسره ) . لذا فهي مصرة – هذه المرة – على "لي" ذراع الغرب في سوريا ، و محاولة "كسر" أحادية القطب الأمريكي . إنها "حرب" الفرصة الأخيرة .
لننتقل إلى محاولة قراءة "الموقف الإيراني" : قد ينطبق على إيران كل ما ينطبق على روسيا ، مما ذكرناه سابقاً ، و لكن قد يضاف إليه – و هذا مرجح – أن إيران ستخسر "كل" ما لديها ( خارج حدودها الجغرافية و داخلها ) ، حيث سينتهي "مشروعها/حلمها" الأيديولوجي ، بكل مكوناته ، القومية و المذهبية ، مضافاً إليها وسيلتها إلى ذلك ( أي مشروعها النووي ) . عند أخذ هذا الفارق بنظر الاعتبار ، نجد أن إيران هنا ستكون في مأزق أشد و "أعظم" من المأزق الروسي ، بما لا يقاس ، و هنا تماماً مكمن "بارقة الأمل" ، حيث من المحتمل ظهور بداية "افتراق" قد تتطور إلى "شقاق" و ربما يكون "كبيراً" ، في داخل إيران ، بين إيران/النظام و إيران الدولة/الشعب و وجوده التاريخي/المستقبلي ، أي بين إيران المشروع/الحلم الأيديولوجي و نظام الثورة الحامل له ، و بين إيران الشعب التاريخي الذي يشكل جزءً مهماً من شعوب المنطقة ، و الذي إذا وضع في حالة اختيار حقيقي ، ما بين "الضربة العسكرية" التي قد تعني دماره الكامل ، و ما بين التخلي عن ذلك المشروع/الحلم – بكل مكوناته بما فيها المشروع النووي – نقول : إذا ما خير الإيرانيون/الشعب ، بين هذا و ذاك ، فمن المرجح بأنهم سيغلبون صوت "العقل" على الأحلام "الغير ممكنة" . فإذا كان ذلك كذلك ، فإن "السلسلة" ممكنة التفكيك ، و يكون هناك فرصة محتملة .
أما "موقف دول مجلس التعاون الخليجي" : فيمكن "الجزم" بموقفها من ( الربيع العربي ) حيث أنها أعلنت عنه و بكل وضوح ، في تونس و مصر ، و بشكل أقل وضوحاً في اليمن ، أما في ليبيا فإن الموقف الدولي – كاملاً – أخذ مساراً مختلفاً ، لا مجال لنقاشه هنا . بناءً على ذلك نرى أن من المهم دراسة هذا الموقف من الثورة السورية ، و الذي يبدو "مختلفاً" للوهلة الأولى . فما هو المختلف في سوريا ، الذي جعل الموقف الخليجي يأخذ "منحىً" مختلفاً . إن الخلاف الخليجي – الإيراني لا يخفى على أحد ، و الذي أخذ شكل عداء سافر ، بعد استلام "الثورة الإسلامية" ، الحكم في إيران ، و بدء اشتغالها على تصدير الثورة إلى المنطقة ، الأمر الذي أدى – بشكل طبيعي – إلى معاداتها من قبل دول الخليج ، و فيما بعد ، مساندة العراق في حربه ضدها ، في مطلع ثمانينات القرن الماضي . العراق الذي كان بقيادة ( صدام حسين ) و حزب البعث ، الذي كان يناصبها العداء أيديولوجياً ، و يصفها بالرجعية و بذيول الاستعمار و غيرها من الأوصاف ، و رغم ذلك "دعمته" و حزبه الحاكم ، في تلك الحرب . لا شك بأن الخلافات "المذهبية و القومية" ، كانت هي الأقوى ، في الاختيار ما بين "الخصمين" ، و بالتالي خلق "تحالف" لدعم حرب ، تنجز ما تعجز عن إنجازه تلك الدول . حرباً كتلك ، كفيلة بإنهاء "العدوين" معاً ، إن طال أمدها ، وكبر حجم خسائرها ، و غذيت بحيث لا يخرج منها منتصر ، و إنما فقط نظامين منهكين كليهما. هنا لا بد لنا من تذكر قول الملك فهد بن عبد العزيز : " فلتموت الأفاعي بسم العقارب " ،عند تعليقه على تلك الحرب . و هو ما حدث بالفعل . لكن إيران عادت مرةً أخرى ، و بشكل – ربما – أكثر قوة من ذي قبل ، مع برنامجها النووي ، و من النوافل ، التذكير بتحالفها مع النظام السوري ، و الذي دخل (أي هذا التحالف ) في تصادم مسارات ، مع ( الربيع العربي ) ، الذي وصل "ظافراً" إلى سوريا ، ذلك الربيع الذي سيكون وصوله إلى دول الخليج العربي ، مسألة وقت ليس إلا . مرةً أخرى تجد دول الخليج نفسها بين "خطرين" ، و لكن مرةً أخرى "ينقذها" القدر ، حيث – كما سبق و قلنا – فإن "الخطرين" دخلا في تصادم مسارات في سوريا . الشيء الذي سيعقد و يصعب مهمة الثورة السورية ، و يجعلها تتحمل عبء صراع لا حول لها فيه و لا قوة ، إضافةً إلى صراعها الأساس مع النظام . نقول : مرةً أخرى تجد نفسها ( دول الخليج ) ، أمام "المشكلة و حلها" ، إذ لن يكلفها الأمر سوى إيصال "النزاع" إلى مرحلة صراع عنفي دموي ، طويل الأمد ، لا يخرج منه أحدٌ منتصراً . و قد عملت كل ما بوسعها ، لتحقيق ذلك ، من خلال الشحن الطائفي – الذي أشعله النظام – و تأجيجه . إضافةً إلى استخدام كل نفوذها في منع أي محاولة دولية لحسم الصراع ، بحجة عدم اتحاد المعارضة و ضعفها ، و منعها ذلك الإتحاد بالتالي ، من خلال الضغط على حلفائها داخل المعارضة ، كما حدث مراراً في القاهرة ، و تحت مظلة الجامعة العربية . لتصل – أخيراً – إلى مقولة : "فلتموت الأفاعي بسم العقارب" . مع ملاحظة أنها ليس لديها ما تخسره في سوريا ، هي الأخرىً .
و مع إهمال الموقف الإسرائيلي ، لعدم فاعليته بشكل مباشر على الأرض ، إضافةً إلى إمكانية إلحاقه بالموقف الغربي ، يبقى لدينا – إقليمياً – "الموقف التركي" : إذاً تركيا ، الدولة الصاعدة ، و المحملة بكل ما ترى نفسها أهلاً له ، إضافةً إلى ما تحمله إدارتها الحالية – ممثلةً بحزب العدالة و التنمية – من "حلم" إمبراطوري ( عثماني ) – غير خافٍ على أحد – تجد نفسها أمام تحدٍ كبير ، في سوريا ؛ فمن جهة ، تقتضي مصالحها الاقتصادية ، دعم الاستقرار في المنطقة ، و استقرار أسواقها ،لاسيما ، بعد التوجه الذي اتخذه ( حزب العدالة و التنمية ) ، و المتمثل في التوجه "شرقاً" ، عوضاً عن التوجه إلى "أوربا" ، التي عارضت كثيراً من دولها ، دخولها ( أي تركيا ) إلى الاتحاد الأوربي ، و التي عملت كل ما في وسعها لتحقيقه ، دون جدوى . يضاف إلى ذلك ، ما يقتضيه أمنها القومي ، إزاء المشكلة الكردية ، و مشكلة الأقليات ( العرقية و المذهبية ) الأخرى ، التي يستطيع النظام السوري و حليفه الإيراني ، اللعب بها ، و من خلالها . و من جهةٍ أخرى ، و جدت نفسها أمام "شارع" سوري – أقل ما يوصف بأنه عظيم – قوض أركان هذا الاستقرار ، و يقوضها – باستمرار – على مدى أشهرٍ طوال ، دون "أمل" في تراجعه ، أو إمكانية لإخماده أو السيطرة عليه ، و الذي هو – بالمصادفة – "يتقاطع" معها في حلمها ( العثماني ) ، على الأقل في شقه المذهبي ( و نقول هنا "يتقاطع" و لا نقول "يتطابق" أو يتفق مع ذلك الحلم ، و إن كان هناك بعض الفرقاء ، من