سعد السعيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 01:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فاجأنا التيار الصدري السبت 28 تموز على لسان احد نوابه ـ النائب عدي عواد ـ بطرحه مقترح إصدار قرار لخصخصة الكهرباء ليتبعه بعد يومين ـ اي في الـ 30 من تموز ـ بالاعلان عن إقراره.
لم يعرف عن الصدريين اهتمامهم الكبير بمواضيع اساسية تهم البلد ويعاني منها المواطن وغيرها حساسة بالنسبة له كالضمان الاجتماعي والصحة والتعليم وحل مشكلة البطالة .
وخصخصة الكهرباء معناه كما هو معروف فتح الباب امام الشركات الاهلية والمستثمرين للدخول في "سوق" الكهرباء , لتوفيرها للمواطنين بدلآ من الدولة وقطاعها العام المتمثل بوزارة الكهرباء. وتوفير الكهرباء مع هؤلاء المستثمرين ليس بالبساطة التي يتصورها البعض. فهي لن تأتي رأسآ بمجرد دخول هؤلاء على الخط. فمن غير المعروف كم من الوقت سيحتاج هؤلاء للبدء بتأمين الكهرباء للمستهلكين وكيف ؟ اهو عن طريق المولدات الاهلية ام عن طريق بناء محطات كهرباء جديدة ؟ إذ ان المولدات الغازية (يعني محرك ديزل مرتبط برأس توليد كهربائي) , تحتاج الى فترة 18 ـ 24 للبناء. بينما المحطات البخارية (مرجل بخاري يرتبط برأس التوليد) , تحتاج الى فترة اطول قد تصل الى 4 سنوات كي تكتمل. ويتحاشى طبعآ انصار الاستثمار والخصخصة اثارة النقطة الاهم في هذا الموضوع الا وهو سعر الوحدة الكهربائية التي ستباع للمواطنين. إذ ان هناك خطوط ذهبية وفضية على ما يبدو لاستغلالهم حسب نوعية الخدمة وثمنها وهي ترهق المواطنين. وهذا ما يلاحظ مما وصلنا من شذرات الاخبار في البلدان التي دخلت ميدان الخصخصة كالامارات واقليم كردستان العراق. (قرأت لاحد الكتاب بان سعر الوحدة الكهربائية للخط الذهبي ـ التي هي إحدى ابتكارات الخصخصة ـ والذي يستمر لمدة 24 ساعة تشغيل يعادل ثلاث اضعاف سعر الوحدة الكهربائية للمولدات الاهلية!!)
وافكار الخصخصة هذه هي من بنات افكار المركز الرأسمالي العالمي المتقدم الولايات المتحدة. فهذه تبغي خلق طبقات من الاثرياء الموالين لسياساتها في البلدان التي تقع تحت نفوذها. وتحرص طبعآ على وضعهم في اعلى سلطات القرار الحكومي والتشريعي بشكل مجاميع ضغط (او لوبي) , لضمان سيطرتها عليها
فهل اصبح التيار الصدري تيارا امريكيآ او تابعآ للامريكان يا ترى ليقوم اعضاؤه بقيادة فريق مؤيدي الخصخصة في البرلمان العراقي لطرح برامج هؤلاء للتشريع مع معرفته المسبقة بتأثيراتها السلبية على المواطنين واستقلال البلد , ومعارضة جزء كبير من العراقيين لمثل هذه التوجهات ؟
ويحتار المرء عند محاولة فهم ما جرى في مجلس النواب حول ظروف التصويت على هذا القرار نظرآ لتعمد غالبية اعضائه التشويش على الرأي العام في كل المواضيع الحساسة. ويلاحظ بان نوابنا قد اختاروا فترة انشغال الرأي العام العراقي باحداث سوريا وبمرور البلد بازمات سياسية لتمرير القانون بصمت وعجالة بدون إعلام ناخبيهم. لكن حتى مع هذه الاحداث والتشويش المتعمد وبالانتباه الى شذرات الاخبار وتصريحات هذا وذاك , نستطيع ان نميز بين نوعين من النواب ـ اولئك الذين لهم مصلحة باقرار الخصخصة ....وآخرين ممن يعارضونها. وقد كنت قد بدأت منذ زمن بمحاولة تمييز رؤوس اللوبي المؤيد للاستثمار والخصخصة هؤلاء في مجلس النواب. واظن اني ـ ومن خلال المتابعة الاعلامية ـ تمكنت من كشف جزءآ منهم ممن يجلس في لجنة النفط والطاقة النيابية بداية. وهي اللجنة المسؤولة عن تهيئة قانون الخصخصة هذا ودفعه للتصويت والضغط لكي يصبح واقعآ. لذلك سنبدأ بهؤلاء حتى كشف الباقين مستقبلآ في مجلس النواب