المعارضة ، يتفق معها ، إذ لا يرى ضيراً في ضم لواء الاسكندرون إليها – مثلاُ – طالما أنه ضمن الدولة الإسلامية ، التي يحلم بها ) ، الأمر الذي يجعل تركيا في وضع لا تحسد عليه ، و يجبرها على التذبذب و التأرجح ، في مواقفها ، بين التصعيد "العنيف" – كلامياً على الأقل – و الصمت المريب ، مع الإبقاء على الدعم الغير رسمي ، عبر حدودها ، سيما إذا أضيف كل ذلك إلى الضغط الخليجي ، و أن تركيا هي الدولة الوحيدة الفاعلة إقليمياً ، التي تمتلك "ما تخسره" بشكل فعلي ، في سوريا ، و هنا مكمن افتراقها في الرؤية ، عن الجميع ، و الذي يجعل منها حليفاً استراتيجياً للثورة ، و ربما رغماً عنها . هل من داعٍ – أخيراً – للتذكير بأن تركيا هي الدولة الوحيدة ، من دول الإقليم الفاعلة في سوريا ، التي يحكمها نظام ( ديمقراطي – تداولي ) ، تحكمه بالتالي مصالح "عليا" للدولة ، التي يتشارك في إدارتها ، قوى و تيارات سياسية متباينة ، تجعل من المستحيل على تيار معين ، أن يفرض رؤيته ، حتى و إن كان يشكل الأغلبية ، لثلاث دورات انتخابية متتالية . تفصيلة ، على صغرها ، إلا أنها قد تفسر عجز الشارع العربي و السوري – الذي لم يعتد على هذا النمط من الأنظمة ، و آليات اتخاذ القرار فيها – عن فهم الموقف التركي ، و الذي يراه محيراً .
يبقى لدينا – أخيراً – "الموقف الأوربي – الأمريكي " ، و الذي نراه متباين في الدرجة فقط ، إلا أنه متفق في الرؤية ، إلى حدٍ كبير : لن نسهب كثيراً في رصد هذا الموقف ، نظراً لكونه معلن إعلامياً ، و قابل للرصد ، حيث أن "العقل السياسي" الغربي براغماتي/ نفعي ، و هو بالتالي قابل "للتعيين" من خلال تحديد منظومة المصالح العليا له ، بخلاف "العقل السياسي" الأيديولوجي ، الذي يكون محكوماً "بفكرته الجامعة" ، و ما يقتضيه الوصول إلى تحقيقها ، حتى و إن أدى هذا إلى "التفريط" بمصالح الدولة/المجتمع . لكن هناك مجموعة من الأمور يتوجب علينا أخذها في الحسبان ، أهمها :
• أن الدول الغربية تنظر إلى سوريا ، كموقع جغرافي مهم ( و هذا بدهي ) . • يضاعف من هذه الأهمية ، جوارها لإسرائيل . • مما "يضاعف" بالتالي من "محظور انفجارها" ، و خطورته . • التعامل مع النظام السوري ، كجزء مهم من سلسلة التحالف مع إيران و من بعدهما ، روسيا . • النظر إلى ذلك "المحور" – إضافةً إلى الصين و ربما كوريا الشمالية بدرجة أقل – على أنه ( قد ) يشكل خطراً محتملاً في "مستقبلٍ" ما . و بالتالي يجب تفكيكه بكل السبل . ( و نحن هنا لا نقصد "محور الممانعة" المزعوم ، و إنما هو مجرد محور ذو طبيعة "أيديولوجية" يتعارض مع مصالح ما يدعى بـ "العالم الحر" ) • و بالتالي يجب التعامل معه ( أي النظام السوري و تحالفاته ) على أساس "تقاطعات" المصالح ، الإقليمية و الدولية ، و "توازناتها" . • إن "الغرب" ، و إن كانت له مصالح حيوية في الشرق الأوسط ، فإنه – رغم ذلك – ليس لديه "ما يضغط" به على النظام السوري ، بالتالي ، ليس لديه "ما يخسره" معه . (هذا فارق نوعي مع كل ما تقدم ، قد ينبني عليه قراءة مختلفة – بالتالي – عن كل ما تقدم ) .
و حتى يكتمل "المشهد السوري" ، يبقى أن نحاول رصد "مواقف الأطراف الداخلية" . التي هي – بكل تأكيد – ليست مجرد ( نظام / معارضة ) أو ( نظام / شعب ) . و البداية من النظام : لن نطيل في تحليل بنيته ، فلا داعي لذلك ، و لكن سننوه إلى نقطة نرى أنها من الأهمية بمكان ، حيث كان لها الأثر الأكبر في تحديد "شكل" و "طبيعة" معالجته "للأزمة" ؛ لقد عمل النظام ، طيلة العقود الماضية – (شأنه شأن كل الأنظمة الدكتاتورية الشمولية) – على إعادة صياغة الدولة ، بحيث تصبح هي ملحقة به ، ما يكون مؤداه : نظام يمتلك دولة ، و ليس العكس (أي دولة تمتلك نظام / إدارة ) الأمر الذي يجعله عصياً على التغير و الإصلاح ، و ينتج عنه "جبرية" التعامل مع النزاعات على مبدأ ( 0 ، 1 ) أو مبدأ "إما كل شيء أو لا شيء" ، مما يقوده إلى خوض كل صراعاته على أنها الأخيرة – إذ أن خسارة واحدة كفيلة بإنهائه – ليجد نفسه ، في كل مرة ، أمام صراع "وجود" ؛ إما أن ينتصر فيه ، أو أن ينتهي مرة و إلى الأبد ، و هنا تماماً يلتقي مع ( روسيا / الحلم ) التي "تراود" بوتين و إدارته ؛ الخوف من الخروج من التاريخ ، نهائياً . إنها "المقامرة" و مبدأ ( 0 ، 1 ) .
يظل الطرف الآخر من المعادلة السياسية الداخلية ، هو الأصعب على التحديد و التعيين ، و لكن سنحاول إجماله في قطاعات عريضة عامة ، إذ يمكن أن نقسمه "إجرائياً" إلى :
• تيارات "دينية" : عانت الكثير من الاضطهاد و القمع و العنف المفرط و بالتالي الإقصاء الكامل على يد النظام ، مما نتج عنه "خسارتها لكل ما تملك" بالمعنى التنظيمي على الأرض . • تيارات "يسارية و قومية" : عانت هي الأخرى – و إن بدرجة أقل – الاضطهاد و القمع و العنف من قبل النظام ، و أيضاً الإقصاء ، فكانت النتيجة أن خسرت كل إمكانية لخلق بدائل "مدنية حديثة" عن النظام/الدولة . و كانت النتيجة الأخرى : "خسارتها لأغلب ما تملك" و أيضاً بالمعنى التنظيمي على الأرض . • "مستقلين" و "تيارات ليبرالية" : لم تعاني بقدر التيارات الأخرى ، و ذلك لعدم تبلورها على الأرض – سياسياً و تنظيمياً – كبقية "القوى" الأخرى ، مما جعل ارتباطها "بمشاريع" سياسية راسخة قي نسيج "البنى المجتمعية" السورية يكاد يكون هامشياً . و لكنها عانت ، مثل جميع السوريين ، من الإقصاء و التهميش الكاملين ، الأمر الذي أدى إلى عجزها ، هي الأخرى ، عن إمكانية خلق بدائل "مدنية حديثة" عن النظام/الدولة . • المكون الأخير – و هو في تقديرنا الأهم و الأقوى – "الشارع" الغير مسيّس ، ذلك الشارع الذي لسنا بصدد وصف "عظمته" ، و لكن يهمنا تقرير حقيقة واحدة ، و هي : "إن هذا الشارع ، وحده ، الذي يمتلك ما يخسره في سوريا ، ألا و هو سوريا كلها" . حيث من المستغرب ، تماماً ، أن يتعامل مع الأزمة/الثورة ، بنفس الأسلوب الذي فرضته عليه ، كل الأطراف السابقة الذكر – دون استثناء – و المتأتي من حقيقة : أن لا أحد من تلك الأطراف ، لديه ما سيخسره في سوريا ، لذلك ما المانع من المقامرة ، و ما المانع بالتالي ، من حسم كل صراعاتهم – (جميعاً) – على الأرض السورية ، و على حساب الدم السوري ، الذي يبدو أنه لا يعني لأحد شيء ذو قيمة .