تعريف عمل لجنة النفط والطاقة النيابية
عملها هو مراقبة عمل قطاعات النفط والكهرباء كالوزارات والبنية التحتية والتأكد من سير عملها وتقدم مشاريعها ووصول خدماتها وكفايتها للمواطنين. وكذلك ـ وهذا هو الاهم ـ اقتراح القوانين والتوصيات التي من شأنها تطوير وتحسين عمل تلك القطاعات بعد طرحها على الشعب ومناقشتها في مجلس النواب.
عدد اعضاء لجنة النفط والطاقة هو 17 عضوآ من جميع الكتل السياسية تقريبآ. وقد قمت بتحديد توجهات بعضهم تجاه الخصخصة بناء على تصريحاتهم التي اطلقوها في الاعلام وعلى تصريحات زملائهم من نفس اللجنة.
1ـ النائب عدنان الجنابي ـ القائمة العراقية
رئيس اللجنة ومن مؤيدي الاستثمار بقوة. وهو شخص ليس من مدمني الظهور اليومي في الاعلام. وقد ظهر في يوم التصويت على القرار بعد انتهاء التصويت وهو يطلق تهنئة حارة باسم لجنته مبديآ اسفه على "تأخر" ظهوره.
2 ـ النائب فرهاد الاتروشي ـ التحالف الكردستاني
النائب الاتروشي ليس بالشخص المجهول. فهو اشهر من نار على علم. وهو ينتمي الى الكتلة الكردية التي هي كما هو معروف كتلة امريكية بامتياز.
يبدو انهم وجدوا المكان الامثل للدفع باتجاه الخصخصة في لجنة النفط والطاقة. ففي احد تصريحاته لشهر تموز حول منح صلاحيات الاستثمار في الكهرباء لمجالس المحافظات , حاول الاتروشي إلقاء اللائمة على الحكومة الاتحادية كونها عارضت هذا التوجه. والفكرة التي كان يريد تمريرها هو ان الحكومة الاتحادية ينخرها الفساد وكنتيجة لهذا لا تريد حل المشكلة. والحل بنظر الاتروشي هو طبعآ صلاحيات الاستثمار. وليس معروفآ بالطبع كيف سيحل الاستثمار مشكلة الفساد كون مجالس المحافظات هي جزء من الدولة الاتحادية وتعاني هي ايضآ من الفساد !!!
3 ـ النائبة سوزان السعد ـ كتلة الفضيلة
في مجال نقل ملكية القطاع العام الى الخاص اي الى الشركات والمستثمرين , ظهرت هذه النائبة (عن محافظة البصرة) في شهر تموز بشكل استثنائي وهي من اشد المدافعات عن الخصخصة. ففي وسط معمعة تحضير الرأي العام للاخيرة , اعلنت بان العراق سيلجأ الى تطبيق خطة اقليم كردستان في خصخصة الكهرباء. لم تعلمنا كيف وقع الخيار على خطة الاقليم ولا فيما إذا جرت مناقشته في البرلمان. وهذه هي إحدى خبايا نظامنا الديمقراطي : مناقشة الامور التي تهم الناس في الظلام وعدم طرحها للشعب , ولا يعطى للناس لاحقآ إلا النتائج. فلا يحق للمواطنين فهم ما جرى. وقد اوضحنا آنفآ وضع الكهرباء في كردستان. وهي معلومات لم تتبرع النائبة السعد في إعلامنا بها. بل حصلنا عليها من بحثنا المستمر. فكتمان الحقائق المزعجة هي من شيم كل الساعين الى قوانين بالضد من مصالح الناس. ولم تشذ نائبتنا هذه عن هذه القاعدة. كذلك تكتمت السعد على الحقيقة الاخرى وهي ان خطة كردستان لم تحل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي بحيث يضطر الناس هناك للعودة مرة اخرى نحو اصحاب المولدات الاهلية. ويبدو لنا ان المواطنين الاكراد وقعوا بين فكي جشع موفري كهرباء الخط الذهبي والمولدات الاهلية. وهذا طبعآ يخالف ادعاء مؤيدي الاستثمار والخصخصة من ان الاخيرين سيحلون مشاكل انقطاع التيار.