ما الذي يمكن أن يقال بعد كل الذي قد قيل ؛ اجتمعت و تضافرت ، ضد "الشارع" السوري ، رغبة "مرضية" لدولة/إدارة مهزومة ، تحلم بماضيها القيصري (روسيا) ، و حلم "طائفي/قومي" إيراني يكاد نجمه أن يأفل ، إضافةً إلى "رعب" خليجي من وصول الربيع العربي إليه ، و بقايا "أحزاب" فشلت في الماضي – ( ليس على صعيد الوصول إلى الحكم فقط ، إنما ، و هذا هو الأهم ، على صعيد خلق بدائل يرتكز عليها مشروع الدولة "الحديثة ) ، و ليس لها وجود حقيقي على الأرض – و هي بالتالي ، مستمرة في "الفشل" ، كل هذا يلتقي مع إجرام نظام لا مثيل له ( لا في التاريخ و لا في الجغرافيا ) ، و كلهم يخوض حربه التي ليس لديه ما يخسره فيها . إنهم يقامرون جميعاً ، حتى آخر سوري .
يبقى أخيراً أن نقول : إن مبدأ "المقامرة" ، و التعاطي السياسي مع الأمور على أساس ( إما كل شيء أو لا شيء ) ، يجعل "الفوز" – إن كان هناك من فائز – مستحيلاً إلا لطرف واحد دون غيره ، إذ أن ( الكل شيء ) غير قابلة للقسمة إلا على "واحد" – ( و هذا ما يفسر اقتتال المعارضة دون هوادة ، فيما بينها ، حتى قبل سقوط النظام ) – و بالتالي ، يؤسس "لاستبداد" بديل ، و بذا تكون الثورة السورية ، عدواً لنفسها و لأهدافها التي قامت من أجلها . هل هناك كارثة أكبر من ذلك ، أم هل هناك بؤس بعد هذا .
#قصي_مسلط_الهويدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا و مستويات الصراع السياسي
المزيد.....
-
فلسطينيو 48 في مواجهة العاصفة من جديد
-
كيف تدهورت أحوال الخطوط الجوية الليبية لتعمل بطائرتين فقط؟
-
الخارجية الإيرانية: محادثات نووية مع قوى أوروبية هذا الأسبوع
...
-
زيارة باراك إلى لبنان.. إنذار أميركي أخير أم مناورة تفاوضية؟
...
-
الترويكا الأوروبية وإيران.. مفاوضات على وقع طبول التصعيد
-
الرئيس التركي يؤكد تمسك أنقرة بحل الدولتين في قبرص وإنهاء عز
...
-
حافلات إجلاء تدخل السويداء وجهود لاستدامة وقف إطلاق النار
-
الرئاسة السورية تتسلم تقرير لجنة التحقيق في أحداث عنف الساحل
...
-
إيران تجري محادثات نووية مع الترويكا الأوروبية
-
إسرائيل تجهز خطة بديلة لـ-المدينة الإنسانية-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|