وتتفق النائبة السعد مع باقي اعضاء لجنة الطاقة بفكرة توزيع صلاحيات الاستثمار على المحافظات مع علمها المسبق بان الاخيرة لا تملك الكادر الفني لادارة المحطات ولا الخبرة في التعامل مع الشركات الاجنبية. فهذه كلها موجودة لدى وزارة الكهرباء.
4 ـ النائب فرات الشرع ـ كتلة المواطن
كزميله النائب عدنان الجنابي وباقي شلة اللجنة فهو من المتحمسين بشدة لتسليم قطاع الكهرباء باكمله الى شركات الاستثمار. والنائب الشرع لمن لا يعرفه هو ليس فقط من انصار خصخصة الكهرباء فقط , إنما ايضآ خصخصة باقي خدمات الدولة. فهو من انصار خصخصة المصافي والنفط والموانيء والتوزيع والتكرير... الخ.
لم يشذ النائب الشرع عن زملائه في تصريحات شهر تموز. بل لعله كان اكثرهم وضوحآ.
عدا هذه الرؤوس المعروفة إعلاميآ في مجال الاستثمار في لجنة النفط والطاقة النيابية , فباقي النواب في هذه اللجنة هم جميعآ من المؤيدين للخصخصة بدون استثناء وبجميع النقاط المذكورة آنفآ. نذكر منهم النائب مطشر حسين السامرائي وخليل زيدان خلف ـ كليهما من العراقية , بهاء هادي جمال ـ التيار الصدري , حسن وهب علي ـ شهيد المحراب , عواد العوادي ـ الاحرار , فاطمة سلمان الزركاني ـ ائتلاف دولة القانون
ومن خارج لجنة الطاقة , تم "رصد" بضعة رؤوس اخرى من المؤيدين الاقحاح للخصخصة من خلال تصريحاتهم الي ادلوا بها للاعلام في شهر تموز وللتعتيم على الرأي العام بالنسبة للحقائق المزعجة بنفس الوقت.. نذكر منهم
باقر جبر صولاغ ـ كتلة المواطن , اسامة النجيفي رئيس مجلس النواب , شيروان الوائلي ـ ائتلاف دولة القانون , بهاء الاعرجي ـ التيار الصدري , واحمد الجلبي ـ التحالف الوطني.
في الجهة المقابلة , وجدنا بضعة نواب شجعان لا يتجاوز عددهم حتى الآن اصابع اليد ممن تحدث في الإعلام , وقفوا بشجاعة ضد إسهال تصريحات الاستثمار البرلماني. هؤلاء النواب قالوا كلمتهم بشكل مباشر بلا مواربة. قالوا بان اتجاه الخصخصة هذا لن يحل مشاكل البلد
إذ فور خروج خبر التصويت الى العلن , صرح النائب عن العراقية عزيز العكيلي , أن الدعوة لخصخصة الكهرباء هي مناورة تهدف الى خداع الشعب. واوضح انه لابد من القضاء على الفساد المستشري في مفاصل الوزارة لانهاء ازمة الكهرباء.
كذلك دعا النائب عزيز شريف المياحي عن الكتلة البيضاء الحكومة بعد التصويت على قرار الخصخصة , بعدم تطبيقه قائلآ " هذا القرار يعتبر استهدافا للمواطن البسيط وليس من اجل خدمته مثلما يحاول تصويره من تبنى القرار بصيغته الحالية حيث ان هذا القرار سيزيد من معاناة المواطن من خلال رفع اجور الكهرباء وزيادة العبء على المواطن البسيط اضافة الى ان ذلك سيكون منفذا جديدا للفساد باستحداث هيئة جديدة للكهرباء ". وتابع المياحي ان" تجربة الخصخصة قد اثبتت فشلها في دول عديدة ومنها متطورة كالمملكة المتحدة والتي ظهرت فيها سلبيات كثيرة واهمها وقوع تلك الدول تحت رحمة المستثمرين الذين يرفعون الاسعار او يوقفون المحطات في اي وقت لاستخدامها كاوراق ضغط في حال رغبتهم تغيير عقود الاستثمار مع الدولة ".
كذلك انتقدت النائبة اسماء الموسوي ادخال الاستثمار الى قطاع الكهرباء موضحة بانه يثير شبهات كون التجربة الحالية في اقليم كردستان بتوفير طاقة كهربائية تشبه الخط الذهبي الذي يكلف المواطنين اموالا كثيرة... ويخدم الأغنياء فقط.
ختامآ , نبدي دهشتنا من موقف وزير الكهرباء عبد الكريم عفتان من هذا الموضوع. فهو وإن لم يشترك في المداولات البرلمانية إلا ان موقفه خلال جلسة استضافته (محضر الجلسة رقـم ( 40 ) بتاريخ الاثنين (7/5/2012) ـ موقع مجلس النواب) يثير الذهول والامتعاض. فلكي يساهم "بحلحلة" مشكلة طول فترة بناء المحطات من قبل المستثمرين المحتملين , يقدم حلآ اقل ما يقال عنه انه خطير ويمثل استهتارآ بالمواطن وبالمال العام ويؤشر لحالة فساد واضحة. فهو يقترح عرض محطات الكهرباء التي يجري بناؤها الآن , باموال العراقيين طبعآ (اي بالمال العام) وتوفير الوقود مجانآ , للاستثمار عند استكمال بناؤها !!! اي انها ستمنح للمستثمر لادارتها واستحصال ارباحها. ولحل مشكلة غلاء تسعيرة الوحدة الكهربائية , استبق الوزير الاسئلة واقترح ان تقدم الدولة الدعم المالي اللازم (اي بالمال العام مرة اخرى) لابقاء سعر الامبير يحدود إمكانيات المواطن. هذا يعني استخدام المال العام لخدمة القطاع الخاص بدلآ من خدمة المواطن. وتجربة اقليم كردستان توضح انه مع وجود مستويات ذهبية وغير ذهيية في الخدمة , لا يمكن اخذ كلام الوزيرعلى محمل الجد.
ويلاحظ القراء معي بان مسألة استخدام المال العام لدعم الاستثمار والخصخصة تعبر عن سياسة متقصدة منظمة لخلق طبقات الاثرياء. وليست هي الحل الذي يجري تصويره او محاولة تمريره على انه الاجراء الذي سيحل مشكلة الكهرباء المزمنة. فخلق هذه الطبقات هو هدف امريكي. والمال العام ليس مالآ سائبآ هدفه تنمية مصالح فئة صغيرة على حساب الشعب. بل هدفه خدمة الشعب في مجالات حياته كالصحة والتعليم والعمل وحل مشكلة البطالة والضمان الاجتماعي. اما المستثمرين , فعليهم استخدام اموالهم الخاصة لتنمية مصالحهم , لا التعدي على اموال البلد.
إلا انه يبدو ان اعضاء لجنة النفط والطاقة قد قبلوا على انفسهم التحول لخدمة الاهداف الامريكية. ولهذا السبب يجب الانتباه الى تنظيف اللجنة منهم في الانتخابات القادمة.
#سعد_السعيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
